لو علم المقدار ولم يعلم المالك 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4609


ــ[133]ــ

وأمّا إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به عنه (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكافي ، فتكلّموا في كيفيّة الجمع على اختلاف الأنظار مع أ نّها ساقطة حسبما عرفت .

   فتحصّل : أنّ الأقوى وجوب الخمس في المقام وعدم اختلاف مصرفه مع سائر الأقسام كما عليه المشهور .

   (1) سواءً أكان أقلّ من الخمس أم أكثر ، كما لو علم أنّ عشر المال أو ثلثه حرام .

   وقد استظهر شيخنا الأنصاري أنّ وجوب التصدّق بكلّ ما يعلم من قليل أو كثير مورد اتّفاق الأصحاب من غير خلاف (1) .

   ولكن صاحب الحدائق نسب إلى بعضهم وجوب الخمس هنا أيضاً والتصدّق بالزائد إن كان المعلوم أكثر من الخمس (2) .

   وهو (قدس سره) اختار الخمس من غير صدقة ، سواء أكان الحرام أقلّ من الخمس أم أكثر ، بدعوى أنّ روايات التخميس مثل معتبرة عمّار بن مروان تشمل ما إذا كان المعلوم أقلّ أو أكثر من الخمس ، وادّعى أنّ جميع ما ورد في باب التصدّق بمجهول المالك خاصّ بالمال المتميّز، وأمّا المخلوط فلم يرد التصدّق به ولا في رواية واحدة، فتشمله أخبار التخميس .

   على أنّ قياس المخلوط بالمتميّز قياسٌ مع الفارق ، فإنّ المال المتميّز المعلوم مالكه معيّن غير أ نّه مجهول لا يمكن الإيصال إليه فيتصدّق به عنه فإنّه نحو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الخمس : 248 ـ 252 .

(2) الحدائق 12 : 364 .

ــ[134]ــ

إيصال إليه ، وأمّا المخلوط فليس مالكه متميّزاً ، بل المال مشترك بينهما ، ومن المعلوم أنّ تقسيم المشترك وإفراز حصّة الغير يحتاج إلى إذن من المالك أو وليّه . فالتقسيم على نحو تتشخّص حصّة الغير فيما اُفرز ثمّ التصدّق به من غير إذن ولا ولاية على التقسيم يحتاج إلى دليل ، ولم يقم عليه أيّ دليل في المقام كما لا يخفى ، فيرجع إذن إلى أخبار التخميس .

   فالذي يتحصّل من كلامه (قدس سره) أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

   التصدّق مطلقاً كما نسبه شيخنا الأنصاري (قدس سره) إلى الأصحاب . ولا شبهة أنّ هذا هو المشهور كما في عبارة المحقّق الثاني (قدس سره) (1) .

   والتخميس ثمّ التصدّق بالباقي إن كان المعلوم أكثر .

   والتخميس مطلقاً ، أي سواء أكان المعلوم أقلّ أم أكثر ، كما اختاره صاحب الحدائق بنفسه .

   أمّا التخميس والتصدّق بالزائد فلا يمكن الالتزام به بوجه ولا نعرف القائل به وإن حكاه في الحدائق عن بعضهم ، لأ نّه إن قلنا بشمول أدلّة التخميس للمقام فهي واضحة الدلالة على حلّيّة الباقي كما صرّح به في رواية السكوني ، وهو الظاهر من رواية عمار كما لا يخفى . فلا حاجة إذن إلى التصدّق . وإن لم تشمل فلا موجب للتخميس أبداً ، فهذا القول ساقط جزماً .

   فيدور الأمر بين القولين الآخرين ، أعني : التصدّق مطلقاً ، أو التخميس مطلقاً .

   ولا يخفى أنّ ما ذكره في الحدائق من اختصاص نصوص التصدّق بمجهول المالك بالمال المعيّن المتميِّز وعدم شمولها للمختلط لم يكن له أيّ أثر في المقام ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع المقاصد 5 : 15 ـ 16 .

ــ[135]ــ

فلا يفرق الحال بين كونها مختصّة أم مطلقة ، وإن كان ما ذكره من الاختصاص صحيحاً في أكثر هذه الأخبار ، فإنّ أغلبها وردت في الدين أو الأمانة التي تبقى عنده ويذهب المالك ولا يرجع أو كان أجيراً قد مضى ولا يعرفه (1) ، أو وجد متاع شخص عنده قد ذهب إلى بلده ولا يعرفه كما هو مورد صحيحة يونس ابن عبدالرحمان المتضمّنة للأمر ببيعه والتصدّق بثمنه (2) .

   نعم ، هناك رواية واحدة لا يبعد شمولها للمتميّز وغيره ، وهي رواية علي بن أبي حمزة الواردة فيمن أصاب مالاً كثيراً من بني اُميّة قد أغمض في مطالبه والآمرة بالخروج عن جميع ما كسب في ديوانهم بالردّ إلى من عرف والتصدّق عمّن لم يعرف (3) .

   فإنّ من البعيد جدّاً أن يكون هذا الشخص عارفاً بإشخاص الأموال التي تكون لغيره ، بل بطبيعة الحال يكون أكثرها نقوداً مختلطة في أمواله ولو بين من يعرف مالكه ومن لا يعرف ، فأعطى الإمام (عليه السلام) له الولاية بإعطاء من يعلم بمقدار ما يعلم والتصدّق عمّن لا يعرفه .

