المبحث الثالث : التعصيب والعول 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في الأرث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 8013


ــ[14]ــ

المبحث الثالث : التعصيب والعول

إذا تعدّد الوارث ، فامّا أن يكون أ ـ إرث كلّ واحد منهم بالقرابة دون الفرض . ب ـ أو بعضهم بالقرابة وبعضهم بالفرض جـ ـ أو كلّ واحد منهم بالفرض دون القرابة .

أ ـ فإن ورث كلّ واحد منهم بالقرابة فلا إشكال ، كما لو خلّف الميّت ولداً وبنتاً واحدة أو أكثر ، فالمال بينهم ، للذكر مثل حظّ الاُنثيين.

ب ـ وإن ورث بعضهم بالفرض والآخر بالقرابة ، أخذ صاحب الفرض فرضه ، وقسّم الباقي بين غيره على ما ذكره الله تعالى في كتابه.

فلو خلّف الميّت أبويه وولداً ، أو أبويه وولداً وبنتاً ، أو أبويه وأولاداً وبناتاً أخذ كل واحد من الأبوين سدس التركة ، وقسّم الباقي بين الأولاد للذكر مثل حظّ الاُنثيين ، أو انفرد به الولد الذكر . ولا إشكال في ذلك أيضاً .

جـ ـ وإن ورث الجميع بالفرض ففيه أقسام ثلاثة :

الأوّل : أن تكون الفريضة مساوية للتركة ، كما لو ترك الميّت أبوين وبنتين فلكل من الأبوين سدس ، وللبنتين ثلثان . ولا إشكال في ذلك أيضاً .

الثاني : أن تزيد التركة على الفروض ، كما لو ترك بنتاً واحدة وأبوين فللبنت النصف ، وللأبوين السدسان ، ويزيد سدس لم يذكر له وارث في الآية المباركة .

وكذا لو ترك بنتين وأباً فقط ، أو بنتين واُمّاً فقط ، فيبقى سدس أيضاً لم يذكر له وارث ، فلمن يكون هذا السدس ؟

ــ[15]ــ

المتسالم عليه بين فقهائنا تبعاً لما ورد عن أئمّتنا (عليهم السلام) أن تردّ الزيادة على الورثة بنسبة حصصهم ، فلو كان الوارث بنتاً وأبوين قسّم السدس الزائد أخماساً ، ثلاثة منه للبنت ، والباقي للأبوين . وإذا كان الوارث بنتين وأباً قسّم السدس الزائد أخماساً أيضاً ، أربعة منه للبنتين والخامس للأب ، وإن كان الوارث بنتاً وأحد الأبوين قسّم الثلث الباقي أرباعاً ، ثلاثة منه للبنت والرابع لأحد الأبوين . فحكم الباقي حكم الأصل ، ولا تصل النوبة للعصبة .

وخالفنا في ذلك العامّة(1) فقالوا إنّ الباقي يعطى للعصبة ، وهم الذكور المنتسبون إلى الميّت بلا واسطة كالأخ ، أو مع الواسطة كالعم أو ابن العم أو ابن الأخ . وقد يورّثون الإناث في بعض الفروض ، على ما هو المذكور في كلامهم ، من دون أن يردّوا شيئاً من ذلك إلى الورثة الأصليين(2).

والصحيح ما ذكره فقهاؤنا ، لعدّة وجوه :

الوجه الأول : كون التقسيم في ظاهر الآيات المباركة تقسيماً بالنسبة ، لا تقسيماً على الإطلاق ، على ما تقدّم توضيحه(3) في ردّ الإشكال الوارد على حصّة البنت الواحدة ، وقلنا إنّه لا يتصوّر على هذا في الخارج مورد تكون فيه زيادة على التركة كي يبحث عنه . فما ورد من أنّ في فم العصبة التراب(4) هو الموافق لظاهر الآيات المباركة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغنى لابن قدامة 7 : 7 ، 9 . الشرح الكبير 7 : 53 . المجموع 16 : 81 ، 97 . حلية العلماء 6 : 296 .
(2) [في موارد منها : ما لو خلّف الميت بنتين واُخت لأب واُمّ . راجع المغني لابن قدامة 7 : 7 ، 9 ، الشرح الكبير 7 : 53 ، حلية العلماء 6 : 283] .
(3) في ص 8 ـ 9 .
(4) الوسائل 26 : 85 / أبواب موجبات الإرث ب8 ح1 ، وفيه : « والعصبة في فيه التراب » .

