التزاحم بين النّكاح والحجّ - الإقتراض للحج 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4444


ــ[84]ــ

   [ 3011 ] مسألة 14 : إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج ونازعته نفسه إلى النكاح ، صرح جماعة بوجوب الحجّ وتقديمه على التزويج ، بل قال بعضهم : وإن شق عليه ترك التزويج ، والأقوى ـ وفاقاً لجماعة اُخرى ـ عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجاً عليه أو موجباً لحدوث مرض أو للوقوع في الزنا ((1)) ونحوه (1) نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة ولم يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلقها ويصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحجّ ، لعدم صدق الاستطاعة عرفاً (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) الأمر كما ذكره بالنسبة إلى ترك التزويج وحدوث المرض ، فإن الحجّ إذا استلزم الحرج والمشقة يرتفع وجوبه ، سواء قلنا بأن الإضرار بالنفس محرم أم لا فإن الميزان في سقوط الحجّ أن يكون الإلزام به حرجياً ، وان كان إيقاع النفس في الحرج والمشقة غير محرم ، لحكومة دليل نفي الحرج على الحجّ .

   وأما بالنسبة إلى الوقوع في الزنا فليس الأمر كذلك ، لأن مجرّد العلم بالوقوع في الزنا ليس مجوزاً لترك الحجّ ، لعدم استناده إلى الحجّ ، وإنما يرتكبه بسوء اختياره واللازم عليه تركه ، ولا ينافي ذلك كونه مكلفاً بإتيان الحجّ .

   وبعبارة اُخرى : يلزم عليه أمران : ترك الزنا والحجّ ، ومجرد العلم بإتيان الزنا اختياراً لا يوجب سقوط الحجّ ، بل يجب عليه الحجّ كما يحرم عليه الزنا . ونظير المقام ما لو علم الحاج أنه لو صرف ماله في طريق الحجّ لسرق من أموال المسلمين ليتدارك ما صرفه من أمواله ، ولا يتوهم أحد سقوط الحجّ في مثل ذلك ، وبالجملة : العلم بارتكاب المحرم اختياراً لا يوجب سقوط الحجّ .

   (2) ويكون طلاقها لصرف مقدار نفقتها في الحجّ من باب تحصيل الاستطاعة وهو غير واجب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العلم بالوقوع في الزنا اختياراً لا يجوّز ترك الحجّ .

ــ[85]ــ

   [ 3012 ] مسألة 15 : إذا لم يكن عنده ما يحج به ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته أو بما تتم به مؤونته ، فاللاّزم اقتضـاؤه وصرفه في الحجّ إذا  كان الدّين حالاًّ وكان المديون باذلاً ، لصدق الاستطاعة حينئذ ، وكذا إذا كان مماطلاً وأمكن إجباره باعانة متسلط أو كان منكراً وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة ولا حرج ، بل وكذا إذا توقف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور ـ  بناء على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقف استيفاء الحق عليه  ـ لأ نّه حينئذ يكون واجباً بعد صدق الإستطاعة لكونه مقدّمة للواجب المطلق (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) إذا لم يكن له مال خارجي يكفيه للحج ، ولكن كان له دين على شخص آخر يفي للحج ، ففي حصول الاستطاعة وعدمه بذلك ، تفصيل يتوقف على بيان صور المسألة :

   الاُولى : ما إذا كان الدّين حالاً ، وكان المديون باذلاً ، فاللازم مطالبته واقتضاؤه وصرفه في الحجّ ، لصدق الإستطاعة بذلك ، لعدم اختصاص عنوان الاستطاعة بالعين الخارجية ، بل يشمل ملكية ذمة الغير أيضاً ، لأن الميزان في الاستطاعة المعتبرة كما عرفت غير مرّة هو التمكن من الزاد والراحلة ولو قيمة وبدلاً ووجود ما يحجّ به عنده ، وكل ذلك صادق في المقام .

