المزارعة عن العقود اللازمة - حكم المزارعة المعاطانية - حكم المزارعة الإذنيّة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3904


   [ 3495 ] مسألة 3 : المزارعة من العقود اللاّزمة (4) .

ـــــــــــــــــــــــــ
   (4) بلا خلاف فيه ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، لأصالة اللزوم في العقود ، التي استدل عليها الشيخ الأعظم (قدس سره) بوجوه عديدة .


ــ[240]ــ

   منها : ما يختصّ بالبيع وتمليك الأعيان ، كقوله تعالى : (لاَ تأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنكُم بالبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجارَةً عَن تَراض) (1) . فإنّ أخْذ المال ثانياً بعد تمليكه للغير منه قهراً عليه ، تجارة من غير تراض وأكْل للمال بالباطل . وقولهم (عليهم السلام) : «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (2) .

   ومنها : ما هو عام لجميع العقود ، كاستصحاب بقاء الملكيّة ، وقوله تعالى : (أَوْفُوا بالعُقُودِ) (3) .

   وفي الأوّل مما يعمّ محل الكلام بحث طويل وعريض ، من حيث كونه استصحاباً كلياً أو شخصياً ، وأ نّه من قبيل الشك في المقتضي أو الشك في الرافع .

   فقد أورد عليه المحقق الخراساني والسيد اليزدي (قدس سرهما) بأنه من الأوّل (4) لكننا قد أوضحنا في محلّه أنه ليس منه ، وأنه من الشك في الرافع .

   لكنك قد عرفت هناك أيضاً ، أنه لا أثر لهذا الاستصحاب ، لأنه من استصحاب الأحكام الكليّة الإلهية ، وهو غير تامّ على ما بيّناه في محلّه .

   نعم ، الاستدلال الثاني تام ومتين ، ومقتضاه لزوم العقد في المقام وغيره .

   وذلك لأنّ الأمر بالوفاء ليس أمراً تكليفياً محضاً ، إذ لا يحتمل كون الفسخ على تقديري ثبوته وعدمه من المحرمات الإلهية ، وإنما هو أمر إرشادي إلى عدم ثبوت حق رفع اليد عنه له ، فإنّ معنى الوفاء بالعقد إنهاؤه وإتمامه والالتزام بمقتضاه .

   ومن هنا فتدلّ الآية الكريمة على لزوم العقد ، وعدم تأثير الفسخ فيه . وبما أنّ المزارعة من العقود المتعارفة المعهودة من قبل التشريع وإلى الآن ، وممضاة من قبل الشارع المقدس بالسيرة القطعية ، فتشملها الآية الكريمة لا محالة .

   هذا مضافاً إلى إمكان التمسك بأدلّة إمضاء العقود ، كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء  4 : 29 .

(2) الوسائل ، ج 18  كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، ب 1 .

(3) سورة المائدة  5 : 1 .

(4) العروة الوثقى  2 : 486 .

 
 

ــ[241]ــ

لا تبطل إلاّ بالتقايل (1) أو الفسخ بخيار الشرط ، أو بخيار الاشتراط (2) أي تخلف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البَيْعَ)(1) وما دلّ على جواز الصلح بين المسلمين .

   وذلك لأنّ الإلزام والالتزام الصادر من المتعاقدين ، لا يخلو حاله من كونه مطلقاً من حيث الزمان كالبيع ، أو مقيداً بزمان معين كالنكاح المنقطع ، إذ الإهمال غير معقول في الاُمور الواقعية ، على ما تقدّم بيانه غير مرّة .

   ومن هنا فإذا أنشأ المكلف الملكيّة الدائمية بالبيع ونحوه ، أو المقيدة بزمان الإجارة ونحوها ، كان معنى إمضاء الشارع لما أنشأه الحكم بتحقق الملكيّة المطلقة في الفرض الأوّل ، والمقيدة بذلك الزمان في الثاني للطرف الآخر ، ومقتضى إطلاق دليل الإمضاء عدم ارتفاعها بالفسخ ، فإنه مناف له ولا يصار إليه إلاّ لدليل خاص .

   والحاصل أنّ دليل الإمضاء يكفي في إثبات اللزوم ، لأنه إنما يكون على طبق ما أنشأه المنشئ ، وبذلك فيكون رفعه محتاجاً إلى دليل خاص مقيد للإطلاق ، وإلاّ فمقتضاه عدم الارتفاع .

   ولعل هذا الوجه خير الوجوه التي يمكن بها إثبات أصالة اللزوم ، فلاحظ .

   (1) على ما هو الحال في جميع العقود التي يكون مدلولها من قبيل الحق للطرفين كالبيع ونحوه ، فإنّ الحق لا يعدوهما ، فلهما رفع اليد عنه برضاهما ، ويكون ذلك من قبيل البيع الثاني .

   نعم ، لا مجال لذلك فيما يكون مدلوله من قبيل الحكم الشرعي كالنكاح ، فإنه لا مجال لرفعه بالتقايل من الطرفين .

