سابعاً : إذن السيّد بالنسبة إلى مملوكه 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3929


ــ[372]ــ

   السابع : إذن السيِّد بالنسبة إلى مملوكه (1) ، سواء كان قِنّاً أو مدبّراً أو اُمّ ولد أو مكاتباً لم يتحرّر منه شيء ولم يكن اعتكافه اكتساباً ، وأمّا إذا كان اكتساباً فلا مانع منه ، كما أ نّه إذا كان مبعّضاً فيجوز منه في نوبته إذا هاياه مولاه من دون إذن ، بل مع المنع منه أيضاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غير قابل للتصديق حتّى لو كان المراد خصوص مسجد الكوفة بقرينة كون الراوي كوفيّاً أسديّاً كما قيل ، ضرورة جواز إيقاعه في سائر المساجد أيضاً ، ولا أقلّ من مسجدي الحرمين الشريفين ، فلا موقع للحصر بوجه .

   فالمتحصّل من النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض : جواز الاعتكاف في كلّ مسجد جامع ، وهو موجود في غالب البلدان ، ولا سيّما بغداد البلدة العظيمة آنذاك ، التي كانت مقرّاً للخلافة ردحاً من الزمن ، سواء أصلّى فيها إمام عادل أم لا ، بناءً على قيام الإجماع على عدم اعتبار هذا الشرط كما مرّ ، وإن كان الأفضل بل الأحوط كونه في أحد المساجد الأربعة .

   (1) ظاهر كلامه (قدس سره) حيث جعل الإذن من السيّد وكذا الزوج والوالد والمستأجر شرطاً برأسه : أنّ هذا يعتبر بنفسه في الاعتكاف من حيث هو اعتكاف لا من حيث اشتماله على الصوم ليكون ذلك من شؤون اشتراطه في صحّة الصوم المندوب ، فإنّ ذلك بحث آخر أجنبي عن محطّ نظره (قدس سره) في المقام كما لا يخفى .

 فلو فرضنا أنّ صوم المعتكف كان وجوبيّاً غير مشترط بالإذن المزبور قطعاً، أو بنينا على عدم اعتـبار الإذن في صوم التطوّع ـ كما تقدّم(1) ـ أو فرضنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 325 .

ــ[373]ــ

   وكذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حصول الإذن بالنسبة إلى الصوم دون الاعتكاف ، جرى هذا البحث أيضاً وأ نّه هل يشترط في صحّة الاعتكاف الإذن من هؤلاء أو لا ؟

   فنقول : لا ينبغي الشك في اعتبار إذن السيّد بالنسبة إلى مملوكه الذي هو عبد محض ، سواء أكان قِنّاً أم مدبّراً أم اُمّ ولد أم مكاتباً لم يتحرّر منه شيء إمّا لعدم أدائه شيئاً من مال الكتابة أو لكون الكتابة مشروطة ، وذلك لوضوح أنّ العبد بجميع منافعه مملوك لمولاه ، فتصرّفه في نفسه من حركاته وسكناته ـ التي منها اللبث في المسجد ـ كالتوقّف في مكان آخر من سوق أو دار شخص كلّ ذلك منوط بإذن المالك ، وإلاّ فهو تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، الذي لا ريب في عدم جوازه كما هو ظاهر .

   نعم ، في العبد المكاتب إذا اعتكف بعنوان الاكتساب كما لو صار أجيراً لأحد لم يحتج حينئذ إلى الإذن ، لأنّ ذلك هو مقتضى عقد الكتابة ، فيختصّ الافتقار إليه بما إذا لم يكن اعتكافه اكتساباً .

   هذا كلّه في العبد المحض .

   وأمّا المبعّض ـ كالمكاتب الذي تحرّر منه شيء من نصف أو ثلث ونحوهما ، وقد هاياه مولاه ، أي قاسمه فجعل له يوماً أو اُسبوعاً أو شهراً ونحو ذلك ، وللعبد كذلك ـ ففي اعتكافه في نوبة مولاه هو الكلام المتقدّم ، وأمّا في نوبته فيجوز من غير إذن ، بل حتّى مع المنع عنه ، إذ لا حقّ له في المنع بعد فرض حصول المهاياة ولزومها كما هو واضح .

