شروط المضاربة \ الأوّل : أن يكون رأس المال عينا 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5184


ــ[6]ــ
   ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول (1) . ويكفي فيهما كل دالٍّ ، قولاً ، أو فعلاً (2) . والإيجاب القوليّ كأن يقول: ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى فيقول : قبلت .
   ويشترط فيها أيضاً ـ بعد البلوغ، والعقل، والاختيار(3) وعدم الحجر لفلس((1)) (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمجانيّة ، فلا يستحقّ الاُجرة عليه أيضاً ، لأنه متبرع به ، وبذلك فقد فوّت على نفسه ما كان يستحقّه من الاُجرة . وإن أتى به بقصد الاُجرة ـ كما هو الغالب في أكثر المعاملات الخارجية ، فيؤمر الحمال بحمل المتاع من غير تحديد للاُجرة ـ فحينئذ وبطبيعة الحال وبمقتضى السيرة العقلائية القطعية يستحقّ العامل عليه الاُجرة ، فيكون الآمر ضامناً لها .
   بل وكذا الحال فيما لو كان لمتعلق الأمر مالية ، كأمر الخباز بإعطاء الخبز للفقير فإنّه لو لم يكن للأمر ظهور في المجّانية وقصَد الدافع أخذ الثمن ، كان الآمر مطالباً به .
   وعلى هذا ففيما نحن فيه ، إذا فرض أنه لم يكن أمر المالك للعامل بالتجارة ظاهراً في المجّانية ، كما هو الغالب في أكثر الأوامر المتعلقة بالأعمال ، فللعامل المطالبة باُجرة مثل عمله فيما لم يقصد التبرع ، سواء أتحقق الربح أم لم يتحقق ، على ما تقتضيه القاعدة .
   (1) ليتحقق بهما مفهوم العقد والمعاملة ، كما هو الحال في سائر العقود .
   (2) لما عرفت غير مرّة من أنه مقتضى القاعدة في العقود ، حيث لا يعتبر فيها إلاّ الاعتبار النفساني وإبرازه بمبرز في الخارج ، وهو متحقق في المقام .
   نعم ، لا بدّ من رفع اليد عن القاعدة فيما دلّ الدليل على اعتبار لفظ خاصّ فيه كالطلاق ، أو مطلق اللفظ كالنكاح .
   (3) بلا خلاف فيها ، فإنها من الشرائط العامة المعتبرة في كل عقد .
   (4) مقتضى إطلاق العبارة أنّ المفلس لا تصحّ منه المضاربة ، سواء أكان مالكاً أم عاملاً . إلاّ أنّ الإطلاق غير مراد جزماً ، فإنّه لا محذور في كونه عاملاً ، وسيجيء منه (قدس سره) التصريح بصحّتها حينئذ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا في المالك ، وسيأتي منه (قدس سره) عدم اعتباره في العامل .
ــ[7]ــ
أو جنون ((1)) (1) ـ اُمور :
   الأوّل : أن يكون رأس المال عيناً (2) فلا تصحّ بالمنفعة((2)) ، ولا بالدين . فلو كان له دين على أحد ، لم يجز أن يجعله مضاربة إلاّ بعد قبضه . ولو أذن للعامل في قبضه ، ما لم يجدّد العقد بعد القبض .
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   (1) لا يبعد أن يكون مراده (قدس سره) منه السفه ، لأن حمله على معناه الحقيقي أي ما يقابل العقل ، يوجب كونه مستدركاً ، لأنه (قدس سره) قد اعتبر فيها العقل صريحاً .
   ثمّ بناءً على الأوّل ، مقتضى إطلاق كلامه (قدس سره) اعتبار عدمه في كلا طرفي المضاربة ، وقد صرّح بذلك بعضهم ، غير أن أكثر الفقهاء لم يتعرّضوا لذلك في كتاب المضاربة ، وإنما اقتصروا على ما ذكروه في باب الحجر ، من أنّ السفيه محجور عليه في ماله .
   وكيف كان ، فاعتباره بالنسبة إلى المالك مما لا خلاف فيه ، فإنه ليس للسفيه أن يعقد المضاربة مع العامل ، لكونه محجوراً عن التصرّف في أمواله .
