الروايات الدالّة على انعقاد نذر الإحرام قبل الميقات 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3547


ــ[317]ــ

   نعم ، يستثنى من ذلك موضعان : أحدهما : إذا نذر الإحرام قبل الميقات ، فإنّه يجوز ويصحّ للنصوص ، منها خبر أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «لو أنّ عبداً أنعم الله تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم» . ولا يضر عدم رجحان ذلك بل مرجوحيته قبل النذر مع أن اللاّزم كون متعلق النذر راجحاً ، وذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من الأخبار ، واللاّزم رجحانه حين العمل ولو كان ذلك للنذر ، ونظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرّم من حيث هو مع صحّته ورجحانه بالنذر ، ولا بدّ من دليل يدل على كونه راجحاً بشرط النذر ، فلا يرد أن لازم ذلك صحّة نذر كل مكروه أو محرّم ، وفي المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار، فالقول بعدم الانعقاد ـ كما عن جماعة لما ذكر  ـ لا وجه له، لوجود النصوص وإمكان تطبيقها على القاعدة. وفي إلحاق العهد واليمين بالنذر وعدمه وجوه، ثالثها إلحاق العهد دون اليمين ، ولا يبعد الأوّل لإمكان الاستفادة من الأخبار(1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) يقع الكلام في موردين :

   الأوّل : نذر الإحرام قبل الميقات .

   المعروف والمشهور انعقاد نذره ووجوب الإحرام من ذلك الموضع ، وذهب جماعة إلى المنع بدعوى أنه نذر غير مشروع ، وممن صرّح بالمنع ابن إدريس(1) ونسبه إلى جماعة كالسيّد وابن أبي عقيل والصدوق والشيخ في الخلاف(2) ، ولكن العلاّمة خطّأه في نقله (3) . وكيف كان ، فالصحيح ما ذهب إليه المشهور للنصوص :

   منها : ما رواه الشيخ في الصحيح باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السرائر 1 : 527 .

(2) راجع الخلاف 2 : 286 مسألة 62 .

(3) المختلف 4 : 68 .

ــ[318]ــ

الحلبي (علي) قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة ، قال : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال» (1) ، ودلالته واضحة على انعقاد النذر وصحّته ووجوب الوفاء .

   وأمّا السند فالمعروف صحّته ، ولكن صاحب المنتقى ناقش في صحّة الخبر تارة بجهل الراوي لترديده بين الحلبي وعلي ، أي علي بن أبي حمزة البطائني الكذّاب ، فإن المذكور في نسخ التهذيب القديمة علي لا الحلبي ، وفي الوسائل ذكر كلمة علي على نحو الاحتمال ، وتصحيف علي بالحلبي قريب ، ويؤيد كون الراوي علي بن أبي حمزة رواية حماد عنه ، فإن رواية حماد بن عيسى عنه معروفة كثيرة ، واُخرى : بأن حماد واقع في السند ، فإن كان ابن عثمان كما تشعر به روايته عن الحلبي فالحسين ابن سعيد لا يروي عنه بغير واسطة قطعاً ، وإن كان ابن عيسى فهو لا يروى عن عبيدالله الحلبي فيما يعهد من الأخبار فالاتصال غير محرز ، ثمّ قال : في آخر كلامه : وبالجملة فالاحتمالات قائمة على وجه ينافي الحكم بالصحّة ، وأعلاها كون الراوي علي بن أبي حمزة فيتضح ضعف الخبر (2) .

   أقول : الظاهر أن ذكر علي في السند اشتباه ، وإنما ذكر في بعض نسخ التهذيب القديم، والمصرح به في النسخة الجديدة (3) والاستبصار (4) الحلبي بدل علي، فالاشتباه إنما وقع من الناسخ ، وأمّا حماد الواقع في الطريق الذي يروي عن الحلبي فالظاهر أنه حماد بن عثمان ، فإنه يروي عن الحلبي بعنوانه وعن عبيدالله بن الحلبي وعن عبيدالله بن علي وعن عبيدالله الحلبي كثيراً ما يقرب من مائتي مورد .

   وما ذكره من أنّ الحسين بن سعيد لا يروي عن حماد بن عثمان فغير تام ، فإنّه قد روى عنه في بعض الموارد وإن كان قليلاً لا أنه لا يروي عنه أصلاً ، ولو قلنا بأن حماد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 326 / أبواب المواقيت ب 13 ح 1 ، التهذيب 5 : 53 / 163 .

(2) منتقى الجمان 3 : 193 .

(3) التهذيب 5 : 53 .

(4) الاستبصار 2 : 163 .

