اشتراط المالك على العامل في السفر والبيع والشراء - لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4253


ــ[37]ــ

   [ 3394 ] مسألة 5 : إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقاً ، أو إلى البلد الفلاني ، أو إلاّ إلى البلد الفلاني، أو لا يشتري الجنس الفلاني، أو إلاّ الجنس الفلاني، أو لا يبيع من زيد مثلاً، أو إلاّ من زيد ، أو لا يشتري من شخص ، أو إلاّ من شخص معين ، أو نحو ذلك من الشروط . فلا يجوز له المخالفة (1) وإلاّ ضمن المال لو تلف بعضاً أو كلاًّ ، وضمن الخسارة مع فرضها .

   ومقتضى القاعدة (2) وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيدية (3) إذا أجاز المعاملة ، وثبوت خيار تخلّف الشرط على فرض كون المراد من الشرط الالتزام في الالتزام ، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ ، إلاّ أنّ الأقوى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إذن فهذه الصحيحة لما كانت ناظرة إلى الضمان المطلق ، أعني دفع ماله إلى غيره ليكون في عهدته من أوّل الأمر ، كانت الرواية أجنبية عن محل الكلام ، فإنها واردة في القرض ابتداءً ، لا في انقلاب المضاربة إلى القرض بالاشتراط .

   فالصحيحة ، بناءً على ما ذكرناه واختاره صاحبا الوافي (1) والحدائق (2) غير واردة في المضاربة ، وإنما هي واردة في التضمين الفعلي ، وأين ذلك من اشتراط الضمان عند التلف ؟ .

   فما ذكره هذا القائل من كون الصحيحة معمولاً بها ، غير تامّ بالقياس إلى المعنى الذي ذكره .

   (1) عملاً بشرط المالك ، واقتصاراً على مورد إذنه .

   (2) باعتبار أنّ العامل حينئذ فضولي . فإن أجاز المالك ما صدر من المعاملة منه صحّ العقد وكان تمام الربح له ، وإلاّ حكم ببطلان المعاملة الصادرة منه .

   (3) يمتاز القيد من الشرط في العقود الالتزامية التمليكية كالبيع ، بأنّ الشرط فيها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوافي 18 : 880 .

(2) الحدائق 21 : 207 ـ 208 .

ــ[38]ــ

قد يكون أمراً خارجياً أجنبياً عن المبيع والثمن كالخياطة . ففي مثله لا يمكن أن يكون قيداً لمتعلق العقد ، إذ المبيع وجود والشرط وجود آخر ، والنسبة بين الوجودين هي التباين ، فلا معنى لأن يكون أحدهما مقيداً للوجود الآخر ، فيقال : إن الحنطة مقيدة بخياطة الثوب .

   نعم ، من الممكن جعله قيداً للمنشأ ، بمعنى تعليق نفس البيع لا المبيع على الخياطة إلاّ أنه باطل جزماً ، لأنه من التعليق في العقود ، وهو موجب لبطلانه .

   ومن هنا فينحصر أمره في أن يكون شرطاً في العقد ، بمعنى تعليق الالتزام بالعقد على الخياطة ، فيكون من الالتزام في ضمن الالتزام .

   وقد يكون وصفاً لمتعلق العقد ، وهو تارة يكون من الأوصاف الذاتية المقومة للذات ، فهو قيد لا محالة ، كأن يقول : بعتك هذا الموجود الخارجي على أن يكون ذهباً . وعليه فلو تخلف الوصف لكان البيع محكوماً بالبطلان لا محالة ، وذلك لأن مالية الاشياء إنما هي بفصولها وما يمتاز به كل صنف عن الآخر من الصفات ، وحيث إنّ الجامع بين الصنفين فاقد لها فلا مالية له .

   والعبرة في اختلاف الصنف والنوع إنما هي بالنظر العرفي لا الدقة العقلية الفلسفية . فإنه إذا باع المملوك على أنه أمَة فبان عبداً ، حكم ببطلان البيع ، إذ العرف يراهما نوعين ، وإن كانا بنظر العقل واحداً ، باعتبار ان الذكورية والاُنوثية من العوارض للإنسان .

