عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد - كفاية مطلق الصوم في الاعتكاف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3752


ــ[392]ــ

   [ 2562 ] مسألة 3 : الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد (1) . نعم ، يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب ، فيصحّ إهداؤه إلى متعدّدين أحياءً أو أمواتاً أو مختلفين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالسلام مشروط بمسبوقيّته بما تقدّم من الأجزاء ، فاتّصاف كلّ واحد من أجزاء المركّب بالجزئيّة لذلك المركّب مشروطٌ بالانضمام لسائر أجزاء هذا المركّب ، إمّا بنحو الشرط المتأخّر كالجزء الأول ، أو المتقدّم كالجزء الأخير ، أو بهما معاً كما فيما بينهما من الأجزاء ، فإنّ هذا من شؤون فرض الارتباطيّة الملحوظة بينها كما لا يخفى .

   وعليه ، فلو عدل في الأثناء فأتى بالركوع ـ مثلا ـ عن صلاة اُخرى لم يقع جزءاً لا من المعدول عنه لعدم الملحوقيّة بما هو من أجزاء هذا المركّب ، ولا من المعدول إليه لعدم المسبوقيّة كذلك .

   ومن هنا كان العدول بالنيّة على خلاف القاعـدة ، إذ النصف ـ مثلا ـ من عملين لا يكون عملا واحداً إلاّ إذا قام الدليل الخاصّ على الاجتزاء به ، كما ثبت في العدول عن الحاضرة إلى الفائتة ، أو اللاحقة إلى السابقة ، أو الفريضة إلى النافلة فيما لو اُقيمت الجماعة على تفصيل مذكور في محالّها ، وحيث لم يقم مثل ذلك الدليل في المقام إذن لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر مطلقاً ، فلو اعتكف ندباً لم يسغ له العدول إلى اعتكاف آخر مندوب أو واجب بنذر أو إجارة عن حىّ أو ميّت ، أو لو كان أجيراً عن أحد لا يجوز العدول عنه إلى ما كان أجيراً عن غيره أو إلى الاعتكاف عن نفسه ، وهكذا .

   (1) فإنّ النيابة في نفسها على خلاف القاعدة ، إذ كيف يكون فعل أحد موجباً لسقوط ذمّة الغير عمّا اشتغلت به ويعتبر وقوعه عنه ؟ ! اللّهمّ إلاّ إذا قام

ــ[393]ــ

الدليل على المشروعيّة فيقتصر حينئذ على مورد قيام الدليل ، وقد ثبتت المشروعيّة بالأدلّة الخاصّة عن الأموات بل الأحياء أيضاً في بعض الموارد كالحجّ المندوب ، كما تقدّمت الإشارة إليها في قضاء الصلوات وبحث النيابة عن الأموات(1) .

   والمتيقّن من تلك الأدلّة إنّما هي النيابة عن شخص واحد ، وأمّا الزائد عليه فيحتاج إلى قيام الدليل على قبول الفعل الواحد للاشتراك ، وقد قام الدليل عليه في باب الزيارات وفي الحجّ المندوب ، فيجوز النيابة فيهما عن شخص أو أشخاص ولم يثبت فيما عداهما ، ومقتضى الأصل عدم المشروعيّة ، فمجرّد عدم الدليل كاف في الحكم بالعدم استناداً إلى الأصل .

   نعم ، قد يتوهّم الجواز ممّا ورد في بعض أخبار تشريع النيابة في العبادة من قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمّار : « ... يدعو لوالديه بعد موتهما ، ويحجّ ويتصدّق ويعتق عنهما ، ويصلّى ويصوم عنهما»(2) .

   ولكن الظاهر منها بمقتضى الفهم العرفي إرادة كلّ منهما على سبيل الانفراد وبنحو الانحلال والاستغراق لا جمعاً لتدلّ على جواز التشريك في الفعل الواحد، كما هو الحال في استعمالاتنا في العرف الحاضر ، فلو قلنا لأحد : صلّ عن والديك أو صم عنهما ، لا نريد به العموم المجموعي أبداً ، بل المراد عن كلّ منهما مستقلا .

   إذن لا دليل على جواز النـيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد ، والمرجع أصالة عدم المشروعيّة كما عرفت .

