العدول إلى قصد الحرام في الأثناء مع عدم الاستمرار في السفر - إعادة الصلاة لو عدل إلى القصد الحرام قبل بلوغ المسافة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4485


ــ[123]ــ

   [ 2264 ] مسألة 33: إباحة السفر كما أ نّها شرط في الابتداء شرط في الاسـتدامة أيضاً(1)، فلو كان ابتداء سـفره مباحاً فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخّصه ووجب عليه الإتمام وإن كان قد قطع مسافات ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موضوعاً ، فانّ التمام قد اُنيط في لسان الروايات بسفر يكون معصية بنفسه أو بغايتـه ، بحيث إنّ مسـيره لم يكن مسير حقّ ، وشيء من ذلك لا ينطبق على الرجوع ، إذ ليس هو بذاته معصية كما هو واضح ، ولا بغايته ، فانّ مقصده العود إلى البلد والأهل .

   بل ربما تكون الغاية راجحة أو واجبة كتحصيل القوت والإنفاق على الأهل والعيال . فلا يصدق على الرجوع أ نّه مسير ليس بحقّ إلاّ أن يقصد به معصية اُخرى ، فيكون فرداً آخر لسفر المعصية محرّماً بنفسه أو بغايته .

   وعلى الجملة : وحدة السفر خارجاً وكون الإياب جزءاً من الذهاب عرفاً ـ  لو سلّمناها  ـ لا دخل لها في صدق سفر المعصية والاتصاف بهذا العنوان الذي هو المناط في تعلّق الحكم بالتمام في لسان الروايات .

   فانّ السفر الواحد يمكن أن يتبعّض حكماً لزوال العنوان واختلاف الموضوع حسبما عرفت ، فلا يصدق على الرجوع عن الصيد مثلاً أ نّه طالب للصيد ، ولا أنّ مسيره ليس بحقّ إلاّ أن يقصد به المعصية مستقلاً ، فيكون حكمه حينئذ حكم الذهاب ، لكن لا من حيث إنّه رجوع عن سفر المعصية ، بل لأجل أ نّه بنفسه سفر المعصية فلاحظ ، نعم الاحتياط بالجمع استحباباً لا بأس به ، أمّا الوجوب فلا وجه له أبداً .

   (1) لوحدة المناط في الموردين بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فتنقطع الرخصـة لو عدل إلى المعصية بقاءً ، لعدم كون مسيره وقتئذ مسير حقّ ، بل يصدق عليه أنّ

ــ[124]ــ

سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم من المسلمين ونحـو ذلك ممّا هو مذكور في صحيحة عمار بن مروان المتقدّمة (1) . وهذا ممّا لا ريب فيه ولا إشكال .

   إنّما الكلام فيما لو قطع المسافة الشرعية خارجاً بنيّة سائغة كما لو سافر إلى كربلاء سفراً مباحاً فوجب عليه القصر ، ثمّ سافر منها إلى بغداد بقصد المعصية من غير أن ينقطع السفر الثاني عن الأوّل باقامة العشرة أو المرور على الوطن وإلاّ فمع الانقطاع لا ريب في وجوب التمام في السفر الثاني ، فهل يحكم حينئذ بالقصر كما كان أوّلاً ، أو بالتمام لأ نّه سفر المعصية ؟

   الذي يظهر من الجواهر هو عدم الخلاف في الثاني ، وأ نّه يتم ، لكـونه من سفر المعصية (2) كما عرفت .

   ولكن استشكل فيه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (3) واحتمل أن يكون الحكم هو القصر ، نظراً إلى أنّ سفر المعصية بالإضافة إلى التقصير من قبيل عدم المقتضي لا المقتضي للعدم ، فغايته أ نّه لا يقتضي القصر ، لا أ نّه يقتضي التمام كما يقتضيه الحضور في الوطن كي يكون مزيلاً للقصر الثابت سابقاً بسبب آخر ، فاذا لم يكن له إلاّ عدم الاقتضاء فلا يعارض ما كان مقتضياً للقصر ولا يزاحمه بوجه .

   وعلى الجملة : متى تحقّق السفر بنيّة سائغة وقطعت المسافة فقد حكم بالقصر وهو باق ما لم ينقطع بقاطع مقتض للتمام ، وليس منه سفر المعصية ، فانّه لا يقتضيه ، كما لا يقتضي القصر أيضاً كما عرفت ، بل التمام هو مقتضى الوضع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 95 .

(2) الجواهر 14 : 260 .

(3) [  لم نعثر عليه ] .

ــ[125]ــ

الأوّل، وقد خرج عنه السفر حيث ثبت القصر، ولم ينقطع . فالواجب هو التقصير لعدم حدوث الموجب للتمام .

   وهذا التقريب وإن كان له وجه في بادي الرأي ، إلاّ أنّ دقيق النظر يقضي بخلافه ، لما هو المقرر في محلّه (1) من أنّ الحكم المتعلّق بعنوان تابع لفعلية ذلك العنوان حدوثاً وبقاءً كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية إلاّ إذا قام الدليل بالخصوص على كفاية مجرّد الحدوث في بقاء الحكم كما في الوطن الشرعي على القول به ، حيث دلّ الدليل على أنّ من سكن في مكان له فيه ملك ستّة أشهر أتمّ صلاته مهما دخله وإن أعرض عنه ، وكما في المحدود حيث لا يصلح لإمامة الجماعة ولو صار ورعاً تقياً ، فثبوت الحد آناًما يوجب سلب هذا المنصب عنه مؤبّداً .

