حكم ما لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة فاتّفق كون الثالث عيداً - لو نذر اعتكاف يوم قدوم شخص معيّن 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4235


ــ[401]ــ

   [ 2567 ] مسألة 8 : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد فاتّفق كون الثالث عيداً ، بطل من أصله (1) ، ولا يجب عليه قضاؤه (2) ، لعدم انعقاد نذره ، لكنّه أحوط .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يومين ، فالظاهر صحّته ، حيث إنّه بنفسه عبادة راجحة ، كما يستفاد ذلك ممّا ورد من أ نّه يستحبّ أن يكون الشخص أوّل داخل في المسجد وآخر خارج عنه ، حيث دلّ على أنّ مجرّد المكث والكيـنونة فيه أمر مرغـوب فيه عند الشارع ، ولذا حثّ على الازدياد وإطالة المكث ، فإذا كان هذا راجحاً ـ ولا سيّما إذا انضمّت إليه عيادة اُخرى من صلاة أو ذكر أو قرآن ونحو ذلك ـ فلا نرى أىّ مانع من انعقاد هذا النذر وصحّته بعد أن لم يعتبر فيه أىّ شيء ما عدا الرجحان المتحقّق في المقام جزماً حسبما عرفت .

   نعم ، لا يكون هذا الاعتكاف محكوماً بتلك الأحكام ، فيجوز بلا صوم وفي مطلق المسجد ومع البيع والشراء بل وفي الليل ونحو ذلك حسبما يفترضه الناذر على نفسه ، المستلزم لوجوب العمل على طبقه ، فيصحّ نذره ولا يجب تتميمه ثلاثاً كما لعلّه ظاهر جدّاً .

   (1) سواء أعلم به بعد صوم اليومين الأولين أم قبله ، إذ بعد أن كان الاعتكاف مشروطاً بالصوم ولا يشرع الصوم يوم العيد فلا جرم كانت تلك المصادفة كاشفة عن عدم انعقاد النذر ، لعدم مشروعيّة متعلّقه كما هو ظاهر .

   (2) إذ هو تابع لعنوان الفوت ، وحيث لم يتعلّق به التكليف من أصله لعدم انعقاد نذره فلم يفت عنه شيء بتاتاً حتّى شأناً واقتضاءً ، لوجود مانع عن الفعليّة كما في الحائض والمريض ونحوهما ، فلا موضوع للقضاء هنا أبداً بناءً على صحّة الاستدلال لإثبات القضاء في كلّ فريضة بقوله (عليه السلام) : «من

ــ[402]ــ

فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(1) والإغماض عمّا فيه من الخدش سنداً ودلالةً، لما عرفت من أنّ موضوعه الفوت غير المتحقّق في المقام بوجه .

   نعم ، ذكر الماتن (قدس سره) أنّ القضاء أحوط ، ويكفي في وجهه مجرّد تطرّق الاحتمال واقعاً وإن لم يساعد عليه الدليل ظاهراً، كيف؟ ! وقد ثبت القضاء في نظير المقام وهو الصوم المنذور المصادف للعيد ، فإنّه يجب قضاؤه بمقتضى صحيحة علي بن مهزيار : رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم ، أو قضاؤه ؟ وكيف يصنع يا سيّدي ؟ فكتب إليه : «قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله تعالى»(2) .

   فإنّ القضاء الثابت بهذه الصحيحة بما أ نّه على خلاف القاعدة ـ إذ لا مقتضي له أبداً بعد انكشاف عدم انعقاد النذر ، لأجل المصادفة المزبورة كما عرفت ، فلابدّ من الاقتصار على موردها ، ولا يسوغ التعدّي عنه إلى المقام بوجه ـ إلاّ أنّ ذلك ربّما يؤكّد فتح باب الاحتمال المذكور ويوجب تقوية احتمال القضاء في المقام ، نظراً إلى أنّ الاعتكاف يتقوّم بالصوم ، فإذا كان الصوم في نفسه حكمه كذلك فلا يبعد أن يكون الاعتكاف المشتمل عليه أيضاً كذلك .

