قاطعية الإقامة لحكم السفر وإن كانت محرّمة - هل تجب الإقامة إذا كان عليه صوم واجب معيّن غير رمضان 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4117


ــ[314]ــ

   [ 2328 ] مسألة 27 : لا فرق في إيجاب الإقامة لقطع حكم السفر وإتمام الصلاة بين أن تكون محلّلة أو محرّمة (1) كما إذا قصد الإقامة لغاية محرّمة من قتل مؤمن أو سرقة ماله ، أو نحو ذلك كما إذا نهاه عنها والده أو سيّده أو لم يرض بها زوجها .

   [ 2329 ] مسألة 28 : إذا كان عليه صـوم واجب معيّن غير رمضـان كالنذر أو الاستئجار أو نحوهما وجب عليه الإقامة ((1)) مع الإمكان (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما نبّه عليه (دام ظلّه) في تعليقته الأنيقة وإن لم يتعرّض له في الدرس ، ووجهه ظاهر فلاحظ .

   (1) لإطلاق الأدلّة ، فانّ التقييد بالمحلّل إنّما ورد في السفر المحكوم بالقصر كما مرّ (2) ، وأمّا الإقامة القاطعة لحكم السفر فلم يرد فيها مثل هذا التقييد ، والمرجع الإطلاق .

   على أنّ الفارق موجود، فانّ القصر مبنيّ على التخفيف ، غير  المناسب لمرتكب الحرام ، بخلاف الإتمام فانّه لو ثبت في حقّ المقيم حلالاً ففي المقيم حراماً بطريق أولى، فانّ الحرمة لو لم تكن مقتضية للتشديد فلا ريب أ نّها لا تقتضي التخفيف . وكيف ما كان ، فحكم المسألة ظاهر، وإنّما هو مجرّد تنبيه من الماتن ونعم التنبيه .

   (2) فصّل (قدس سره) بين الصوم الواجب المعيّن من رمضان ، وبين غيره ممّا وجب لنذر أو استئجار أو شرط في ضمن عقد ونحو ذلك في أ نّه لو صادف السفر وجب قصد الإقامة في الثاني دون الأوّل ، نظراً إلى أنّ الحضور شرط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا فيما إذا كان وجوب الصوم في يوم معيّن بالاستئجار ، وأمّا إذا كان بالنذر فيجوز السفر فيه ولا يجب الإقامة عليه .

(2) في ص 94  وما بعدها .

ــ[315]ــ

للوجوب في رمضان على ما يقتضيه ظاهر قوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (1) وغيره من النصوص(2)، وإن وجب القضاء بنصّ خاص ، ولا تنافي بين الأمرين كما لا يخفى. ومن المعلوم عدم لزوم التصدِّي لتحصيل شرط الوجوب .

   وأمّا في النذر ونحوه فالوجوب مطلق إلاّ إذا قيّده الناذر بالحضور، فانّ النذور تتبع القصود من حيث الإطلاق والتقييد والسعة والضيق ، لعدم كون الوجوب في موردها حقاً إلهياً ابتدائياً ، بل هو تابع لكيفية قصد الناذر .

   فإذا  كان مطلقاً من حيث الحضر والسفر ، أي نذر طبيعي الصوم في اليوم المعـيّن لا مشروطاً بكونه حاضراً ـ كما هو المفروض في محلّ الكـلام ـ كان الوجوب أيضاً مطلقاً لا محالة ، غاية الأمر أنّ الواجب مقيّد بالحضر ، باعتبار ما دلّ على عدم صحّة الصوم في السفر ، فهو شرط لوجود الواجب وصحّته لا لوجوبه ، ولأجل ذلك وجبت عليه الإقامة لو صادف السفر ، تحقيقاً لشرط الواجب اللازم تحصيله بحكم العقل بعد فرض إطلاق الوجوب .

   وعلى الجملـة : بما أنّ النذر وشبهه قد تعلّق بمطلق الصـوم غير مشروط بالحضر وهو اختـياري ، فلا جرم يجب الوفـاء به مطلقاً ، وحيث إنّ صحّته متوقّفة على الإقـامة وهي مقدورة فلا مناص من قصدها ، لوجوب تحصـيل المقدمة ولو عقلاً ، تحقيقاً لامتثال الواجب الفعلي على وجهه .

   وهذا الذي ذكره (قدس سره) هو مقتضى القاعدة الأوّلية حسبما بيّناه ، الاّ أنّ هناك روايات خاصّة دلّت على عدم وجوب الإقـامة حتّى في النذر ، بل جواز السفر اختياراً  كما في رمضان ، ويقضي المنذور بعد ذلك ، ومرجعها إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 185 .

