لو كان المعدن في أرض مملوكة - حكم المعادن في الأراضي المفتوحة عَنوة التي هي للمسلمين 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5802


ــ[55]ــ

   [ 2884 ] مسألة 8 : لو كان المعدن في أرض مملوكة (1) فهو لمالكها ((1)) ، وإذا أخرجه غيره لم يملكه ، بل يكون المخرَج لصاحب الأرض ، وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة ، لأ نّه لم يصرف عليه مؤونة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   الرابع : ما لو لم يحرز شيء من ذلك فلم يعلم أ نّه أخرجه بقصد التملّك أم لا ؟ وعلى الأوّل فهل خمّسه أو لا ؟ وهل طرحه معرضاً أو غير معرض ؟ والظاهر أنّ هذا هو مراد الماتن ، حيث إنّه الفرد الشائع الذائع ، وإلاّ فالوجوه السابقة فروض نادرة ، إذ كيف وأنّى لنا استعلام ضميره وإحراز نيّته من قصد الإخراج وعدمه ، أو نيّة الإعراض وعدمها ؟!

   والأظهر جريان حكم ما تقدّم في المقام الأوّل عليه ، فإنّه مباح أصلي لم يعلم سبق يد حيازة عليه، والأصل عدمه، فيجوز استملاكه ما لم يثبت خلافه.

   وأمّا التخميس من حيث المعدن فيبتني على ما أسلفناك من اعتبار الإخراج وعدمه ، وقد عرفت أ نّه الأظهر ، وعليه فلا خمس بعنوان المعدن وإن وجب بعنوان مطلق الفائدة فيما يفضل عن مؤونة السنة .

   نعم ، الأحوط استحباباً تخميسه بعنوان المعدن مع الشكّ في تخميس الإنسان المخرج فضلاً عن العلم بالعدم حسبما ذكره في المتن كما لا يخفى وجهه ، ولا ريب أنّ الاحتياط حسن على كلّ حال .

   (1) المخرج للمعدن قد يستخرجه من ملكه الشخصي .

   واُخرى : من ملك الغير المختصّ به .

   وثالثةً : ممّا هو ملك لعامّة المسلمين ، كالأراضي المفتوحة عنوةً العامرة حال الفتح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا عدّ المعدن من التوابع عرفاً ، وإلاّ فلا يكون لمالك الأرض .

ــ[56]ــ

   ورابعةً : ممّا هو ملك للإمام (عليه السلام) ، كما في الأراضي الموات حال الفتح ، حيث إنّ موتان الأرض لله ولرسوله .

   أمّا القسم الأوّل : فلا شكّ أ نّه ملك للمخرج ، وهو القدر المتيقّن ممّا دلّ على تخميس المعدن الذي تكلّمنا حوله لحدّ الآن .

   وأمّا القسم الثاني : فالمعروف بينهم أ نّه ملك لصاحب الأرض وعليه خمسه ، من غير استثناء المؤونة التي صرفها المخرج ، لعدم الموجب لضمانها بعد أن لم يكن الإخراج بإذنه كما هو المفروض .

   هكذا ذكره المشهور ومنهم الماتن بحيث أرسلوه إرسال المسلّمات ، ولكنّه على إطلاقه مشكل بل ممنوع ، فإنّ الأراضي وإن كانت قابلة للتملّك إمّا بسبب اختياري كالبيع والهبة أم غير اختياري كالإرث ، إلاّ أنّ الملكيّة المتعلّقة بها على اختلاف مواردها تنتهي بالآخرة إلى سبب واحد هو الأصيل في عروض الملكيّة عليها وخروجها عن الإباحة الأصليّة وهو قصد الحيازة الصار من أوّل يد وقعت عليها والإحياء الحاصل من محييها بمقتضى ما ثبت من أنّ من أحيا أرضاً فهي له . وهذا السبب هو الأصيل وعلى ضوئه يتفرّع سائر التملّكات العارضة عليها يداً بعد يد .

   إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذا السبب لا يستتبع الملكيّة ولا يؤثّر في الخروج عن الإباحة الأصليّة إلاّ في إطار مدلوله ومفاده ، أي بمقدار ما يتعلّق به الإحياء والحيازة، أعني: ظواهر تلك الأراضي، فإنّها المتّصفة بالإحياء والمتعلِّقة للاستيلاء دون بواطنها وما في أجوافها من المعادن والركائز ، سيّما إذا لم تعدّ من أجزاء الأرض كالذهب والفضّة والنفط والقير ونحوها ، فهي إذن باقية على ما هي عليه ولم تدخل في ملك المحيي من أجل هذا السبب .