   (2) لا يبعد أن يكون ذكره (قدس سره) لهذين الخيارين من باب المثال ، وإلاّ فموجبات الفسخ في المقام لا تنحصر فيها ، إذ يمكن تصوّرها في الغبن ونحوه .

   وقد ذكرنا في بحث الخيارات ، أنّ خيار الغبن ليس خياراً مستقلاً في قبال سائر الخيارات ، وإنما هو راجع في الحقيقة إلى خيار تخلف الشرط ، نظراً لما هو المرتكز في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة 2 : 275 .

ــ[242]ــ

بعض الشروط المشترطة على أحدهما .  وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع(1) لفقد الماء أو استيلائه ، أو نحو ذلك . ولا تبطل بموت أحدهما (2) فيقوم وارث الميت منهما مقامه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المعاملات من تبديل الشخص والعين مع التحفظ على المالية والقيمة السوقية ، فإنه أمر مفروغ عنه لدى العقلاء في جميع العقود التي منها النقل مع غبن بوضيعة من أحد الطرفين .

   ومن هنا فإذا ثبت خلاف ذلك ، كان للآخر الخيار ، نظراً لتخلف الشرط الضمني في العقد .

   وعليه فيكون الحكم بثبوت الخيار عند ظهور الغبن حكماً على القاعدة ، ولا حاجة للتمسك في إثباته بالإجماع ، أو دليل نفي الضرر .

   هذا ويمكن الفسخ بخيار تعذر تسليم العوض عند موت العامل ، مع عدم قيام الوارث مقامه ، على ما سيأتي بيانه .

   (1) بلا خلاف فيه . إذ لا معنى للعقد على أمر غير ممكن التحقق في الخارج والاتفاق على حصّة من زرع لا يحصل ، فإنه لا يعدو اللغو المحض .

   (2) أما مع موت المالك ، فلأن الأرض وإن كانت تنتقل إلى الورثة ، إلاّ أنها إنما تنتقل إليهم متعلقة لحق الغير ، ومسلوبة المنفعة في الفترة المعينة بإزاء الحصّة المعينة لهم . نظير موت المالك المؤجر بعد إنشاء عقد الإجارة ، فإنّ العين المستأجرة وإن انتقلت إلى الورثة ، إلاّ أنها تنتقل مسلوبة المنفعة حيث إنها تكون للمستأجر .

   وأما مع موت العامل ، فلقيام وارثه مقامه . إلاّ أن هذا ليس بمعنى إلزامه بالعمل على طبق ما جعل ، فإنه لم يكن طرفاً في العقد والمعاهدة ، وإنما هو بمعنى لا  بدِّيّة استئجاره أحداً من مال الميت ـ إن كان له مال ـ لقيامه بالعمل الثابت في ذمة الميت مقدّمة لإرثه لما ترك ، حيث إنه إنما يكون بعد إخراج الديون .

   وبعبارة اُخرى: إنّ الوارث لا يرث شيئاً إلاّ بعد أداء ديون الميت، لأنه إنما يرث ما

ــ[243]ــ

   نعم، تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل(1) سواء كان قبل خروج الزرع أو بعده.

   وأمّا المزارعة المعاطاتيّة ، فلا تلزم إلاّ بعد التصرّف((1)) (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تركه الميت ، وما يقابل الديون ليس منه .

   ومن هنا فحيث إنّ العمل في الأرض دين ثابت في ذمة الميت ، يكون مانعاً من إرث الوارث ، فلا بدّ مقدمة للإرث من قيامه بالعمل مباشرة ، أو باستئجاره لغيره من مال الميت .

   وعليه فلو لم يكن للميت مال بالمرّة ، لم يجب على الوارث التبرع به من ماله الخاص ، بل يبقى العمل ديناً في ذمة الميت .

   وحينئذ فحيث يتعذر تسليم العمل ، يثبت للمالك خيار الفسخ ، ويسمّى هذا بخيار تعذّر تسليم العوض الذي مرّت الإشارة إليه .

   (1) سواء أكان ذلك بعنوان التقيّد أو الاشتراط ، حيث ذكرنا في المباحث الاُصولية أنّ تقييد الكلي الطبيعي بشرط يوجب تخصصه لا محالة ، فيكون المطلوب هو الحصّة الخاصة المتصفة بكذا .

   ومن هنا فالشرط في الكليات الوضعية منها والتكليفية يرجع إلى التقييد لا محالة فتكون المزارعة واقعة على الحصّة الخاصة من العمل ، وهي في المقام ما يصدر من العامل مباشرة .

   وعليه فلو مات العامل ، كشف ذلك عن بطلانها من الأوّل ، لانكشاف تعلّقها بأمر ممتنع الوجود في الخارج .

   (2) ما أفاده (قدس سره) مبني على ما اشتهر بينهم ، من جواز العقد المعاطاتي قبل التصرّف ، بل يظهر من كلمات بعضهم أنه لا يفيد الملكيّة أصلاً ، وإنما يفيد الإباحة خاصة ، وقد حملها بعض على الملكيّة المتزلزلة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ آنفاً أنّ اللّزوم غير بعيد .

