عدم وجوب الإعلام بكون المدفوع زكاة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4328


ــ[43]ــ

   [ 2710 ] مسألة 12 : لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة (1) ، بل لو كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها وهو مستحقّ يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة ظاهراً والزكاة واقعاً .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما لو كان الوارث راغباً في تفريغ ذمّة الميّت عن الدَين ، لأنّ موردها ذلك ، فلا تشمل الممتنع وإن كان الدليل لفظيّاً ، فيقتصر على المتيقّن من التقييد ، ويرجع فيما عداه إلى إطلاق الأدلّة ، المقتضي لجواز الاحتساب عن الزكاة كما تقدّم .

   (1) تنحلّ المسألة إلى فروع ثلاثة :

   أحدها : عدم وجوب الإعلام بكون المدفوع زكاة ، بل استحباب الدفع بعنوان الصلة ظاهراً لو كان الفقير رفيعاً ويدخله الحياء ، كأن يقول : هذا راجع إليكم ، أو : اُقدّمه لكم ، ونحو ذلك ممّا يوهم الهبة والصلة .

   ويدلّ على الحكم ـ مضافاً إلى الاجماع كما عن غير واحد ـ أوّلاً : إطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة ، إذ لم يقيّد الدفع في شيء منها بالإعلام ، بل اقتصر على مجرّد الإيصال إليه .

   وثانياً : صحيحة أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذه من الزكاة ، فاُعطيه من الزكاة ولا اُسمّي له أ نّها من الزكاة ؟ «فقال : أعطه ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن» (1) .

   وهي وإن كانت ضعيفة السند بطريق الكليني من أجل سهل بن زياد ، إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 314 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح1 ، الكافي 3 : 563 / 3 ، الفقيه 2 : 8 / 25 .

ــ[44]ــ

أ نّها صحيحة بطريق الصدوق ، لصحّة طريقه إلى عاصم بن حميد .

   كما أ نّها صريحة الدلالة على المطلوب .

   ولكن قد تعارضها صحيحة ابن مسلم، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الرجل يكون محتاجاً فيبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك زمام الحياء وانقباض ، فنعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه وهي منّا صدقة ؟ «فقال : لا ، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها ، وإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه ، وما ينبغي له أن يستحيي ممّا فرض الله ، إنّما هي فريضة الله له فلا يستحيي منها» (1) .

   ويندفع : بأنّ ذيلها ـ أعني قوله (عليه السلام) «وما ينبغي» المذكور في باب 57 ـ غير قابل للتصديق ، إذ كون الزكاة فريضة على الدافع لا يستلزم عدم استحياء القابض ، وإنّما يستوجب اللوم لو كانت فريضة على المستحيي نفسه لا على شخص آخر ، كيف ؟! وهي أوساخ الأموال كما صرّح به في الأخبار ، ففي قبولها نوع من المهانة والذلّ كما عبّر به في صحيحة أبي بصير المتقدّمة ، ومن هنا مُنعت عن بني هاشم وعوّضوا عنها بالخمس إجلالاً لهم وترفيعاً لشأنهم .

   وعلى الجملة: جعل حكم على شخص فريضة أو سنّة لا ينافي استحياء الآخر، فإنّ المتعة سنّة مؤكّدة ومع ذلك يستحييّ الشريف من تعريض ابنته الباركة للتمتّع بها ، فمضمون الصحيح لا يمكن الالتزام به ، ولا بدّ من ردّ علمه إلى أهله .

   وأمّا الصدر ـ أعني قوله في الجواب : «إذا كانت» ـ فلا يخلو أيضاً عن شيء بعد ذهاب الأصحاب إلى الجواز ، بل عليه الاجماع كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 315 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح 2 ، وأورد ذيلها في ص 313 ب 57 ح 1 .

ــ[45]ــ

   بل لو اقتضت المصلحة (1) التصريح كذباً بعدم كونها زكاة جاز ((1)) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وقد حمله صاحب الوسائل تارةً : على عدم الاحتياج وانتفاء الاستحقاق .

   وهو ـ كما ترى ـ مخالف لفرض الفقر المذكور في كلام السائل .

   واُخرى : على عدم وجوب الإخفاء .

