جواز التوكيل في أداء الزكاة وإيصاله - لزوم تولّي المالك للنيّة أيضاً حين الدفع إلى الوكيل 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3873


ــ[276]ــ

   [ 2782 ] مسألة 1 : لا إشكال في أ نّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ينبغي التكلّم تارةً في صحّة التوكيل بقسميه ، واُخرى فيمن يتولّى النيّة المعتبرة في صحّة العبادة ، وثالثة في وقت النيّة ، فهنا مقامات ثلاثة :

   أمّا المقام الأوّل : فغير خفي أنّ صحّة التوكيل في كلّ من الأداء والإيصال وقبولهما للنيابة ممّا تقتضيه القواعد الأوّلية كما ستعرف من غير حاجة إلى نصّ خاصّ .

   نعم ، وردت أخبار كثيرة على طبق القاعدة كما تقدّم بعضها ولكنّها بأجمعها مختصّة بالمورد الثاني ، وأمّا الأوّل ـ  أعني: التوكيل في الأداء  ـ فلم ترد فيه ولا رواية واحدة بعد وضوح أنّ الأخبار الحاثّة على الإيصاء بالزكاة مختصّة بالنيابة عن الميّت ، ولا دلالة فيها على صحّة النيابة في الأداء عن الأحياء التي هي محلّ الكلام .

   نعم ، قد يقال بأنّ معتبرة عليّ بن يقطين ظاهرة في ذلك ، قال : سألت أبا  الحسن (عليه السلام) عمّن يلي صدقة العُشر (على) من لا بأس به «فقال : إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها» (1) .

   بدعوى أ نّها ناظرة إلى أمر المالك وتوكيله الغير في أداء الزكاة عنه ووضعها في مواضعها والاجتزاء بذلك إن كان ثقة .

   ولكنّه يندفع بأنّ الرواية أجنبيّة عن محلّ الكلام بالكلّيّة ، وإنّما هي واردة في المصدّق، أي العامل الذي يأخذ الصدقات ويلي أمرها ، ومن هنا ذكرها الكليني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 280 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1 .

ــ[277]ــ

في الكافي والكاشاني في الوافي في آداب المصدّق(1) وإن أدرجها صاحب الوسائل في أبواب المقـام ، وهي في الكتابين خالية من كلمة (على) وإن زيدت فيما بين القوسين في الوسائل، وعلى الأوّل تكون جملة : من لا بأس به ، صفة للمصدّق، وعلى الثاني صفة للفقير .

   وعلى أيّ حال فالسؤال ناظر إلى صفة المصدّق الذي يلي أمر الصدقة ويوصلها بعد جمعها إلى أربابها ، فأجاب (عليه السلام) لعليّ بن يقطين الذي كان وزيراً مقتدراً بأ نّه إن كان ثقة فمره بذلك وإلاّ فخذها منه ، لقدرتك على الأخذ ، وأوصلها أنت إلى أربابها . ولا نظر فيها إلى توكيل المالك غيره بالأداء أو بالإيصال الذي هو محلّ الكلام بوجه ، ومن ثمّ أمره (عليه السلام) بالأخذ منه لا أ نّه نهاه عن الإيتاء إليه ليرتبط بما نحن فيه .

   وكيفما كان ، فالعمدة في المقام ما عرفت من أنّ صحة التوكيل بكلا قسميه مطابق لمقتضى القاعدة .

   بيان ذلك : أنّ الفعل الصادر عن المباشر بتسبيب وتوكيل من غيره إن كان من الاُمور الاعتباريّة المعامليّة كالبيع والنكاح والطلاق ونحوها كان الفعل الصادر عنه مباشرةً مستنداً إلى الموكّل المسبّب أيضاً استناداً حقيقيّاً من دون أيّة عناية أو مسامحة ، وعليه يجري بناء العرف والعقلاء من غير أيّ نكير .

   ويلحق بهذا القسم ما هو من قبيل الأخذ والصرف والعطاء ونحوها من الشؤون الراجعة إلى الأموال ، فإنّ قبض الوكيل أو دفعه أو صرفه المال في مصرفه وإن كان فعلاً تكوينيّاً إلاّ أ نّه بالنظر العقلائي منسوب إلى الموكّل حقيقيةً ويده يده اعتبارا.

   وأمّا إذا  كان من الأفعال التكوينيّة ـ غير ما ذكر ـ التوصّليّة منها أو التعبّديّة من أكل أو نوم أو صلاة وما شاكلها فاستنادها إلى المسبّب غير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 539 / 6 ، الوافي 10 : 160 / 9351 .

