أدلّة بطلان نكاح الكبيرة وحرمتها مؤبّداً وما يرد عليها 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في الرضاع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6711


ويمكن الاستدلال لبطلان نكاح الزوجة الكبيرة وحرمتها مؤبّداً بوجوه لا بأس بالتعرّض لها وما يرد عليها :

الوجه الأوّل : أنّ المشتق حقيقة في الأعمّ من المتلبّس بالمبدأ ومن انقضى عنه المبدأ ، فالصغيرة حيث كانت زوجة قبل آن يصدق عليها في آنِ زوال زوجيّتها أنّها زوجة ، فيصدق على الزوجة الكبيرة أنّها اُمّ زوجة الرجل ، فيبطل نكاحها
وتحرم عليه مؤبّداً .

ــ[148]ــ

وفيه : أنّا لا نسلّم ذلك ، بل المشتقّ كما ذكرنا في الاُصول(1) حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدأ .

الوجه الثاني : أنّ الحكم في المورد لا يبتني على مسألة المشتق ، بل هو مبني على الإضافة ، ويكفي فيها أدنى ملابسة ، لأنّ العنوان المذكور في آية التحريم(2) هو اُمّهات النساء ، باضافة النساء إلى ضمير المخاطب ، ويكفي في إضافة النساء إلى ضمير الخطاب كون المرأة زوجة المخاطب في الآن السابق .

وفيه : أنّ البحث في المشتق ليس من حيث الاشتقاق ، بل من حيث اشتماله على النسبة ، وأنّه هل يكفي في نسبة شيء إلى شيء ثبوته له سابقاً ، أو يعتبر ثبوته له بالفعل ، وهذا المعنى يعمّ الإضافة . لأنّها تشتمل على نسبة المضاف إلى المضاف إليه وظاهرها الفعلية .

الوجه الثالث : وحدة السياق في الآية المباركة المتضمّنة لحرمة المحرّمات بالنسب والمصاهرة(3) تدلّ على كفاية الزوجية السابقة في حرمة الزوجة الكبيرة بتقريب : أنّ القرينة الخارجية ـ وهي الروايات الكثيرة ـ دلّت على أنّ ربيبة الرجل من الزوجة السابقة المدخول بها تحرم على ذلك الرجل(4) فلو طلّق الزوج زوجته التي قد دخل بها ، فتزوّجها شخص آخر ، فأولدها بنتاً ، حرمت هذه البنت على الزوج الأوّل ، لأنّها ربيبته من الزوجة التي قد دخل بها ، فإذا كان المراد من النساء اُمّهات الربائب في الآية المباركة(5) ما يعمّ النساء السابقة ، فوحدة السياق تقتضي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 1 (موسوعة الإمام الخوئي 43) : 287 .
(2) ، (3) النساء 4 : 23 .
(4) الوسائل 20 : 465 / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب21 .
(5) النساء 4 : 23 .

ــ[149]ــ

أن يراد بالنساء في اُمّهات النساء ما يعمّ الزوجات السابقة .

ويرد عليه : أنّ قيام القرينة في مورد خاص لا يوجب تعميمها لمورد آخر بل يمكننا أن نقول : إنّه لا قرينية لتلك الأخبار على إرادة الأعم من الآية الشريفة بل هي باقية على ظهورها في النساء الفعليّة ، وتلك الأخبار تدلّ على ثبوت الحكم في موردها ، لأنّ الأحكام تدريجية في البيان ، فمن الممكن أن يكون الحكم في الآية المباركة مختصّاً بربائب النساء الفعلية ، ثمّ وردت الروايات بثبوت الحكم في ربائب النساء السابقة .

وأمّا اُمّهات النساء فلم ترد أخبار تدلّ على ثبوت الحرمة للأعمّ ، وليس في المورد إلاّ ظاهر الآية الشريفة(1) وهو لا يقتضي أزيد من حرمة اُمّهات النساء الفعلية ، بحيث تكون الاُمومة والزوجية في زمان واحد .

الوجه الرابع : أنّ العرف يتسامح في أمثال هذه الموارد ، لأنّ زمان زوال الزوجية متّصل بزمان نفس الزوجية ، أي يكون في آن بعد آنها ، والمفروض أنّ زمان الاُمومة متّحد مع زمان زوال الزوجيّة ، فيتّصل زمان الاُمومة بزمان الزوجيّة ، وهذا المقدار من التأخّر ممّا يتسامح فيه العرف ، والخطابات الشرعية منزّلة على المفاهيم العرفية .

