العاشر : أدني الحل ، وهو ميقات العمرة المفردة 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6382


ــ[306]ــ

   العاشر : أدنى الحل ، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الإفراد ، بل لكل عمرة مفردة ((1)) (1) والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجِعرانة أو التنعيم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فالإحرام من المواقيت الخاصّة أو الأعم منها ومن أدنى الحل إما من قبيل العام والخاص الذي ذكره صاحب الكفاية ، وإما أنهما يختلفان بنظر العرف كالنوعين وعلى كلا التقديرين يجري الاشتغال لا البراءة .

   ولكن قد ذكرنا في محلِّه (2) أنه لا فرق في جريان البراءة في الأقل والأكثر بين العام والخاص وبين الجنس والنوع ، ففيما نحن فيه تجري البراءة عن الخصوصية الزائدة المقيّدة بالمواقيت المعروفة ، فيكتفي بالإحرام من أدنى الحل .

   هذا ولكن مع ذلك لا مجال لجريان البراءة في المقام ، ولا يمكن الحكم بالاكتفاء بأدنى الحل ، وذلك لأنّ من جملة الاطراف المحتملة الإحرام من مرحلتين ، أي مساواة أقرب المواقيت إلى مكّة كما ذهب إليه جماعة فلا إجماع على الخلاف ، فحينئذ تكون الأطراف ثلاثة ، الإحرام من أدنى الحل ومن المواقيت المعروفة ومن مرحلتين ، فنعلم إجمالاً باكتفاء الإحرام من خصوص المواقيت أو الجامع بينها وبين أدنى الحل أو الجامع بين المواقيت وأدنى الحل وبين الإحرام من مرحلتين .

   فالنتيجة أنه يتخير بين الاُمور الثلاثة ، وأصالة البراءة عن المواقيت لا تعين الإحرام من أدنى الحل ، لأنّ العلم الاجمالي على الفرض ذو أطراف ثلاثة . هذا كلّه مع قطع النظر عن النصوص الدالّة على لزوم الذهاب إلى المواقيت المعروفة والإحرام منها وعدم جواز العدول والاعراض عنها إلى غيرها .

   (1) الظاهر أنه لا خلاف بينهم في كون أدنى الحل ميقاتاً للعمرة المفردة بعد حج القران والإفراد ، كما أنه ميقات للعمرة المفردة لمن كان في مكّة ، ومراد المصنف من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لمن كان بمكّة وأراد العمرة ومن أتى دون المواقيت غير قاصد لدخول مكّة ثمّ بدا له أن يعتمر .

(2) في مصباح الاُصول 2 : 453 .

ــ[307]ــ

فإنها منصوصة ، وهي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب والبعد ، فإن الحديبية ـ بالتخفيف أو التشديد ـ بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة ثمّ اُطلق على الموضع ، ويقال : نصفه في الحل ونصفه في الحرم ، والجِعرانة ـ بكسر الجيم والعين وتشديد الراء أو بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء ـ  موضع بين مكّة والطائف على سبعة أميال ، والتنعيم موضع قريب من مكّة وهو أقرب اطراف الحل إلى مكّة ، ويقال : بينه وبين مكّة أربعة أميال ، ويعرف بمسجد عائشة ، كذا في مجمع البحرين ، وأمّا المواقيت الخمسة فعن العلاّمة (رحمه الله) في المنتهى أن أبعدها من مكّة ذو الحليفة فإنها على عشرة مراحل من مكّة ، ويليه في البعد الجُحفة ، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة بينها وبين مكّة ليلتان قاصدتان ، وقيل : إن الجحفة على ثلاث مراحل من مكّة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله : «بل لكل عمرة مفردة» العمرة المفردة لمن أراد العمرة وحدها من مكّة ، وأمّا النائي الخارج من مكّة فميقات عمرته سائر المواقيت المعروفة كما سيأتي في المسألة السادسة ، ففي العبارة مسامحة واضحة .

   وكيف كان ، الذي يدل على أن أدنى الحل ميقات للعمرة المفردة إنما هو روايتان :

   الاُولى : صحيحة جميل ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ، ثمّ تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة ، قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة» (1) .

   وربّما يشكل الاستدلال بها من جهتين :

   إحداهما : أنها واردة في العمرة المفردة المسبوقة بالحج ، وكلامنا في مطلق العمرة المفردة فالتعدي يحتاج إلى الدليل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 296 / أبواب أقسام الحج ب 21 ح 2 .

ــ[308]ــ

   ثانيتهما : أن ظاهرها وجوب الإحرام من خصوص التنعيم مع أن كلامنا في مطلق أدنى الحل .

   ويمكن الجواب عن الثاني بأن ذكر التنعيم لكونه أقرب الأماكن من حدود الحرم وإلاّ فلا خصوصية لذكره .

   الثانية : صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجِعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها» (1) فإنها تشمل جميع مواضع حدود الحرم لقوله : «أو ما أشبهها» ، كما أنها مطلقة من حيث كون العمرة مسبوقة بالحج أم لا ، فلا ينبغي الريب في هذا الحكم .

   يبقى الكلام في مرسلة الصدوق التي رواها بعد صحيحة عمر بن يزيد ، قال الصدوق : «وإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اعتمر ثلاث عمر متفرقات كلّها في ذي القعدة ، عمرة أهلّ فيها من عسفان وهي عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجُحفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجعرانة وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين» (2) ، ورواها الكليني في الكافي بسند صحيح عن معاوية بن عمّار باختلاف يسير(3) .

