أ ـ التحديد بالعدد 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في الرضاع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7554

 

الأوّل : التحديد بالعدد

والكلام الآن في التحديد بالعدد ، فنقول :

اختلاف الأقوال في العدد

اختلفت الكلمات في العدد المعتبر في نشر الحرمة بين العامّة والخاصّة ، بل العامّة اختلفوا فيما بينهم في ذلك ، فذهب بعضهم إلى انتشار الحرمة بمجرّد ارتضاع الصبي ولو بمقدار ما يفطر الصائم حتّى بمقدار رأس اُبرة ، والمشهور بينهم تحقّق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 233 .
(2) وسيأتي الشرط الثاني في ص139 .

ــ[97]ــ

التحريم بالمصّة الواحدة ، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك ، وذهب بعضهم إلى اعتبار ثلاث رضعات ، وآخرون إلى اعتبار خمس رضعات ، وذهبت عائشة وحفصة إلى اعتبار سبع رضعات ، وذهب بعضهم إلى اعتبار عشر رضعات ، وإن نسب إلى الشذوذ«1»، هذا اختلاف العامّة فيما بينهم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«1» المغني لابن قدامة 9 : 193 ـ 194 ، والاُمّ للشافعي 5 : 26 وما بعدها ، وكتاب رحمة الاُمّة على هامش كتاب الميزان 2 : 107 .

وقال في كتاب فقه السنّة 2 : 395 ـ 397 : « الظاهر أنّ الإرضاع الذي يثبت به التحريم هو مطلق الإرضاع ، ولا يتحقّق إلاّ برضعة كاملة ، وهي أن يأخذ الصبي الثدي ويمتصّ اللبن منه ، ولا يتركه إلاّ طائعاً ، من غير عارض يعرض له ، فلو مصّ مصّة أو مصّتين فإنّ ذلك لا يحرّم ، لأنّه دون الرضعة ، ولا يؤثّر في الغذاء .

قالت عائشة : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : « لا تُحرِّم المصّة ولا المصّتان » رواه الجماعة إلاّ البخاري .

والمصّة هي الواحدة من المصّ ، وهو أخذ اليسير من الشيء ، يقال أمصّه ومَصَصتُهُ أي شربته رقيقاً(1)، هذا هو الأمر الذي يبدو لنا راجحاً ، وللعلماء في هذه المسألة عدّة آراء نجعلها فيما يلي :

1 ـ أنّ قليل الرضاع وكثيره سواء في التحريم ، أخذاً باطلاق الرضاع في الآية ... إلى أن قال :

2 ـ إنّ التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات متفرّقات ...

إلى أن قال :

3 ـ إنّ التحريم يثبت بثلاث رضعات فأكثر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [في المصدر : (رفيقاً) بدل (رقيقاً)] .

ــ[98]ــ

وأمّا الخاصّة فقد اختلفت أقوالهم أيضاً في كميّة ما ينشر الحرمة من ناحية العدد ، فأقلّ ما قيل ـ ممّن عدا القاضي نعمان المصري وابن الجنيد ـ هو أنّه عشر رضعات متوالية ، وذهب بعضهم إلى اعتبار خمس عشرة رضعة ، وذهب بعضهم إلى اعتبار رضاع يوم وليلة .

القول بالرضعة الواحدة

واكتفى ابن الجنيد بالرضعة الواحدة(1) محتجّاً باطلاقات الكتاب(2)والسنّة(3) وبرواية زيد بن علي بن الحسين التي أوردها الخاصّة والعامّة عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال : «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد نسب كلا من هذه الأقوال إلى جمع من علماء السنّة ، فراجع .

وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة 4 : 228 أنّ الشافعية والحنابلة يقولون : إنّ الرضاع لا يحرم إلاّ إذا كان خمس مرّات ، والمالكيّة والحنفية يقولون : إنّ الرضاع يحرّم مطلقاً ، قليلا كان أو كثيراً ، ولو قطرة . وقد استدلّ الشافعية والحنابلة بما رواه مسلم عن عائشة ، قالت: كان فيما أنزل الله في القرآن أنّ عشر رضعات معلومات يحرّمن ، فنسخن بخمس معلومات ، فتوفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهنّ فيما يقرأ من القرآن ...