ويرد عليه : أنّ العرف إنّما يكون متّبعاً في تشخيص المفاهيم ، لا في المسامحة في التطبيق بعد أخذ المفهوم منه ، والمفهوم من اُمّ الزوجة أو اُمّهات النساء الوارد في الآية الكريمة(2) هو اتّحاد زمان الاُمومة والزوجية ، أي من تكون اُمّاً للزوجة الفعلية عرفاً ، فلا تتبع مسامحة العرف في تطبيق هذا المفهوم العرفي على من تكون اُمّاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء 4 : 23 .
(2) النساء 4 : 23 .

ــ[150]ــ

للزوجة السابقة ، بلحاظ اتّصال الزمانين وعدم الفصل بينهما .

الوجه الخامس : رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال « قيل له : إنّ رجلا تزوّج بجارية صغيرة ، فأرضعتها امرأته ، ثمّ أرضعتها امرأة له اُخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : أخطأ ابن شبرمة ، تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلا ، فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه ، كأنّها أرضعت ابنته »(1).

وهذه الرواية التي يذكرها الفقهاء في المسألة الآتية ـ وهي من تكون له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة ، فأرضعتا الزوجة الصغيرة ـ يمكن الاستدلال بها في مورد الكلام أيضاً ، لأنّها قد صرّحت بتحريم الزوجة الكبيرة الاُولى والصغيرة وإن خطأ ابن شبرمة في حكمه بحرمة الكبيرة الثانية ، لأنّها أرضعت بنته ، لا زوجته كي تكون اُمّ زوجته .

ويرد على الاستدلال بهذه الرواية أنّها ضعيفة السند بصالح بن أبي حمّاد كما ذكروا .

وقد ناقش في سندها صاحب المسالك (قدّس سرّه) بأنّها مرسلة ، لأنّ علي بن مهزيار لم يدرك الباقر (عليه السلام) وأبو جعفر عند الإطلاق يراد به الباقر (عليه السلام) فلا محالة تكون مرسلة . ويؤيّده أنّ ابن شبرمة كان في زمان الباقر (عليه السلام) لا الإمام الجواد ، وهو أبو جعفر الثاني (عليه السلام)(2)، هذا .

فإن سلّمنا أنّ أبا جعفر عند الإطلاق ظاهر في الإمام الباقر (عليه السلام) فهو كما أفاد (قدّس سرّه) ، وإلاّ فظاهر قوله : « قيل له » هو الإخبار عن حسّ ، فيكون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 20 : 402 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب14 ح1 .
(2) مسالك الافهام 7 : 269 .

ــ[151]ــ

قرينة على إرادة الإمام الجواد (عليه السلام) المعاصر له ، فلا تكون مرسلة من هذه الجهة .

إلاّ أنّ صاحب البلغة نبّه على إرسالها من جهة اُخرى ، وهي أنّ الرواية منقولة في الكافي ، وفيه يقول : وروي عن أبي جعفر (عليه السلام)(1) أي ينقلها ابن مهزيار عن الإمام (عليه السلام) بلفظ « روي » وهو صريح في وجود الواسطة بينه وبين الإمام (عليه السلام) ولو كان الإمام هو الإمام الجواد(2).

وكيف كان الأمر ، فلا إشكال في ضعف سند هذه الرواية .

الوجه السادس : أنّ اُمومة الكبيرة بمقتضى التضايف مساوقة لبنوّة الصغيرة ، فتكون علّة لزوال زوجيّتها ، وحيث إنّ العلّة متّحدة مع المعلول زماناً متقدّمة عليه رتبة ، تكون مقارنة مع نفس الزوجية رتبة ، ففي رتبة اُمومة الكبيرة تكون الصغيرة زوجة للرجل ، فالاُمومة والزوجية تكونان في مرتبة واحدة وإن اختلفتا في الزمان ، وهذا المقدار كاف في نشر الحرمة .

وفيه : أنّ الأحكام الشرعية لا تبتني على التدقيقات الفلسفيّة ، بل ظاهر الدليل هو اعتبار اتّحاد زمان الاُمومة والزوجية ، لا اتّحاد رتبتهما ولو اختلفا زماناً فإنّ الظاهر من الآية المباركة الواردة في حرمة اُمّهات النساء(3) هو اُمّهات النساء خارجاً ، لا اُمّهات النساء رتبة ، أي من تكون في الخارج اُمّ زوجة ، لا في الرتبة .

هذه هي الوجوه التي يمكن أن يستدلّ بها على حرمة الزوجة الكبيرة ، وقد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 446 / 13 ، ولفظه هكذا : عن علي بن مهزيار رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) .
(2) بلغة الفقيه 3 : 184 .
(3) النساء 4 : 23 .

ــ[152]ــ

عرفت ضعفها ، فلا دليل على حرمة الزوجة الكبيرة إذا أرضعت الزوجة الصغيرة .

ويؤيّد هذا ، بل يدلّ عليه صحيحة الحلبي أو حسنته ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « لو أنّ رجلا تزوّج جارية رضيعة ، فأرضعتها امرأته فسد النكاح »(1).

