حكم من لا يمرّ على ميقات 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3447


   وأمّا الثاني : وهو حكم من لا يمر على ميقات ولا بالمحاذي ـ  بناءً على إمكان ذلك  ـ ذكر في المتن أن اللاّزم عليه الإحرام من أدنى الحل . ويستدل له بالمطلقات الناهية عن دخول الحرم بلا إحرام (1) بضميمة أصالة البراءة عن وجوب الإحرام عن المواقيت المعيّنة لمن لا يمرّ بالميقات ومحاذيه ، ونتيجة الأمرين لزوم الإحرام من أدنى الحل .

   وبالجملة : لو فرض عدم المرور على الميقات ولا على محاذيه فقد وقع الكلام في موضع الإحرام ، فذهب بعضهم إلى أنه يحرم من مساواة أقرب المواقيت إلى مكّة ، أي يحرم من موضع يكون بينه وبين مكّة بقدر ما بينها وبين أقرب المواقيت وهو مرحلتان ، وذهب بعضهم إلى أنه يحرم من أدنى الحل .

   أمّا الأوّل : فلا دليل عليه أصلا .

   وأمّا الثاني : فاستدل له بالروايات الدالّة على عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام . مضافاً إلى أصالة البراءة عن لزوم الإحرام من المواقيت المعيّنة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 402 / أبواب الإحرام ب 50 .

ــ[303]ــ

   ويرده : أنّ الروايات الواردة في المقام مختلفة ، بعضها يدل على عدم جواز الدخول في الحرم إلاّ محرماً ، وبعضها يدل على عدم جواز دخول مكّة إلاّ محرماً ، فلا بدّ من تقييد ما دلّ على عدم جواز الدخول في الحرم إلاّ محرماً بما إذا أراد الدخول إلى مكّة إذ لو وجب الإحرام لدخول الحرم فلا يبقى أثر وفائدة لوجوب الإحرام لدخول مكّة ، لأنها واقعة في وسط الحرم تقريباً ، فيكون الحكم بلزوم الإحرام لدخول مكّة لغواً ، فيعلم من ذلك أنهما ليسا حكمين مستقلين ، بل الحكم بلزوم الإحرام لدخول الحرم من باب المقدّمة لدخول مكّة وأنه في الحقيقة يجب الإحرام لدخول مكّة ، وأن الممنوع دخول مكّة بلا إحرام ، وإنما يجب الإحرام لأداء النسك من العمرة أو الحج وأمّا الإحرام وحده وإن كان عبادة ولكن لا يستقل بنفسه ، ولذا لو أراد الدخول في الحرم ولم يكن قاصداً لدخول مكّة لا يجب عليه الإحرام ، ولا خلاف بينهم في عدم وجوب الإحرام على من لم يرد النسك كالحطاب ونحوه ممن يتكرر دخوله لحاجة في خارج مكّة .

   والحاصل : لا يستفاد من الروايات أن هناك واجبين أحدهما لزوم الإحرام لدخول الحرم والآخر الإحرام لدخول مكّة ، وعلى كلا التقديرين لا دلالة في الروايات على تعيين موضع الإحرام ، بل لو كنّا نحن وهذه الروايات ولم يكن دليل خارجي على تعيين مواضع الإحرام لالتزمنا بجواز الإحرام له من أي مكان شاء ولكن علمنا من أدلّة اُخرى عدم التخيير له في مواضع الإحرام وإنما يجب عليه الإحرام من مواضع خاصّة ، فلا يصح الاستدلال بهذه الروايات على لزوم الإحرام من أدنى الحل .

   وأمّا أصالة البراءة عن وجوب الإحرام من المواقيت فلا تثبت لزوم الإحرام من أدنى الحل ، بيان ذلك : أنا نعلم إجمالاً بوجوب الإحرام من موضع ما ، ولولا هذا العلم لجاز الإحرام من أي موضع شاء ، ولكن نعلم بلزوم الإحرام إمّا من أدنى الحل وإمّا من سائر المواقيت ، فكل منهما طرف للعلم الاجمالي ، ولا يمكن إثبات أحدهما دون الآخر باجراء الأصل في أحد الطرفين ، لأنّ كلاًّ منهما محتمل الوجوب والأصل

ــ[304]ــ

فيهما على حد سواء ، بل لا ريب في أن مقتضى الاحتياط هو الإحرام من المواقيت المعروفة لأنه يجزئ قطعاً ، وأمّا الإحرام من أدنى الحل فلم يثبت وجوبه أو الاكتفاء به ، وأصالة البراءة في كل من الطرفين معارضة بأصالة البراءة في الآخر ، فمقتضى القاعدة هو الاشتغال المقتضي للإحرام من المواقيت المعيّنة لأنه مجزئ قطعا .

