الرابع : عدم قصده ولو في الأثناء الإقامة عشرة قبل بلوغ المسافة أو المرور على الوطن 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4654


ــ[89]ــ

   الرابع : أن لا يكون من قصده في أوّل السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيام قبل بلوغ الثمانية ، وأن لا يكون من قصده المرور على وطنه كذلك (1) وإلاّ أتمّ ، لأنّ الإقامة قاطعة لحكم السفر ، والوصول إلى الوطن قاطع لنفسه فلو كان من قصده ذلك من حين الشروع أو بعده لم يكن قاصداً للمسافة وكذا يتمّ لو كان متردّداً في نيّة الإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية نعم لو لم يكن ذلك من قصده ولا متردّداً فيه إلاّ أ نّه يحتمل عروض مقتض لذلك في الأثناء لم يناف عزمه على المسافة ((1)) فيقصر، نظير ما إذا  كان عازماً على المسافة إلاّ أ نّه لو عرض في الأثناء مانع من لصّ أو عدوّ أو مرض أو نحو ذلك يرجع ، ويحتمل عروض ذلك ، فانّه لا يضرّ بعزمه وقصده .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا المرور على الوطن فلا إشكال في كونه قاطعاً للسفر ، وخروجه بذلك عن عنوان المسافر ، وكذا لو كان متردّداً فيه ، لعدم قصد المسافة المتصلة . وقد دلّت موثّقة عمّار على أ نّه لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله ثمانية فراسخ(2) ، فالاعتبار بالابتعاد من المنزل، وهو مبدأ المسافة، فالمرور عليه يقطعه بطبيعة الحال، ويكون الخروج منه مبدءاً لمسافة جديدة ، مضافاً إلى ما سنذكره في غير الوطن .

   وأمّا قصد الإقامة في الأثناء فلا شكّ في قادحيته في قصد المسافة ولزوم التمام معه ، وإنّما الكلام بين الأعلام في أ نّه هل يكون قاطعاً للحكم مع بقاء الموضـوع كي يكون تخصيـصاً في أدلّة التقصير على المسـافر ، أو أ نّه قاطع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل ينافيه إذا كان الاحتمال عقلائياً ، كما هو الحال في نظيره .

(2) المتقدمة في ص 73 .

ــ[90]ــ

للموضوع ومخرج للمقيم عن عنوان المسافر ويدخله في الحاضر ؟

   فقد ذهب جماعة إلى الثاني وأنّ الإقامة في الأثناء تخرج المسافر عن كونه مسافراً شرعاً ، وإن صدق عليه أ نّه مسافر عرفاً ، فكان ذلك تصرفاً شرعياً في موضوع السفر، وإذا لم يكن المقيم مسافراً كان حاضراً بطبيعة الحال، ولأجله يجب عليه التمام من باب التخصّص لا التخصيص .

   ولكنّه بعيد عن الصواب ، إذ لم يظهر من شيء من الأدلّة تنزيل المقيم منزلة الحاضر ليكون من قبيل التصرّف في الموضوع نظير قوله: الفقاع خمر، بل الظاهر منها أ نّه مع وصف كونه مسافراً محكوم بالتمام ، كما في المتردِّد بعد الثلاثين ، وكما في سفر الصّيد أو المعصية ونحوهما، فانّ الكلّ محكوم بالتمام تخصيصاً لا تخصصاً كما هو ظاهر .

   نعم ، في خصوص المقيم بمكّة وردت رواية واحدة صحيحة دلّت على أ نّه بمنزلة أهلها ، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة ، وهو بمنزلة أهل مكّة ، فاذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير ، فاذا زار البيت أتمّ الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتّى ينفر» (1) .

   ولولا تذيلها بقوله (عليه السلام) : «فاذا خرج ... » إلخ لأمكن أن يقال : إنّ التنزيل من جهة إتمام الصلاة فحسب ، غير المنافي للقطع الحكمي ، لا من سائر الجهات .

   ولكن الذيل يشهد بأنّ نطاق التنزيل أوسع من ذلك ، وأنّ المراد أ نّه بمنزلة المتوطِّن ، لأ نّه بعدما حكم (عليه السلام) بالتقصير في خروجه إلى منى ـ لكونه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 464 /  أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3 .

ــ[91]ــ

في طريق عرفات ، وهي مع العود إلى مكّة مسافة تلفيقية ـ حكم (عليه السلام) بالإتمام إذا زار البيت ، وكذا في رجوعه إلى منى وهي دون المسافة .

   وهذا كلّه من شؤون المرور على الوطن ، وإلاّ فلماذا يتمّ في مكّة لدى عودته إليها مع عدم قصد الإقامة ، وهكذا في منى مع أ نّه في طريق السفر . فيكشف ذلك عن تنزيل مكّة منزلة الوطن لمن قدمها قبل التروية بعشرة أيام قاصداً الإقامة فيها ، وأ نّها قاطعة للموضوع لا للحكم .

   ولكن الصحيحة موردها ـ كما عرفت ـ خصوص مكّة ، وحينئذ فان كان هناك إجماع على خلاف مضمونها وأ نّه لا فرق بين مكّة وغيرها في أنّ من خرج عن محلّ الإقامة إلى المسافة وعاد يحتاج إلى تجديد قصدها وإلاّ بقي على التقصير ، فلا مناص حينئذ من طرح الرواية وردّ علمها إلى أهله .