   (1) الظاهر أنّ مراده (قدس سره) بالأجير الخاصّ من كان جميع منافعه ـ  ومنها : منفعة الاعتكاف  ـ مختصّاً بالمستأجر ومملوكاً له ، كما لو اتّخذ خادماً له

ــ[374]ــ

مدّة معينة من شهر أو سنة ، ولا ريب في اعتبار الإذن حينئذ في صحّة الاعتكاف ، لعين الوجه المتقدّم في العبد ، إذ لا فرق بينهما إلاّ أنّ العبد مملوك لمولاه عيناً ومنفعةً وهذا مملوك للمستأجر منفعة فقط ، ومن المعلوم أنّ مناط الافتقار إلى الإذن إنّما هو مملوكيّة المنفعة المشتركة بينهما .

   وأمّا في غير الأجير الخاصّ بالمعنى المزبور ، كمن كان أجيراً لعمل معيّن ـ  كالسفر في وقت خاصّ  ـ فخالف واشتغل بالاعتكاف ، فالظاهر هو الصحّة وإن كان آثماً في المخالفة ، لوضوح أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه ، فيمكن حينئذ تصحيح العبادة بالخطاب الترتّبي بأن يؤمَر أوّلا بالوفاء بعقد الإيجار ، ثمّ على تقدير العصيان يؤمَر بالاعتكاف من غير حاجة إلى الإذن ، إلاّ في رفع الإثم لا في صحّة الاعتكاف .

   نعم ، قد يتوهّم عدم جريان الترتّب في مثل المقام ، نظراً إلى أنّ مورده ما إذا كان المتزاحمان من الضدّين اللّذين لهما ثالث كي يمكن الأمر بأحدهما على تقدير عصيان الآخر مثل: الصلاة والإزالة، أمّا ما ليس لهما ثالث ـ كالحركة والسكون ـ فلا يجري فيه الترتّب بوجه ، إذ لا معنى للأمر بالسكون على تقدير عدم الحركة، فإنّه من تحصيل الحاصل ، لرجوعه إلى قولك : إذا سكنت فاسكن .

   ومقامنا من هذا القبيل ، إذ الأجير مأمور بالخروج عن المسجد ليفي بعقد الإجارة من سفر ونحوه ، وهو مضادّ للمكث الذي هو حقيقة الاعتكاف من غير ثالث ، إذ لا واسطة بين الخروج والمكث ، فمرجع الخطاب الترتّبي في المقام إلى قولك إذا لم تخرج ـ أي مكثت في المسجد ـ فامكث ، ولا محصّل له .

   ولكنّه مدفوع من وجوه :

   أمّا أوّلا : فلأنّ المأمور به إنّما هو الوفاء بالعقد الذي هو ضدّ للاعتكاف ولهما ثالث دون الخروج . نعم ، هو مقدّمة للوفاء ، ولا نقول بوجوب المقدّمة إلاّ

ــ[375]ــ

عقلا لا شرعاً كما هو محرّر في الاُصول(1) .

   وثانياً : سلّمنا الوجوب الغيري الشرعي، لكن الواجب هو خصوص المقدّمة الموصلة ، لا الطبيعي على سريانه وإطلاقه كما حقّقناه في محلّه(2) . وعليه ، فالواجب إنّما هو الخروج المتعقّب بالوصول إلى ذي المقدّمة من سفر ونحوه الذي هو مورد للعقد ، ومن البديهي وجود الواسـطة بين هذا الخروج وبين الاعتكاف ، وهو الخروج لغاية اُخرى غير المتعقّب بذي المقدّمة .