   نعم ، لا ينبغي التأمّل في قيام السيرة العقلائيّة بل وكذا الشرعيّة ـ وإن انتهت

ــ[57]ــ

إليها ـ على دخولها في ملك صاحب الأرض بتبع ملكه للأرض ، فتلحق الطبقة السافلة بالعالية والباطنة بمحتوياتها بالظاهرة في الملكيّة بقانون التبعيّة وإن لم يتمّ هذا الإلحاق من ناحية الإحياء حسبما عرفت ، ومن ثمّ لو باع ملكه فاستخرج المشتري منه معدناً ملكه وليس للبائع مطالبته بذلك ، لأ نّه باعه الأرض بتوابعها .

   ولكن السيرة لا إطلاق لها ، والمتيقّن من موردها ما يعدّ عرفاً من توابع الأرض وملحقاتها كالسرداب والبئر وما يكون عمقه بهذه المقادير التي لا تتجاوز عن حدود الصدق العرفي ، فما يوجد أن يتكوّن ويستخرج من خلال ذاك فهو ملك لصاحب الأرض بالتبعيّة كما ذكر .

   وأمّا الخارج عن نطاق هذا الصدق غير المعدود من التوابع كآبار النفط العميقة جدّاً وربّما تبلغ الفرسخ أو الفرسخين ، أو الآبار العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض البالغة في العمق والبعد نحو ما ذكر أو أكثر فلا سيرة في مثله ولا تبعيّة ، ومعه لا دليل على إلحاق نفس الأرض السافلة بالعالية في الملكيّة فضلاً عن محتوياتها من المعادن ونحوها .

   نعم ، في خصوص المسجد الحرام ورد أنّ الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء (1) . ولكن الرواية ضعيفة السند ، ومن ثمّ ذكرنا في محلّه لزوم استقبال عين الكعبة لجميع الأقطار لا ما يسامتها من شيء من الجانبين .

   وعلى الجملة : لم يقم بناء من العقلاء على إلحاق الفضاء المتصاعد أو المتنازل جدّاً غير المعدودين من توابع الأرض عرفاً بنفس الأرض في الملكيّة بحيث يحتاج العبور عن أجوائها بواسطة الطائرات إلى الاستئذان من أربابها وملاّكها ، وقد عرفت قصور دليل الإحياء عن الشمول لها ، فهي إذن تبقى على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الوسائل 4 : 339 /  أبواب القبلة ب 18 ح 3 .

ــ[58]ــ

   [ 2885 ] مسألة 9 : إذا  كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عَنوة(1) التي هي للمسلمين فأخرجه أحدٌ من المسلمين مَلَكه وعليه الخمس ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما كانت عليه من الإباحة الأصليّة . ونتيجة ذلك : جواز حيازتها واستملاكها لكلّ من وضع اليد عليها وأ نّها ملكه وعليه خمسها وإن كان المستخرج شخصاً آخر غير صاحب الأرض ، غايته أ نّه يكون آثماً وعاصياً في الاستطراق والاستخراج من هذا المكان لو لم يكن بإذن من صاحبه ومالكه ، لعدم جواز التصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، بل يكون ضامناً لو استلزم نقصاً في الأرض أو ضرراً على المالك ، إلاّ أنّ العصيان والضمان شيء ، واستملاك الكامن في بطن الأرض الخارج عن حدود ملكيّة صاحبها الذي هو محلّ الكلام شيء آخر ، ولا تنافي بين الأمرين كما هو ظاهر .

   (1) وأمّا القسم الثالث : فالكلام فيه بالإضافة إلى ما هو خارج عن حدود التبعيّة بحسب الصدق العرفي قد ظهر ممّا مرّ ، فلا نعيد .

   وأمّا بالنسبة إلى ما يعدّ من التوابع عرفاً ـ كما لو كان المعدن في عمق أربعة أمتار أو خمسة ، أو كانت الأرض سبخة فكان المعدن أعني الملح فوق الأرض وعلى وجهها ـ فأدلّة الملكيّة للمسلمين قاصرة عن الشمول للباطن ، وإلاّ لبيّن ولو في رواية واحدة أنّ ما يستخرج من العامرة ملك للمسلمين . والعمدة السيرة العقلائيّة على الإلحاق بالتبعيّة القائمة في القسم السابق ، وهي غير جارية هنا ، لاختصاصها بالأملاك الشخصيّة دون ما يكون ملكاً لعامّة المسـلمين ، أو ما يكون ملكاً للإمام كما في القسم الرابع ، فإنّ السيرة العقلائيّة أو الشرعيّة غير ثابتة في شيء من هذين الموردين .