   وحيث إنّ المفروض في المقام أنّ مطلق السفر لم يكن موضوعاً للقصر ، بل حصّة خاصّة منه ، وهو المعنون بعدم كونه سفر المعصية بمقتضى النصوص المتقدّمة (2) ، فلا بدّ وأن يكون الموضوع باقياً بقيوده ليحكم عليه بالقصر ، فلو تبدّل بعضها ولو بقاءً تغيّر الحكم حتماً .

   وبما أنّ السفر المباح الموجب للقصر لم يبق في المقام محتفظاً بقيوده ، بل تبدّل إلى سفر المعصية فلا جرم ينقلب حكمه إلى التمام ، لا لأجل أنّ سفر المعصية يقتضيه ليدّعى أ نّه لا اقتضاء فيه ، بل لأجل زوال مقتضى القصر بقاءً بارتفاع موضوعه الموجب للعود إلى التمام ، الذي هو مقتضى الوضع الأوّل كما مرّ .

   ونظير المقام ما لو قطع المسافة ثمّ اتّصف بكونه مكارياً ونحوه ممّن شغله السفر ، أو بدا له في طلب الصيد لهواً ، فانّه يحكم عليه بقاءً بوجوب التمام بلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ اُشير إلى ذلك في موارد منها ما في مصباح الاُصول 2 : 46 وما بعدها ] .

(2) في ص 95 وما بعدها .

ــ[126]ــ

ولو لم يقطع بقدر المسافة صحّ ما صلاه قصراً (1) فهو كما لو عدل عن السفر وقد صلّى قبل عدوله قصراً حيث ذكرنا سابقاً أ نّه لا يجب إعادتها ((1)) ، وأمّا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلام ، لانتفاء الموضوع الأوّل وانقلابه بموضوع آخر .

   فما ذكره الشيخ الأنصاري (قدس سره) لا يتم ، ولا يمكن المساعدة عليه بوجه ، بل الصحيح ما ذكره المشهور من الانقلاب من القصر إلى التمام حسبما عرفت .

   بقي شيء :  وهو أ نّه لو عدل عن قصده السائغ إلى الحرام فهل ينقلب الحكم إلى التمام بمجرّد العدول المزبور ، أو لا بدّ معه من الحركة والسفر خارجاً ؟

   الظاهر هو الثاني ، إذ المستفاد من النصوص أنّ المحكوم بالتمام الذي يرتفع معه موضوع القصر هو من يكون سفره معصية أو غاية لمعصية ، لا مجرّد قصد المعصية ونيتها ولو لم يتلبّس بالسفر خارجاً ، والمفروض أنّ هذا المسافر بعدُ لم يسافر للمعصية ، بل هو قاصد لارتكاب المعصية ، وعليه فما دام في محلّه يجب عليه التقصير ، فاذا شرع في السفر أتمّ ، فلاحظ .

   (1) كما لو عدل بعدما جاوز حدّ الترخّص وصلّى قصراً عن نيّة السفر المباح إلى الحرام ، وقد ألحقه (قدس سره) بما لو عدل عن أصل السفر وقد صلّى قبل العدول قصراً ، حيث سبق منه (قدس سره) (2) أ نّه لا تجب إعادتها .

   ولكنّ الظاهر وجوب الإعادة في الموردين معاً ، فلا يتمّ الحكم لا في المقيس ولا في المقيس عليه كما مرّت الإشارة إليه (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد تقدّم الإشكال فيه .

(2) في المسألة [ 2255 ] .

(3) في ص 84 وما بعدها .

ــ[127]ــ

   فانّ الحكم بالصحّة إن كان مستنداً إلى دعوى كفاية مجرّد القصد في تحقّق القصر من غير حاجة إلى واقع المسافة كما هو الحال في الإقامة ، حيث إنّ الموجب للانقلاب من القصر إلى التمام مجرّد قصدها حتّى واقعاً ، ولا حاجة إلى إقامة عشرة أيام خارجاً ، بحيث لو بدا له فعدل أو مات فلم يقم عشرة صحّ ما أتى به حتّى في الواقع ونفس الأمر .

   ففيه :  أنّ هذا خلاف ظواهر نصوص المسافة جزماً ، فانّها برمّتها تدلّ على التحديد بنفس المسافة ، وأ نّه لا يقصّر إلاّ في بريدين أو بريد ذاهباً وبريد جائياً  (1) ، فالموضوع هو نفس البريدين لا قصدهما ، فلا يقاس المقام بقصد الإقامة الذي قام النصّ الخاصّ بكفاية مجرّد القصد في ذلك الباب .

   نعم ، استفدنا من قوله (عليه السلام) في موثقة عمّار المتقدّمة : «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» (2) لزوم القصد أيضاً من الأوّل، فكان كلّ من القصد وثمانية فراسخ جزء الموضوع وكلاهما تمام الموضوع وأمّا الاكتفاء بالقصد المجرّد من غير ضمّ المسافة كما كان كذلك في باب الإقامة فتأباه نصوص المقام جدّاً كما عرفت .

   وإن كان مستنداً إلى صحيحة زرارة المتضمّنة لعدم الإعادة في من صلّى قصراً قبل العدول ، التي تقدّمت سابقاً (3) .

   ففيه :  مضافاً إلى معارضتها بصحيحة أبي ولاد فلا يتم الحكم في المقيس عليه كما تقدّم في
محلّه(4)، أ نّه لو سلّم فالحكم مخصوص بمورده ، وهو العدول عن أصل السفر ، فلا وجه للتعدِّي عنه إلى المقام أعني العدول عن المباح إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد تقدّم بعضها في ص 4 ـ 5 .

(2) الوسائل 8 : 469 /  أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 .

(3) ، (4) في ص 51 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net