   وثالثاً : سلّمنا وجوب المقدّمة على إطلاقها فكان الخروج مطلقاً واجباً بالوجوب الغيري ، ولكنّه إنّما يكون مضادّاً للاعتكاف من غير ثالث إذا كان الاعتكاف متقوّماً بطبيعي المكث ، وليس كذلك ، بل هو متقوّم بالمكث ثلاثة أيّام ، ومن المعلوم وجود الواسطة بين المكث ثلاثاً وبين الخروج ـ وهو المكث أقلّ من الثلاثة أو أكثر ـ فيقال له : اخرج وإلاّ فامكث ثلاثاً ، وهذا نظير أن يقال : اسكن وإلاّ تحرّك نحو الشرق أو إلى الكوفة أو حركة سريعة ، فإنّ الواسطة موجودة حينئذ ، وهي الحركة نحو الغرب أو كربلاء أو البطيئة ، فالتقييد بقيد يخرج الضدّين عمّا لا ثالث لهما إلى ما لهما ثالث ، وهو متحقّق في المقام كما عرفت .

   ورابعاً : مع الغضّ عن كلّ ذلك فلا ريب أنّ الاعتكاف عبادي، ومن المعلوم أنّ بين الخروج وبين المكث القربي واسطة ، وهو المكث لا لله ، فهما من الضدّين اللّذين لهما ثالث بالضرورة :

   وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في جريان الترتّب في المقام وإمكان تصحيح الاعتكاف بذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 296 و 436 و 438 .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 414 ـ 415 .

ــ[376]ــ

   وإذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   هذا كلّه فيما إذا كان العمل المستأجر عليه منافياً للاعتكاف كما في السفر ونحوه .

   وأمّا مع عدم المنافاة ، كما لو استؤجر على عمارة المسجد أو كنسه ثلاثة أيّام أو حفر بئر أو خياطة ثوب أو حياكة فرش ونحو ذلك ممّا يمكن إيقاعه في المسجد ، فلا إشكال في الصحّة من غير حاجة إلى الإذن ، بل هو خارج عن محلّ الكلام كما هو ظاهر جدّاً .

   (1) فيبطل اعتكافها حينئذ بدون إذنه ، لا لوجوب الخروج عن المسجد الذي هو مناف للأمر بالاعتكاف المضادّ له ، لما عرفت آنفاً من إمكان تصحيح الأمر ولو بنحو الترتّب ، بل لأجل الروايات الكثيرة الدالّة على عدم جواز خروجها عن البيت بدون إذن الزوج فيما إذا كان منافياً لحقّه ـ دون غير المنافي كالخروج اليسير ولا سيّما نهاراً لملاقاة أبيها أو اُمّها أو لزيارة الحرم الشريف ونحو ذلك ـ فإنّ المستفاد من تلك الأدلّة بمقتضى الفهم العرفي أنّ المحرّم ليس هو الخروج بالمعنى المصدري المتحقّق آناً ما ـ أعني : فتح الباب ووضع القدم خارج الدار ـ بل الحرام هو الكون خارج البيت والبقاء في غير هذا المكان ، فالمنهىّ عنه هو المكث خارج الدار عند كونه منافياً لحقّ الزوج الذي هو القدر المتـيقّن من الأدلّة ، فإذا  كان المكـث المزبور حراماً فكيف يمكن صرفه في الاعتكاف ؟! فإنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ، والمبغوض لا يكاد يكون مقرّباً فلا يقع عبادة .

   وأمّا إذا لم يستلزم الاعتكاف الخروج من البيت بغير الإذن ، كما لو كان الزوج مقيماً معها في المسجد لكونه مسكناً لهما ـ مثلا ـ أو أذن في الخروج إلى

ــ[377]ــ

   وإذن الوالد أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما إذا كان مستلزماً لايذائهما (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسجد ، أو المكث خارج البيت ، ولكن نهاها عن عنوان الاعتكاف ، فلا دليل على البطلان حينئذ بوجه ، لعدم الدليل على وجوب إطاعته في غير ما يرجع إلى حقّه ، فالنهي حينئذ غير قادح فضلا عن اشتراط الاستئذان .

