نسيان التلبية - استحباب إكثار التلبية والجهر بها 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4451


ــ[425]ــ

   [ 3247 ] مسألة 18 : إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها وإن لم يتمكّن أتى بها في مكان التذكّر ((1)) ، والظاهر عدم وجوب الكفّارة عليه إذا كان آتياً بما يوجبها ، لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلاّ بها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إنمّا الكلام في أنّ هذا الحكم هل يختص بمورد التلبية ، أو يعم الاشعار أو التقليد وأنّ القارن الذي يدخل في الإحرام بسبب الاشعار أو التقليد كذلك أم لا ؟

   ربّما يستدل لذلك بالاجماع على أنّ القارن إذا لم يأت بالاشعار أو التقليد يجوز له إرتكاب محرمات الإحرام ، والظاهر عدم الحاجة إليه فإنّ في الأخبار غنى وكفاية حيث إن الحكم المذكور ينحل إلى حكم إيجابي وحكم سلبي ، أمّا الحكم الايجابي فهو جواز ارتكاب المحرمات قبل التلبية . وأمّا السلبي فهو عدم جواز ارتكاب المحرّمات بعد التلبية ، وكلا الحكمين يستفاد من النصوص التي صرّحت بأنّ الاشعار والتقليد بمنزلة التلبية ، كمعتبرة معاوية بن عمّار «والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية» (2) فإنّ دليل التنزيل يقتضي إجراء حكم التلبية على الاشعار أو التقليد ، فلو لم يشعر أو لم يقلد جاز له ارتكاب كل شيء .

   (1) النصوص الواردة في المقام (3) موردها نسيان الإحرام لا نسيان التلبية ، فإن قلنا بأنّ الإحرام هو التلبية وبها يتحقق الإحرام فالأمر واضح. وأمّا إذا قلنا بأن الإحرام يتحقّق بالعزم وعقد القلب ففي هذا الفرض إن التزمنا أن التلبية متممة للإحرام وما صدر منه كان إحراماً ناقصاً ويتم بالتلبية، فالأمر واضح أيضاً لشمول الروايات الواردة في نسيان الإحرام لنسيان التلبية .

   وأمّا لو قيل بأنّ التلبية غير دخيلة في الإحرام وإنّما هي واجب مستقل نظير لبس الثوبين ، فحينئذ لا موجب للعود إلى الميقات لتداركها ، لأ نّها واجب مستقل ترك عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على تفصيل تقدّم [ في المسألة 3221 التعليقة 4 ] .

(2) الوسائل 11 : 277 / أبواب أقسام الحج ب 12 ح 11 .

(3) الوسائل 11 : 338 / أبواب المواقيت ب 20 .

ــ[426]ــ

   [ 3248 ] مسألة 19 : الواجب من التلبية مرّة واحدة ، نعم يستحب الإكثار بها وتكرارها ما استطاع خصوصاً في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة وعند صعود شرف أو هبوط واد وعند المنام وعند اليقظة وعند الركوب وعند النزول وعند ملاقاة راكب وفي الأسحار (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عذر فيتداركه في مكانه متى تذكر ، والروايات الآمرة بالعود إلى الميقات إنما وردت في ناسي الإحرام .

   (1) أمّا الاكتفاء بمرّة واحدة فممّا لا ريب فيه ، ويدل عليه إطلاق الأدلّة كقوله في صحيح معاوية بن عمّار : «واعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد»(1) ، والمذكور في صدر الحديث وفي أوّل الكلام إنما هو الاتيان بالتلبيات الأربع مرّة واحدة .

   وأمّا استحباب الاكثار وتكرارها ما استطاع في الموارد المذكورة في المتن فتدل عليه النصوص ، منها : صحيحة معاوية بن عمّار المتقدِّمة (2) .

   وأمّا الاتيان بها عند المنام بخصوصه فلا دليل عليه ، وإنما يدل عليه عموم قوله في الصحيحة : «وأكثر ما استطعت» ، فإن وقت النوم آخر زمان يمكن فيه الاتيان بالتلبية .

   وأمّا الاجهار بها فهو المعروف عند الأصحاب ، وربّما نسب وجوبه إلى الشيخ في التهذيب ، ولكن الذي صرّح بالوجوب هو المفيد في المقنعة (3) لا الشيخ في التهذيب نعم لم يعلّق الشيخ في التهذيب على ما ذكره المفيد في المقنعة بل استدلّ له بصحيحة عمر بن يزيد (4) . ولعلّ المراد بالوجوب هو الاستحباب الأكيد ، فإن الشيخ ادعى في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 382 / أبواب الاحرام ب 40 ح 2 ، وتقدّم في ص 417 .

