الخامس - السادس 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3488


   الخامس : أن يكون المال المحال به معلوماً جنساً وقدراً للمحيل والمحتال ، فلا تصحّ الحوالة بالمجهول على المشهور ، للغرر .

   ويمكن أن يقال بصحّته إذا كان آئلاً إلى العلم(2) كما إذا كان ثابتاً في دفتره ، على حدّ ما مرّ في الضمان من صحّته مع الجهل بالدَّين . بل لا يبعد الجواز مع عدم أوّله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقّن(3) . بل وكذا لو قال : (كل ما شهدت به البينة وثبت خذه من فلان)(4) .

   نعم ، لو كان مبهماً كما إذا قال : (أحد الدَّينين اللّذَين لك عليَّ خذه من فلان) بطل (5) . وكذا لو قال : (خذ شيئاً من دَينك من فلان) . هذا ولو أحال الدّينين على

  ـــــــــــــــــــــــــ
   (2) إذ لا دليل على اعتبار نفي الغرر مطلقاً وفي جميع الموارد ، فإنّ الثابت اعتباره في خصوص البيع ، وقد ألحق به الأصحاب الإجارة وما شاكلها من العقود .

   على أنه لا غرر في المقام . فإنّ الحوالة ليست إلاّ تبديلاً لمكان الدَّين ونقله من ذمّة المحيل على واقعه إلى ذمّة المحال عليه ، وهو لا يستلزم خطراً على أحد طرفـي العقد فإنّ المحتال سيأخذ ما كان له بحسب الواقع على المحيل ، وينقص ذلك من دين المحيل على المحال عليه .

   (3) لما تقدّم .

   (4) لما تقدّم أيضاً .

   (5) إذ المردد والمبهم مما لا واقع له حتى في علم الله تبارك وتعالى ، وما هو كذلك لا يقبل النقل من ذمّته إلى ذمّة غيره ، إذ الثابت في الذمّة أمر معيّن غير مردّد .

ــ[504]ــ

نحو الواجب التخييري أمكن الحكم بصحّته (1) لعدم الإبهام ((1)) فيه حينئذ .

   السادس : تساوي المالين ـ أي المحال به والمحال عليه ـ جنساً ونوعاً ووصفاً على ما ذكره جماعة ، خلافاً لآخرين .

   وهذا العنوان وإن كان عامّاً إلاّ أنّ مرادهم ـ بقرينة التعليل بقولهم : تفصّياً من التسلّط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمّته به ، إذ لا يجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه ـ فيما كانت الحوالة على مشغول الذمّة بغير ما هو مشغول الذمّة به ، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ، بأن يدفع بدل الدنانير دراهم .

   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فيما إذا تساوى الدينان كماً وكيفاً . كما لو كان المحيل مديناً لزيد بعشرة دنانير عن ثمن مبيع اشتراه منه ، وبعشرة اُخرى عن دين استقرضه منه ، فأحاله على عمرو بعشرة دنانير خاصّة ، فإنها محكومة بالصحّة جزماً ، حيث لا خصوصية في الدَّين من حيث سببه وأنه بسبب القرض أو الشراء ، فتكون الحوالة متعلقة بالجامع قهراً .

   وبعبارة اُخرى : إنّ الحوالة في هذا الفرض متعلقة بالمعين دون المردد ، فإنها إحالة للمحتال على المحال عليه بنصف ماله عليه ـ المحيل ـ  .

   وأمّا إذا اختلف الدَّينان ، فالفرض عين فرض الدَّين مبهماً ومجهولاً وليس هو شيئاً آخر في قباله ، فإنه مبهم ومردد ولا واقع له حتى في علم الله عزّ وجلّ ، ومعه فلا وجه للحكم بصحّتها .

