وجوه في نفقة الأجير المعتق - حكم وجدان العيب في العين المستأجرة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 16:الإجارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4496


ــ[139]ــ

   وإنّما الكلام في نفقته خلال الفترة المتخلّلة ما بين العتق وبين انقضاء مدّة الإجارة وأ نّه مَن المسؤول عنها والقائم بها ؟

   ولا بدّ من فرض الكلام فيما إذا لم يشترط كونها على المستأجر كما صرّح به في المتن ، وإلاّ فالحكم ظاهر . كما لا بدّ أيضاً من فرض الكلام فيما إذا كانت الإجارة مستوعبة لتمام الوقت بحيث لم يبق مجال يتمكّن العبد فيه من الكسب لنفسه وتأمين معيشته . أمّا لو لم تكن مستغرقة ، كما لو استؤجر كلّ يوم ساعة أو ساعتين وأمكنه صرف الباقي في سبيل تحصيل المعاش ، فينبغي أن يكون هذا خارجاً عن محلّ الكلام، فإنّه حرّ كسائر الأحرار يتمكّن من الكسب لنفسه، ولا موجب لتحميل نفقته على غيره . فلا وجه لأخذه قيّداً في القول الثاني كما صنعه في المتن كما لا يخفى .

   فهاتان الصورتان خارجتان عن محلّ الكلام ، وقد ذكر (قدس سره) حينئذ في المسألة وجوهاً :

   أحدها :  ما اختاره من كون نفقته على مولاه ، نظراً إلى أ نّه حيث استوفى منافع زمان الحرّيّة بالإجارة فكأ نّه بعدُ مملوك له ، فكان المعتق هنا بمنزلة المالك فتجب ـ طبعاً ـ نفقته عليه .

   الثاني :  أ نّه لمّا كان فقيراً عاجزاً عن التكسّب فنفقته على بيت المال المتكفّل لاُمور المسلمين، كما هو شأن كل عاجز عن الكسب فإنّ نفقته على الإمام الذي هو وليّ المسلمين ينفق عليه من بيت المال ، وعلى تقدير عدمه فحاله حال بقيّة الفقراء في أ نّه يجب على كافّة المسلمين كفاية الإنفاق عليهم حفظاً للنفس المحترمة عن الهلكة .

   الثالث : أ نّه لمّا كان حفظ النفس المحترمة مقدّماً على كلّ واجب وهو متوقّف على الكسب فإذن يكسب لنفسه بمقدار الضرورة ويستثنى ذلك عن الخدمة الواجبة من غير أيّ ضمان عليه .

ــ[140]ــ

   الرابع :  عين هذا الوجه لكن مع الضمان كما في الأكل عند المخمصة من مال الغير ، حيث إنّه يجوز ومع ذلك يضمن باعتبار أنّ الضرورة إنّما ترفع الحكم التكليفي ـ أعني : الحرمة ـ أمّا الوضعي وهو الضمان فلا مقتضي لارتفاعه بعد تحقّق سببه وهو الإتلاف . إذن فمقدار ما يفوت من الخدمة من المستأجر يثبت في ذمّة الأجير لا بدّ من أدائه والخروج عن عهدته متى ما استطاع .

   وأمّا الوجه الخامس المذكور في المتن : فقد عرفت رجوعه إلى الوجه الثاني ، باعتبار أنّ التمكّن من الكسب خارج عن محلّ الكلام حسبما عرفت . وسيتّضح لك أنّ الأقوى إنّما هو الوجه الثاني .

   أمّا القول الأوّل الذي اختاره الماتن تبعاً للعلاّمة (1) : فلا يبعد أن يعدّ من الغرائب، فإنّه أشبه باستدلالات العامّة  المبنيّة على الاستحسانات العقليّة، ضرورة أ نّه بعد أن خرج عن الملك بالعتق فما هو الدليل على تنزيله منزلة المملوك لكي تجب نفقته على المعتق ؟! ومجرّد استيفاء المنافع حال الرقّيّة وعروض العتق عليه وهو مسلوب المنفعة لا يصحّح التنزيل المزبور ، ولا يكون حجّة شرعيّة عليه بوجه . فهذا القول ساقط جزماً .