   واُخرى لا يكون مقوِّماً للذات ، كما لو باع العبد على أنه كاتب ، ومثله لا يصلح أن يكون قيداً . فإنّ الموجود الخارجي لا إطلاق له لكي يكون مقيداً بالكتابة في بعض الأحيان ، وإنما هو موجود واحد ، إما هو كاتب بالفعل أو ليس بكاتب كذلك .

   وحيث لا يجوز أن يكون من تعليق نفس البيع عليه ، لأنه من التعليق المبطل جزماً ، ينحصر أمره في كونه شرطاً ، أعني تعليق الالتزام بالعقد على كونه كاتباً فيكون له الخيار على تقدير عدمه .

   هذا كله بالنسبة إلى المائز بين القيود والشروط في الأعيان الخارجية ، وقد اتّضح

ــ[39]ــ

أنه يختلف باختلاف الشرط .

   ومن هنا يتضح أنّ العبرة في الفرق بينهما إنما هو بواقع الشرط لا التعبير ، فلا فرق بين أن يقول : بعتك هذا العبد الكاتب ، أو : بعتك هذا على أن يكون كاتباً ، فإنّ الحال فيهما واحدة .

   وأما إذا كان متعلق العقد كلياً في الذمّة ، فحيث إنّ وجود الكلي ينحصر في وجود أفراده إذ لا وجود له إلاّ في ضمنها ، كان الاشتراط ـ مقوِّماً كان الشرط أو غيره  ـ موجباً لتعدد الوجود وامتياز المقيد عن غيره . ومن هنا يكون الشرط قيداً في متعلق المعاملة لا محالة ، بحيث يكون متعلقها خصوص الحصّة المقيّدة دون غيرها ، لاقتضاء أخذ الوصف تخصص الكلي لا محالة . وعليه فلو سلّمه غيرها لم تبرأ ذمّته ، ووجب عليه أداء الحصّة التي اتفقا عليها .

   وبهذا يفترق الكلّي عن العين الخارجية .

   وكذا الحال إذا كان متعلق العقد عملاً من الأعمال ، فإنّه عرض من الأعراض ، وهو يختلف ويتعدّد في الوجود بما له من صفات ، فهو موجود بوجودين واجد الصفة وفاقدها .

   ومن هنا فأخذ صفة في ضمن العقد ، يعني كون متعلق المعاملة خصوص تلك الحصة ، فلو أتى الأجير بغيرها لم تفرغ ذمّته .

   وليس هذا من موارد الخيار ، وإنما هو من موارد عدم تحقق متعلق العقد في الخارج .

   والحاصل أنّ باب الكلّي في الذمّة والأعمال من جهة ، يغاير باب الأعيان الخارجية التي تكون متعلّقة للعقد من جهة اُخرى .

   هذا كله في العقود الالتزامية التمليكية . وأما في عقد المضاربة الذي ينحلّ في الحقيقة إلى أمرين : إذن المالك للعامل في العمل والتزامه بأن يكون الرّبح بينهما ، فهو من العقود الإذنية بلحاظ الجهة الاُولى ، ومن العقود الالتزامية بلحاظ الجهة الثانية .

   فإذا اشترط المالك على العامل ما يرجع إلى خصوصية في المبيع أو الشراء ، كان

ــ[40]ــ

اشتراكهما في الربح على ما قُرِّر ، لجملة من الأخبار الدالّة على ذلك (1) . ولا داعي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذلك من تقييد الإذن لا محالة ، فيكون راجعاً إلى الجهة الاُولى في المضاربة . ومقتضى ذلك أنّ مخالفة الشرط توجب انتفاء الإذن في التصرّف فيه ، وعليه فيحكم بعدم استحقاق العامل شيئاً . وأما ما وقع من العمل خارجاً فهو معاملة فضولية ، إن أجازه المالك كان الربح أو الخسران له ، وإلاّ فهو محكوم بالفساد من أصله .