   والحاصل أنّ استثناء الحوالة على نحو الواجب التخييري مع الحكم ببطلان الحوالة بالدَّين المبهم ، في غير محله ولا يمكن المساعدة عليه . فإنها مع تساوي الدَّينين خارجة تخصصاً لكونها حوالة بالمعين وإن جهل سببه ، ومع عدم التساوي عين الحوالة بالمجهول بحسب الواقع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إنما يتمّ فيما إذا تساوى الدَّينان كمّاً وكيفاً ، وإلاّ فهو عين الفرض الذي حكم فيه بالبطلان .

ــ[505]ــ

فلا يشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير(1) أو على مشغول الذمّة بالدنانير بأن يدفع الدراهم(2) . ولعلّه لأنه وفاء بغير الجنس برضا الدّائن . فمحلّ الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس .

   والوجه في عدم الصحّة ما اُشير إليه من أنه لا يجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه، وأيضاً الحكم على خلاف القاعدة. ولا إطلاق في خصوص الباب، ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة .

   ووجه الصحّة أنّ غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس، ولا بأس به((1)) وهذا هو الأقوى(3).

   ثمّ لا يخفى أنّ الإشكال إنما هو فيما إذا قال : (إعط مما لي عليك من الدنانير دراهم) بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه . وأمّا إذا أحال عليه

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فإنها محكومة بالصحّة قطعاً بعد رضا كلّ من المحتال والمحال عليه بها ، فإنها ترجع إلى مبادلة بين الدّائن ـ المحتال ـ والمدين ـ المحيل ـ أوّلاً بتبديل ما في ذمّته للمحال بالجنس الجديد ، ثمّ إحالته به على المحال عليه البريء ، فيحكم بصحّتها لعدم شمول دليل المنع لها ، إذ لا  منافاة فيها لسلطنة المحتال أو المحال عليه بالمرّة ، كما هو واضح .

   (2) فترجع إلى المعاوضة بين المحيل والمحال عليه ، بتبديل ما للأوّل على الثاني بالجنس الجديد الذي للمحتال على المحيل أوّلاً ، ثمّ إحالة المحتال بذلك عليه ، فتكون الحوالة بالجنس الذي له عليه لا محالة .

   (3) فيما إذا رضي المحال عليه بها ، إذ إنها ترجع حينئذ إلى معاملة معاوضية بين المحيل والمحال عليه ، بتبديل ماله عليه بالجنس الجديد ثمّ إحالة المحتال عليه . وهي محكومة بالصحّة جزماً ، إلاّ أنها ليست من الوفاء بغير الجنس كما ذكره (قدس سره) . فإنّه وبعد ثبوت الجنس الجديد بالمعاملة الجديدة في ذمّة المحال عليه بدلاً عن الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غاية الأمر أنه يعتبر حينئذ رضا المحال عليه .

ــ[506]ــ

بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير ، فلا ينبغي الإشكال فيه ، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير . وحينئذ فتفرغ ذمّة المحيل من الدراهم ، وتشتغل ذمّة المحال عليه بها ، وتبقى ذمّة المحال عليه مشغولة بالدنانير ، وتشتغل ذمّة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك .

   ولعلّ الخلاف أيضاً مختصّ بالصورة الاُولى ، لا ما يشمل هذه الصورة أيضاً (1) . وعلى هذا فيختصّ الخلاف بصورة واحدة ، وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمّة بأن يدفع من طرف ما عليه من الحقّ بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم .
ــــــــــــــــــــ

كان ثابتاً عليه ، تكون الحوالة به حوالة بالجنس لا محالة .

   وأمّا لو لم يرض المحال عليه بها ، فلا مقتضى للحكم بصحّتها ، إذ لا موجب لالتزام المدين بغير ما هو مشغول الذمّة به .

   إذن فالصحيح هو التفصيل ، بين رضا المحال عليه بها فتصحّ ، وعدمه فيحكم ببطلانها .

   (1) فإنها معاملة مستقلة عن الدَّين الثابت في ذمّة المحال عليه ، فتكون من قبيل الحوالة على البريء تصحّ مع رضا المحال عليه بها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net