   وأمّا القول بكونها في كسبه إمّا مع الضمان أو بدونه : فهو وإن كان وجيهاً باعتبار أنّ حفظ النفس مقدّم على كلّ شيء ، إلاّ أ نّه يختصّ بما إذا توقّف الحفظ عليه ولم يتيسّر من طريق آخر ، بحيث استأصل المسكين واضطرّ إلى التصرّف في متعلّق حقّ الغير ، وإلاّ فمع وجود الإمام والتمكّن من القيام بمصارفه والإنفاق عليه من بيت المال فلا توقّف ولا اضطرار . ومن المعلوم أنّ بيت المال معدّ لإدارة شؤون المسلمين إمّا المصالح العامّة أو الموارد الشخصيّة التي لا يوجد مصرف لما يجب فيه الصرف ولا يمكن تداركه من محلّ آخر ، فإنّه يؤخذ من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر ارشاد الأذهان 1 : 425 .

 
 

ــ[141]ــ

بيت المال بلا إشكال ، كما لو هرب القاتل فإنّ الدية تؤخذ حينئذ من أقاربه كما في النصّ (1) ، وإن لم يمكن فمن بيت المال ، كيلا يذهب دم المسلم هدراً ، كما نطق به النصّ أيضاً (2) .

   وكالسرقة في المرّة الثالثة بعد أن قطعت يده ورجله في المرّتين الاُوليين ، فإنّه يحبس ويصرف عليه من بيت المال ، وكما لو قطع الحاكم يد أحد لسرقة أو قصاص فاحتاج إلى العلاج كي لا يموت فإنّ مصرف المعالجة على عاتق الحاكم يبذله من بيت المال .

   وقد ورد فيمن استمنى بيده : أنّ علياً (عليه السلام) بعد أن ضربه وأدّبه زوّجه من بيت المال(3) ، وهكذا غيره من الموارد المتفرّقة ممّا لا تخفى على المتتبّع، التي يظهر منها بوضوح عدم اختصاص مصارف بيت مال المسلمين بالمصالح العامّة بل تعمّ غيرها ممّا عرفت . وضابطه كلّ مصرف مالي ضروري نوعي أو شخصي لم يمكن تداركه من محلّ آخر .

   ومن البيّن أنّ المقام من أبرز مصاديق هذه الكبرى ، فإنّ العبد المعتق فقير مسلم لابدّ من حفظ نفسه المحترمة من الهلكة، فيعطى من بيت المال بطبيعة الحال.

   وإن لم يمكن فيجب على المسلمين كفايةً بعين المناط . إذن فلا يتوقّف حفظ النفس على الكسب حتى يقال بوجوبه عليه .

   نعم ، لو فرضنا عدم التمكّن من ذلك أيضاً ، كما لو كان في برّ أو كان في غير بلاد المسلمين بحيث لم يجد بدّاً من الكسب محافظةً للبقاء على نفسه فلا إشكال في وجوبه حينئذ وإن استلزم التصرّف في مال الغير ، كما في الأكل عند المخمصة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 29 : 395 /  أبواب العاقلة ب 4 ح 1 .

(3) الوسائل 20 : 352 /  أبواب النكاح المحرم ب 28 ح 3 .

ــ[142]ــ

   إلاّ أنّ الكلام في أ نّه هل يضمن للمستأجر في ذمّته بمقدار ما يفوت منه من الخدمة ، كما هو الحال في المثال ، نظراً إلى أنّ غاية ما يترتّب على الاضطرار هو ارتفاع الحكم التكليفي وهو الإثم ، أمّا الوضـعي كي يتّصف تصرّفه بالمجّـانيّة ويلتزم بالتخصيص في دليل الضمان الناشئ من إتلاف مال الغير فهذا شيء لا تقتضيه الضرورة المزبورة بوجه ؟

   أو لا يضمن ، لمكان الفرق بين ما نحن فيه وبين المثال المذكور ، أعني : الأكل عند المخمصة ؟

