شرائط المساقات 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3958


ــ[319]ــ

كتاب المساقاة
 

 
 

ــ[321]ــ


كتاب المساقاة

[  فصل في معنى المساقاة وشرائطها  ]

   وهي معاملة على اُصول ثابتة بحصّة من ثمرها . ولا إشكال في مشروعيّتها في الجملة .

   ويدلّ عليه ، مضافاً إلى العمومات (1) ، خبر يعقوب بن شعيب (2) عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه وفيها رمّان أو نخل أو فاكهة ، ويقول : إسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج ، قال (عليه السلام) : «لا بأس» ((1)) .

   وجملة من أخبار خيبر ، منها صحيح الحلبي ، قال : أخبرني أبو عبدالله (عليه السلام) : «أنّ أباه حدّثه ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أعطى خيبراً بالنصف أرضها ونخلها ، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبدالله بن رواحة ... » .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ فصل في معنى المساقاة وشرائطها ]

   (1) قد عرفت غير مرّة أنّ العمومات والإطلاقات لا تشمل المعاملات التي تتضمّن تمليك المعدوم ، فإنه أمر غير جائز، ولذا لا نعهد فقيهاً يلتزم بصحة ذلك في غير المضاربة والمزارعة والمساقاة (2).

   ومن هنا فلا مجال للتمسك بها ، ولا بدّ في الحكم بالصحة من التمسك بالدليل الخاص .

   (2) الرواية صحيحة السند ، وواضحة الدلالة (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ أن العمومات لا تشمل مثل هذه المعاملة .

(2) الوسائل 19 : 44  كتاب المزارعة والمساقاة ب 9 ح 2 .

(3) الوسائل ، ج 18  كتاب التجارة ، أبواب بيع الثمار ، ب 10 ح 2 .

ــ[322]ــ

   هذا مع أنها من المعاملات العقلائية ، ولم يرد نهي عنها (1) ولا غرر فيها حتى يشملها النهي عن الغرر .

   ويشترط فيها اُمور :

   الأوّل : الإيجاب والقبول (2) . ويكفي فيهما كل لفظ دالّ على المعنى المذكور (3) ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً ، بل الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء ، بأيّ لغة كانت . ويكفي القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي ، كما أنه يكفي المعاطاة (4) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ظهر الجواب عن ذلك فيما تقدم . فإنّ كلّ معاملة لا تكون من التجارة عن تراض ، تكون منهياً عنها بمقتضى قوله تعالى : (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ) (1) . ولمّا لم تكن هذه المعاملة منها ، لما عرفته من تضمنها لتمليك المعدوم ، كانت محكومة بالفساد لا محالة .

   (2) على ما يقتضيه كونها من العقود ، فإنها متقوّمة بالإيجاب والقبول والمعاهدة من الطرفين .

   (3) إذ ليس الإنشاء إلاّ إبراز الاعتبار النفساني بمبرز في الخارج ، فيكفي كلّ ما قام بهذا الدور ، ما لم يرد الدليل على اعتبار لفظ معيّن بخصوصه .

   (4) وهو بناءً على ما اخترناه ، من كون صحة المعاطاة على القاعدة ، واضح . وأمّا بناءً على خلاف ذلك ، فالقول بصحتها في المقام يحتاج إلى الدليل الخاص .

   ومن هنا فقد استشكل فيها بعضهم ، من جهة أنها ليست كسائر المعاملات ، فإنها تختلف عنها بلحاظ غرريتها ، واحتمال عدم تحقق الحاصل فيها بالمرة أو قلّته .

   وقد اُجيب عنه في بعض الكلمات بكفاية العمومات والإطلاقات للحكم بصحتها في الفرض ، فإنها شاملة لها على حدّ شمولها لسائر المعاملات .

   إلاّ أنه مردود بما عرفته غير مرة ، من أنّ العمومات والإطلاقات لا تشمل مثل هذه المعاملة المتضمنة لتمليك المعدوم بالمرة . وعليه فلا يمكن التمسك بها لإثبات مشروعيتها ، فضلاً عن القول بعدم اعتبار اللفظ فيها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء : 29 .

ــ[323]ــ

   الثاني : البلوغ والعقل والاختيار (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومن هنا فلا بدّ من ملاحظة مقدار دلالة النصوص الخاصة الواردة في المقام على المدعى ، فنقول :

   أمّا صحيحة يعقوب بن شعيب فلا إطلاق فيها ليشمل العقد المعاطاتي ، حيث إنّ المفروض فيها إنشاء العقد باللفظ ، فالتعدي عنه إلى الفعل يحتاج إلى الدليل .