   وأما إذا كان الشرط أمراً خارجياً ، كالخياطة والكتابة ونحوهما ، فيمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الاُولى ، فيكون من تعليق الإذن في التجارة والتصرّف بالمال على ذلك الفعل المعين ، كما هو الحال في الإباحات . ولا يقدح فيه التعليق ، لأن الممنوع إنما هو التعليق في العقود التمليكية ، والمضاربة من العقود الإذنية .

   ويمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الثانية ، أعني التزامه بكون الربح بينهما على النسبة المعينة ، وهذا هو الأظهر في الشروط التي لها مالية .

   وعليه فعند تخلّف العامل عن الشرط ، فللمالك أن يرفع يده عن التزامه هذا ، وإن كان إذنه في أصل التجارة باقياً ، فيأخذ تمام الربح ، ويكون للعامل اُجرة مثل عمله .

   هذا تمام الكلام بالنسبة إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومنه يظهر الحال في بعض ما أفاده الماتن (قدس سره) في هذا المقام .

   (1) كصحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي أمره ، قال : «هو ضامن والربح بينهما على ما شرط» (1) .

   وصحيحة الحلبي عنه (عليه السلام) أيضاً ، في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه ، قال : «هو ضامن والرّبح بينهما» (2) . وغيرهما من النصوص .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 19 كتاب المضاربة ، ب 1 ح 9 .

(2) الوسائل ، ج 19 كتاب المضاربة ، ب 1 ح 5 .

 
 

ــ[41]ــ

إلى حملها على بعض المحامل (1) ولا إلى الاقتصار على مواردها ، لاستفادة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثمّ إنّ أغلب هذه الروايات وإن كانت واردة في مخالفة العامل للمالك في الخروج من البلد والمكان الذي حدده له في التجارة ، وصحيحة جميل واردة في مخالفته للمالك في جنس ما عيّنه له ، إلاّ أنه يمكن إثبات الحكم بشكل عام والتعدي عن المورد ، بدعوى الاُولوية القطعية . حيث إنه إذا ثبت اشتراك العامل والمالك في الربح على النسبة المعيّنة ، مع مخالفة العامل للمالك في جنس المتاع والمخالفة ذاتية ، كان ثبوته في مورد مخالفته للشرائط الاُخر العائدة إلى الاختلاف في الأوصاف أو الأزمان ، بطريق أَوْلى .

   وإن أبيت عن قبول ذلك ، يكفينا في إثبات الحكم في سائر الموارد إطلاق صحيحة الحلبي المتقدِّمة ، حيث إنّ مقتضى إطلاق قوله : (فيخالف ما شرط عليه) عدم الفرق بين كون المخالفة من حيث الجنس أو الزمان أو الوصف .

   (1) حمل بعضهم المخالفة في هذه النصوص على المخالفة الصورية . بدعوى ان قصد المالك حين اعطائه لرأس المال للعامل إنما هو الاسترباح ، غاية الأمر انه كان يتخيل انه إنما يكون بشراء الأطعمة مثلاً ، لكن العامل لما يعلم انفعية شراء الحيوان مثلاً فيشتريه ، فلا يمكن ان يقال انه كان من غير إذن المالك ، لأنه لما كان قصده الاسترباح كان راضياً بكل معاملة فيها ربح . ومن هنا تكون المعاملة صحيحة ، والربح بينهما بالنسبة لا محالة ، باعتبار ان المخالفة صورية لا حقيقية .

   وعليه فالمتحصل ان هذه النصوص لا تتضمن حكماً تعبدياً مخالفة للقاعدة ، وإنما تتضمن حكماً تقتضيه القواعد بنفسها .

   وفيه : انه لو تم فهو إنما يتم في صورة وجود الربح في المعاملة التي أتى بها العامل . وأما مع الخسارة فمقتضى القاعدة كون المعاملة فضولية ، ان اجازها المالك كانت الخسارة عليه وإلاّ استحق نفس ماله وعينه ، لا الحكم بصحتها مطلقاً مع تحمل العامل للخسارة ، فإنه لا ينطبق على أي قاعدة من القواعد .

