إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً لجهة راجحة أو مطلقاً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4341


ــ[126]ــ

   [ 2729 ] مسألة 31: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً لجهة راجحة أو مطلقاً ينعقد نذره(1)، فإن سها فأعطى فقيراً آخر أجزأ (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومنه يظهر الحال في الفرض الثاني ، فإنّه وإن امتاز بالجهالة حتّى في متن الواقع من دون التعيين، لفرض تحقّق العنوانين معاً، ككونه فقيراً وغارماً ـ مثلاً ـ فلا يقع لأحدهما دون الآخر ما لم يعيّن ، إلاّ أ نّك عرفت أ نّه لا يعتبر في الزكاة تعيين الصرف ، وإنّما المعتبر مجرّد الإيصال إلى المصرف لا قصد عنوانه ، وقد تحقّق في كلتا الصورتين .

   أجل ، يشكل الأمر بناءً على القول بوجوب البسط ، فلو تردّد زيد بين الفقير والغارم أو كان متّصفاً بهما معاً ، فلا بدّ من التعيين في الفرض الثاني ليوزع الباقي على المصارف السبعة الاخر ، واما في الفرض الأوّل فلا يجزى الدفع إليه في احراز البسط كما لا يخفى .

   (1) أمّا في الأوّل ـ كما لو كان الفقير من أرحامه ـ فواضح، وكذا في الثاني، لكفاية الرجحان في طبيعي الفعل المنذور وإن لم تكن الخصوصيّة المكتنفة راجحة، كما لو نذر إكرام زيد العالم، أو الصلاة في مسجد خاصّ، أو الصيام في يوم معيّن، لثبوت الرجحان في طبيعي هذه الاُمور وإن لم تكن لزيد أو للمسجد الخاصّ أو اليوم المعيّن مزيّة على غيره من أفراد هذا الطبيعي . إذن فيكفي ثبوت الرجحان في إعطاء الزكاة للفقير وإن لم يكن رجحان لزيد بخصوصه .

   (2) فلا إعادة عليه ولا كفّارة .

   أمّا الأوّل فلتحقّق الامتثال بعد وضوح أنّ الأمر النذري المتعلّق ببعض أفراد الواجب لا يستوجب تضييقاً فيه ولا تقييداً في متعلّق الأمر الأوّل ، بل غايته أن يكون من قبيل الواجب في واجب ، فلو تركهما عامداً عوقب عليهما، ولو خالف النذر عوقب عليه فقط مع صحّة أصل العمل .

ــ[127]ــ

   وبالجملة : موضوع الأمر الأوّل لم يتغيّر بالنذر ولم ينقلب عمّا كان عليه ، بل هو بعد النذر كقبله باق على إطلاقه وسريانه ، وتمام أفراد الطبيعة في الوفاء بما فيها من المصلحة شرع سواء وعلى صعيد واحد ، ولا يكاد يوجب سقوط أيّ فرد منها عن قابليّة الامتثال به ، والتضييق إنّما هو في موضوع الأمر الثاني ، فلو نذر أن يصلّي الفريضة في المسجد فخالف وصلاّها في الدار تحقّق الامتثال وإن حنث النذر ، فإنّ الموضوع للأمر الصلاتي طبيعي الفريضة ، والخصوصيّات الفرديّة من الزمانية أو المكانية ونحوها خارجة عن حريم المأمور به ، فلا جرم تبرأ الذمّة بالإتيان بأيّ فرد كان ، وتحقّق العصيان للأمر الثانوي النذري لا يستوجب خللاً في ذلك بوجه .

   وعليه ، فلو خالف النذر ودفع الزكاة لمستحقّ آخر برأت ذمّته عن أصل الزكاة ، إذ الانطباق بعد البقاء على الإطلاق قهري ، والإجزاء عقلي ، وبه ينعدم موضوع النذر بطبيعة الحال ، لأنّ موضوعه دفع الزكاة ، ولا موضوع لها بعد فراغ الذمّة منها ، إذ لا معنى للامتثال عقيب الامتثال .

   وأمّا الثاني : فلحديث رفع النسيان ، فإنّ مخالفة النذر تستوجب الكفّارة ، وهذا الأثر مرفوع بالحديث . هذا أوّلاً .

   وثانياً : إنّ الكفّارة تتبع المخالفة ليتحقّق بها الخنث ، والمخالفة تتبع كيفيّة النذر ، وحيث إنّ النذر التزام من الناذر على نفسه والالتزام لا يتعلّق إلاّ بالأمر الاختيـاري فلا جرم يختصّ متعلّقه بالحصّة الاختياريّة الناشـئة عن العمد والإرادة . إذن فالمخالفة السهويّة غير مشمولة للنذر من أوّل الأمر ، فلو دفع الناذر زكاته لغير المنذور له نسياناً لم يتحقّق الحنث لتجب الكفّارة .