   نعم ، حيث إنّ اللفظ وهو قوله : (اسق هذا من الماء واعمره... ) وارد في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) ، فمن القريب جداً دعوى أنّ المنصرف العرفي من ذكره والمتفاهم منه ، كونه لمحض أنه أسهل طريقة لإبراز ما في نفسه من الاعتبار والمعاهدة مع الطرف الآخر خاصة ، من دون أن يكون فيه أي خصوصية تلزمه ، وإلاّ للزم الاقتصار في مقام الإنشاء على هذا اللفظ الوارد خاصة كما هو الحال في الطّلاق بل وعدم كفاية ترجمته أيضاً ، وهو مما لا يقول به أحد .

   والحاصل أنّ المتفاهم العرفي من صحيحة يعقوب بن شعيب ، كون ذكر اللّفظ المعين مبرزاً من المبرزات ، من دون أن تكون له خصوصية ملزمة .

   ومن هنا تكون هذه الصحيحة مطلقة من هذه الجهة .

   ولو تنزلنا عن ذلك ، وقلنا بعدم دلالة صحيحة يعقوب بن شعيب على المدعى فالروايات المعتبرة الواردة في إعطاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأرض خيبر كافية في إثباتها ، حيث لم يذكر في جملة منها لفظ مطلقاً ، وإنما المذكور فيها أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أعطاهم أرض خيبر ، وهو كاف في إثبات المدعى .

   هذا كلّه مضافاً إلى إمكان الاستدلال عليه بالأولوية القطعية ، فإنه إذا جاز إنشاء المعاملات المبنية على الضبط والدقة بالفعل ، جاز إنشاء المعاملات المبنية على التسامح به بطريق أولى .

   (1) وهي شروط المتعاوضين في جميع العقود بقول مطلق ، سواء في ذلك البيع والإجارة والمزارعة والمساقاة وغيرها .

   وقد عرفت أدلّتها في كتاب البيع . فإنّ الصبي لا يجوز أمره حتى يحتلم ، والمجنون بحكم البهائم ، والمكره غير ملزم بشيء .

ــ[324]ــ

   الثالث : عدم الحجر ، لسفه أو فلس ((1)) (1) .

   الرابع: كون الاُصول مملوكة عيناً ومنفعة، أو منفعة فقط. أو كونه نافذ التصرف فيها ، لولاية أو وكالة أو تولية (2) .

   الخامس : كونها معيّنة عندهما ، معلومة لديهما (3) .

   السادس : كونها ثابتة مغروسة ، فلا تصحّ في الودي (4) أي الفسيل قبل الغرس .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لما تقدم . غير أنه كان على الماتن (قدس سره) التنبيه على اختلاف نحو شرطية هذا عمّا تقدم عليه . فإنّ الشروط الاُوَل مشتركة بين المالك والعامل ، حيث تعتبر فيهما معاً . في حين إنّ هذا مختص بالمالك دون العامل ، فإنّ المفلس والسفيه إنما هما ممنوعان من التصرّف في مالهما خاصة ، دون الكسب وتحصيل المال ، إذ لا حجر عليهما من هذه الجهة .

   (2) إذ لولاها كان العقد فضولياً محكوماً بالبطلان .

   (3) لا لاستلزام عدمها الغرر ، حتى يقال إنّها معاملة مبنيّة عليه وعلى الجهالة وإنما لعدم الدليل على صحتها في هذه الصورة ، فإنّ عمدة الدليل على صحة المساقاة منحصرة ـ وكما عرفت ـ في صحيحة يعقوب بن شعيب ، وأخبار إعطاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأرض خيبر . وحيث إنّ موردها جميعاً معلومية الأرض لدى الطرفين ، فلا يبقى دليل على صحتها مع عدم المعلومية ، حتى ولو لم نلتزم بنفي الغرر في جميع الموارد ، والتزمنا باختصاص دليله بالبيع كما هو الصحيح .

   (4) وهو ينافي ما سيأتي منه (قدس سره) في المسألة السادسة ، من الالتزام بصحتها للعمومات ، وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .

   وكيف كان ، فما ذكره في المقام هو الصحيح . فإنّ العمومات والإطلاقات غير شاملة لما يتضمن تمليك المعدوم بالفعل ، على ما تقدم غير مرة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إنما يعتبر في المالك دون العامل .

ــ[325]ــ

   السابع : تعيين المدّة بالأشهر والسنين (1) وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً (2). نعم، لا يبعد جوازها في العام الواحد إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر، لأنه معلوم بحسب التخمين، ويكفي ذلك في رفع الغرر(3) مع أنه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدِّمة (4) .

   الثامن : أن يكون قبل ظهور الثمر ، أو بعده وقبل البلوغ (5) بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لما تقدّم ، ولأنّ ما لا تعيّن له في الواقع لا يمكن الإلزام أو الالتزام به ، فإنه غير قابل له كما هو واضح .