(2) الوسائل 10 : 176 /  أبواب من يصحّ منه الصوم ب 1 ح 8  وغيره .

ــ[316]ــ

التخصيص في دليل وجوب الوفاء بالنذر، وبذلك نرفع اليد عن مقتضى القاعدة .

   وهذه الروايات قد عقد لها صاحب الوسـائل باباً في كتاب الصوم ، وهو الباب العاشر من أبواب من يصحّ منه الصـوم ، وذكر جملة منها فيه كرواية عبدالله بن جندب : «عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم فمضى فيه فحضرته نيّة في زيارة أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يخرج ولا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك» (1) .

   وأغلب ما ذكر في هذا الباب وإن كانت معتبرة عندنا إلاّ أنّ العمدة في المقام روايتان أوردهما في كتاب النذر .

   إحداهما : صحيحة علي بن مهزيار قال : «كتبت إليه ـ  يعني إلى أبي الحسن  ـ (عليه السلام) : ياسـيِّدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعـة دائماً ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق ، أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ، وكيف يصنع يا سيّدي ؟ فكتب إليه : قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله ... » إلخ (2) . دلّت بوضوح على عدم وجوب الإقامة ، بل جواز إحداث السفر ابتداءً فإذا جاز حدوثاً جاز بقاءً بطريق أولى . فلا يجب الوفاء بالنذر في هذه الصورة .

   ثانيتهما :  التي هي أوضح دلالة صحيحة زرارة قال : «إنّ اُمّي كانت جعلت عليها نذراً نذرت لله في بعض ولدها في شيء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه عليها ، فخرجت معنا إلى مكّة فأشكل علينا صيامها في السفر، فلم ندر تصوم أو تفطر، فسألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال : لا تصوم في السفر ، إنّ الله قد وضع عنها حقّه في السفر وتصوم هي ما جعلت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 197 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5 .

(2) الوسائل 23 : 310 /  أبواب النذر والعهد ب 10 ح 1 .

ــ[317]ــ

على نفسها ... » إلخ (1) .

   دلّت على أنّ حقّ الله موضوع في السفر ، فكيف بالحقّ الذي جعلته هي على نفسها لأجل النذر، فانّه أولى بالوضع والسقوط . فيستفاد منها أنّ الصوم المجعول من قبل الشخص نفسه بنذر وشبهه من عهد أو يمين ـ وإن كان مورد النصّ هو الأوّل  ـ  مشروط وجوبه بالحضر، فتجوز المسافرة ولا تجب الإقامة كما في صوم رمضان المجعول من قبل الله تعالى ابتداءً ، من غير فرق بينهما . فلا يجب الوفاء بما أوجبه على نفسه في خصوص هذا المورد ، بل يسافر ويقضي كما في صحيح ابن مهزيار .

   وهل يلحق بالنذر وشبهه ممّا أوجبه على نفسه الصوم الذي هو متعلّق لحقّ الغير ومملوك له كما في الاستئجار والشرط في ضمن العقد ونحوهما ؟ الظاهر عدم الإلحاق ، لعدم الدليل على التعدّي عن مورد النصّ إلى ما كان متضمّناً لحقّ الغير ، بحيث يرتكب التخصيص في دليل وجوب تسليم الملك إلى صاحبه أعني الصوم المعيّن الذي ملكه المستأجر على ذمة الأجير .

   كما لا وجه للالتزام ببطلان الإجارة بعد وقوعها صحيحة جامعة للشرائط فانّ كلّ ذلك ممّا لا يمكن المصـير إليه ، لما عرفت من اختصاص مورد النصّ الموجب لرفع اليد عن مقتضى القواعد الأوّلية بالنذر ، وألحقنا به ما يشاركه في كونه ممّا أوجبه على نفسه خالياً عن تعلّق حقّ الغير كالعهد واليمين ، وأمّا ما كان مشتملاً على حقّ الناس كالإيجار ونحوه فهو غير مشمول لهذه النصوص بوجه ، بل يكون باقياً تحت الإطلاق بعد سلامته عما يصلح للتقييد .

   وعليه فلا يجوز السفر للأجير ونحوه ، ولو كان مسافراً وجبت عليه الإقامة مقدّمة لتسليم المال إلى صاحبه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 23 : 313 /  أبواب النذر والعهد ب 13 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net