   نعم ، لو كان صومها تطوّعاً واعتبرنا في صحّة صوم التطوّع إذن الزوج بطل الاعتكاف ببطلان الصوم المعتبر فيه، ولكن هذا بحث آخر غير مرتبط بالاعتكاف من حيث هو اعتكاف كما مرّت الإشارة إليه(1) .

   ثمّ إنّ هذا كلّه في اليومين الأولين من الاعتكاف . وأمّا اليوم الثالث المحكوم بالوجوب فلا أثر لنهيه قطعاً ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق(2) .

   (1) أمّا إذا لم يستلزم الإيذاء ، كما لو لم يكن عن اطّلاع منهما بأن كانا ـ مثلا ـ في بلد والولد يعتكف في بلد آخر ، فلا اشكال فيه . وأمّا مع الإيذاء فهل يكون باطلا ؟

   لا ريب في عدم جواز إيذاء الوالدين فيما يرجع إليهما ويكون من شؤونهما كالسبّ والهتك والتعدّي ونحو ذلك ، بل أنّ الإيذاء بهذا المعنى حرام بالإضافة إلى كلّ مؤمن ، غايته أ نّه فيهما آكد والعقوبة أغلظ وأشدّ .

   وأمّا الإيذاء فيما يرجع إلى الشخص نفسه بأن يعمل فيما يعود إلى نفسـه ويتصرّف في شأن من شؤونه ، ولكن يترتّب عليه الإيذاء ، فلا ريب أيضاً في عدم حرمة هذا الإيذاء بالإضافة إلى غير الوالدين ، كمن يفتح حانوتاً في محلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 320 ـ 325 .

(2) الوسائل 11 : 157 /  أبواب وجوب الحج ب 59 ح 7 .

ــ[378]ــ

وأمّا مع عدم المنافاة وعدم الإيذاء فلا يعتبر إذنهم وإن كان أحوط ((1)) خصوصاً بالنسبة إلى الزوج والولد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتأذّى منه رقيبه لمزاحمته له في جلب المشتري بطبيعة الحال ، أو من يعمر داراً ويشيّد قصراً يتأذّى بذلك جاره لحسد أو رقابة ونحو ذلك من غير أن يكون من قصده الإيذاء وإنّما هو قاصد للتجارة أو العمارة ليس إلاّ ، فإنّ هذا جائز بلا إشكال وإن ترتّب عليه الإيذاء المزبور .

   وهل الحال كذلك بالإضافة إلى الوالدين أيضاً ، كما لو أراد الولد أن يتزوّج بامرأة ولكن الاُمّ تتأذّى لعدم تلاؤم أخلاقها معها خصوصاً أو عموماً ، أو أ نّه أراد أن يتصدّى لتحصيل العلوم الدينيّة والأب يتأذّى لرغبته في تحصيل العلوم الحديثة كما يتّفق ذلك في هذه الأزمنة كثيراً ، فهل يحرم مثل هذا الإيذاء ؟

   الظاهر العدم كما في غير الوالدين حسبما عرفت، لعدم الدليل على ذلك بوجه ، وإنّما الواجب المعاشرة الحسنة والمصاحبة بالمعروف على ما نطقت به الآية الكريمـة وغيرها ، مثل : أن لا يجـادل معهما في القول ولا يقول لهما : اُفّ ، وأمّا ارتكاب عمل عائد إلى شأن من شؤون نفسـه وإن ترتّب عليه إيذاؤهما من غير أن يكون ذلك من قصده فلم تثبت حرمته بدليل . إذن لا مانع من الاعتكاف وإن ترتّب عليه إيذاؤهما بالمخالفة للأمر والنهي الصادرين من أحدهما وإن كان ذلك بداعي العطف والشفقة .

   نعم ، تستحبّ إطاعتهما من باب البرّ إليهما والإحسان . وحينئذ تقع المزاحمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أنّ الاحتياط من جهة اعتبار الصوم في الاعتكاف ، وعليه فلا يترك الاحتياط فيما إذا كان صوم الزوجة تطوّعاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net