ردّ الموصى له للوصية مبطل لها 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثالث:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3969


   [ 3902 ] مسألة 4  : ردّ الموصى له للوصيّة مبطل لها (3) إذا كان قبل حصول الملكية ((1)) ، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلاً لها .

ــــــــــــــــــــــــــ
   (3) على تفصيل ستعرفه في التعليقات القادمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعروف بينهم أنّ رد الوصيّة حال حياة الموصي لا يبطلها ، وهو الصحيح ، وقد عرفت حاله بعد الموت وقبل القبول [ في التعليقة المتقدِّمة ] ، وأمّا الرد في سائر العقود فالظاهر أنه لا يبطلها ، فلو قبل بعده صحّت ، بل الأمر كذلك في العقد الفضولي أيضاً إن لم يقم إجماع على خلافه .

ــ[306]ــ

   فعلى هذا إذا كان الردّ منه بعد الموت وقبل القبول ، أو بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الردّ أيضاً كذلك ، يكون مبطلاً لها(1) لعدم حصول الملكية بعد .

   وإذا كان بعد الموت وبعد القبول لا يكون مبطلاً، سواء كان القبول بعد الموت أيضاً أو قبله، وسواء كان قبل القبض أو بعده، بناءً على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحتها، لعدم الدليل على اعتباره(2) وذلك لحصول الملكية حينئذ له، فلا تزول بالرد. ولا دليل على كون الوصيّة جائزة بعد تماميتها بالنسبة إلى الموصى له ، كما أنها جائزة بالنسبة إلى الموصي ، حيث إنه يجوز له الرجوع في وصيّته ، كما سيأتي .

   وظاهر كلمات العلماء حيث حكموا ببطلانها بالردّ عدم صحّة القبول بعده ، لأنه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي . كما أن الأمر كذلك في سائر العقود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وهو إنّما يتمّ بالنسبة إلى الصورة الاُولى خاصة حيث إن الإجماع بقسميه قائم على مانعيّته، دون الصورة الثانية حيث لا إجماع على مانعيته فيها، بل الشهرة التي تكاد تبلغ الإجماع ـ إذ لم ينسب الخلاف إلاّ إلى شاذ ـ على عدمها ، وحينئذ فمقتضى إطلاقات أدلة نفوذ الوصيّة صحتها في هذه الصورة .

   (2) ومقتضى إطلاقات أدلّة نفوذها صحّتها ، سواء أقبض الموصى له للموصى به أم لم يقبض ، فإنها تامّة وسالمة عن المعارض .

   ولو تنزلنا ووافقنا الشيخ الأعظم (قدس سره) في عدم تمامية الإطلاق بالنسبة إلى اعتبار القبول ، وقلنا بجريان استصحاب عدم الملكية قبله ، فلا نسلم به في غيره كالقبض ، فإن الإطلاقات بالنسبة إليه تامة ومحكمة . ومن هنا فلا مجال للتمسك بالأصل .

   وأمّا قياس الوصيّة بالهبة والوقف ، حيث يعتبر في صحّتهما القبض مع أنهما تنجيزيان والوصيّة تعليقية، فقياس مع الفارق ، فإنها إيقاع محض ، ولا موجب لرفع اليد عن إطلاقاتها من غير مقيد .

ــ[307]ــ

حيث إن الردّ بعد الإيجاب يبطله وإن رجع وقبل بلا تأخير . وكما في إجازة الفضولي ، حيث إنها لا تصحّ بعد الردّ . لكن لا يخلو عن إشكال إذا كان الموصي باقياً على إيجابه . بل في سائر العقود أيضاً مشكل (1) إن لم يكن اجماع ، خصوصاً في الفضولي ، حيث إنّ مقتضى بعض الأخبار صحّتها ولو بعد الردّ . ودعوى عدم صدق المعاهدة عرفاً إذا كان القبول بعد الردّ ، ممنوعة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ما ذكره (قدس سره) وإن كان صحيحاً بالنسبة إلى سائر العقود ، لما تقدّم من عدم الدليل على إبطال ردّ الطرف الثاني لإيجاب الطرف الأوّل ، بل يصدق العقد والمعاهدة عليه فيما إذا كان الموجب باقياً على التزامه ، وحينئذ فلا مانع من التمسك بإطلاقات وعمومات أدلّة الصحّة والنفوذ .