(2) في ص 417 .

(3) المقنعة : 407 .

(4) التهذيب 5 : 92 / 301 ، الوسائل 12 : 383 / أبواب الإحرام ب 40 ح 3 .

ــ[427]ــ

الخلاف أنه لم ير قائلاً بالوجوب(1) . وكيف كان، فقد اختار صاحب الحدائق الوجوب أو مال إليه للأمر به في النصوص وهو حقيقة في الوجوب ، وذكر أن حمل الأخبار المطلقة على مقيّدها يقتضي وجوب الاجهار(2) .

   ويرد عليه : أن المستفاد من الأخبار إنما هو الاستحباب لا الوجوب ، فإن عمدة ما استدل به صاحب الحدائق روايات ثلاث :

   الاُولى : صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة(3) ، قال (عليه السلام) بعدما ذكر التلبيات الواجبة والمستحبة : «وأكثر ما استطعت واجهر بها» ، فإن الأمر بالاجهار لا يختص بالتلبيات الأربع الواجبة بل يرجع إلى التلبيات الكثيرة المذكورة في الدعاء ولا ريب أن هذه التلبيات الكثيرة مستحبة في نفسها ، فكيف يمكن أن يكون الجهر بها واجبا .

   الثانية : ما روى عن حريز بطرق عديدة بعضها ضعيف للرفع كرواية الكليني وبعضها صحيح كطريق الصدوق والشيخ ، فإنهما رويا عن حريز بن عبدالله ـ  وما في الوسائل عن حريز عن عبدالله غلط  ـ ومحمّد بن سهل عن أبيه عن أشياخه عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، وجماعة من أصحابنا ممن روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) أنهما قالا : «لما أحرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال له : مر أصحابك بالعج والثج ، فالعج رفع الصوت والثج نحر البدن ، قال وقال جابر بن عبدالله : فما مشى الروحا حتى بحت أصواتنا»(4) .

   والجواب : أنّ الأمر بالعج ورفع الصوت إنما هو بعد تحقق الإحرام وأداء التلبية الواجبة التي يتحقّق بها الإحرام ، لا في التلبية الاُولى التي توجب الإحرام ، ولا ريب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 2 : 292 .

(2) الحدائق 15 : 61 .

(3) في ص 417 رقم 1 .

(4) الكافي 4 : 336 / 5، الفقيه 2 : 210 / 960 ، التهذيب 5 : 92 / 302، الوسائل 12 : 378 / أبواب الإحرام ب37 ح1.

ــ[428]ــ

وفي بعض الأخبار «من لبى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النّار وبراءة من النفاق». ويستحب الجهر بها ـ خصوصاً في المواضع المذكورة  ـ للرجال دون النّساء ، ففي المرسل «إنّ التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية» ، وفي المرفوعة ((1)) «لما أحرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتاه جبرائيل فقال : مر أصحابك بالعج والثج ، فالعج رفع الصوت بالتلبية والثج نحر البدن» .

   [ 3249 ] مسألة 20 : ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً كما قاله بعضهم ، أو في خصوص الراكب كما قيل ولمن حج على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً ، ولمن حج من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل ، أو إلى أن يشرف على الأبطح ((2)) ، لكن الظاهر بعد عدم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنّ التلبيات الأخيرة غير واجبة فضلاً عن الاجهار بها ، فلا بدّ من حمل الأمر برفع الصوت فيها على الاستحباب .

   الثالثة : صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إن كنت ماشياً فاجهر باهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء» (3) وهي أيضاً غير دالّة على الوجوب ، لأنها في مقام بيان موضع الجهر لا في مقام بيان أصل الجهر حتى يقال بأن الأمر ظاهر في الوجوب .

   ثمّ إنه بناءً على استحباب الجهر أو وجوبه ـ كما قيل ـ إنما يختص بالرجال ولا يشمل النّساء للنص ، ففي صحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ليس على النّساء جهر بالتلبية» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ورد ذلك في الصحيحة أيضا .

(2) لم تثبت أفضلية التأخير إلى الإشراف على الأبطح .

(3) الوسائل 12 : 369 / أبواب الإحرام ب 34 ح 1 .

(4) الوسائل 12 : 380 / أبواب الإحرام ب 38 ح 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net