ــ[16]ــ

الوجه الثاني : مع الإغماض عن الجواب الأول ، وفرض ظهور الآيات المباركة في التقسيم على الإطلاق ـ لا التقسيم بالنسبة ـ فتتصوّر الزيادة حينئذ كزيادة السدس في مثال البنت والأبوين ، أو البنتين وأحد الأبوين ، أو البنت الواحدة ، فإنّ مقتضى قوله تعالى : (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ)(1) إرجاع الزائد عليها أو عليهم بنسبة حصصهم ، فيكون إرث النصف للبنت الواحدة ، أو الثلثين للبنتين بالفرض ، والزائد بالقرابة ، ولا يرث الأبعد مع وجود الأقرب .

ولأجل هذه الأقربية التزمت العامّة(2) بالردّ عليهم لو لم تكن في البين عصبة فأعطوا البنت النصف الثاني أيضاً ولكن بالقرابة ، ولم يدخلوا ذلك في بيت المال . فإذا كانت الأقربية والرحمية موجبة للردّ ، فكيف لا تكون موجبة له مع وجود العصبة ! وأي دليل دلّ على إرث العصبة؟

الوجه الثالث : ومع الإغماض عن ذلك أيضاً ، فقد دلّت الروايات الشريفة(3) والسيرة القطعية في زمان المعصومين (عليهم السلام) على عدم إعطاء العصبة من الإرث شيئاً .

الوجه الرابع : ومع الإغماض عن ذلك أيضاً ، فالقول بالتعصيب باطل وجداناً ، لمخالفته لصريح الآية المباركة (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ)(4) بعد وضوح أنّ مقتضاه أن يكون ابن العم مقدّماً في الميراث على الإبن ، وأن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأنفال 8 : 75 .
(2) راجع فتح الباري 12 : 24 .
(3) الوسائل 26 : 85 / أبواب موجبات الإرث ب8 .
(4) الأنفال 8 : 75 .

ــ[17]ــ

يكون حاجباً لإرث البنات أو البنت ، مع أنّ الولد لا يكون حاجباً فكيف بابن العم . ومعنى ذلك أن يكون ابن العم أعظم مقاماً من الولد ، وهو غير محتمل أبداً .

توضيح ذلك : لو ترك الميّت ستّ بنات وابناً ، وكانت التركة 24 ديناراً فللابن ستة دنانير ، ولكل بنت ثلاثة دنانير . فلو فرض انحصار الورثة بالبنات أخذن على التعصيب ستة عشر ، وأخذ ابن العم ثمانية ، ومعنى ذلك أنّه حجبهنّ عمّا زاد على ستّة عشر إلى ثمانية عشر ، فإنّ حصّة البنات مع الابن أكثر من حصّتهنّ مع ابن العم .

وكلّما ازداد عدد البنات ازداد النقص عليهنّ ، وكانت حصّة ابن العم أكثر من حصّة الابن ، وهو غير محتمل قطعاً مع قوله تعالى : (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ ...) . وكفى بهذا شاهداً على بطلان التعصيب ، كان في المقام رواية أم لم تكن .

الثالث : أن تنقص التركة عن الفروض ، كما لو ترك الميّت في الطبقة الاُولى بنتين فصاعداً ، وأبوين ، وزوجاً . فللزوج الربع ، وللأبوين السدسان ، وللبنتين فصاعداً الثلثان ، فتنقص التركة عن الفروض .

وكذا لو كان بدل الزوج زوجة ، فللزوجة الثمن ، وللأبوين السدسان وللبنتين فصاعداً الثلثان ، فتزيد الفروض على التركة .

وكذا لو ترك الميّت في الطبقة الثانية زوجاً واُختاً من الأبوين ـ أو من الأب خاصّة ـ واُختين من الاُم . فللزوج النصف ، وللاُخت من الأبوين النصف وللاُختين من الاُمّ الثلث ، فتنقص التركة عن الفروض .

وهذه هي مسألة العول ، التي تتحقّق بدخول الزوج أو الزوجة ، فما هو الحل في المقام ؟

ــ[18]ــ

ذهب العامّة(1) إلى تقسيم النقص على الجميع بنسبة حصصهم ، وذهب فقهاؤنا إلى اختصاص النقص في الطبقة الاُولى بالبنت أو البنتين فصاعداً في مفروض المثالين ، ولا يرد النقص على أحد الأبوين ، ولا على أحد الزوجين . واختصاص النقص في الطبقة الثانية بالمتقرّب بالأب والاُمّ ـ أو بالأب ـ كالاُخت في مفروض المثال ، ولا يرد على المتقرّب بالاُمّ ولا الزوج نقص أبداً .

استدلّ المخالفون بعدم معقولية الترجيح بلا مرجّح ، فلا وجه لاختصاص ورود النقص على البنت أو البنتين فصاعداً ، دون غيرهم ، بل يرد على الجميع ، كما هو الحال في التقسيم بين الغرماء ـ في الدين ـ بنسبة حقّهم ، وهذا هو ما تقتضيه القاعدة .