   والحاصل : أنّ هذا الاحتياط استحبابي ويكفي في حسنه مجرّد احتمال القضاء واقعاً حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 3 : 164 / 353 .

(2) الوسائل 23 : 310 /  كتاب النذر ب 10 ح 1 .

ــ[403]ــ

   [ 2568 ] مسألة 9 : لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد (1) بطل ((1)) ، إلاّ أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر. ولو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صحّ ووجب عليه ضمّ يومين آخرين .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فصّل (قدس سره) في مفروض المسألة بين ما لو علم قبل الفجر بيوم قدومه ، وبين ما إذا لم يعلم ، فيصحّ في الأوّل دون الثاني ، لعدم إمكان الاعتكاف في ذلك اليوم ، لأنّ منتصف النهار ـ مثلا ـ لا يكون مبدأً لاحتساب الاعتكاف فيفوت المحلّ بطبيعة الحال ، إلاّ أن ينذر اعتكاف ثاني يوم قدومه .

   أقول : ما ذكره (قدس سره) وجيه لو كان مراد الناذر الاعتكاف من طلوع الفجر ، وأمّا لو أراد الاعتكاف من ساعة قدومه صحّ مع الجهل أيضاً ، فيتلبّس بالاعتكاف ساعة القدوم وإن كان أثناء النهار ، ويضيف عليها ثلاثة أيّام بحيث يكون أوّل أيّام اعتكافه الثلاثة هو الغد وهذا النصف المتقدّم زيادة على الثلاثة ، إذ لا مانع من الزيادة عليها ولو ببعض اليوم ، سواء أكانت الزيادة سابقة على الثلاثة أم لاحـقة ، بمقتضى إطلاق الأدلّة ، ولا يعتبر الصوم فيما لو كان الزائد بعض اليوم ، بعدم الدليل عليه حينئذ كما لا يخفى .

   وقد يقال بمنع البطلان في صورة الجهل بعد إمكان الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ، بل وجوبه عليه ، لعدم الفرق في تنجيزه بين الدفعي والتدريجي ، فيجب عليه الاعتكاف في جميع تلك الأطراف المحصورة المحتمل وقوع القدوم فيها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل صحّ ووجب عليه الاعتكاف من الفجر إن علم قدومه أثناء النهار ، وإلاّ اعتكف من زمان قدومه وضمّ إليه ثلاثة أيّام ، نعم إذا كان من قصده الاعتكاف من الفجر بطل النذر في هذا الفرض .

ــ[404]ــ

   ويندفع بما هو المحقّق في محلّه من أنّ العلم الإجمالي بنفسه لا يكون منجّزاً بالنسبة إلى الموافقة القطعيّة ـ وإن كان كذلك بالإضافة إلى حرمة المخالفة القطعيّة ـ بل المناط في التنجـيز تعارض الاُصول ويكون المنجّز في الحقيقة حينئذ هو نفس الاحتمال العاري عن المؤمّن العقلي والشرعي .

   وبعبارة اُخرى : ليس العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجيز ، بل هو مقتض له ، فيتوقّف على شرط وهو تعارض الاُصول في تمام الأطراف ، فلا تنجيز مع عدم المعارضة ، بل المرجع حينئذ هو الأصل المفروض سلامته عن المعارض .

   والمقام من هذا القبيل ، لأنّ تلك الأيّام المردّدة والأطراف المحصورة المعلوم وقوع القدوم فيها إجمالا يجري في بعضها الأصل وهو استصحاب عدم القدوم من غير معارض ، لعدم جريانه في اليوم الأخير من تلك الأطراف ، إذ لا أثر له بعد العلم بتحقّق القدوم آنذاك إمّا فيه أو فيما قبله ، فيكون جريانه فيما عدا ذلك اليوم إلى زمان العلم بالخلاف سليماً عن المعارض ، فيجري الاستصحاب في كلّ يوم إلى أن يعلم بالقدوم ، فإن علم به في ذلك اليوم فهو ، وإن علم بقدومه قبل ذلك كان معذوراً في الترك ، لأجل استناده إلى الأصل .