   لا يبعد المصير إلى الثاني ، وذلك لأجل أ نّه إذا بلغ الأمر إلى هذا الحدّ بحيث حرمت عليه الخدمة ووجب الكسب مقدّمةً لحفظ النفس فلا جرم كشف ذلك عن بطلان الإجارة بالإضافة إلى هذه المنفعة غير القابلة للتسليم من الأوّل ، ضرورة عدم سلطنة المولى على تمليك منفعة لا يجب بل لا يجوز تسليمها إلى المستأجر لأدائه إلى تلفه وهلاكه . وقد تقدّم في شرائط الإجارة اعتبار تمكّن المستأجر من استيفاء المنفعة (1) ، والمنفعة في المقام بعد الاتّصاف بما عرفت غير قابلة للاستيفاء ، فلم يكن للمالك تمليكها من الأوّل ، فطبعاً تنفسخ الإجارة في خصوص هذه الخدمة ، فللمستأجر أن يراجع المؤجّر وهو المالك ويطالبه باسترجاع ما يعادل هذه المنفعة من الاُجرة .

   وبعبارة اُخرى : بعد أن لم يكن للمالك تمليك هذه المنفعة الموقعة للعبد في الهلكة فهي لم تدخل في ملك المستأجر من الأوّل ، وحيث إنّها لا تتعلّق الآن بالمولى لفرض الانعتاق والخروج عن ملكه بجميع منافعه ـ عدا ما ملّكه للمستأجر ، وليس هذا منه كما عرفت ـ فلا جرم تكون مملوكة لنفس العبد المعتق يصرفها في إعاشة نفسه حفظاً عن الهلاك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 43 ـ 45 .

ــ[143]ــ

   [ 3277 ] مسألة 7 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً سابقاً على العقد وكان جاهلاً به (1) : فإن كان ممّا تنقص به

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قسّم (قدس سره) العيب المفروض إلى قسمين :

   فإنّ العيب في العين قد يسري إلى المنفعة ويستوجب نقصاً فيها ، كما لو استأجر داراً للسكنى فتبيّن أن غرفها مرطوبة تصعب فيها السكونة ، ولا تتيسّر المنفعة المرغوبة بكاملها .

   واُخرى لا يسري ، كما لو تبيّن كون الدابّة مقطوعة الإذن أو الذنب التي لا تؤثّر بوجه في النفع المطلوب من الحمل أو الركوب .

   أمّا في القسم الأوّل :  فلا شكّ في ثبوت الخيار بعين المناط الذي يثبت به في البيع ولو مع الغضّ عن النصّ الشرعي، وهو تخلّف الشرط الارتكازي، لاستقرار بناء العقلاء في مقام المعاوضات والمبادلات من غير فرق بين الأعيان والمنافع على كون العين قابلة للانتفاع منفعةً مطلوبة مرغوبة سليمة عن أيّ نقص وعيب ، وقد تخلّف هذا الشرط الضمني الارتكازي العقلائي حسب الفرض ، ونتيجته ثبوت الخيار بطبيعة الحال بين الفسخ والإمضاء من غير حاجة ـ في هذا المقدار ـ إلى نهوض أيّ دليل شرعي خاصّ لا في البيع ولا الإجارة ، فيتخيّر بين الإمضاء مجّاناً ، وبين فسخ العقد واسترداد الاُجرة المسـمّاة في المقام .

   وعلى الجملة : فالوجه في ثبوت الخيار مضافاً إلى عدم الخلاف أنّ وصف الصحّة في العين أو المنفعة شرط ضمني مبني عليه العقد في المعاملات العرفيّة ، فلا جرم يثبت الخيار بتخلّفه وظهور العيب المستوجب لاختلاف القيمة .

   وأمّا التمسّك لذلك بحديث نفي الضرر فقد تعرّضنا له مستقصى في مباحث

ــ[144]ــ

المنفعة فلا إشكال في ثبوت الخيار له بين الفسخ والإبقاء ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخيار من كتاب المكاسب ولا سيّما في خيار الغبن (1) .