والآخر بنفس السند عنه (عليه السلام) أيضاً : « في رجل تزوّج جارية صغيرة ، فأرضعتها امرأته واُمّ ولده ؟ قال : تحرم عليه »(2).

فإنّ ظاهر الروايتين هو الحكم بفساد عقد الصغيرة ، فسكوته عن نكاح الكبيرة دالّ على عدم بطلانه .

وأمّا الصغيرة المرتضعة فتحرم مؤبّداً مضافاً إلى بطلان نكاحها ، إذا كان اللبن للرجل ، لأنّها تكون حينئذ بنته الرضاعيّة ، أو كانت الكبيرة مدخولا بها واللبن لغيره ، لأنّها تكون حينئذ ربيبته من زوجته التي دخل بها ، وإن كانت زوجة سابقة ، للفرق بين الربيبة واُمّ الزوجة في عدم اعتبار المقارنة في الاُولى بصريح الروايات الواردة في ذلك(3) واعتبارها في الثانية كما عرفت ، وتحريمها في هاتين الصورتين ـ كما هو المعروف ـ ممّا لا ينبغي التأمّل فيه ، لموافقته للأدلّة .

وفيما إذا لم يكن اللبن للرجل ، ولم تكن الكبيرة مدخولا بها ، فلا تحرم ، بل يبطل نكاحها على المشهور ، مستدلّين على ذلك بحرمة الجمع بين الاُم والبنت في النكاح ، وبالرضاع تتحقّق نسبة الاُمومة والبنوّة بينهما ، وبما أنّ ترجيح بطلان نكاح
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 20 : 399 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب10 ح1 ، 2 عن محمّد بن يعقوب
واللفظ في الاُولى في الكافي 5 : 444 / 4 « فسد نكاحها » [مع اختلاف يسير آخر] والراوي في الثانية الحلبي وعبدالله بن سنان .
(3) الوسائل 20 : 465 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب21 .

ــ[153]ــ

إحداهما على بطلان النكاح الآخر بلا مرجّح ، فلابدّ من الحكم ببطلانهما معاً ، فإن شاء جدّد العقد على الصغيرة .

وللنظر في هذا الاستدلال مجال واسع ، بل يعدّ هذا من غرائب فتاوى المشهور ، إذ بعد الالتزام بحرمة الكبيرة مؤبّداً لأنّها تصير اُمّ زوجة الرجل ، حتّى في هذه الصورة ـ حيث صرّحوا هنا بجواز تجديد العقد على الصغيرة دون الكبيرة لأنّها اُمّ زوجته ـ لا مجال للالتزام ببطلان عقد الصغيرة ، استناداً إلى حرمة الجمع بين الاُمّ والبنت في النكاح ، وعدم المرجّح .

وبعبارة اُخرى : بعد تسليم أنّ الرضاع في المقام يوجب صدق عنوان اُمّ الزوجة على الزوجة الكبيرة ، فلا محالة يبطل نكاحها ، وتحرم عليه مؤبّداً ، سواء أبطل نكاح الزوجة الصغيرة أم لا ، فتعيّن بطلان نكاح الزوجة الكبيرة هو المرجّح فلا وجه لبطلان نكاح الزوجة الصغيرة في هذه الصورة .

وقياس المقام على ما لو عقد على الاُمّ وبنتها بعقد واحد ، أو بعقدين متقارنين في الزمان ـ كما لو عقد الرجل على الاُمّ وعقد وكيله على بنتها في نفس ذلك الزمان حيث يبطل العقدان لعدم المرجّح ، فيقاس بقاء العقدين على حدوثهما كذلك ـ قياس مع الفارق ، لتعيّن بطلان عقد الزوجة الكبيرة في المقام ، لأنّها اُمّ زوجة كما ذكرنا فبطلان عقد الزوجة الصغيرة بلا موجب .

نعم بناءً على ما قوّيناه من عدم بطلان نكاح الزوجة الكبيرة ، لعدم تقارن اُمومتها وزوجية الزوجة الصغيرة ، يصحّ الالتزام ببطلان كلا النكاحين ، لعدم المرجّح لأحدهما على الآخر ، وله تجديد العقد على أيّهما شاء ، لا على خصوص الصغيرة كما ذهب إليه المشهور .

هذا تمام الكلام في المسألة الثانية ، وقد ظهر من التحقيق فيها أنّه لا وجه لحرمة الزوجة الكبيرة بارضاعها الزوجة الصغيرة في أيّ من الصور الثلاثة

ــ[154]ــ

وأنّ الحكم في الصورة الثالثة هو بطلان النكاحين ، لحرمة الجمع ، وعدم المرجّح .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net