ــ[244]ــ

   وأما الإذنية فيجوز فيها الرجوع دائماً (1) . لكن إذا كان بعد الزرع ، وكان البذر من العامل، يمكن دعوى لزوم إبقائه إلى حصول الحاصل ، لأن الإذن في الشيء إذن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وكيف كان ، فقد تعرّضنا لهذا البحث في مباحثنا الفقهية التي القيت تعليقاً على كتاب المكاسب لشيخنا الأعظم الأنصاري (قدس سره) ، وقد عرفت أنّ جميع ما استدلّ به على لزوم العقود وما ذكرناه أخيراً من إطلاق دليل الإمضاء ، غير مختص بالعقد اللفظي وشامل للعقد المعاطاتي على حد سواء .

   ومن هنا فإن تمّ إجماع على جواز المعاملة المعاطاتية فهو ، وإلاّ ـ كما هو الظاهر ويكفي فيه الشك ـ فمقتضى القاعدة هو اللزوم .

   (1) تقدّم الكلام فيها في المسألة الثانية مفصلاً ، وقد عرفت أن هذه المعاملة خارجة عن العقد فضلاً عن كونها من المزارعة المصطلحة ، فإنها لا تتجاوز الوعد المجرد . ومن هنا فيحكم بفسادها لا محالة ، لاشتمالها على تمليك المعدوم ، وهو غير جائز ما لم يدلّ عليه دليل خاص ، حيث لا تكفي العمومات والإطلاقات في الحكم بصحّة مثل هذه المعاملات .

   إلاّ أنّ الماتن (قدس سره) قد التزم في تلك المسألة بصحّتها وإن لم تكن من المزارعة المصطلحة ، بل لم يستبعد (قدس سره) كونها منها أيضاً .

   وعلى ضوء هذا المبنى ، يقع الكلام في لزوم هذه المعاملة وجوازها .

   فنقول : أما إذا كان الرجوع قبل الزرع والعمل ، فلا ينبغي الإشكال في جوازه ، إذ ليس هناك إلاّ الإذن في التصرّف ، وهو غير ملزم به ، فله الرجوع عنه متى شاء .

   وإن كان بعد عمل المقدمات وقبل الزرع ككري الأنهار ونحوه ، ففي جوازه وعدمه وجهان .

   اختار الماتن (قدس سره) الأوّل ، حيث خصّ المنع بما إذا كان بعد الزرع .

   إلاّ أن الصحيح هو الثاني ، وذلك لتضرّر العامل ، حيث يذهب عمله هدراً ويفوت حقه من دون عوض، فيشمله التعليل المذكور في معتبرة محمد بن الحسين، قال :

ــ[245]ــ

في لوازمه((1)) . وفائدة الرجوع أخذ اُجرة الأرض منه حينئذ ، ويكون الحاصل كلّه للعامل (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل كانت له رحى على نهر قرية ، والقرية لرجل ، وأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى ، أله ذلك أم لا  ؟ فوقّع (عليه السلام) : «يتقي الله ، ويعمل ذلك بالمعروف ، ولا يضرّ أخاه المؤمن»(2) . حيث إنّ المستفاد منه أنه ليس للمالك رفع اليد عن إذنه للغير في التصرّف ، إذا كان ذلك موجباً لتضرره .

   فالتصرف الواقع في ملك الغير بإذنه لا يذهب هدراً ، وليس للمالك منعه منه ومطالبته برفعه .

   وعليه ففي المقام حيث لم يكن العمل الصادر من العامل مجانياً ومتبرعاً به ، فليس للمالك رفع اليد عن إذنه ، لاستلزامه لتفويت حق العامل وإهدار عمله .

   وأوضح من ذلك ما لو كان الرجوع بعد الزرع والعمل ، فإنه ليس للمالك ذلك جزماً ، لكونه من أوضح مصاديق التعليل في الصحيحة المتقدِّمة ، فيلزم بإذنه إلى حين بلوغ الزرع .

   (1) الكلام في هذا الفرع بناءً على القول بصحّة المعاملة وجواز الرجوع للمالك ينبغي أن يقع في صورتين :

   الاُولى : فيما يكون على المالك عند رفع يده عن الإذن ، بعد إتيان العامل بالمقدّمات خاصة .

   الثانية : فيما يكون عليه عند رفع يده عن الإذن ، بعد قيام العامل بالزرع .

   أمّا في الصورة الاُولى ، فيجب على المالك دفع اُجرة مثل عمل العامل له ، نظراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ومقتضاه عدم جواز الرجوع لعمـوم التعليل في رواية الرّحى ، وعلى تقـدير جواز الرجـوع فإذا رجع غرم للعامل بدل البذر واُجرة المثل لعمله .

(2) الوسائل ، ج 25  كتاب احياء الموات ، ب 15 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net