   وإن لم يتم الإجماع عملنا بالرواية واقتصرنا على موردها ، أعني خصوص مكّة ، من غير أن يتعدّى إلى سائر البلدان ، لعدم الدليل ، ولا غرو فانّ لهذه البقعة المقدّسة من أجل شرافتها ورفعة شأنها أحكاماً خاصّة مثل التخيير بين القصر والتمام للمسـافر ونحو ذلك ، فليكن هذا الحكم أيضاً من هذا القبيل فيلتزم بالقطع الموضوعي والتنزيل منزلة الوطن في خصوص مكّة .

   ولكن الظاهر لزوم طرح الرواية ، لا لمجرّد الإجماع المزبور ليناقش في كونه تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم ، ولا من أجل الإعراض ليورد بعدم كونه مسقطاً للصحيح عن الاعتبار على مسلكنا ، بل من أجل ما أسميناه بالدليل الخامس .

   فانّ هذه المسألة ، أعني الإقامة بمكّة قبل يوم التروية عشرة أيام كثيرة الدوران ومحلّ للابتلاء جدّاً، ولا سيما في الأزمنة السالفة الفاقدة للمراكب السريعة المتداولة في العصر الحديث ، فكانوا يضطرّون للإقامة المزبورة طلباً للاستراحة

ــ[92]ــ

   [ 2256 ] مسألة 25 : لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه قاصداً للإقامة أو المـرور على الوطـن قبل بلوغ الثمانية لكن عدل بعد ذلك عن قصده ، أو كان متردّداً في ذلك وعدل عن ترديده إلى الجزم بعدم الأمرين (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من وعثاء السفر ، كما اُشير إليه في الأخبار (1) .

   فلو كان الحكم الذي تضمّـنته الصحيحة ثابتاً لكان شائعاً ذائعاً ومن الواضحات ، من غير أيّ خلاف فيه ، مع أ نّه لم يقل به أحد فيما نعلم ، بل لعلّ الإجمـاع على خلافه كما عرفت ، ولأجله تسقط الرواية عن درجة الاعتبـار ويرد علمها إلى أهله .

   وكيف ما كان ، فهي على تقدير الحجّية تختصّ بموردها ، والتعدّي يحتاج إلى القطع بعدم الفرق بين مكّة وغيرها ، وأنّى لنا بذلك .

   إذن فلا دليل على أنّ قصد الإقامة قاطع لموضوع السفر في غير مكّة بتاتاً بل ظاهر الأدلّة كما عرفت أ نّه قطع حكمي وتخصيص في أدلّة القصر، فهو مسافر يتمّ في محلّ الإقامة ، فإذا حكم عليه بالتمام يحتاج العود إلى القصر إلى قصد مسافة جديدة، ولا ينضمّ ما قبله إلى ما بعده، لما أشرنا إليه (2) من الضابط العام والقاعدة الكلّية المستفادة من الروايات من أنّ من حكم عليه بالتمام لا ينقلب إلى القصر ما لم يستأنف قصد المسافة الشرعية .

   (1) ممّا قدّمناه آنفاً وأوضحناه سابقاً (3) من لزوم استمرار القصد واتصال السير يظهر حال هذه المسألة والمسألة الآتية اللّتين لا فرق بينهما إلاّ من حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ لم نعثر عليه ] .

(2) في ص 82 .

(3) في ص 70 وما بعدها .

ــ[93]ــ

فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه أو مع التلفيق بضمّ الإياب قصّر وإلاّ فلا ، فلو كان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربع فراسخ وكان عازماً على العود ولو لغير يومه قصّر في الذهاب والمقصد والإياب، بل وكذا لو كان أقلّ من أربعة، بل ولو كان فرسخاً فكذلك على الأقوى من وجوب  القصر في كلّ تلفيق من الذهاب والإياب وعدم اعتبار كون الذهاب أربعة أو أزيد
كما مرّ ((1)).

   [ 2257 ] مسألة 26 : لو لم يكن من نيّته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن وقطع مقداراً من المسافة ثمّ بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية ثمّ عدل عمّا بدا له وعزم على عدم الأمرين فهل يضمّ (1) ما مضى إلى ما بقي إذا لم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حصول القصد أو التردّد من الأوّل أو في الأثناء . ولأجله كانت كلمة (أو في أثنائه) في هذه المسألة سهواً من قلمه الشريف أو قلم الناسخ .

   وكيف ما كان ، ففي كلتا المسألتين لا ينضمّ ما بعد العدول إلى ما قبله ، لفقد شرط الاستمرار كما عرفت . فالعبرة في احتساب المسافة بما بقي بعد العدول فإن كان كذلك ولو ملفّقة قصّر وإلاّ أتم ، وقد عرفت فيما سبق(2) عدم كفاية مطلق التلفيق ، بل لا بدّ وأن لا يكون كلّ من الذهاب والإياب أقل من الأربعة خلافاً للماتن (قدس سره) فلاحظ .

 (1) استشكل (قدس سره) في الضميمة ، ولكن الصحيح هو العدم كما ظهر ممّا تقدّم (3) ، فيجب البناء على التمـام ، إذ بمجرّد البداء والبناء على المرور على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد مرّ أنّ الأقوى خلافه .

(2) في ص 7 .

(3) في ص 79 وما بعدها .

ــ[94]ــ

يكن ما بقي بعد العدول عمّا بدا له مسافة ، فيقصّر إذا كان المجموع مسافة ولو بعد إسقاط ما تخلّل بين العزم الأوّل والعزم الثاني إذا كان قطع بين العزمين شيئاً ؟ إشكال ، خصوصاً في صورة التخلّل ، فلا يترك الاحتياط ((1)) بالجمع نظير ما مرّ في الشرط الثالث .
ـــــــــــــــــ

(1) الأظهر كفاية التمام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net