حكم الحوالة بالمنفعة والعمل - براءة ذمّة المحيل بتحقق الحوالة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3941


   [ 3616 ] مسألة 1 : لا فرق في المال المحال به بين أن يكون عيناً في الذمّة ، أو منفعة ، أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة (2) ولو مثل الصلاة والصوم والحج والزيارة والقراءة (3)

  ـــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) للقواعد العامّة المقتضية للصحّة ، مضافاً إلى إطلاق جملة من نصوص الباب حيث لم يرد في شيء منها تقييد المحال به بكونه عيناً في الذمّة . فإنّ الأجير لما كان مديناً بالعمل أو المنفعة للمستأجر ، كان له نقله إلى ذمّة الغير بالحوالة وجعل ذمّة الغير هي مشغولة به .

   (3) فإنّ جميع ذلك وإن لم يكن مذكوراً في النصوص ، إلاّ أنه يكفينا في الحكم

ــ[507]ــ

سواء أكانت على البريء أو على مشغول الذمّة بمثلها(1). وأيضاً لا فرق بين أن يكون مثلياً كالطعام، أو قيمياً كالعبد والثوب(2). والقول بعدم الصحّة في القيمي للجهالة، ضعيف، والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها (3) .

   [ 3617 ] مسألة 2 : إذا تحققت الحوالة برئت ذمّة المحيل(4) وإن لم يبرئه المحتال (5) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بصحّتها كونها على القاعدة فتشملها العمومات .

   (1) غاية الأمر اعتبار رضا المحال عليه في الأوّل ، كما عرفت .

   (2) لما تقدّم من العمومات ، واقتضاء بعض الأدلّة الخاصّة له .

   (3) إذ لا ملازمة بين الجهالة في القيميات وبين الإبهام الموجب للبطلان ، فإنه يمكن رفع الإبهام بتعيين المحال به القيمي بالأوصاف . ولولا ذلك لما أمكن تصحيح بيعه أيضاً، فإنّ ما لا تعيّن له في الواقع لا يقبل جعله عوضاً أو معوضاً ونقله إلى الغير، وإنّما صحّ ذلك لارتفاع الإبهام بذكر المواصفات المميزة له عن غيره .

   ومن هنا فإذا صحّ بيعه واشتغلت ذمّة البائع به ، صحّ نقله إلى ذمّة الغير بالحوالة لنفس الملاك ، فيكون المحال عليه كأنه هو البائع في اشتغال ذمّته به للمحتال .

   نعم ، لو كانت الجهالة موجبة للإبهام المطلق ، بحيث لا يكون للمحال به تعيين حتى في الواقع وعلم الله تبارك وتعالى ، تعيّن الحكم ببطلانها لا محالة ، لعدم شمول أدلّة الإمضاء له ، وعدم معقولية الحكم باشتغال الذمّة بما لا تعيّن له في الواقع .

   (4) لأنّ مقتضاها نقل الدَّين عن ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، كما عرفت في معنى الحوالة ، وهو يعني فراغ ذمّة المحيل منه واشتغال ذمّة المحال عليه به . ومعه فإثبات اشتغال الذمّة للمحيل ثانياً بعد فراغها من الدَّين يحتاج إلى الدليل ، لعدم السلطنة للمحتال عليه ، وهو مفقود .

   (5) إذ لا حاجة إليه بعد تحقق البراءة من دونه ، فاعتباره لا يرجع إلاّ إلى تحصيل الحاصل .

ــ[508]ــ

والقول بالتوقّف على إبرائه ، ضعيف(1) . والخبر(2) الدالّ على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال ، المراد منه القبول ، لا اعتبارها بعده أيضاً . وتشتغل ذمّة المحال عليه للمحتال فينتقل الدَّين إلى ذمّته ، وتبرأ ذمّة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به ، وتشتغل ذمّة المحيل للمحال عليه إن كانت على بريء أو كانت بغير المثل ، ويتحاسبان بعد ذلك .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لما تقدّم .