ثمّ أطال الكلام في توجيه هذا الحديث بما لا يجدي شيئاً ، وهو حديث مردود مضطرب المتن ، فراجع الكتاب المذكور ص228 ـ 231.

وقد جاء في كتاب الخلاف 5 : 95 المسألة 3 نقل الأقوال عن الفريقين ، فراجع .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلغة الفقيه 3 : 157 ، والجواهر 29 : 270 .
(2) النساء 4 : 23 .
(3) الوسائل 20 : 371 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 ح1 ، 3 ، 7 وغيرها .

ــ[99]ــ

لا تحلّ له أبداً »(1) وبمرسلة ابن أبي عمير « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتّى يتضلّع ويمتلئ(2) وينتهي نفسه »(3) ومثلها حسنة ابن أبي يعفور(4).

وفيه : أنّ الإطلاقات ـ مع عدم كون جملة منها في مقام البيان من هذه الجهة ـ مقيّدة بما هو متواتر معنى ، من اعتبار كمية خاصّة في الرضاع كما سيأتي .

ورواية زيد بن علي لم تثبت على نحو تكون حجّة .

ومرسلة ابن أبي عمير لا يمكن الاعتماد عليها ، لأنّه إن سلّمنا أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ، فكونه ثقة عنده لا يستلزم كونه ثقة عندنا .
نعم حسنة ابن أبي يعفور لا بأس بالاعتماد عليها ، لولا معارضتها بالروايات المشهورة الدالّة على اعتبار أكثر من رضعة واحدة(5)، وحينئذ فتقدّم هذه الروايات لكثرتها وشهرتها ، وشذوذ تلك الرواية وندرتها ، مع موافقتها لجمهور العامّة كما ذكرنا ، ولا ريب في أنّ الرشاد في الأخذ بما خالفهم(6).

المصّة الواحدة

والمنسوب إلى القاضي نعمان المصري نشر التحريم بالمصّة الواحدة ، مستنداً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 20 : 378 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح12 .
(2) [في الوسائل والتهذيب 7 : 316 / 1306 ، والاستبصار 3 : 195 / 707 : « ويتملى »] .
(3) الوسائل 20 : 383 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح2 .
(4) الوسائل 20 : 383 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح1 ، سيأتي متنها في ص124 .
(5) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 .
(6) كما في مقبولة عمر بن حنظلة ، ورواها في الوسائل 27 : 106 / أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به ب9 ح1 .

ــ[100]ــ

في ذلك إلى ما رواه هو عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : « يحرم من الرضاع كثيره وقليله حتّى المصّة الواحدة »(1) وإلى مكاتبة علي بن مهزيار إلى أبي الحسن (عليه السلام) أنّه « كتب إليه يسأله عمّا يحرم من الرضاع ، فكتب (عليه السلام) : قليله وكثيره حرام »(2).

ولا يخفى أنّ الكتاب المنسوب إلى القاضي ـ وهو دعائم الإسلام ـ لم يثبت أنّه له ، ولم يروه عنه من يمكن الاعتماد عليه ، فما فيه غير حجّة ، وإن كان شخص القاضي عالماً جليل القدر من أصحابنا القدماء .

القول المشهور بين القدماء : عشر رضعات

وبعد أن اتّضح حال القولين المنسوبين إلى ابن الجنيد والقاضي نقول : إنّ المشهور بين القدماء من أصحابنا في تحديد الرضاع المحرّم من ناحية العدد هو اعتبار عشر رضعات ، والمشهور بين المتأخّرين منهم هو اعتبار خمس عشرة رضعة
ومنشأ الاختلاف بينهم هو اختلاف الروايات الواردة في هذا الحكم ، هذا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net