ثامناً:استدامة اللبث في المسجد \ حكم ما لو خرج المعتكف ناسياً أو مكرهاً أو لضرورة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4001


ــ[379]ــ

   الثامن : اسـتدامة اللبث في المسـجد (1) ، فلو خرج عمداً اختياراً لغير الأسباب المبيحة بطل من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين الاستحباب الثابت بهذا العنوان وبين استحباب الاعتكاف في حدّ نفسه ، فيقدّم الأهمّ منهما والأرجح .

   وقد عرفت أنّ الكلام في حكم الاعتكاف من حيث هو ، وأمّا من حيث تضمّنه للصوم المندوب وتوقّفه على الإذن فهو مطلب آخر أجنبي عمّا نحن بصدده .

   (1) فلا يكتفى بطبيعي اللبث كيفما كان ، بل لابدّ من استمراره واستدامته ثلاثة أيّام بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد دلّت عليه جملة من النصوص التي منها صحيحتان لداود بن سرحان وحسنة كالصحيحة لعبدالله بن سنان(1) ، المتضـمّنة للمنع عن الخروج عن المسجد اختياراً ، الظاهر في المنع الوضعي ـ  أعني : الإرشاد إلى الفساد  ـ لا مجرّد التكليف كما لا يخفى .

   وأظهرها الصحيحة الثانية لداود بن سرحان ، حيث إنّ السـؤال فيها عن حقيقة الاعتكاف وماذا يفرضه المعتكف على نفسه لدى النيّة ، فبيّن (عليه السلام) أ نّه لا يخرج من المسجد إلاّ لحاجة ، فيظهر من ذلك دخله في ماهيّة هذه العبادة .

   (2) أمّا الجاهل المقصّر فلا إشكال في إلحاقه بالعالم ، لأنّه عامد بعد فرض تقصيره في التعلّم .

   وأمّا القاصر ـ وهو الذي يكون جهله عن عذر ، كمن أخطأ في اجتهاده

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 549 ـ 550 /  أبواب الاعتكاف ب 7 ح 1 ، 3 ، 5 .

ــ[380]ــ

فبنى مثلا على أنّ الخروج اليسير من المسجد ولو لا لحاجة غير قادح في الصحّة ، فخرج ورجع ثمّ تبدّل رأيه وانكشف خطأه ـ فهل يكون هذا أيضاً ملحقاً بالعالم في الحكم بالبطلان ؟ الظاهر : نعم .

   والوجه فيه : ما ذكرناه في الاُصـول عند التكلّم حول حديث الرفع(1) ، وملخّصه : إنّ الحديث بفقراته التسع يوجب التقييد في الأدلّة الأوليّة ، فالجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة مرفوعة لدى الجهل بها ، وحيث إنّ هذه الأحكام ممّا لا تنالها يد الجعل التشريعي استقلالا كما حُقّق في محلّه ، وإنّما هي مجعولة بتبع جعل منشأ انتزاعها وهو تعلّق الأمر بالمركّب من هذا الشيء ، أو المقيّد به أو المقيّد بعدمه ، فلا جرم كان رفعها برفع مناشئ انتزاعها ، فيقال لدى الشكّ في جزئيّة السورة مثلا : إنّ شمول الأمر ـ المتعلّق بالمركّب ـ لهذا الجزء مشكوك ، فهو مرفوع ، فطبعاً لا تكون جزء من الصلاة ، وحيث إنّ أصل الأمر بالصلاة معلوم لدينا بالوجدان فلا محالة يكون الواجب هو الباقي من الأجزاء ، فيحكم بصحّتها لأجل العلم المقرون بالأصل المزبور .

   ولكن هذا الرفع مخصوص بحال الجهل ومراعى ببقاء هذه الحالة ، لأنّ الحكومة حكومة ظاهريّة ، وإلاّ فالواقع باق على حاله ، ولا تغيّر ولا تبدّل فيه بتاتاً ، ومن هنا يحسن الاحتياط في ظرف الجهل ، وإلاّ فمع الانقلاب لا معنى للاحتياط كما لا يخفى .

 وعليه ، فمع انكشاف الخلاف وارتفاع الجهل لا مناص من الإعادة ، إذ الاجتزاء بالناقص عن الكامل يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل إلاّ في خصوص الصلاة فيما عدا الأركان بمقتضى حديث : «لا تعاد»(2) ، وحيث لم يرد مثل هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 257 .

(2) الوسائل 4 : 312 /  أبواب القبلة ب 9 ح 1 .

 
 

ــ[381]ــ

   وأمّا لو خرج ناسياً أو مكرهاً فلا يبطل ((1)) ، وكذا لو خرج لضرورة (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدليل في الاعتكاف كان اللازم الحكم بالفساد لدى انكشاف الخلاف ، فلو اعتكف ولم يستدم اللبث جهلا وإن كان عن قصور بطل ووجبت الإعادة لو كان الاعتكاف واجباً بإجارة أو نذر ونحوهما ، عملا بإطلاق الأدلّة .

   هذا مع أنّا ذكرنا في الاُصول عند التكلّم حول الحديث ـ حديث رفع التسعة ـ أنّ سنده ضعيف ، نظراً إلى أنّ الصدوق يرويه عن شيخه أحمد بن محمّد بن يحيى ولم يوثّق ، ومجرّد الشيخوخة وروايته عنه كثيراً لا تقتضي التوثيق كما مرّ غير مرّة ، فإنّه يروي عن الثقة والضعيف ، لأنّ دأبه الرواية عن كلّ من سمع منه الحديث ، ولم يلتزم بأن لا يروي إلاّ عن الثقة .