   على أنه لا مجال لأصالة البراءة مع النصوص الدالّة على لزوم الإحرام من المواقيت المعروفة وعدم جواز العدول عنها ، ففي صحيحة الحلبي «ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) » (1) . وفي صحيحة علي بن جعفر «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها» (2) وغيرهما من الروايات فإن المستفاد منها وجوب الذهاب إلى هذه المواقيت وعدم جواز العدول والاعراض عنها .

   والذي ينبغي أن يقال في توضيح جريان أصالة البراءة في المقام والاكتفاء بالإحرام من أدنى الحل: إنه لا ريب في أننا نعلم إجمالاً بوجوب الإحرام من موضـع ما قبل الدخول في الحرم ، فإن تعين موضعه بدليل معتبر فهو وإلاّ فالمتبع في تعيين موضعه هو الأصل العملي ، ولا إشكال في أن الإحرام من المواضع المعروفة مجزئ قطعاً ، وإنما الكلام في جواز الاجتزاء بغير ذلك كأدنى الحل ، فيكون المقام من دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، إذ لا ندري أن الواجب هو الأعم الجامع بين المواقيت وبين غيرها كأدنى الحل ، أو أن الواجب خصوص الإحرام من المواقيت .

   وبعبارة اُخرى : لا ريب في أنا نعلم بعدم جواز الإحرام من غير هذه الأماكن وأن المكلف لم يكن مخيراً في موضع إحرامه ، بل يلزم عليه الإحرام إما من خصوص هذه المواقيت المعروفة أو من الأعم منها ومن أدنى الحل ، فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير المعبر عنه بالأقل والأكثر أيضاً ، فإن الأقل هو التخيير لإلغاء قيد الخصوصية والأكثر هو التعيين لأخذ قيد الخصوصية ، والمعروف والمشهور هو جريان أصالة البراءة عن الأكثر أي عن التعيين فالنتيجة هي التخيير ، هذا على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 11 : 308 / أبواب المواقيت ب 1 ح 3 ، 9 .

ــ[305]ــ

مسلك المشهور في جريان البراءة في أمثال المقام .

   وأمّا على مسلك المحقق صاحب الكفاية (1) من أن الأقل والأكثر إذا كانا من قبيل العام والخاص فلا تجري البراءة العقلية ولا النقلية ، وإنما تجري قاعدة الاحتياط وذلك لأنّ كلاًّ من العام والخاص وجود بنفسه ، وليس الخاص وجوداً للعام وزيادة فالرقبة المؤمنة في مثال ما لو قال المولى لعبده اعتق رقبة مؤمنة ليست رقبة وزيادة بل الرقبة المؤمنة وجود مستقل ، فإن اعتق الرقبة في ضمن غير المؤمنة فقد أتى بما يباين المأمور به ، وإن أتى بالمؤمنة فقد أتى بما هو الواجب في نفسه ، فالشك في اعتبار الإيمان في الرقبة ليس شكّاً في الزيادة ليدفع بأصالة البراءة .

   وبتعبير آخر : إتيان الطبيعي في ضمن غير المقيّد إتيان بأمر مباين للمقيّد ، والشك بينهما من المتباينين ، نعم لا بأس بجريان البراءة في احتمال الشرطية ، لأنّ الواجب أمر معلوم ونشك في اشتراطه بأمر آخر فيدفع بالأصل ، ومسألة الدوران بين التعيين والتخيير في المقام من قبيل العام والخاص ، ويرجع الشك فيها إلى الشك بين المتباينين ، ومقتضى الأصل هو الاشتغال .

   وكذلك لا مجال للـبراءة بناءً على ما سلكه شيخنا الاُسـتاذ (2) (قدس سره) في التعيين والتخيير .

   وحاصل ما ذكره : أنّ البراءة إنما تجري عن التعيين إذا لم تكن الأطراف بنظر العرف متباينة وإلاّ فيجري الاشتغال ، فإذا دار الواجب بين نوعين وصنفين كالعبد والأمة تجري أصالة الاشتغال ، لأنهما بنظر العرف متباينان وإن كانا بحسب الدقّة متحدين وداخلين تحت جنس واحد ، وكذا يجري الاشتغال فيما لو دار الواجب بين كونه جنساً أو نوعاً خاصّاً ، فإن الجنس لا وجود له إلاّ بالنوع ، والشك بينهما من قبيل الشك بين المتباينين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول 2 : 227 .

(2) فوائد الاُصول 4 : 208 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net