معاني المضاربة - دفع المال إلى الغير للتجارة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4378

  

ــ[1]ــ
بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدّمة
   الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، واللّعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام الدِّين .
   وبعد ، فمن دواعي سروري واعتزازي أن ألتقي بالقارئ الكريم مرّة اُخرى ، في محاولة اُخرى لشرح جانب آخر من الجوانب المهمّة للفقه الإسلامي الشامل .
   وإذا كانت الدراسة الاُولى ـ كتاب النِّكاح ـ ذات أهميّة كبيرة ، بالنظر لاشتمالها على نظام تكوّن المجتمع وتنظيم نسب أفراده وانتماءاتهم ، فالدراسة الثانية ـ  الكتاب الذي بين يديك  ـ لا تقل أهمية عنها لأنها المكمّل الأساسي في نظام المجتمع السعيد .
   فإنّ كلاً من نظام ارتباط الافراد بعضهم ببعض والنظام الاقتصادي يعتبر مقوِّماً أساسياً للمجتمع في حياته وكيانه ، بعد نظام العبادات الذي يقوم بربط العبد بمولاه ويكون الطريق المفتوح بين المخلوق وخالقه . فإنّ المجتمع إذا كان لا يستقيم إلاّ بنظام يتحكّم في انتساب الأفراد وشخصيّتهم ، فهو لا يستقيم أيضاً إلاّ بقواعد تتحكّم في معاملاتهم وإدارة شؤون أموالهم .
   وعلى أيّ حال فالكتاب الذي بين يديك دراسة اقتصادية فقهية مهمّة ، تشتمل على كتاب المضاربة الذي يعتبر أحد الأركان الأساسية لنظام الاقتصاد الإسلامي وما يعرف بالمصطلح الحديث بنظام المصرف اللاّربوي .
   وهي تقرير للمحاضرات التي ألقاها سماحة آية الله العظمى الإمام السيد الوالد (دام ظلّه) وقد حظي هذا الجزء ـ كسابقيه ـ بفائق لطفه وعنايته (حفظه الله) حيث أولاه اهتماماً خاصّاً فطالعه بتمامه .
   حفظ الله سيّدنا (دام ظلّه) مناراً للإسلام والمسلمين ، وأسأله التوفيق لنشر ما بقي من المحاضرات التي كان لي شرف حضورها وتدوينها ، والله وليّ التوفيق .