   نعم ، في بعض نسخ الخصال رواية هذا الحديث عن محمّد بن أحمد بن يحيى الذي هو من الثقات ، ولكن هذا الرجل من مشايخ الكليني ولا يمكن أن يروى عنه الصدوق ، لاختلاف الطبقة ، وإنّما يروي هو عن ابنه أحمد بن محمّد بن أحمد بن يحيى الذي عرفت أ نّه مجهول . فهذه النسخة مغلوطة جزماً، أو فيها تقديم وتأخير ، والصحيح ما في الفقيه كما عرفت(2).

   (1) قد عرفت حكم الخروج جهلا .

 وأمّا الخروج اضطراراً لضرورة دعته إليه فلا إشكال في عدم قدحه في الصحّة، كما دلّت عليه النصوص المعتبرة والصحاح المتعدّدة ، التي منها صحيحة داود بن سرحان، قال (عليه السلام) فيها: «لاتخرج من المسجد إلاّ لحاجة لابدّ منها»(3) ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في عدم البطلان مع الخروج نسياناً إشكال ، بل لا يبعد البطلان به .

(2) لاحظ مصباح الاُصول 2 : 257 .

(3) الوسائل 10 : 550 /  أبواب الاعتكاف ب 7 ح 3 .

ــ[382]ــ

ونحوها غيرها .

   وهل يعتبر في الحاجة بلوغها حدّ الضرورة واللا بدّيّة كما هو ظاهر هذه الصحيحة ، أو أنّ الأمر أوسع من ذلك ؟ سيأتي الكلام عليه عند تعرّض الماتن .

   وعلى أىّ حال ، فالحاجة الملحّة ـ أعني : الاضطرار ـ هو القدر المتيقّن من تلك الأدلّة ، فلا ريب في جواز الخروج لذلك .

   وأمّا الخروج إكراهاً فلا ريب أيضاً في جوازه ، لا لحديث رفع الإكراه وإن ورد في رواية اُخرى بسند صحيح كما سنذكره في رفع النسيان ، بل لأجل أنّ الإكراه من مصاديق الاضطرار حقيقةً ، غايته أنّ الضرورة في مورده نشأت من توعيد الغير لا من الاُمور الخارجيّة كما في سائر موارد الاضطرار ، ولا فرق بين المنشأين فيما هو المناط في صدق الاضطرار عرفاً ، فكما يصدق الاضطرار والحاجة إلى الخروج التي لابدّ منها فيما لو كان له مال خارج المسجد في معرض الحرق أو الغرق ، كذلك يصدق مع توعيد الغير بالإحراق أو الإغراق لو لم يخرج . وعليه ، فتشمله الأدلّة المتقدّمة الواردة في صورة الاضطرار إلى الخروج .

   وأمّا الخروج نسياناً فالمشهور عدم قدحه أيضاً ، بل في الجواهر عدم الخلاف فيه(1) .

   ويسـتدلّ له تارةً : بانصراف دليل النهي عن الخروج عن مثله ، حيث لا يصدر الفعل منه عن اختيار والتفات .

   وفيه ما لا يخفى ، فإنّ الناسي يصدر عنه الفعل عن إرادة واختيار ، غايته أ نّه مستند إلى النسيان ، فلا فرق بينه وبين ما يصدر عن الملتفت في أنّ كلاًّ منهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 17 : 187 .

ــ[383]ــ

مشمول للإطلاق ، فالانصراف ممنوع جدّاً .

   واُخرى : بحديث رفع النسيان الوارد بسند صحيح(1) ، بدعوى أنّ معنى رفعه : فرض الفعل الصادر عن الناسي في حكم العدم وكأنّه لم يكن . ومرجع هذا الرفع في عالم التشريع إلى رفع الحكم المتعلّق به لولا النسيان . وعليه ، فالخروج الصادر عن المعتكف نسياناً في حكم العدم ، أي لا يترتّب عليه أثره وهو البطلان، فإذا كان البطلان مرفوعاً بمقتضى الحديث صحّ الاعتكاف بطبيعة الحال . وبمثل هذا البيان يقال في صورة الإكراه أيضاً .

   ويندفع : بأنّ الصحّة والبطلان بالإضافة إلى الواقعيّات من الأحكام العقليّة التي لا تكاد تنالها يد الجعل التشريعي لا وضعاً ولا رفعاً ، إذ هما من الاُمور التكوينيّة المنتزعة من مطابقة المأتىّ به مع المأمور به وعدمها ، فلا معنى لرفع البطلان بحديث النسيان .

   وعليه ، فلا بدّ وأن يكون المرفوع إمّا مانعيّة الخروج الصادر نسياناً ، أو جزئيّة اللبث في المسجد حال الخروج المستند إلى النسيان ، حيث إنّ الواجب هو مجموع اللبثات والمكثات على سبيل الارتباط من أوّل اليوم الأوّل إلى آخر اليوم الثالث ، فتكون الجزئيّة مرفوعة عن بعضها في بعض الأحوال ، فالذي يعقل من رفع الأثر أحد هذين .

   وحيث إن الجزئيّة والمانعيّة كالشرطيّة من الأحكام الوضعيّة التي لا تكون مستقلّة بالجعل إلاّ بتبع منشأ الانتزاع وضعاً ورفعاً كما تقدّمت الإشارة إليه ، فمعنى تعلّق الرفع بهذه الاُمور تعلّقه بمناشئ انتزاعها ، فرفع الجزئيّة عن اللبث مرجعه إلى رفع الأمر المتعلّق بالمركّب منه ، كما أنّ معنى رفع المانعيّة عن الخروج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 15 : 369 /  أبواب جهاد النفس ب 56 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net