   وملخّصه : قصور الحديث عن إثبات الخيار في المقام ، إذ مفاده إنّما هو نفي أيّ جعل تشريعي ينشأ منه الضرر ، ومن المعلوم أنّ الضرر في المقام لم ينشأ من ناحية الشارع وإنّما حصل من نفس البيع الصادر من المتبايعين ، إذ الضرر إنّما هو النقص في المال ، وهذا قد يتحقّق بمجرّد البيع وما أقدما عليه من المعاوضة بين المالين ، ولا علاقة ولا ارتباط له بساحة الشرع المقدّسة .

   نعم ، بعد أن أقدما على هذا الضرر حكم الشارع بلزوم العقد بمقتضى عمومات اللزوم ، إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذا اللزوم لم يسبّب ضرراً جديداً لكي يرتفع بالحديث ، وإنّما هو إلزام بما أقدم عليه المغبون من الضرر .

   غاية ما هناك أنّ للشارع معالجة الضرر الحاصل بالبيع وتداركه بجعل الخيار ، وهذا أمر آخر يحتاج إلى دليل آخر ولا يكاد يتكفّله الحديث بوجه ، إذ هو ناظر إلى نفي جعل الضرر ، لا إلى جعل ما يتدارك به الضرر ، وهذا واضح .

   ولأجله استندنا في ثبوت الخيار لدى ظهور الغبن إلى تخلّف الشرط الضمني الارتكازي المقرّر بين العقلاء على مساواة العوضين في الماليّة ، لا إلى حديث نفي الضرر ، وكذلك الحال في المقام بمناط واحد .

   على أ نّه قد لا يتحقّق ضرر مالي في المقام كي يتدارك بالخيار ، كما لو استأجر العين باُجرة زهيدة بحيث تسوى بهذه القيمة حتى مع كونها معيبة ، بل بأكثر منها ، كما لو كانت الاُجرة السوقيّة للصحيح دينارين وللمعيب ديناراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقاهة 6 : 295 ـ 306 .

ــ[145]ــ

والظاهر عدم جواز مطالبته الأرش (1) فله الفسخ أو الرضا بها مجّاناً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فآجرها بنصف دينار ، فإنّه لم يتحقّق في هذه المعاملة أيّ ضرر مالي كي يندفع بحديث نفي الضرر . فالصغرى أيضاً غير مسلّمة ، أي لم تكن مطّردة .

   وكيفما كان ، فالعمدة في وجه الخيار تخلّف الشرط الضمني حسبما عرفت .

   (1) فإنّ ذلك حكم تعبّدي خاصّ بالبيع ولا يسرى إلى المقام .

   والوجه فيه : أنّ صفة الصحّة كالأوصاف الكماليّة لا تقابل بالمال ، ولا يقع بإزائها جزء من الثمن أو الاُجرة ، وإنّما هي تستوجب زيادة بذل المال بإزاء العين فتؤثّر في ازدياد الرغبة إلى العين الباعث على دفع القيمة الزائدة بإزائها من دون أن تقابل بنفسها بشيء . إذن فلا مقتضي للمطالبة بالتفاوت بين القيمتين .

   ولو سلّمنا المقابلة كان لازمها تقسيط الاُجرة لا المطالبة بالأرش .

   وتوضيحه :  أنّ الأرش الثابت في باب خيار العيب ليس معناه استرداد جزء من الثمن الواقع بإزاء وصف الصحّة بحيث يبقى البائع مشغول الذمّة بسبب تخلّف هذا الوصف ، وإنّما يثبت الأرش ويضمن البائع بنفس مطالبة المشتري لا بفقد ذاك الوصف ، بحيث لو فرضنا أنّ المشتري لم يطالب ولو لأجل أ نّه لم يعلم بالعيب إلى أن مات لم تكن ذمّة البائع مشغولة بشيء ، لما عرفت من عدم مقابلة هذا الوصف بجزء من الثمن .

   فضمان التفاوت بين الصحيح والمعيب المعبّر عنه بالأرش حكم جديد يثبت بنفس المطالبة ، وبها تشتغل الذمّة ، ومن ثمّ لم يختصّ بجزء من الثمن ، بل عليه الخروج عن عهدة هذا الضمان من أيّ مال كان ، فلو كان المناط في هذا الضمان المقابلة المزعومة المزبورة لزم استرداد جزء من نفس الثمن ، طالب المشتري أم




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net