   والمتحصّل : أ نّه لا ينبغي الإشكال في حصول الامتثال بالإعطاء لغير المنذور له نسياناً كما لا كفّارة عليه حسبما عرفت .

ــ[128]ــ

ولا يجوز استرداده وإن كانت العين باقية (1) ، بل لو كان ملتفتاً إلى نذره وأعطى غيره متعمّداً أجزأ أيضاً (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لأنّ الفقير قد ملكها بالقبض ، وقد عرفت حصول الامتثال وسقوط موضوع النذر ، فلا مجال لتداركه بالاسترداد .

   (2) أمّا الإجزاء فلمّا عرفت من تحقّق الامتثال بعد عدم استيجاب النذر للتقييد ، وأمّا الإثم فلتعمّد الحنث ، وأمّا الكفّارة فلحصول المخالفة عن التفات وإرادة ، فهو كمن تعمدّ الصلاة فرادى وقد نذرها جماعة في حصول الإجزاء للامتثال وثبوت الكفّارة للمخالفة، فالإجزاء للأمر وجودي وهو الإتيان بأصل الطبيعة ، والكفّارة لأمر عدمي وهو عدم تطبيقها على الفرد المنذور ، ولا تنافي بين الأمرين بوجه .

   ودعوى أنّ التطبيق على غير المنذور مفوّت للواجب فيكون حراماً ومبغوضاً فكيف يتحقّق به الامتثال ؟!

   مدفوعة بما هو المقرّر في محلّه من عدم التمانع بين الضدّين ، ولا يكاد يتوقّف وجود أحدهما على عدم الآخر ولا العكس ، فلا مقدّميّة في البين ، بل هما متلازمان وفي مرتبة واحدة ، والأمر بالشيء لا يقتضي الأمر بملازمه ولا النهي عن ضدّه . إذن فالأمر النذري وإن أوجب تطبيق الطبيعة على الفرد المنذور لكنّه لا يقتضي النهي عن ضدّه وهو الفرد الآخر ، بل هو باق على ما كان عليه من الإباحة والوفاء بالغرض الكامن في الطبيعة المقتضي لجواز تطبيقها عليه أيضاً كغيره .

   وربّما يقال برجوع النذر في أمثال المقام إلى نذر عدم تفريغ الذمّة إلاّ بهذا الفرد الخاصّ أو عدم تطبيق الطبيعة إلاّ عليه ، فالتطبيق أو التفريغ بغيره بما أ نّه مخالفة للنذر فهو حرام بل وباطل، إذ النهي عن العبادة موجب لفسادها، فكيف

ــ[129]ــ

يمكن الجمع بين الحنث وبين الإجزاء ؟!

   وبعبارة اُخرى : فرض المخالفة للنذر مساوق لفرض عدم التفريغ ، وفرض عدمه مساوق لعدم المخالفة ، فيلزم من فرض المخالفة عدمها . إلاّ إذا كان نذر المصداق الخاصّ منوطاً ببقاء اشتغال الذمّة ومن قبيل شرط الوجوب لا الواجب .

   أقول : تارةً يفرض تعلّق النذر بالعنوان الوجودي كإعطاء الزكاة إلى زيد أو تفريغ الذمّة بالدفع إليه . واُخرى بالعنوان العدمي كعدم الإعطاء لغيره . وقد عرفت أ نّه على التقديرين لا يسري الأمر النذري إلى لازمه ـ أعني : عدم الضدّ الآخر ـ الذي هو عدم الإعطاء لغير زيد في الأوّل والإعطاء لزيد في الثاني، لأنّ الأمر بأحد الضدّين لا يستلزم الأمر بترك الآخر ولا العكس ، لعدم لزوم اشتراك المتلازمين في الحكم ، وقد عرفت عدم المقدّميّة بينهما ، والأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه .

   إذن فلا مانع من تحقّق الامتثال بالفرد الآخر في الفرض الأوّل بعدما تقدّم من عدم حصول التقييد في موضوع الأمر الأوّل .

   وأمّا في الفرض الثاني : فالظاهر عدم انعقاد النذر ، إذ لا رجحان في عدم التطبيق أو عدم التفريغ بعدما عرفت من أنّ لازم عدم التقييد اشتراك الجميع في الاشتمال على الرجحان والوفاء بالغرض القائم بالطبيعة .

   نعم ، يمكن أن يكون فرد خاصّ مشتملاً على مزيّة ، ككونه عالماً أو ذي رحم ، ولأجله يقع مورداً لنذر التطبيق أو التفريغ ، وأمّا العنوان العدمي فلا رجحان فيه كما لا يخفى .