   ولتوضيح المقام نقول : إنّ العلم الإجمالي بما أ نّه يتعلّق بالجامع وكانت الأفراد مشكوكة بالوجدان، فهو لاينجّز إلاّ بالإضافة إلى متعلّقه فتحرم مخالفته القطعيّة ، وأمّا بالنسبة إلى الموافقة القطعيّة فهو مقتض للتنجيز وليس بعلّة تامّة ، والعبرة حينئذ بتعارض الاُصول ، فإن تعارضت كان العلم الإجمالي بل مجرّد الاحتمال غير المقرون بالمؤمّن الشرعي أو العقلي منجّزاً ، وإلاّ انحلّ العلم وكان المرجع الأصل السليم عن المعارض .

   وهذا كما لو علم إجمالا ببطلان إحدى صلاتيه من الحاضرة أو الفائتة ، فإنّه يرجع حينئذ بعد تعارض قاعدتي الفراغ فيهما إلى أصالة البراءة ، أو قاعدة

ــ[405]ــ

الحيلولة في الفائتة ، وقاعدة الاشتغال في الحاضرة ، فينحلّ العلم الإجمالي بالأصل المثبت والنافي اللذين لا تعارض بينهما بوجه .

   وكما لو علم إجمالا ببطلان وضوئه أو صلاته ، فإنّه يرجع حينئذ إلى قاعدة الفراغ في الوضوء السليمة عن المعارض ، للقطع ببطلان الصلاة على كلّ حال ، إمّا لفقد الطهور ، أو لفقد الركن ـ مثلا ـ فلا موقع لجريان القاعدة فيها ، وبذلك ينحلّ العلم .

   وبالجملة : ففي كلّ مورد كان الأصل في بعض الأطراف سليماً عن المعارض ـ إمّا لعدم جريانه في الطرف الآخر ، أو لعدم معارضته معه لكون أحدهما نفياً والآخر مثبتاً ـ لم يكن العلم الإجمالي منجّزاً من غير فرق بين الدفعي والتدريجي .

   ومقامنا من هذا القبيل ، أمّا مع عدم العلم بالقدوم حتّى إجمالا ، واحتمال عدم العود لموت أو لهجرة ونحو ذلك فظاهر ، فيرجع حينئذ إلى أصالة عدم القدوم ، لنفي الاعتكاف إلى أن يقطع بالخلاف .

   وأمّا مع العلم الإجمالي ـ كما هو المفروض ـ فأطرافه محصورة لا محالة ، فلنفرض أنّها عشرة فعلم إجمالا بالقدوم في إحدى هذه الأيّام ، وحينئذ فأصالة عدم القدوم لا تكاد تجري بالإضافة إلى اليوم الأخير ، لا بلحاظ لازمه العقلي ـ وهو حدوث القدوم في الأيّام السابقة ـ لعدم حجّيّة الاُصول المثبتة ، ولا بلحاظ نفسه ، لوضوح تقوّم الأصل بالشكّ ، وهو الآن يقطع بأنّه في اليـوم الأخير وفي ظرف العمل متيقّن بالقدوم ، إمّا في نفس ذلك اليوم أو فيما تقدّمه ، فهو غير شاكّ في القدوم آنذاك كي يجري الأصل هناك بالضرورة ، بل عالم بالقدوم إمّا في نفسه فيعتكف أو في سابقه فيكون معذوراً في تركه .

   إذن كان الاستصحاب بالإضافة إلى كلّ واحد من الأيّام السابقة إلى اليوم التاسع جارياً وسالماً عن المعارض ، فيحرز في كلّ منها عدم القدوم ببركة




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net