السابع : سبيل الله 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4385


ــ[111]ــ

   السابع : سبيل الله (1) ، وهو جميع سبل الخير ((1)) (2) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أمّا في الصورة الاُولى : فلأجل أ نّه بعد أن استدان لنفسه ولو لتلك الغاية الراجحة أصبح بشخصه هو المدين، ومن المعلوم أنّ العطاء لقضاء الدين الشخصي وإن كان عملاً قربيّاً إلاّ أنّ الموضوع لسهم سبيل الله ليس هو كلّ أمر قربي ، بل الموضوع هو الصرف فيه ولم يصرف فيه ممّا نحن فيه ، بل صرف في تسديد دين كان هو المصروف في سبيل الله ، والاحتساب لا دليل عليه في المقام . ومن ثمّ لا يجوز تعويض ما صرفه في سبيل الجهاد ـ الذي هو من أوضح مصاديق سبيل الله ـ من هذا السهم بأن تدفع له الزكاة عوضاً عمّا بذله في الجهاد حتّى على القول بجواز الدفع والصرف من هذا السهم للمتمكّن فيما إذا لم يقدم إلاّ على هذا الوجه .

   وبالجملة : ما صرفه في سبيل الله لم يكن زكاة ، بل ديناً شخصيّاً ، وما كان زكاة لم يصرفه في سبيل الله ، بل في أداء دين نفسه ، وأداء الدين لا يعدّ عرفاً من سبيل الله، فلايجوز الأخذ لا من هذا السهم لما عرفت ، ولا من سهم الغارمين لاختصاصه بصورة العجز عن الأداء والمفروض تمكّنه منه .

   ومنه تعرف الحال في الصورة الثانية ـ أعني : ما إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك ـ ضرورة أنّ القصد لا يغيّر الواقع ولا يجعل غير الجائز جائزاً، ولا المصروف الذي هو عين ما استدان مصداقاً للزكاة ، فلا يكون صرفه صرفاً للزكاة ، وقد عرفت أنّ التعويض لا يحقّق الصرف من سهم سبيل الله ، فلاحظ .

   (1) وهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد نطق به الكتاب والسنّة ، واتّفقت عليه الخاصّة والعامّة .

   (2) على المشهور بين فقهائنا من التعميم لكلّ ما يتضمّن خيراً للمسلمين أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل خصوص ما فيه مصلحة عامّة .

ــ[112]ــ

كبناء القناطر والمدارس والخانات والمساجد وتعميرها ، وتخليص المؤمنين من يد الظالمين ، ونحو ذلك من المصالح ، كإصلاح ذات البين ، ودفع وقوع الشرور والفتن بين المسلمين ، وكذا إعانة الحجّاج والزائدين وإكرام العلماء والمشتغلين مع عدم تمكّنهم من الحجّ والزيارة والاشتغال ونحوها من أموالهم، بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قرية .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فائدة للدين أو تعظيماً لشعائر الإسلام ، كالأمثلة المذكورة في المتن .

   خلافاً للجمهور ، حيث خصوّه بما يصرف في سبيل الجهاد والمقاتلة مع أعداء الدين . ونُسب ذلك إلى الشيخ والمفيد والصدوق أيضاً (1) .

   وربّما يستدلّ لهم بما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن يونس بن يعقوب : إنّ رجلاً كان بهمدان ذكر أنّ أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصيّه عند الموت ، وأوصى أن يعطى شيء في سبيل الله ، فسُئل عنه أبو عبدالله (عليه السلام) كيف نفعل ، وأخبرناه أ نّه كان لا يعرف هذا الأمر «فقال : لو أنّ رجلاً أوصى إليّ أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما ، إنّ الله تعالى يقول : (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ا لَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ، فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر (الوجه خ ل) يعني بعض الثغور فابعثوا به إليه» (2) .

   وفيه ـ مضافاً إلى ضعف السند بسهل بن زياد ـ: أنّ الدلالة قاصرة، إذ موردها الوصيّة، والمفروض أنّ الموصي غير شيعي، وقد عرفت اختصاص سبيل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 12 : 199 .

(2) الوسائل 19 : 341 / كتاب الوصايا ب 33 ح4، الكافي 7 : 14 / 4 ، الفقيه 4 : 148 / 515 ، التهذيب 9 : 202 / 805 ، الاستبصار 4 : 128 / 485 . والآية في البقرة 2 : 181 .

ــ[113]ــ

الله عندهم بالجهاد، فلا جرم تنصرف الوصيّة إلى ما يعتقده الموصي ، ولعلّ في قوله : «لو أنّ رجلاً أوصى» إلخ ، إيعازاً بذلك ـ أي بعدم الاختصاص ـ لولا أنّ الوصيّة اقتضت ذلك . إذن فلا ملازمة بين مورد الرواية وبين محلّ الكلام .

   هذا ، مع أنّ الرواية لا دلالة لها على الحصر بوجه، إذ لم تكن بصدد التفسير، بل في مقام التطبيق، ولعلّه من أجل أ نّه أهمّ المصاديق وأوضحها لا أ نّه منحصر فيه ، ولا سيّما بقرينة ما ورد في بعض نصوص الوصيّة من التطبيق على غير الجهاد، كمعتبرة الحسين بن راشد، قال: سألت أبا الحسن العسكري (عليه السلام)، (بالمدينة) عن رجل أوصى بمال (له خ ل) في سبيل الله «قال: سبيل الله شيعتنا»(1) .

