هل تثبت الموضوعات بخبر العدل الواحد كما تثبت به الأحكام أو لا ؟ - لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجديّة فبان الخلاف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3650


ــ[432]ــ

   [ 2583 ] مسألة 24 : لا بدّ من ثبوت كونه مسجداً أو جامعاً بالعلم الوجداني أو الشياع المفيد للعلم أو البيّنة الشرعيّة ، وفي كفاية خبر العدل الواحد إشكال((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ كمخزن في المسجد يجعل فيه الأثاث لم يعلم أ نّه جزء أو وقف بعنوان آخر ـ فالمرجع أصالة لعدم .

   (1) هذا بحث كلّي قد تعرّضنا له في مطاوي هذا الشرح مراراً ، وهو أنّ الموضوعات هل تثبت بخبر العدل الواحد ـ خبراً حسّيّاً لا حدسيّاً ـ كما تثبت به الأحكام أو لا ، مثل : الإخبار بالطهارة أو النجاسة أو دخول الوقت ونحو ذلك ، ومنها المسجديّة أو الجامعيّة فيما نحن فيه ؟

   وقلنا : إنّ الأوجه ثبوت كلّ شيء بخبر الواحد إلاّ ما ثبت خلافه بدليل خاصّ ، كما في الترافع حيث يحتاج إلى شاهدين عادلين ، أو في الدعوى على الأموال المفـتقرة إلى شاهد واحد ويمين ، وقد يحتاج إلى شاهد وامرأتين كالدعوى في غير الأموال أيضاً كالزواج ، وقد يحتاج إلى أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين كما في الزنا ، إلى غير ذلك . فكلّما دلّ الدليل على اعتبار العدد أو ضمّ اليمين يتّبع، وإلاّ فبما أنّ عمدة المستند لحجّيّة خبر الواحد إنّما هي السيرة العقلائيّة الممضاة عند الشارع بعدم الردع ـ التي لا يفرّق فيها قطعاً بين الموضوعات والأحكام ـ كان خبر الواحد حجّة في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة بمناط واحد ، إذ لا خصوصيّة للأحكام في ثبوت السيرة بالضرورة .

   وأمّا رواية مسعدة بن صدقة : « ... والأشياء كلّها على هذا حتّى تستبين أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا تبعد كفايته .

ــ[433]ــ

تقوم به البيّنة»(1) فغير صالحة للرادعيّة ، لا لأجل ضعف السند بجهالة مسعدة وإن كنّا تناقش فيها سابقاً من هذه الجهة ، وذلك لوجوده في إسناد كامل الزيارات . بل لقصور الدلالة .

   وتوضيحه : أ نّه قد ذكر في موردها أمثلة ثلاثة كلّها مجرى لأصاله الحلّ ـ  أي محكوم بالحلّيّة في ظاهر الشرع  ـ :

   أحدها : الثوب ولعلّه سرقة . فإنّ هذا الاحتمال ملغى بمقتضى حجّيّة يد المسلم الذي اشترى منه الثوب .

   الثاني : امرأة تحتك لعلّها اُختك أو رضيعتك. وهو أيضاً مدفوع باستصحاب عدم النسب أو الرضاع الذي يترتّب عليه صحّة النكاح .

   الثالث : العبد ولعلّه حرّ قُهِر فبيع . وهو أيضاً لا يعتنى به بمقتضى حجّيّة سوق المسلمين ، بل لو ادّعى العبد بنفسه ذلك أيضاً لا يسمع منه .

   وبعد ذلك كلّه يقول (عليه السلام) : إنّ الأشياء كلّها على هذا ، أي على أصالة الحلّ والجواز حتّى يستبين ، أي يظهر خلافه بنفسه وبالعلم الوجداني ، أو تقوم به البيّنة ، أي يقوم دليل من الخارج على الحرمة .

   وليس المراد بالبيّنه المعنى الاصطلاحي ـ أعني : الشاهدين العادلين ، لتكون الرواية رادعة عن السيرة العقلائيّة القائمة على حجّيّة خبر الواحد في الموضوعات الخارجيّة ، إذ لم تثبت لهذه اللفظة حقيقة شرعيّة في كلمات النبي (صلّى الله عليه وآله) أو المعصومين (عليهم السلام) ـ بل هي على معناها اللغوي ، أعني : مطلق الدليل وما يتبيّن به الأمر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 89 /  أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4 .