   نعم ، لا بأس بالإتيان به رجـاءً ، كما أ نّه لا إشكال في جواز ذلك بعنوان إهداء الثواب لا النيابة كما  نبّه عليه في المتن .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة (كتاب الصلاة 5 / 1) : 237 ـ 242 .

(2) الوسائل 2 : 444 /  أبواب الاحتضار ب 28 ح 6 .

ــ[394]ــ

   [2563] مسألة 4 : لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله (1) ، بل يعتبر فيه أن يكون صائماً أىّ صوم كان ، فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استئجاريّاً أو واجباً من جهة النذر ونحوه ، بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف في ذلك الصوم ولا يضرّه وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف ، فإنّ الذي يجب لأجله هو الصوم الأعمّ من كونه له أو بعنوان آخر ، بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقاً في الصوم المندوب الذي يجوز له قطعه ، فإن لم يقطعه تمّ اعتكافه ، وإن قطعه انقطع ووجب عليه الاستئناف .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) حقيقة الاعتكاف ـ كما دلّت عليه صحيحة ابن سرحان(1) ـ عبارة عن نفس اللبث والعكوف ، وأمّا الصوم فهو خارج عن الحقيقة ، وإنّما هو شرط في الصحّة ، فهو من قبيل المقدّمات المقارنة ، نظير الطهارة والستر والاستقبال بالإضافة إلى الصلاة .

   وعليه ، فإن أنكرنا وجوب المقدّمة إلاّ عقلا من باب اللابدّيّة ـ كما هو الصحيح ـ فواضحٌ أنّ الصوم لم يتّصف بالوجوب من أجل الاعتكاف ، بل هو باق على حكمه الثابت له في حدّ نفسه من الاستحباب أو الوجوب الأصلّى كصوم رمضان ، أو العرضي كما في النذر أو الاستئجار ونحو ذلك ، ولا يحكم العقل إلاّ بالإتيان بطبيعي الصوم تحصيلا للشرط وتحقيقاً لما لا يتمّ الواجب إلاّ به بأىّ عنوان كان ، بعد أن لم يؤخذ في دليل الاشتراط عنوان خاصّ بمقتضى الإطلاق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 550 /  أبواب الاعتكاف ب 7 ح 3 .

ــ[395]ــ

   وأمّا إذا بنينا على وجوب المقدّمة شرعاً فالأمر كذلك أيضاً ، لأنّ هذا وجوب غيري ، والأمر الغيري المقدّمي توصلّى لا تعبّدي ، فلا يجب قصد الأمر الناشئ من قبل الاعتكاف ليجب الصوم من أجله ، ومناط العباديّة شيء آخر غير هذا الأمر ، وهو الأمر النفسي العبادي المتعلّق بالصوم إمّا الاستحبابي أو الوجوبي ، فحال الأمر بالصوم هنا حال الأمر المقدّمي المتعلّق بالطهارات التي تكون مناط عباديّتها الأوامر النفسيّة المتعلّقة بذواتها كما حقّقناه في الاُصول .

   وعليه ، فلا يزيد الالتزام بوجوب المقدّمة شرعاً على إنكارها في عدم وجوب قصد الصوم لأجل الاعتكاف على التقديرين ، بل اللازم إنّما هو الإتيان بطبيعي الصوم وهو الشرط في الصحّة ، أي الصوم الأعمّ من كونه له أو بعنوان آخر ندبي أو وجوبي أصلّى كشهر رمضان ، أو عرضي من نذر ونحوه .

   والروايات الحاكية لاعتكاف النبىّ (صلّى الله عليه وآله) في العشر الأواخر من شهر رمضان دالّة عليه بوضوح كما لا يخفى .

   ويتفرّع على ذلك ما سيذكره (قدس سره) في المسألة السادسة من أ نّه لو نذر الاعتكاف إمّا مطلقاً أو في أيّام معيّنة وكان عليه صوم واجب لنذر أو استئجار ونحوهما ، جاز له الصوم في تلك الأيّام وفاءً عن النذر أو الإجارة ، لما عرفت من أنّ الشرط في الصحّة إنّما هو جامع الصوم المنطبق على ما كان واجباً بالنذر ونحوه ، اللّهمّ إلاّ أن يكون نذر اعتكافه مقيّداً بأن يصوم لأجله ، فإنّه لم يجز حينئذ أن يصوم عن غيره من نذر ونحوه ، لكونه مخالفاً لنذره كما هو ظاهر جدّاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net