النجف الأشرف 20  /  ذ ق  /  1406 هـ
محمّد تقي الخوئي

ــ[2]ــ

كتاب المضارب

ــ[3]ــ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
كتاب المضاربة

   وتسمّى قراضاً عند أهل الحجاز. والأوّل من الضرب، لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح ، والمفاعلة باعتبار كون المالك مسبّباً له والعامل مباشراً (1) .
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   (1) ما أفاده (قدس سره) إنما هو لتوجيه صدق المفاعلة في المضاربة ، حيث إنّ باب المفاعلة يقتضي صدور الفعل من اثنين ، وهو غير متحقّق في المقام ، فإن القرض إنّما يكون من المالك خاصّة ، والضرب من العامل فقط .
   غير إنّنا ذكرنا في مباحث المكاسب ، أنّ هيئة المفاعلة وإن اشتهر وضعها للدلالة على صدور المادّة من اثنين ، إلاّ أنه لا أساس له . فإنها لا تدلّ إلاّ على قيام الفاعل وتصدّيه نحو تحقيق المادة في الخارج ، سواء أتحقّق ذلك أم لم يتحقق ، فيقال : خادعته فلم ينخدع . والشواهد على ذلك كثيرة ، حيث تستعمل هذه الهيئة ولا يراد منها سوى تصدي الفاعل ولوحده للفعل ، فيقال : سايرته ودافعته ـ ولو كان الطرف الآخر واقفاً لا يتحرك ـ وطالعت وناولته إلى غير ذلك .
   نعم ، قد تقتضي المادّة في بعض الموارد القيام في اثنين ، كالمساواة والمقابلة والمحاذاة والمشاركة وغيرها ، حيث إنها لا تتحقّق إلاّ بطرفـين ، غير أنّ ذلك أجنبي عن الهيئة وإنما هو من خصوصيات المادّة .
   والذي يدلّنا على ما ندّعيه قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ والذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهَمْ وَما يَشْعُرونَ) (1) . فإنها تدلّنا على عدم اتحاد مفهوم (خادع)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة 2 : 9 .
ــ[4]ــ
   والثاني من القرض ، بمعنى : القطع ، لقطع المالك حصّة من ماله ودفعه إلى العامل ليتَّجر به . وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول ، وعلى الأوّل مضارب بالبناء للفاعل .
   وكيف كان ، عبارة عن دفع (1) الإنسان مالاً إلى غيره ليتَّجر به ، على أن يكون الربح بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك ، ولا أن يكون تمامه للعامل .
   وتوضيح ذلك : أنّ من دفع مالاً إلى غيره للتجارة :
   تارة على أن يكون الربح بينهما ، وهي مضاربة .
   وتارة على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده (2) .
   وتارة على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم باسم البضاعة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع مفهوم (خدع) حيث إنّ الثاني ظاهر في تحقّق المادة في الخارج ، في حين إن الأوّل لا يدلّ إلاّ على تصدّي الفاعل وإرادته لذلك ، من غير اعتبار لتحقّقه في الخارج .
   وعلى هذا الأساس فلا حاجة لتحمل عناء ما ذكر من التأويلات لتصحيح صدق المفاعلة على المضاربة ، فإنها صادقة عليها حقيقة ومن غير حاجة إلى التأويل ، نظراً لقيام المالك مقام الضرب وتصدّيه للقرض .
   (1) بل هو عقد بين المالك والعامل .
   (2) وإلاّ فيبقى المال في ملك المالك ، ومقتضى قانون تبعية الربح لرأس المال كونه بأكمله للمالك .
   وبعبارة اُخرى : إنّ القرض يتوقف على القصد . فإن قصدا ذلك كان المال ملكاً للعامل، وحينئذ فتكون الأرباح وبمقتضى القاعدة ملكاً له أيضاً . وإلاّ، بأنْ قصد المالك إبقاء المال على ملكه، كانت المعاملة من المضاربة الفاسدة ، فتجري عليها أحكامها. وذلك لأن كون تمام الربح للعامل غير ممضى شرعاً، لعدم الدليل عليه ومقتضى القاعدة تبعية الربح للمال .
ــ[5]ــ
   وتارة لا يشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك (1) فهو داخل في عنوان البضاعة .
   وعليهما يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله(2) إلاّ أن يشترطا عدمه، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع. ومع عدم الشرط وعدم قصد التبّرع أيضاً، له أن يطلب الاُجرة، إلاّ أن يكون الظاهر((1)) منهما في مثله عدم أخذ الاُجرة ، وإلاّ فعمل المسلم محترم ما لم يقصد التبرع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   (1) بموجب القاعدة ، حيث إنّ كون بعضه أو كلِّه للعامل يحتاج إلى جعل من المالك وإمضاء من الشارع ، وهما معاً مفقودان .
   (2) ما أفاده (قدس سره) بالنسبة إلى القسم الثالث ـ البضاعة ـ ينافي ما التزم به في المسألة الرابعة عشرة من كتاب المساقاة ، حيث صرح بعدم استحقاق العامل للاُجرة فيما إذا اشترط المالك انفراده بالثمر ، لكونه حينئذ متبرِّعاً ، فإنّ المسألتين من واد واحد .
   والظاهر أنّ ما ذكره (قدس سره) في باب المساقاة هو الصحيح . فإنّ لهذا الكلام اعني طلب العمل على أن لا يكون له من الربح شيء ظهوراً عرفياً في التبرّع والعمل المجّاني . وعليه فلا يكون له بإزاء عمله شيء ، لا من الربح للتصريح بعدمه ، ولا اُجرة المثل للتبرع بالعمل .
   وأما ما أفاده بالنسبة إلى القسم الأخير ، فهو تامّ ومتين . وذلك لأن أمر الغير بعمل له قيمة ومالية لدى العرف ، تارة يكون ظاهراً في المجانية ، فحينئذ لا اُجرة للعامل ، نظراً لكون الأمر متعلقاً بحصة معينة هي العمل المجّاني ، فكأنّ العامل قد فعل هذا الفعل من غير أمر .
   واُخرى لا يكون له ظهور في المجّانية . وفي هذا الفرض إنْ قصد العامل التبرّع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما هو كذلك في البضاعة ، وقد التزم (قدس سره) في باب المساقاة بعدم استحقاق العامل الاُجرة فيما إذا اشترط المالك انفراده بالثمر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net