   وأما اعتباره بالنسبة إلى العامل فلا وجه له ، إذ لا يعتبر قبول ذلك منه تصرّفاً في أمواله كما هو واضح ، بل ولا عمله الذي هو بحكم المال ، وذلك لأن العامل لا يملك المالك عمله ، وإنما المضاربة عقد شبيه بالوكالة كما عن المحقق (قدس سره) (3) أو الجعالة .
   وعليه فلا وجه لاعتبار عدم السفه فيه ، فإنه غير ممنوع منهما ، بل ذكر غير واحد منهم أن له أخذ عوض الخلع ، لكونه من تحصيل المال لا التصرّف في أمواله .
   (2) اعتبره غير واحد من الفقهاء ، نظراً لاختصاص أدلّتها الخاصة بالعين ، فلا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعلّه يريد به السفه ، وإلاّ فهو من سهو القلم ، وعلى الأوّل فإنّما يعتبر عدمه في المالك دون العامل .
(2) على الأحوط .
(3) الشرائع 2 : 161 .
ــ[8]ــ
   نعم ، لو وكَّلَه على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه ، بأن يكون موجباً قابلاً ، صحّ .
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن الحكم بالصحة في المنفعة والدين ، لعدم الدليل عليها .
   وخالف فيه بعضٌ فالتزم بالصحة ، تمسُّكاً بالأدلّة العامة وعمومات التجارة بدعوى أنّ مقتضاها نفي اشتراط ما يحتمل اعتباره في العقد .
   وقد أشكل عليه في بعض الكلمات ، بأ نّه لا مجال للتمسك بهذه العمومات في نفي اعتبار ما يحتمل اعتباره بالنسبة إلى العقد .
   والذي ينبغي أن يقال : أن العقد الواقع في الخارج قد يكون من قبيل البيع والإجارة ونحوهما ، مما يكون التمليك من كل من الطرفين للآخر تمليكاً لما يملكه. وفيه لا مانع من التمسك بعمومات التجارة، وقد تمسّكنا بها لإثبات صحة المعاملة المعاطاتية .
   وقد لا يكون كذلك ، بأن لا يكون فيه تمليك من أحد الطرفين ماله للآخر كالمضاربة والمزارعة والمساقاة، حيث لا يملّك المالك العامل إلاّ حصّة من الربح، وهي غير متحققة بالفعل ، لأنه لا يملك إلاّ أصل ماله ، فكيف يصحّ تمليكها لغيره ؟ وفيه فالقاعدة تقتضي البطلان ، ولا عموم يقتضي صحته . وعليه فيكون تمام الربح للمالك نظراً لتبعية المنافع للأصل .
   وكون بعضه للعامل رأساً وابتداءً على خلاف القاعدة في العقود ، إذ مقتضاها كون العوض لمن له المعوض فمن يبذل المثمن له الثمن ، والعكس بالعكس ، فلا وجه لكون بعضه للعامل .
   وانتقاله آناً ما إلى ملك المالك ومن ثمّ إلى العامل وإن كان معقولاً ، إلاّ أنه على خلاف قانون المضاربة والمزارعة والمساقاة . على أنه من تمليك ما لا يملك فعلاً ، إذ ليس له الآن السلطنة عليه . ولذا لم يستشكل أحد في بطلان العقد إذا لم تكن حصّة العامل من ربح ما يتَّجر به ، بأن يقول له المالك : اتّجر بهذا المال ولك الربع من أرباح تجارتي الخاصة ، أو من ثمر بستاني في العام القادم .
ــ[9]ــ
   والحاصل أنّ الصحة في هذه الموارد التي ليس فيها شيء مملوك للمملك بالفعل يملكه لغيره ، تحتاج إلى دليل خاص ، فإن كان فهو ، وإلاّ فالقاعدة تقتضي البطلان . نظير ما تقدّم في إجارة الأرض بحاصلها ، أو بيع ما سيرثه من مورثه ، فإنها غير مشمولة لأدلّة التجارة عن تراض ، وصحّتها على خلاف القاعدة ، فلا بدّ لإثباتها من دليل خاصّ ، وإلاّ فهي محكومة بالفساد .
   على أن المضاربة تزيد على غيرها في الإشكال ، بأنها لا تنحصر غالباً بالتجارة مرّة واحدة ، بل تكون من التجارة المستمرة والمتعددة .