   نعم ، لا يبعد الحكم بصحة العقد إذا اُنشئ على نحو الدوام . ولعله هو الظاهر من أخبار خيبر ، حيث لم يرد في شيء منها تحديد فترة كون الأرض بيدهم ، بل وفي بعض روايات العامة أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جعل لنفسه الخيار وأنه متى أراد أن يخرجهم من الأرض كان له ذلك (1) فإنه كالصريح في التأبيد وعدم التحديد بمدّة معينة .

   والحاصل أنه لا يبعد شمول النصوص لمثل هذا العقد وإن كان غير معيّن عند الطرفين ، إذ يكفي فيه كونه معيناً في الواقع .

   ولعلّ هذا هو المتعارف في العقود الخارجية في المزارعة والمساقاة معاً ، فإنّ أرباب الأراضي والبساتين يعطون أراضيهم وبساتينهم إلى الفلاحين ليزرعوها ويسقوها من غير تحديد للمعاملة بحدّ معين .

   (2) وإلاّ حكم ببطلان العقد للغويته ، نظراً للعمل بعدم تحققه في الخارج .

   (3) على أنه لا دليل على استلزامه للبطلان في غير البيع .

   (4) حيث لم يذكر فيها تحديد المدة بحدّ معين .

   (5) على ما يقتضيه إطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب ، فإنّ مقتضاه عدم الفرق بين ظهور الثمر وعدمه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر صحيح مسلم  3 : 1186  ح 1551 .

ــ[326]ــ

   وأمّا إذا لم يكن كذلك ، ففي صحتها إشكال((1)) (1) وإن كان محتاجاً إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك .

   التاسع: أن تكون الحصّة معيّنة مشاعة(2). فلا تصحّ مع عدم تعيينها إذا لم يكن هناك انصراف. كما لا تصحّ إذا لم تكن مشاعة، بأن يجعل لأحدهما مقداراً معيناً والبقية للآخر. نعم، لايبعد((2)) جواز أن يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اُخرى(3). بل وكذا لو اشترط((3)) اختصاص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ولعل وجه احتمال الصحة هو التمسك بالعمومات والإطلاقات ، وإلاّ فالروايات الواردة في المقام لا تشمل مثله ، حيث إنّ جميعها واردة في مورد حاجة الزرع والثمر للسقي والعمارة ، فلا تشمل الحفظ والقطوف .

   وسيأتي التعرض إلى المسألة ثانياً إن شاء الله .

   (2) لعدم الدليل على صحتها من دونهما . فإنّ الدليل ـ على ما عرفت ـ منحصر في صحيحة يعقوب بن شعيب وأخبار خيبر ، وهي بأجمعها واردة في مورد وجود القيدين . على أنه مع عدم التعيين ، لا يكون العقد قابلاً للإلزام به من الطرفين ، فيحكم ببطلانه من هذه الجهة أيضاً .

   (3) تعرّض (قدس سره) لنظير هذا الفرع في المزارعة أيضاً ، وقد صرح فيه بالبطلان لعدم الإشاعة .

   ومن هنا فيردّ عليه (قدس سره) عدم وضوح الفرق بين المقامين ، مع تصريحه باعتبار الإشاعة أيضاً . فإنه إن صحّ التمسك بالعمومات والإطلاقات فهو غير مختصّ بالمقام ، وإن لم يصحّ ـ كما هو الصحيح ـ وجب الحكم بالفساد في المقامين .

   وكيف كان ، فالصحيح هو الحكم بالبطلان في المقام وفي المزارعة معاً ، لعدم الدليل على الصحّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر عدم الصحة .

(2) فيه إشكال ، وقد التزم بعدم الصحة في مثله في المزارعة .

(3) فيه إشكال بل منع ، كما تقدم في المزارعة في المسألة الخامسة .

ــ[327]ــ

أحدهما بأشجار معلومة (1) والاشتراك في البقية ، أو اشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقية ، إذا علم كون الثمر أزيد من المقدار وأنه تبقى بقية .

   العاشر : تعيين ما على المالك من الاُمور ، وما على العامل من الأعمال (2) إذا لم يكن هناك انصراف .
ــــــــــــــــــــ

   (1) التزم (قدس سره) بذلك في المزارعة أيضاً . لكنك قد عرفت هناك أنّ دليل الصحة إنّما يقتضي صحتها فيما إذا كان النتاج بأجمعه مشتركاً بينهما ، فلا يشمل صورة اختصاص أحدهما ببعضه وكان الباقي مشتركاً بينهما ، والإطلاقات والعمومات لا تنفع في تصحيحها .

   والأمر في المقام كذلك أيضاً ، فإنّ النصوص بأجمعها واردة في فرض إشاعة الحاصل بأجمعه بينهما وكونه مشتركاً كذلك ، ومن هنا فلا تشمل ما نحن فيه .

   (2) على ما تقدّم بيان الوجه فيه في المزارعة ، حيث لا يمكن إلزام كلّ من الطرفين بشيء ، فيحكم ببطلان العقد لا محالة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net