   بل قد يدّعى ـ وليس ببعيد ـ قيام السيرة على الخلاف وأنّ بناء الشرع

ــ[59]ــ

والعرف قد استقرّ على جواز استملاكها وحيازتها .

   وكيفما كان ، فلم يثبت ما يخرجها عمّا كانت عليه من الإباحة الأصليّة بعد عدم شمول دليل الإحياء ولابناء العقلاء لمثل ذلك حسبما عرفت .

   فالمعادن الكامنة في أجوافها ملكٌ لمخرجها لا لعامّة المسلمين ولا للإمام (عليه السلام) ، وإلاّ لاُشير إليه ولو في رواية واحدة .

   بل يمكن أن يقال : إنّ مدّعي القطع بذلك غير مجازف ، إذ لو كانت تلك المعادن الواقعة في ملك الغير لصاحب الأرض والواقعة في الأراضي المفتوحة العامرة ملكاً للمسلمين وفي الأراضي الميتة ملكاً للإمام (عليه السلام) فلازم ذلك حمل نصوص الخمس في المعدن على كثرتها على خصوص من يخرج المعدن من ملكه الشخصي الذي هو أقلّ القليل ، فيلزم حمل تلك المطلقات على الفرد النادر جدّاً ، فإنّ من الضروري أنّ أكثر المتصدّين لاستخراج المعادن إنّما يستخرجونها من الصحاري والبراري والفلوات والمناطق الجبليّة ونحوها التي هي إمّا ملك للمسلمين أو للإمام (عليه السلام) لا من بيوتهم الشخصيّة أو أملاكهم الاختصاصيّة كما هو ظاهر جدّاً .

   ويؤكِّده عموم ما ورد من أنّ «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحقّ به» (1) ، فإنّها وإن كانت نبويّة إلاّ أنّ مضمونها مطابق لما عرفت من السيرة العقلائيّة .

   وكذا ما ورد من أنّ «من استولى على شيء فهو له» (2) ، فإنّ الرواية المشتملة على نفس هذا التعبير وإن كانت واردة في غير ما نحن فيه ، إلاّ أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير القرطبي 17 : 297 .

(2) الوسائل 26 : 216 /  أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3 .

ــ[60]ــ

مضمونها يستفاد من معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في رجل أبصر طيراً فتبعه حتى وقع على شجرة فجاء رجل فأخذه ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : للعين ما رأت ولليد ما أخذت» وقد رواها في الوسائل في كتاب الصيد عن الكليني والشيخ (1) ، وفي كتاب اللقطة عن الصدوق (2) ، ففرّق بين الموضعين في النسبة مع أ نّها رواية واحدة رواها المشايخ الثلاثة ، ولعلّ هذا غفلة منه (قدس سره) .

   وكيفما كان ، فالرواية معتبرة عندنا ، لأنّ النوفلي الواقع في السند من رجال كامل الزيارات ، كما أ نّها واضحة الدلالة ، على أنّ اليد ـ أي الاستيلاء على ما لم يكن ملكاً لأحد ـ موجب للملكيّة .

   وعلى الجملة : فحكم المعادن في هذه الأراضي حكم الأشجار والأنهار والماء والكلاء الباقية على الإباحة الأصليّة التي يشترك فيها الكلّ وخلقها الله تعالى للجميع ، قال تعالى : (هُوَ ا لَّذِي خَلَقَ لَكُم مَا فِي ا لاَْرْضِ جَمِيعاً) (3) ، وأنّ من أحياها واستولى عليها فهي له وعليه خمسها بعدما عرفت من عدم ثبوت السيرة على التبعيّة في مثل هذه الأراضي التي لم تكن ملكاً شخصيّاً لأحد وإنّما هي ملك للعنوان ، أيّ عامّة المسلمين إلى يوم القيامة من غير أن تباع أو توهب أو تورث ، فهي سنخ خاصّ من الملكيّة ، ومثله غير مشمول لقانون التبعيّة الثابتة ببناء العقلاء حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 23 : 391 /  أبواب الصيد ب 38 ح 1 ، الكافي 6 : 223 / 6 ، التهذيب 9 : 61 / 257 .

(2) الوسائل 25 : 461 / كتاب اللقطة ب 15 ح 2 ، الفقيه 3 : 65 / 217 .

(3) البقرة 2 : 29 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net