   وعلى هذا فلو فرض أنّ رأس المال مائة دينار وكان للعامل نصف الربح ، فاتجر العامل به واشترى سلعة بمائة دينار ثمّ باعها بمائتي دينار ، كان مقتضى العقد اختصاص المالك بمائة وخمسين ديناراً واختصاص العامل بخمسين ديناراً فقط .
   فلو اشترى بعد ذلك شيئاً بمائتي دينار ثمّ باعه بأربعمائة دينار ، فمقتضى العقد ان يكون للعامل مائة وخمسون ديناراً وللمالك مائتان وخمسون ديناراً . وهو مخالف للقاعدة من حيث أن المائتين ديناراً الحاصلة من التجارة الثانية ، إنما هي ربح لمجموع خمسين ديناراً حصّة العامل ، ومائة وخمسين ديناراً حصّة المالك . ومقتضى القاعدة أن يكون ربع هذا المبلغ له ، والثلاثة أرباع الباقية بينه وبين المالك .
   وهذا يعني أن يكون للعامل من مجموع الأربعمائة مائة وخمسة وسبعون ديناراً وللمالك منه مائتان وخمسة وعشرون ديناراً فقط ، والحال أنه لا يأخذ إلاّ مائة وخمسين ديناراً . ولازمه أن يكون ربح العامل أيضاً مناصفة بينه وبين المالك ، وهو على خلاف القاعدة ، حيث إنّ المالك لم يعمل فيه شيئاً ، بل ذلك المال حصّة العامل بتمامه والعمل فيه من العامل ، فلا وجه لأن يكون للمالك نصف ربحه .
   ومن هنا فلو كنا نحن والقاعدة ، ولم يكن هناك دليل على الصحة ، لالتزمنا بفساد عقد المضاربة بقول مطلق ، وإنما قلنا بالصحة فيها للنصوص الخاصّة . وعليه فلا بدّ في تحديد ما يعتبر في الحكم بالصحة من اتّباع دلالتها ، فبمقدار تلك الدلالة يحكم بالصحة ، والباقي بما في ذلك المشكوك يبقى على أصل الفساد .
   وعليه فنقول : أما بالنسبة إلى الدَّين ، فيكفي في الحكم بفساد المضاربة به معتبرة
ــ[10]ــ
   وكذا لو كان له على العامل دين ، لم يصحّ جعله قراضاً (1) إلاّ أن يوكله في تعيينه ، ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولّي الطرفين .
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده، فيقول: هو عندك مضاربة، قال: لايصلح حتى تقبضه منه»(1).
   على أنّ المذكور في أدلّة المضاربة عنوان (إعطاء المال) وهو ظاهر في دفع العين فلا تشمل الأدلّة الدَّين . ويكفينا في ذلك الشكّ ، حيث عرفت أن مقتضى الأصل البطلان .
   وأما بالنسبة إلى المنفعة ، فالمعروف والمشهور بينهم هو عدم الجواز . لكن يمكن أن يقال : إنّ التعبير في أدلّة المضاربة بالمال ، لا سيما ما ورد في الوصية بالمضاربة بمال أولاده ، شامل للمنفعة أيضاً ، حيث لا دليل على بطلان المضاربة بها ، خلافاً للدَّين .
   إلاّ أنه مردود بأنّ الظاهر من نصوص المضاربة ، أنّ موضوعها إعطاء المالك ماله للعامل كي يعمل به على أن يكون رأس المال محفوظاً والربح بينهما على حسب ما يتفقان عليه ، وهو لا ينطبق على المنفعة حيث إنها غير قابلة للبقاء نظراً إلى أنها تتلف بنفسها، ومن هنا فكل ما يكون في قبالها يكون بأجمعه ربحاً. ولذا قالوا في باب الخمس إنّ كل ما يقع بإزاء المنافع سواءً الأعيان وغيرها يكون متعلقاً للخمس وليس ذلك إلاّ لكونه بأجمعه ربحاً ، لا أن الأصل محفوظ والباقي هو الربح .
   إذن فما ذكره المشهور من عدم صحة المضاربة بالمنفعة ، إن لم يكن أقوى فهو أحوط .
   هذا بناءً على جواز المضاربة بمطلق المال وإن لم يكن من الأثمان . وأما بناءً على عدم جوازه ، فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز المضاربة بالمنفعة .
   (1) للقاعدة ومعتبرة السكوني ، على ما تقدّم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ، ج 19 كتاب المضاربة ، ب 5 ح 1 .



 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net