ــ[434]ــ

   وبهذا المعنى استُعمل في القرآن ، قال تعالى : (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ)(1) ، وقال تعالى : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)(2) . وكذلك قول النبي (صلّى الله عليه وآله) : «إنّما أقضي بينكم بالأيمان والبيِّنات»(3) أي بالأدلّة ، وقوله (صلّى الله عليه وآله) : «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه»(4) ، فإنّ المراد مطالبة المدّعي بالدليل في قبال المنكر .

   نعم ، ثبت من الخارج أنّ من أحد الأدلّة شهادة العدلين ، لا أنّ شهادة العادلين بخصوصها هي المراد من كلمة «البيِّنة» ، فإنّ الأدلّة كثيرة ومنها شاهد واحد ويمين كما تقدّم ، فلا تحصر في البيّنة المصطلحة .

   والذي يدلّنا على ذلك ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ـ أنّ الأدلّة التي تثبت بها الحرمة كثيرة، كحكم الحاكم، وإقرار ذي اليد، والشياع المفيد للاطمئنان ، والاستصحاب ـ كاستصحاب عدم التذكية ـ إلى غير ذلك ، ولا ينحصر رفع اليد عن الحلّيّة بالبيّنة المصطلحة ، فلماذا خُصَّت من بينها بالذكر في قوله (عليه السلام) : «حتّى يستبين أو تقوم به البيّنة» مع أنّ بعضها ـ كالإقرار ـ أقوى منها في الاعتبار ومقدّمٌ عليها ؟! فيكشف ذلك كشفاً قطعيّاً عن أنّ المراد بالبيّنة في هذه الرواية ـ كغـيرها من موارد استعمالها في الكتاب والسنّة ممّا تقدّم ـ هو مطلق الدليل والحجّة لا خصوص البيّنة المصطلحة ، وإنّما هي فردٌ من أحد أفراد الأدلّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) آل عمران 3 : 184 .

(2) البيِّنة 98 : 1 .

(3) الوسائل 27 : 232 /  أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 2 ح 1 .

(4) الوسائل 27 : 234 /  أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 3 ح 3 .

ــ[435]ــ

   والظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعي((1)) (1) .

   [ 2584 ] مسألة 25 : لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجديّة أو الجامعيّة فبان الخلاف تبيّن البطلان (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فيكون المعنى : أنّ الأشياء كلّها على الجواز إلى أن تثبت الحرمة إمّا بنفسها أو بقيام دليل شرعي من الخارج ، ومنه خبر الواحد الثابت حجّيّته بالسيرة العقلائيّة . ومعه فكيف تكون هذه الرواية رادعة عن السيرة ؟!

   فالصحيح أنّ خبر الواحد حجّة في الموضوعات مطلقاً كالأحكام إلاّ أن يقوم الدليل على خلافه حسبما عرفت .

   (1) هذا أيضاً بحث كبروي وأنّ حكم الحاكم هل هو نافذ مطلقاً أو لا ؟ وقد تقدّم في بعض الأبحاث السابقة عدم الدليل على ثبوت الولاية المطلقة ليكون حكمه نافذاً في جميع الموارد بنحو الكلّيّة ، بل المتيقّن منه مورد النزاع والترافع ، فلو ادّعى بعض الورثة وقفيّة بعض التركة بعنوان المسجديّة وأنكرها الباقون فرُفع النزاع إلى الحاكم الشرعي فثبت عنده وحكم كان حكمه نافذاً بلا إشكال وترتّب عليه آثار المسجديّة التي منها صحّة الاعتكاف كما هو الحال في بقيّة الأوقاف الواقعة مورداً للنزاع ، وأمّا بدون الترافع فلا دليل على نفوذ حكمه ، ومقتضى الأصل العدم .

   (2) إذ العبرة بالواقع ، ولا أثر للاعتقاد الذي هو خيالٌ محض ، والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه كما هو واضح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا فيما إذا حكم بالمسجديّة عند الترافع إليه ، وإلاّ ففي كفايته إشكال .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net