   (2) وهي معتبرة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر فيقول له الذي احتال : برئت مما لي عليك ، فقال : «إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله» (1) .

   وهي معتبرة سنداً وواضحة دلالة ، إلاّ أنها معارضة بما دلّ على عدم الاعتبار .

   ففي صحيحة أبي أيوب أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يحيل الرجل بالمال ، أيرجع عليه ؟ قال : «لا يرجع عليه أبداً إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك» (2) .

   ونحوها صحيحة منصور بن حازم (3) .

   وفي رواية عقبة بن جعفر عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ثمّ يتغير حال الصيرفي، أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي؟ قال: «لا»(4).

   والعمدة في المعارضة هي الصحيحتان الاُوليان ـ وإلاّ فالرواية الأخيرة لا تعدو كونها مؤيدة لضعف سندها ـ حيث دلّتا على انحصار حق الرجوع على المحيل بفرض الإفلاس كما يظهر ذلك من قوله (عليه السلام) : «أبداً» فتتعارضان مع معتبرة زرارة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 11 ح 2 .

(2) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 11 ح 1 .

(3) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 11 ح 3 .

(4) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 11 ح 4 .

ــ[509]ــ

الدالّة صريحاً على جواز الرجوع قبل الإبراء . وعندئذ يكون التقدّم معهما ، لرجحانهما عليهما بموافقتهما للكتاب العزيز ، حيث إنّ مقتضى عمومات الوفاء بالعقود الحكم باللّزوم وعدم جواز رجوع المحتال على المحيل ثانياً .

   على أننا لو غضضنا عن صحيحتي أبي أيوب ومنصور بن حازم ، لم يكن مجال للعمل بمعتبرة زرارة في حدّ نفسها والقول باعتبار الإبراء في تحقق براءة ذمّة المحيل فإنّ هذه المعتبرة متضمنة لما لا يمكن الالتزام به ، ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله .

   وذلك فلأن الحوالة : إمّا أن تكون في نفسها وقبل الإبراء من المحتال صحيحة وموجبة لنقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، وإمّا أن تكون فاسدة غير مؤثرة في النقل والانتقال .

   فعلى الأوّل ، فاعتبار الإبراء من تحصيل الحاصل ، لتحقق البراءة بحسب الفرض قبله ، فإنّ الدَّين إذا انتقل عن ذمّة المحيل برئت ذمّته لا محالة وإلاّ لما كان الدَّين منتقلاً .

   وعلى الثاني ، فالإبراء وإن كان موجباً لبراءة ذمّة المحيل حينئذ كما هو واضح لعدم تحققها قبله ، إلاّ أن معه لا وجه لرجوع المحتال على المحال عليه ، نظراً لعدم انتقال المال إلى ذمّته وعدم اشتغالها به له .

   فالجمع بين الحكمين ـ جواز رجوع المحتال عليه بموجب الحوالة واعتبار إبرائه في براءة ذمّة المحيل ـ جمع بين المتنافيين ولا يمكن المساعدة عليه .

   وبعبارة اُخرى : إنّ الإبراء ـ الذي هو بمعنى إسقاط المحتال للدَّين الثابت في ذمّة المحيل ـ إمّا أن يكون بعوض وبإزاء اشتغال ذمّة المحال عليه به ، وإما أن يكون مجاناً .

   فعلى الأوّل ، فهو عين القبول وليس شيئاً في قباله ، فإنّ قبول المحتال للحوالة إنما يعني موافقته على ما أنشأه المحيل من براءة ذمّته واشتغال ذمّة المحال عليه . ومما يساعد على إرادة هذا المعنى من الإبراء ، أنه لم تذكر في الرواية قبولاً للمحتال بغير هذا العنوان ـ الإبراء ـ  .

   وعلى الثاني ، فإن كانت الحوالة هذه محكومة بالصحّة وانتقال ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فلا موضوع للإبراء المجاني ، لعدم اشتغال ذمّة المحيل حينئذ بشيء .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net