   وكذلك الحال في العقد الفضولي ، حيث إن الرد فيه لا يكون مانعاً من الإجازة بعده ، بل ربّما يستفاد ذلك من صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قضى في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ، ثمّ قدم سيدها الأوّل فخاصم سيدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال : خذ ابنه ـ يعني الذي باع الوليدة ـ حتى ينفذ لك ما باعك ، فلما أخذ البيع الابن قال أبوه : أرسل ابني، فقال: لا اُرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه»(1) .

   إلاّ أن قياس الوصيّة عليها قياس مع الفارق ، لأن أدلتها ظاهرة في كونها إيقاعاً كما عرفت، وعليه فلا حاجة إلى القبول ولا أثر للرد بل بها يحصل الملك القهري، ولذا ورد في الأخبار أنه لو مات قبل بلوغه الخبر دفع الموصى به إلى ورثته ، وإنما خرجنا عن ذلك في خصوص الرد للإجماع على مانعيته بعد الموت .

   ومن هنا فإن لم يتمّ هذا الإجماع فعدم مانعية الرد واضح ، وإلاّ ـ كما هو الصحيح ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21  كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 88 ح 1 .

ــ[308]ــ

   ثمّ إنهم ذكروا أنه لو كان القبول بعد الردّ الواقع حال الحياة صحّ . وهو أيضاً مشكل (1) على ما ذكروه من كونه مبطلاً للإيجاب ، إذ لا فرق حينئذ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت. إلاّ إذا قلنا: إن الردّ والقبول لا أثر لهما حال الحياة وإن محلّهما إنما هو بعد الموت، وهو محل منع(2).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلا وجه للحكم بصحّة الوصيّة بعد القبول ، بل يتعين الحكم ببطلانها ، نظراً لارتفاع التزام الموصي عند القبول ، فإن الميت لا التزام له .

   وبعبارة اُخرى : إن الموصي إنما أنشأ الملكية بعد الموت والتزم به إلى حين وفاته وأمّا بعد وفاته فلا التزام له لعدم قابلية الميت له . وحينئذ فإن التزمنا بثبوت الملكية قهراً ، سواء أقبل الموصى له أم لم يقبل ـ لإطلاقات الأدلة ـ فلا أثر للردّ أصلاً . وإن خرجنا عنها وقلنا باعتبار عدم الردّ للإجماع ، فالردّ يبطل ذلك الالتزام ، وحين القبول يحتاج إلى التزام جديد ، وهو ممتنع نظراً لموته .

   فالصحيح في المقام هو التفصيل بين الوصيّة وغيرها . ففي غيرها يحكم بصحته مع بقاء الموجب على التزامه ، وبطلانه مع عدمه . وفيها بالبطلان ، بناءً على القول بمانعية الرد ، كما هو الصحيح .

   (1) لا وجه للاستشكال فيه ، بعد ما عرفت من أن مقتضى إطلاقات أدلّة الوصيّة نفوذها مطلقاً ، من دون اعتبار للقبول أو تأثير الرد ، وإنما خرجنا عنها في خصوص الرد المتأخر عن الوفاة للإجماع . وحيث لا دليل على مانعية الرد حال الحياة ، إذ لا إجماع عليها بل الشهرة على خلافها ، فلا مانع من التمسك بإطلاقات أدلة نفوذ الوصيّة ، ومقتضاها الحكم بصحتها .

   ولا يقاس ما نحن فيه بغيره من العقود ، فإنها مؤلفة من الإيجاب والقبول ، فيمكن أن يقال ـ وإن لم نرتضه ـ : إن الردّ يقطع اتصال القبول بالإيجاب ويمنع منه . وأما ما نحن فيه فقد عرفت أنه إيقاع ولا يحتاج إلى القبول ، فلا وجه للقول بمنع الرد للاتصال بينهما .

   (2) في القبول خاصة ـ على ما تقدّم بيانه في المسألة الثانية ـ دون الرد ، حيث قد




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net