   وهو خلاف الظاهر جدّاً ، بعيد عن سياق الكلام كما لا يخفى .

   وربّما يجمع بينها وبين صحيحة أبي بصير بالحمل على الكراهة ، لصراحة تلك في الجواز وظهور هذه في المنع، فيرفع اليد عن ظاهر أحدهما بصريح الآخر، فإن تمّ ذلك ، وإلاّ فلا ريب في تقديم الاُولى ـ أعني : صحيحة أبي بصير ـ إذ الثانية شاذّة مهجورة لا عامل بها ، فلا تنهض للمقاومة بإزاء الرواية المشهورة المجمع عليها بين الأصحاب ، فتأمّل .

   ومع الغضّ عن ذلك وتسليم استقرار المعارضة فغايته تساقط الصحيحتين ، فيرجع بعدئذ إلى إطلاقات الأدلّة القاضية بعدم اعتبار الإعلام كما عرفت .

   (1) الفرع الثاني : جواز التصريح كذباً بعدم كونها زكاة لو اقتضت المصلحة ذلك ، كأن يقول : إنّ هذا دين اقترضته منك سابقاً وقد نسيته أنت ، ونحو ذلك . ولكن هذا لم يظهر له أي وجه ، فإنّ مجرّد وجود المصلحة من ملاحظة احترام المؤمن وعدم الإذلال به أو ترتّب المنفعة لا يسوّغ ارتكاب الكذب الذي هو من الكبائر ما لم تبلغ المصلحة حدّ الإلزام والوجوب بحيث يكون أقوى ملاكاً من مفسدة الكذب ، ولا سيّما بعد إمكان التورية بناءً على جوازها في غير مورد الضرورة أيضاً كما هو الصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جواز الكذب في أمثال المقام لا يخلو من إشكال بل منع . نعم ، لا بأس بالتورية .

ــ[46]ــ

إذا لم يقصد القابض عنواناً آخر ((1)) (1) غير الزكاة ، بل قصد مجرّد التملّك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) الفرع الثالث : اعتبار عدم قصد القابض عنواناً آخر مغايراً للزكاة .

   ويقع الكلام تارةً في الصغرى واُخرى في الكبرى .

   أمّا الصغرى : فالظاهر أ نّها غير معقولة ولا يمكن فرضها في المقام إلاّ نادراً، إذ بعد أن أخبر الدافع ـ ولو كذباً ـ بعدم كون المدفعو زكاةً وقد قبضه الفقير بانياً على هذا الاعتقاد فكيف يمكنه القبض والحال هذه بعنوان الزكاة أو بعنوان مطلق التملّك الجامع لها والقابل للانطباق عليها ؟! فإنّه مناف للاعتقاد المزبور، بل لا يمكنه إلاّ قصد العنوان المغاير من هدية ونحوها .

   اللّهمّ إلاّ أن يحتمل كذب المخبر ولم يعتقد بصدقه فيمكنه حينئذ عدم قصد العنوان الآخر ، ولكنّه فرض نادر كما عرفت ، بل لعلّه خارج عن محلّ الكلام كما لا يخفى .

   وأمّا الكبرى : فلا عبرة بقصد القابض أبداً ، وإنّما الاعتبار بقصد الدافع الذي هو المكلّف بالزكاة ، فإنّها وظيفة له لا للفقير القابض ، إذ لا شأن له عدا أ نّه مورد ومصرف لها ، ومن الواضح أنّ الدفع إليه ليس من قبيل المعاملات ليحتاج إلى قبول منه عن قصد وورود القصدين على محلّ واحد ، فلو دفع بقصد البيع وقبض بقصد الإجارة بطل ، أمّا لو دفع في المقام بقصد الزكاة وقبض الفقير بقصد الوفاء عن دَين تخيّل له عليه صحّ وبرئت ذمّة الدافع عن الزكاة بلا إشكال .

   والسرّ ما عرفت من أنّ المناط في القصد صدوره ممّن هو موظّف بالزكاة ، وليس إلاّ الدافع ، ولا أثر لقصد القابض بوجه ، ومن ثمّ صحّ الاحتساب زكاةً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا أثر لقصد القابض في أمثال المقام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net