   أضف إلى ذلك : أ نّه مع الغضّ أو افتراض مصلحة في ذلك فانعقاد نذر عدم التفريغ مشكل من ناحية اُخرى، حيث إنّه يلزم من فرض وجوده عدمه ، نظراً إلى اعتبار القدرة في متعلّق النذر بحيث يتمكّن بعد انعقاده من امتثاله أو مخالفته، كما هو الحال في سائر الواجبات، مع أ نّه بعد فرض الانعقاد عاجز عن المخالفة،

ــ[130]ــ

لعدم تمكّنه بعدئذ من تفريغ الذمّة بالإعطاء إلى الغير ، ضرورة أنّ نفوذ النذر أوجب حرمته ، وبما أنّ الزكاة عبادة فتحريمها مساوق لفسادها ، ومعه يستحيل التفريغ ، فيلزم من انعقاد النذر عدم انعقاده . وهو كما ترى .

   ولا يقاس ذلك بنذر التفريغ بالدفع لخصوص زيد ، لما عرفت من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه . أمّا في المقام فنفس العبادة متعلّق للنهي الذي هو مصبّ النذر ومفاده .

   كما لا يقاس بمثل نهي الحائض عن العبادة ، إذ المنهي هناك هو الذات القابلة للفساد ، أمّا في المقام فالمنهي هو الوصف العنواني ، لأ نّه الذي يكون مصداقاً للتفريغ ، ومثله يمتنع اتّصافه بالفساد ، إذ لا تفريغ إلاّ بعبادة صحيحة ، فيلزم من وجوده عدمه كما عرفت .

   ودعوى أنّ المنذور تركه بالآخرة مصداق للطبيعة ، وانطباقها على أفرادها قهري ، كما أنّ التخيير بينها عقلي ، فلا مانع من حصول الإجزاء وإن ارتكب الإثم بمخالفة النذر .

   مدفوعة بأنّ أفراد الطبيعة هي نفسها بالذات ، والكلّ موجود بوجود واحد يضاف إلى الطبيعي مرّة وإلى الأفراد اُخرى ، والخصوصيّات المفردة لا تزيد عليه بشيء ، ومعه يمتنع أن يكون الوجود الواحد محكوماً بحكمين ، وإنّما يتّجه ذلك فيما إذا كان الفرد مشتملاً على خصوصيّة زائدة على ما يقتضيه أصل الطبيعة بحيث تكون منحازة ومفارقة عنها وموجودة بوجود آخر ، كالصلاة مكشوف الرأس ، فإنّه لا مانع من انعقاد النذر بترك هذه الخصوصيّة ، فلو صلّى مكشوفاً كان مطيعاً وعاصياً كلّ من جهة ، ولا ضير فيه .

   أمّا في المقام فالخصوصية من قبيل الأوّل ، ومرجع النذر إلى نذر عدم إيجاد الطبيعة وعدم امتثال أمر الزكاة في ضمن ذاك الفرد ، وقد عرفت أ نّه إذا تعلّق بعدم التفريغ فهو غير قابل للانعقاد من أصله، إذ يلزم من وجوده عدمه، فلاحظ .

ــ[131]ــ

وإن كان آثماً في مخالفة النذر (1) وتجب عليه الكفّارة ، ولا يجوز استرداده أيضاً لأ نّه قد ملك بالقبض .
ـــــــــــــــــــــــ

   هذا كلّه فيما إذا كان نذر الإعطاء لشخص خاصّ فعليّاً ومنجّزاً .

   وأمّا إذا كان مشروطاً ومنوطاً باشتغال الذمّة على نحو الواجب المشروط بحيث يكون الاشتغال شرطاً في الوجوب لا في الواجب ، فينبغي التفصيل حينئذ بين ما إذا كان الشرط حدوث الاشتغال وبين ما إذا كان بقاؤه .

   ففي الأوّل لا يجوز الدفع لشخص آخر ، ضرورة أنّ الشرط حاصل والتكليف فعلي والدفع المزبور مفوت لمحلّ النذر ، فلا يجوز .

   وهذا بخلاف الثاني ، إذ المنذور حينئذ هو الدفع على تقدير بقاء الزكاة في الذمّة ، ومع الدفع لشخص آخر وفراغ الذمّة لا موضوع للنذر ، ومن البيّن أنّ الوجوب المشروط بشيء لا يقتضي حفظ شرطه .

   ونتيجة ذلك : هو التخيير بين الدفعين ، فلا حنث إلاّ إذا خالف ولم يدفع أصلاً كما لا يخفى .

   ولمزيد التوضيح راجع المسألة في كتاب الصلاة (1) فيمن نذر الجماعة فخالف وصلّى فرادى .

   (1) وقد عرفت عدم التنافي بين الإجزاء وبين الإثم والحنث .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة (كتاب الصلاة 2) : 26 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net