   على انه إنما يختص بما إذا كان ربح المعاملة التي قام بها العامل ، أزيد أوْ لا أقل

ــ[42]ــ

العموم من بعضها الآخر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مساوياً لربح المعاملة التي أمر بها المالك . وأما مع قلته بالنسبة إليه ، فكيف يمكن أن يقال : ان المالك راض بها وان المخالفة صورية ؟ والحال ان هذه النصوص مطلقة وغير مقيّدة بفرض تساوي الربحين ، أو زيادة ربح الثانية عما أمر به المالك .

   هذا كله مضافاً إلى ان العبرة في صحة التصرّف في مال الغير ، انما هي بكون العقد الصادر منسوباً إلى المالك ، وهو لا يكون إلاّ بإذنه السابق أو إجازته اللاحقة . ولا يكفي مجرّد الرضا الباطني التقديري ، فإنّ كل إنسان يرضى باطناً بالربح ، لكن أفهل يصحّح ذلك أخذ ماله والتصرّف من غير إذنه ؟ ! .

   إذن فهذه المخالفة حقيقية واقعية وليست بصورية ، ومقتضى القاعدة الحكم ببطلان ما صدر من العامل ، غير أنّ النصوص تضمنت صحّته تعبداً ، وكون الربح بينهما والخسارة على العامل .

   (1) على ما تقدّم بيانه .

   نعم ، الظاهر أنها إنما تختص بمخالفة العامل للشرط الراجع إلى الجهة الاُولى في المضاربة ، أعني الإذن في التصرّف في المال ، ولا تشمل مخالفته لما يرجع إلى الجهة الثانية وكون الربح بالنسبة المعينة بينهما .

   وذلك لانصراف هذه النصوص عن مثل هذه المخالفات ، إذ الظاهر أنها ناظرة إلى عمل العامل عملاً لم يأذن فيه المالك وصدور العمل على خلاف الشرط ، لا ما إذا كان العمل مأذوناً فيه ; غاية الأمر أنه لم يف بشرط خارجي اشترط عليه بلحاظ جعل الربح له ، على ما يشهد له ملاحظة سائر النصوص الواردة في مخالفة العمل ، فإنها تقيد ما ظاهره الإطلاق لا محالة .

   بل الظاهر أنه لا حاجة إلى ذلك أيضاً ، إذ الظاهر من صحيحة الحلبي المتقدِّمة ترتب الأثر على العمل بخلاف ما شرط عليه ، ولو بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع ، حيث إنّ مجرّد عدم العمل بالشرط لا يقتضي الضمان ، وإنما يقتضيه العمل

ــ[43]ــ

   [ 3395 ] مسألة 6 : لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر ، لنفسه أو غيره (1) إلاّ مع إذن المالك عموماً ، كأن يقول : اعمل به على حسب ما تراه مصلحة ، إن كان هناك مصلحة ، أو خصوصاً . فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف إلاّ أنّ المضاربة باقية والربح بين المالين على النسبة (2) .
ــــــــــــــــــــــــ

والتصرّف على خلاف ما أذن فيه المالك وشرط على العامل. وهذا غير متحقق في الشرط الخارجي، لأن الأثر غير مترتب على العمل بخلاف ما شرط ، وإنما هو مترتب على عدم العمل بالشرط .

   فالأثر هناك مترتب على الفعل ، وهنا على الترك ، والبون بينهما بعيد . ولما لم يكن الثاني مورداً للروايات ، فلا بدّ فيه من الرجوع إلى القواعد ، وهي تقتضي الحكم بصحّة المضاربة مع ثبوت الخيار للمالك ، فإن أجاز كان الربح بينهما ، وإن فسخ أخذ تمام الرّبح ودفع للعامل اُجرة مثل عمله .

   (1) لكونه على خلاف ما أذن فيه المالك ، حيث إنّ ظاهر كلامه عند تجرّده عن القرينة هو الاتجار بالمال بشخصه ، لا مع خلطه بغيره .

   (2) كلّ ذلك للنصوص المتقدِّمة ، حيث إنها غير قاصرة الشمول لمثل المقام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net