   الصورة الثانية : ما إذا كان الدّين حالاً ، ولكن المديون غير باذل لمماطلته ، أو كان غير معترف به وأمكن إجباره بإعانة متسلط ، أو إثباته بالرجوع إلى الحاكم حتى حاكم الجور ـ بناء على جواز الرجوع إليه إذا توقف إثبات الحق واستيفاؤه عليه ـ فهل يجب الرجوع إلى الحاكم لإجباره وإنقاذ حقه منه أم لا ؟ .

   اختار المصنف الوجوب ، لأن الواجب واجب مطلق فتجب مقدمته ، وهو الصحيح ، لأن المفروض صدق الاستطاعة ، وأن له المال ، ويتمكّن من التصرّف فيه

ــ[86]ــ

وصرفه في الحجّ ولو بمقدمة كالرجوع إلى متسلط أو الحاكم لإنقاذ ماله وحقه منه .

   وهذا نظير ما إذا كان له مال مدفون في الأرض ، أو كان محروزاً في صندوق وتوقف التصرف فيه على حفر الأرض وفتح الصندوق بعلاج ونحوه ، فإنه لا ريب في الوجوب ، فإن القدرة التكوينية إذا كانت متوقفة على مقدمات ، لا يوجب ذلك سقوط الواجب ، بل يجب عقلاً تحصيل المقدمات . نعم ، لا بدّ أن لا يكون فيه حرج وكلفة زائدة ، وإلاّ فيسقط لأجل الحرج .

   الصورة الثالثة : ما إذا كان الدّين مؤجلاً ، ولكن المديون يبذله لو طالبه قبل الأجل ، فالظاهر أيضاً هو الوجوب ، لصدق الاستطاعة ، وأن له ما يحج به بالفعل وهو متمكن من صرفه فيه ولو بالمطالبة ، ومجرد توقف التصرف على المطالبة لا يوجب عدم صدق الإستطاعة ، فإن ذلك كالموجود في الصندوق المحتاج فتحه إلى العلاج ، أو المدفون في الأرض المحتاج إخراجه إلى الحفر ونحوه ، فإن مقدمة الواجب المطلق واجبة بحكم العقل . نعم ، لو فرض أنه لو طالبـه لا يبذل ، لا يجب عليه الحجّ كما لا يجب عليه المطالبة والسؤال .

   الصورة الرابعة : ما لو شك في البذل له لو طالبه . ذكر المصنف (قدس سره) في آخر المسألة أن الظاهر عدم الوجوب ، وهو الصحيح ، لأنه يشك في الاستطاعة وهو مساوق للشك في التكليف ، ومقتضى الأصل البراءة .

   نعم ، يستثنى من ذلك ما لو شك في القدرة العقلية المأخوذة في سائر الواجبات المطلقة ، وليس له الرجوع إلى أصالة البراءة بمجرّد الشك في القدرة ، بل عليه الفحص ، فإن القدرة العقلية غير دخيلة في الملاك ، وإذا ترك الواجب مع الشك في القدرة ، وكان الوجوب ثابتاً في الواقع فقد فوّت على نفسه الملاك الثابت للواجب ولعل هذا هو المرتكز في أذهان العقلاء ، فإن المولى إذا أمر عبده بشراء اللحم مثلاً ليس للعبد تركه معتذراً باحتمال عدم وجود اللّحم في السوق ، بل عليه الفحص وهذا ممّا لا كلام فيه .

   وأمّا لو شكّ في القدرة الشرعية المأخوذة في الملاك ، فيجوز له الرجوع إلى أصالة

ــ[87]ــ

   وكذا لو كان الدّين مؤجّلاً وكان المديون باذلاً قبل الأجل لو طالبه ((1)) ، ومنعُ صاحب الجواهر الوجوب حينئذ بدعوى عدم صدق الاستطاعة محلُ منع ، وأمّا لو كان المديون معسراً أو مماطلاً  لا يمكن إجباره أو منكراً للدّين ولم يمكن إثباته أو كان الترافع مستلزماً للحرج أو كان الدّين مؤجلاً مع عدم كون المديون باذلاً فلا يجب ((2)) ، بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البراءة ، لأنّ المورد ـ بعد فرض دخل القدرة في الملاك ـ من موارد الشك في التكليف والقدرة المأخوذة في الحجّ المفسرة في الروايات بالزاد والراحلة قدرة شرعية ، بمعنى دخلها في الملاك ، وهي قدرة خاصة مأخوذة في الحجّ ، والقدرة الشرعية بهذا المعنى تغاير القدرة الشرعية المصطلحة التي يزاحمها جميع الواجبات المأخوذة فيها القدرة العقلية ، فإن القدرة المأخوذة في الحجّ بمعناها الخاص وسط بين القدرة الشرعية المصطلحة وبين القدرة العقلية المحضة ، وليس حالها حال القدرة العقلية المأخوذة في سائر الواجبات .