   وربّما يقال بأن ظاهر الرواية أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحرم للعمرة من عسفان ، الذي يبعد عن مكّة بمقدار مرحلتين ولم يكن ميقاتاً ولا من أدنى الحل ، كما يظهر منها أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحرم لعمرة القضاء من الجحفة مع أنه لو كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قاصداً للعمرة من المدينة فكيف لم يحرم من مسجد الشجرة ، فمقتضى هذه الرواية جواز تأخير إحرام العمرة المفردة للنائي من الميقات الذي أمامه إلى ميقات آخر بعده .

   والجواب : أنه إذا كان المراد بالاهلال الإحرام فتدل الرواية على جواز الإحرام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 341 / أبواب المواقيت ب 22 ح 1 .

(2) الوسائل 11 : 341 / أبواب المواقيت ب 22 ح 2 ، الفقيه 2 : 275 / 1341 .

(3) الكافي 4 : 251 / 10 .

ــ[309]ــ

من مكانه وعدم لزوم الرجوع إلى الميقات ، نظير من كان منزله بعد الميقات ، فإن موضع إحرامه دويرة أهله وليس عليه الرجوع إلى الميقات ، فالحكم بجواز الإحرام من مكانه وعدم لزوم الرجوع إلى الميقات لا يختص بمن كان منزله دون الميقات ، بل يشمل من كان بنفسه دون الميقات من باب الاتفاق وإن كان منزله بعيداً ، فالمستفاد من الرواية أن من كان دون الميقات ولو اتفاقاً وأراد العمرة يجوز له الإحرام من مكانه وليس عليه الرجوع إلى الميقات ، ولا خصوصية لذكر عسفان ، بل الميزان كل من كان بعد الميقات سواء كان في عسفان أو في غيره من المواضع .

   ولكن لا يبعد أن يكون المراد بالاهلال هو رفع الصوت بالتلبية كما هو معناه لغة يقال : أهل بذكر الله : رفع به صوته ، وأهل المحرم بالحج والعمرة : رفع صوته بالتلبية وأهلوا الهلال واستهلوه : رفعوا أصواتهم عند رؤيته ، وأهل الصبي : إذا رفع صوته بالبكاء (1) ، فمعنى الرواية أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رفع صوته بالتلبية في عسفان ، والعمرة التي رفع صوته بالتلبية من عسفان هي عمرة الحديبية ، فلا ينافي ذلك مع إحرامه من مسجد الشجرة .

   يبقى الاشكال في إحرامه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الجحفة في عمرة القضاء كما في المرسلة .

   ويندفع بأن العبرة بصحيحة الكافي عن معاوية بن عمّار ، فإن المذكور فيها الاهلال من الجحفة ، وقد عرفت أن المراد به رفع الصوت بالتلبية .

   والذي يظهر من الروايات الصحيحة والتواريخ المعتبرة أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنما اعتمر بعد الهجرة عمرتين ، وإنما عبر في هذه الصحيحة بثلاث عمر باعتبار شروعه في العمرة والإحرام لها ولكن المشركين منعوه من الدخول إلى مكّة ، فرجع (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعدما صالحهم في الحديبية واعتمر في السنة اللاّحقة قضاءً عمّا فات عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن أصحابه فسمِّيت بعمرة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أساس البلاغة : 487 .

ــ[310]ــ

القضاء ، كما صرح بذلك في صحيحة أبان عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «اعتمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمرة الحديبية وقضى الحديبية من قابل ، ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف ، ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة» (1) وفي صحيحة صفوان أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحرم من الجعرانة (2) .

   فالذي يستفاد من صحيحة معاوية بن عمّار أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحرم من مسجد الشجرة للعمرة ورفع صوته بالتلبية من عُسفان ، وهي العمرة التي منعه المشركون من الدخول إلى مكّة وصالحهم في الحديبية ورجع من دون إتيان مناسك العمرة ، ثمّ في السنة اللاحقة اعتمر وأحرم من مسجد الشجرة وأهل ورفع صوته بالتلبية من الجحفة فسميت بعمرة القضاء .

   وأمّا الجِعرانة فالظاهر من الصحيحة أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحرم منها لظهور قوله : «وعمرة من الجعرانة» في أن ابتداء العمرة كان من الجعرانة ، لا أنه أحرم قبل ذلك ورفع صوته بالتلبية من الجعرانة كما صرّح بذلك في صحيحة أبان المتقدّمة .

   فالمستفاد من الصحيحة جواز الإحرام للعمرة المفردة من الجِعرانة اختياراً وإن لم يكن من أهل مكّة كالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه ، كما يجوز الإحرام من أدنى الحل . ولكن إنما يختص ذلك بمن بدا له العمرة في الأثناء .

   فما ذكرناه في أوّل البحث من أن ميقات العمرة المفردة للنائي الخارج من مكّة هو المواقيت المعروفة غير تام على اطلاقه ، بل لا بدّ من التفصيل ، وحاصله :

   أن النائي إذا سافر وخرج من بلده لغرض من الأغراض كقتال ونحوه ووصل إلى حدود الحرم ودون الميقات فبدا له أن يعتمر ، يجوز له أن يعتمر من أدنى الحل من الجِعرانة ونحوها كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ولا يجب عليه العود والرجوع إلى الميقات ، وأمّا النائي الذي يخرج من بلده بقصد العمرة فليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 299 / أبواب العمرة ب 2 ح 3 .

(2) الوسائل 11 : 268 / أبواب أقسام الحج ب 9 ح 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net