   فإنّ المسمّى بـ : الحسن بن راشد ، مشترك بين من هو من أصحاب الصادق ومن هو من أصحاب الرضا ومن هو من أصحاب العسكري (عليهم السلام) ، والمراد به في المقام هو الأخير بقرينة روايته عن العسكري، وهو المكنّى بـ : أبي علي، مولى لآل المهلب، وقد وثّقه الشيخ في رجاله(2)، فالسند معتبر كما أنّ الدلالة واضحة .

   وهناك رواياة اُخرى دلّت على جواز الصرف في غير الجهاد كالحجّ :

   منها : صحيحة علي بن يقطين ، أ نّه قال لأبي الحسن (عليه السلام) : يكون عندي المال من الزكاة فأحجّ به مواليّ وأقاربي ؟ «قال : نعم ، لا بأس» (3) .

   ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصرورة أيحجّ من الزكاة ؟ «قال : نعم» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 338 / كتاب الوصايا ب 33 ح 1 .

(2) لاحظ رجال الطوسي : 167 / 29 و 373 / 29 .

(3) الوسائل 9 : 290 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 1 .

(4) الوسائل 9 : 290 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح2، الفقيه 2 : 19 و 262 / 60 و 1277، التهذيب 5 : 460 / 1602 .

ــ[114]ــ

مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة (1) ، بل مع تمكّنه أيضاً لكن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فإنّ طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم وإن كان ضعيفاً ولكنّه رواها عنه بطريق آخر ، وهو إسناده عن حريز عن محمد بن مسلم ، كما أنّ الشيخ أيضاً رواها كذلك وطريقه إلى حريز صحيح .

   ومنها : صحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سـألته عن الصرورة أيحجّه الرجل من الزكاة ؟ «قال : نعم» (1) .

   فإنّها وإن كانت ضعيفة السند في طريق ابن إدريس لجهالة طريقه إلى البزنطي ولكن صاحب الوسائل يرويها أيضاً عن كتاب علي بن جعفر وطريقه إليه صحيح .

   وبالجملة : فهذه النصوص تدلّنا بوضوح على عدم الاختصاص بالجهاد ، ومعه لا موجب لرفع اليد عن إطلاق الآية المباركة الدالّة على التعميم لكلّ سبل الخير وما صدق عليه عرفاً عنوان سبيل الله .

   أجل ، ينبغي تقييده بما يعود نفعه إلى العموم ويعدّ من المصالح العامّة ، فلا يشمل مثل تزويج الغني ، فإنّ عنوان سبيل الخير وإن كان صادقاً عليه بمفهومه الواسع، فإنّ التزويج خير وموجب لإدخال السرور في قلب المؤمن ، إلاّ أنّ مناسبة الحكم والموضوع ـ ولاسيّما ملاحظة حكمة التشريع من رفع الحاجة وسدّ الخلّة ـ يستوجب الانصراف عنه، فما قد يظهر من بعضهم من جواز الصرف من هذا السهم في شؤون الأغنياء ـ كتزويج أولادهم أو شراء كتب دينيّة لمطالعتهم وما شاكل ذلك ـ لا يمكن المساعدة عليه بوجه .

   (1) هل تعتبر الحاجة في الصرف من هذا السهم ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 291 / أبواب المستحقين للزكاة ب42 ح4 ، مستطرفات السرائر : 33 / 35 ، مسائل علي بن جعفر : 143 / 168 .

ــ[115]ــ

مع عدم إقدامه إلاّ بهذا الوجه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فيه تفصيل ، فإنّه :

   تارةً يصرف في جهة من الجهات العامّة كبناء القناطر والمدارس والمساجد ونحوها .

   واُخرى : يدفع إلى أحد ليصرفه في سبيل الخير من الحجّ أو الجهاد ، أو المواكب الحسينيّة وما شاكلها .

   ففي الأوّل : لا ينبغي الشكّ في جواز استفادة الغني منها كالفقير ، ولا ينافيه قوله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصدقة لغني» ، لوضوح عدم شموله لمثل ذلك جزماً ، فإنّه ناظر إلى الإنفاق على الغني وتمليكه إيّاه لا الصرف في جهة عامّة مع مسيس الحاجة لينتفع منها الكلّ وهو أيضاً يستفيد منها كأحد المسلمين ، والظاهر أنّ هذا ممّا لم يستشكل فيه أحد، فإنّ هذه الاستفادة لاتعدّ من مصاديق الصرف وهذا واضح .

   وأمّا الثاني : فإن لم يكن المورد الخيري محتاجاً إلى الصرف من هذا السهم ـ  كما لو كان لدى الحجّاج أو الزوّار أو أرباب المواكب ما يكفيهم لإدارة شؤونهم  ـ فحينئذ لا يبعد انصراف الأدلّة عن هذه الصورة ولو بملاحظة ما عرفت من حكمة التشريع المقتضـية للاختصاص ، بمواطن الحاجة كما تقدّم ، مثل هذا الانصراف في الصرف من سهم الغارمين أيضاً .

   وأمّا إذا كانت الحاجة ماسّة بحيث لا سبيل للوصول إلى السبيل الخيري من دون الاستفادة من الزكاة ، فالظاهر جواز الصرف حينئذ وإن كانوا هم أغنياء ـ أي مالكين لقوت سنتهم ـ فيعطى للغني الشرعي أيضاً من هذا السهم ليصرفه في سبيل الخير فيما لو دعت الحاجة إليه ، كما لو فرضنا قلّة الحجّاج في سنة واقتضت شوكة الإسلام كثرتهم وكانت هناك جماعة يملكون قوت سنتهم بل قد حجّوا عن استطاعتهم ولكنّهم لا يستطيعون الحجّ في هذه السنة ، فإنّه يجوز




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net