   ولكنّها ضعيفة السند جدّاً ، لأنّ في سندها إبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، وهو ضعيف ، فلا يعتمد عليها .

   فالعبرة بغيرها ، وعمدتها صحيحة يونس ، وهي خاصّة بالمتميّز كما عرفت .

   إلاّ أنّ هذا الاختصاص أو التعميم لا أثر له في محلّ الكلام كما أسلفناك ، لأ نّا إذا بنينا على شمول أدلّة التخميس لهذه الصورة ـ أعني : صورة العلم بالمقدار ـ فلا يفرق في ذلك بين كون تلك النصوص مطلقة أم لا ، أمّا على الثاني فواضح ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 26 : 296 /  أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 .

(2) الوسائل 25 : 450 / كتاب اللقطة ب 7 ح 2 .

(3) الوسائل 17 : 199 /  أبواب ما يكتسب به ب 47 ح 1 .

ــ[136]ــ

وكذا على الأوّل ، إذ غايته أ نّها تقيد بهذه الأدلّة من روايتي عمّار والسكوني ونحوهما ، فيلتزم بالتصدّق في مجهول المالك مطلقاً ، إلاّ في خصوص المقام ، فإنّه يخمّس ويصرف الخمس في الصدقة أو في غيرها على الخلاف المتقدّم .

   وإذا بنينا على عدم الشمول فلا دليل على التخميس حتى لو فرضنا اختصاص تلك النصوص بالمتميّز ، ضرورة أنّ مجرّد عدم شمولها للمخلوط لا يقتضي التخميس فيه بوجه ، فالعبرة في وجوب التخميس بشمول أدلّته للمقام وعدمه، لا بالإطلاق أو الاختصاص في أدلّة الصدقة كما لعلّه ظاهر جدّاً.

   وقد عرفت أنّ الأقوى عدم الشمول وأنّ تلك الأدلّة في حدّ أنفسها قاصرة، إذ لا يكاد يحتمل وجوب التخميس على من يعلم بوجود دينارين محرّمين في ضمن عشرة آلاف من دنانيره المحلّلة ، كما لا يكاد يحتمل الاكتفاء بالتخميس لمن يعلم بوجود دينار أو دينارين محلّلين قد اختلطا في ضمن عشرة آلاف من الدنانير المغتصبة بحيث يحلّ له الباقي بعد أداء خمس المجموع ، ولا سيّما إذا كان متعمّداً في الخلط للتوصّل إلى هذه الغاية ، فإنّ هذا لعلّه مقطوع البطلان بضرورة الفقه ، ولم يكن مدلولاً للرواية بوجه .

   بل الظاهر منها أنّ مقدار الحلال والحرام مشكوك من أوّل الأمر ، فلا يدري الحلال من الحرام الظاهر في الجهل المطلق حتى من حيث المقدار . إذن فمعلوم المقدار غير مشمول لأخبار التخميس بوجه .

   فلا بدّ من النظر حينئذ إلى أخبار التصدّق ، فإن قلنا بأ نّها عامّة للمتميّز وغيره ، نظراً إلى أنّ خصوصيّة التمييز لم تكن بنظر العرف دخيلة في الحكم بل هي مورد للسؤال ، وجب التصدّق به حينئذ عن صاحبه ، فيستفاد من تلك الأدلّة من صحيحة يونس وغيرها ولا سيّما ما ثبت في الدين أنّ الإمام (عليه السلام) أعطى الولاية لمن بيده المال متميّزاً أم غير متميّز ، بأن يوصل ذلك إلى

ــ[137]ــ

صاحبه ولو بقيمته ، كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة يونس «بعه وتصدّق بثمنه على أهل الولاية» (1) ، وفي رواية داود بن أبي يزيد : «فاقسمه في إخوانك» (2) .

   فإنّه كيف يقسّم مال الغير لولا أنّ هذا إجازة من ولي الأمر في إيصال المال إلى صاحبه ولو بالتصدّق ببدله وهو الثمن ؟!

   على أ نّا لو قطعنا النظر عن ذلك وقلنا باختصاص تلك النصوص بالمتميّز فيمكن تعيين المخلوط وتقسيمه بمراجعة الحاكم الشرعي من الإمام أو نائبه ولا أقلّ من عدول المؤمنين ، إذ لا يمنع عن التصرّف بمجرّد الاختلاط بالضرورة ، فلو علم بوجود ثلاثمائة حراماً أو حلالاً في ضمن الألف فلا مناص له من الإفراز والتعيين ولو بولاية عدول المؤمنين . على أ نّه مع الغضّ عن كلّ ذلك فما هي وظيفته تجاه هذه الأموال المختلطة ؟

   فإنّا إذا فرضنا أنّ أخبار التصدّق خاصّة بالمتميّز ، وأخبار التخميس لم تشمل المقام ، فماذا نصنع بهذا المال ؟ فإنّ الأمر دائر بين أن يبقى حتى يتلف ، وبين أن يتملّك أو أن يتصدّق به ، ولا ريب أنّ المتعيّن هو الأخير بعد أن لم يكن سبيل إلى الإتلاف ولا التملّك . فلو فرضنا أنّ أخبار التصدّق قاصرة لم يكن أيضاً أيّ مناص من الالتزام به ، للقطع بعدم جواز غيره ، فإنّه نحو إيصال إلى المالك .

   فما ذكره المشهور من التصدّق هو الأوجه حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 450 / كتاب اللقطة ب 7 ح 2 .

(2) الوسائل 25 : 450 / كتاب اللقطة ب 7 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net