ــ[278]ــ

وفي الأوّل ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المباشر لا يكون إلاّ بضرب من التجوّز والعناية ، وإلاّ فهو في الحقيقة فعل للمباشر لا غير ، وتحتاج صحّة التوكيل والاستنابة فيما كان من هذا القبيل إلى قيام الدليل عليها شرعاً لتفيد فراغ ذمّة المنوب عنه بفعل النائب ، وقد ورد في الحجّ ولوعن الحي في الجملة ، وفي الصلاة والصيام عن الميّت خاصّة كما يفصح عنه ما ورد من الحثّ على الإيصاء بها .

   هذا ، ومرجع النيابة في هذا القسم إلى كون الفعل الصادر من النائب موجباً لتفريغ ذمّة المنوب عنه بدلالة الشرع على ذلك وقصد النائب النيابة عنه حينئذ ، معناه : أن يقصد بالفعل الواجب على المنوب عنه تفريغ ذمّته ، والتعبير عنها ـ كما في جملة من الكلمات ـ بتنزيل النفس منزلة الغير ونحو ذلك لا يخلو عن المسامحة أو أ نّه تفنّن في العبارة ، وإلاّ فحقيقتها ما ذكرناه .

   وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ إيصال الزكاة إلى مستحقّها ودفعها إليه مندرج فيما هو ملحق بالقسم الأوّل ـ أعني : القبض والإقباض ونظائرهما ـ وقد عرفت أنّ قبول النيابة حينئذ مطابق لمقتضى القاعدة .

   وهكذا الحال بالنسبة إلى أداء الزكاة وإخراجها وإيتائها الذي هو متعلّق الأمر الزكاتي ، فإنّه من الشؤون الراجعة إلى الأموال ، والنظر العرفي العقلائي يقضي بأنّ الأداء الصادر من الوكيل كما يستند إليه حقيقةً يستند إلى المالك كذلك بمناط واحد .

   (1) المقام الثاني : فيمن يتولّى نيّة الزكاة .

   أمّا في التوكيل في الإيصال ، فلا ريب في أنّ المتولّي للنيّة إنّما هو الموكّل، ضرورة أ نّه المؤدّي للزكاة مباشرةً ، ولا شأن للوكيل ما عدا أ نّه يوصلها إلى مستحقّها ، ولا ريب أنّ إيصالها كإيصال سائر الأموال غير متقوّم بالقصد ، لعدم

ــ[279]ــ

والأحوط تولّي المالك للنيّة ((1)) أيضاً حين الدفع إلى الوكيل(1) ، وفي الثاني

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كون المقصود إلاّ مجرّد الوصول كيفما اتّفق وبأيّ وجه تحقّق ، حتّى إذا لم يكن له إدراك وشعور كالصبي والحيوان والمجنون ، فلم يعتبر فيه شيء سرى الوصول إلى يد المستحقّ الذي لا يفتقر في تحقّقه إلى قصد عنوان الإيصال فضلاً عن قصد الزكاة والتقرّب به ، وهذا واضح .

   وأمّا في التوكيل في الأداء : فالذي تقتضيه القواعد لزوم تولّي الموكّل بنفسه أيضاً للنيّة ، خلافاً للمتن .

   والوجه فيه : أنّ الموكّل هو المخاطب بأداء الزكاة العباديّة ، والمفروض أ نّه بتسبيبه وتوكيله مؤدٍّ للزكاة حقيقةً كما عرفت . فإذا كان أداؤه هذا عن قربة فقد أدّى ما عليه من التكليف ، أمّا الوكيل فهو غير مخاطب بأداء الزكاة وإنّما هو يمتثل أمر موكّله ، وتوقّف صحّة الأداء منه نيابةً على قصده القربة يحتاج إلى دليل مفقود ، فإنّ المتّصف بالقربيّة إنّما هو حيثيّة استناد الفعل إلى المالك لا حيثيّة استناده إلى الوكيل النائب كما لعلّه ظاهر .

   وهذا بخلاف النيابة في مثل الصلاة والصيام ، فإنّ الفعل لمّا كان فعلاً للنائب خاصّة من دون استناده بنفسه إلى المنوب عنه ـ على العكس من باب الوكالة حسبما عرفت ـ غاية الأمر أن نتيجته ـ وهي تفريغ الذمّة ـ يعود إليه ، ولا تفريغ إلاّ لدى صدور العمل العبادي الصحيح من النائب ، فلا جرم يلزمه تصدّي النيّة وتولّي أمرها بنفسه كما لا يخفى .

   (1) المقام الثالث : في وقت نيّة الموكّل القربة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا هو الأقوى حيث إنّ الوكيل وكيل في الإيصال فقط ، ولا دليل على كون فعله فعل الموكل حتّى يتولّى القربة حين الدفع إلى الفقير ، والفرق بينه وبين موارد النيابة ظاهر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net