فكما أنّ الشخص لو كان مديناً لأحد بـ 10 دنانير ، ولآخر بـ 20 ديناراً ولثالث بـ 30 ديناراً ، ولم يترك المدين إلاّ 30 ديناراً ، كان لصاحب العشرة خمسة ، ولصاحب العشرين عشرة ، ولصاحب الثلاثين خمسة عشر ، فكذلك في المقام .

فلو تركت الميتة 12 ديناراً ، وورثها أبواها وزوجها وبنتها ، كان للبنت 6 وللأبوين 4 ، وللزوج 3 ، فيكون المجموع 13 ، إلاّ أنّ التركة كلّها 12 ، فينقص دينار واحد ، وهذا الناقص يقسّم على الجميع ، فيقسّم 13 جزءاً ، ينقص من البنت 6 أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من الدينار ، ومن الأبوين 4 أجزاء من 13 جزءاً من الدينار ، ومن الزوج 3 أجزاء من 13 جزءاً من الدينار .

وفيه : أنّ قياس المقام بالدين واضح البطلان ، لأنّ الكلام في الدين في أداء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المحلّى 9 : 264 ، المبسوط 29 : 160 ـ 163 ، المغني لابن قدامة 7 : 26 ، الشرح الكبير 7 : 69 ، المجموع 16 : 92 ، المبسوط 29 : 160 ، فقه السنّة 4 : 404 .

ــ[19]ــ

الحقّ بعد ثبوته ، وفي المقام في أصل ثبوت الحقّ ، فإنّ جعل هذا الحقّ بهذا النحو غير معقول .

بل يعدّ هذا الجعل لو كان في كلام واحد متهافتاً ومتناقضاً وموجباً للسقوط ولذا يحكم ببطلان الوصية لو أوصى بأن يعطى نصف داره لزيد وربعها لبكر وثلثها لخالد ، وكذا لا يسمع إقراره لو أقرّ بأنّ داره للمذكورين على النحو المتقدّم إذ لا يكون لمال واحد هذه الأقسام .

ولو كان جعل هذا الحقّ بهذا النحو في كلام متعدّد فهو موجب لتعارض الإطلاقات . وإيراد النقص عليهم كلّهم بالنسبة والالتزام بالعول تقييد لهذه الإطلاقات بلا مقيّد ، ولا دليل لهم على ذلك إلاّ ما ذكروه من القياس ، الذي قد عرفت فساده .

فإن وجد دليل على التقييد اتّبع ، وإلاّ سقطت جميع الإطلاقات المذكورة . والدليل على التقييد في المقام موجود ، وهو عدّة روايات دلّت على عدم ورود النقص على الزوجين ، ولا على الأبوين(1) فيبقى دليل فرضهم المطلق على إطلاقه ويكون ذلك قرينة وموجباً لرفع اليد عن إطلاق ما دلّ على أخذ البنت النصف والبنتين الثلثين ، بعد عدم ورود ما يدلّ على أنّها ـ أنّهما ـ لا ينقص منها شيء .

إذن فيختصّ ورود النقص على البنت أو البنتين فصاعداً . وكذا الكلام في تقييد الإطلاقات في الطبقة الثانية ، وتفصيل الكلام في صور اجتماع هؤلاء يأتي فيما بعد .

على أنّ ما ذكرناه في الوجه الرابع(2) من وجوه بطلان التعصيب جار في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 26 : 131 / أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب18 .
(2) المتقدّم في ص16 .

ــ[20]ــ

 العول أيضاً ، فإنّ لازم العول أن تكون البنت أقرب إلى الميّت من الولد ، مع أنّ الرجال لهم الفضل على النساء ، وأنّهم قوّامون ، ولهم عليهنّ درجة .

توضيح ذلك : لو تركت الميّتة 12 ديناراً ، وورثها أبواها وزوجها وولدها أخذ الأبوان السدسين أربعة ، وأخذ الزوج الربع ثلاثة ، وبقيت خمسة للولد . فلو فرض أنّ بدل الولد بنت ، فتأخذ البنت 6 ، لأنّ لها النصف ، فيكون المجموع 13فتنقص الفريضة ديناراً واحداً .

ولو ورد النقص على الجميع بالنسبة نقصت البنت عن الستة دنانير ستة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من الدينار ، ومعنى ذلك أنّ حصّتها أكثر من حصّة الولد ، لأنّه أخذ خمسة ، وأخذت خمسة وسبعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من الدينار ، وهذا غير محتمل في نفسه ، وباطل جزماً .

  
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net