   الصورة الخامسة : ما إذا كان المديون معسراً أو مماطلاً لا يمكن إجباره ، أو منكراً للدين ولم يمكن إثباته ، فقد حكم في المتن بعدم الوجوب في جميع هذه الصور ، لعدم كونه مستطيعاً .

   أقول : ما ذكره على إطلاقه غير تام ، وإنما يتم في بعض الصور ، فإن الدّين في مفروض المقام لو تمكن من بيعه نقداً بأقل منه كما هو المتعارف يجب عليه بيعه لصدق الاستطاعة ، وأن عنده ما يحج به ، وقد عرفت أن المناط في صدق الاستطاعة وجود ما يحج به عيناً أو بدلاً وقيمة ، بل حتى إذا  كان الدّين مؤجّلاً ولم يبلغ أجله وأمكن بيعه نقداً بمقدار يفي للحج على ما هو المتعارف ، يجب عليه ذلك لصدق الاستطاعة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فإن له ما يحج به بالفعل وهو متمكن من صرفه فيه ولو بالمطالبة .

(2) هذا إذا لم يمكن بيع الدّين بما يفي بمصارف الحجّ ولو بتتميم ما عنده فيما إذا لم يكن فيه حرج أو ضرر .

ــ[88]ــ

   [ 3013 ] مسألة 16 : لا يجب الإقتراض للحج إذا لم يكن له مال وإن كان قادراً على وفائه بعد ذلك بسهولة ، لأ نّه تحصيل للإسـتطاعة وهو غير واجب نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه ، أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلاً له قبل الأجل ، وأمكنه الإستقراض والصرف في الحجّ ثمّ وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه ((1)) لصدق الإستطاعة حينئذ عرفاً ، إلاّ إذا لم يكن واثقاً بوصول الغائب أو حصول الدّين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الإستقراض لعدم صدق الإستطاعة في هذه الصورة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويجري ذلك في الإعسار أيضاً إذا أمكن بيعه لمن وجب عليه الزكاة فيشتريه ويدفع المال إلى الدائن ، ويحسب الدّين على المديون من باب الزكوة .

   (1) في هذه المسألة فرعان :

   الأوّل : أنه لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال بقدر ما يحج به ، وإن كان متمكناً من أدائه بسهولة وبغير مشقة ، لأنه تحصيل للاستطاعة ، وهو غير واجب ومجرد التمكن من وفائه لا يوجب صدق الاستطاعة بالفعل . نعم ، لو استقرض يجب عليه الحجّ ، لأنه استطاع وصار واجداً للزاد والراحلة ، بناء على أن الدّين بنفسه لا يمنع عن الإستطاعة .

   وبعبارة اُخرى : إيجاد الموضوع غير واجب عليه ، ولكن لو أوجده يترتب عليه حكمه ، لفعلية الحكم بوجود موضوعه ، كما أنه لا يجب الإستيهاب قطعاً ، ولكن لو استوهب يجب ، لأنه يكون واجداً ومستطيعاً بالفعل .

   الثاني : أنه إذا كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه ، أو دين مؤجل لا يبذله المديون قبل الأجل ، وتمكن من الإستقراض والصرف في الحج ثمّ أدائه بعد ذلك ، ففي وجوب الاستقراض وعدمه وجهان ، إختار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الظاهر عدمه ، نعم إذا أمكن بيع المال الغائب بلا ضرر مترتب عليه وجب البيع أو الاستقراض .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net