ــ[319]ــ

هذا هو حمّاد بن عيسى فالحلبي الذي يروى عنه هو عمران الحلبي ، لا عبيدالله الحلبي حتى يقال بأنّ حمّاد بن عيسى لا يروي عن عبيدالله الحلبي ، وأمّا ما ذكر من أنّ إرادة عمران الحلبي عند إطلاق الحلبي بعيدة فغير تام ، إذ قد يطلق الحلبي ويراد به عمران والحسين بن سعيد يروي عن حماد بن عيسى كثيرا .

   ثمّ إنّه لو سلمنا أن الثابت في النسخة علي بدل الحلبي فليس المراد به علي بن أبي حمزة البطائني ، بل المراد إما علي بن يقطين أو علي بن المغيرة ، نعم حماد بن عيسى يروي عن علي البطائني وأمّا حماد بن عثمان فلا يروي عنه . والحاصل : لا ينبغي الريب في صحّة السند .

   ومنها : خبر صفوان عن علي بن أبي حمزة ، قال : «كتبت إلى أبي عبدالله (عليه السلام) أسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة، قال: يحرم من الكوفة»(1) ولكنّه ضعيف بعلي بن أبي حمزة ، ولعلّ ذكر علي في هذه الرواية أوجب الاشتباه في ذكره في الخبر السابق .

   ومنها : موثقة أبي بصير ، قال : «سمعته يقول : لو أن عبداً أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم» (2) وتكفينا هاتان الروايتان المعتبرتان في الحكم المذكور ، ولا وجه للمناقشة فيه بعد وضوح الدلالة وصحّة السند .

   إنّما وقع الكلام في تطبيق الروايات على القاعدة المعروفة ، وهي لزوم الرجحان في متعلق النذر ، وأن النذر لا ينعقد إلاّ إذا كان متعلقه راجحاً في نفسه ، فمن هنا يتوجّه الاشكال من أنه لو فرضنا كون الإحرام قبل الميقات غير مشروع فكيف يتعلّق به النذر وينعقد .

   وقد أجاب عنه المصنف (رحمه الله) في المتن بأن اللاّزم رجحان النذر في ظرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 327 / أبواب المواقيت ب 13 ح 2 .

(2) الوسائل 11 : 327 / أبواب المواقيت ب 13 ح 3 .

ــ[320]ــ

العمل ولو كان ذلك للنذر ، ولا يضر عدم رجحانه قبل النذر ، بل ولو كان مرجوحاً قبله فالرجحان الناشئ من قبل النذر كاف .

   واُشكل عليه بأن لازم ذلك انعقاد النذر إذا تعلق بالحرام أو المكروه .

   وأجاب عنه في المتن بأنه إنما نقول بصحّة النذر وانعقاده فيما إذا قام الدليل على الجواز فنستكشف من الدليل كونه راجحاً بشرط النذر ، وما لم يدل دليل على الجواز لا يمكن إثبات رجحانه بالنذر ، وحيث قام الدليل على جواز نذر الإحرام قبل الميقات نستكشف منه رجحانه بالنذر ، ونظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرم ، وهذا بخلاف باقي المحرمات والمكروهات ، فإن إطلاق دليل الحرام أو عمومه يكفي في عدم الرجحان حتى يتعلق النذر به . وبالجملة : إنما نقول بصحّة النذر في المقام لقيام الدليل على صحّة النذر .

   واُورد عليه بأن ذلك غير معقول لاستلزامه الدور ، لأنّ صحّة النذر متوقفة على الرجحان والرجحان متوقف على صحّة النذر وهذا دور واضح .

   وفيه : أن المتوقَف عليه يغاير المتوقِف عليه فلا دور ، لأنّ صحّة النذر وإن كانت متوقفة على رجحان متعلقه ولكن رجحان المنذور غير متوقف على صحّة النذر ، بل إنما يتوقف على نفس النذر . وبعبارة اُخرى : مشروعية النذر تتوقف على نفس النذر وفي علم الله ثابت أنه متى التزم المكلف على نفسه شيئاً يكون ذلك راجحاً فيجب الوفاء به لأنّ متعلقه مشروع ، هذا كلّه بناءً على تطبيق الروايات على القاعدة .

   ويمكن أن يقال بعدم الحاجة إلى التطبيق المذكور ، ونلتزم بالتخصيص في المورد بدعوى أن لزوم الرجحـان في متعلق النذر ليس من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص ، وإنما هو حكم شرعي تعبدي يقبل التخصيص ، فيمكن الالتزام بوجوب الوفاء بالنذر في مورد نذر الإحرام  قبل  الميقات ونذر الصوم في السفر وإن كان الرجحان فيهما ناشئاً من قبل النذر ، لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من النص .

   وبتعبير آخر: لو اعتبرنا الرجحان النفسي في متعلق النذر فلا محيص عن التخصيص بالنص الوارد في الموردين ، وإن اعتبرنا مطلق الرجحان ولو كان الرجحان ثابتاً في

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net