دم غير الحيوان المتخلِّف في الذبيحة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10111


ــ[9]ــ

وكذا ما كان من غير الحيوان كالموجود تحت الأحجار عند قتل سيد الشهداء (أرواحنا فداه) (1) ويسـتثنى من دم الحيوان ، المتخلف في الذبيحة بعد خروج المتعارف (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم نجاسة الدم مما لا نفس له بهذا العنوان ، وعليه فلا مناص من الحكم بنجاسة الدم مطلقاً ولو كان مما لا نفس له كما يقتضيه عموم أدلة نجاسته على ما قدمناه وبنينا عليه . نعم ، من يرى عدم تمامية العموم في المسألة له أن يرجع إلى قاعدة الطهارة فيما لا نفس له ، اللّهمّ إلاّ أن نعتمد على ما استدللنا به على طهارة بول ما لا نفس له أعني موثقة(1) حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال : «لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة»(2) وغيرها مما ورد بمضمونها حيث أخذنا باطلاقها وقلنا إنها تقتضي عدم نجاسة الماء بدمه وبوله وميتته وغيرها مما ينجس الماء إذا كان من الحيوانات التي لها نفس سائلة ، ولكنّا لم نرَ من الفقهاء من استدل بها على طهارة بوله ودمه .

   (1) قدّمنا وجهه آنفاً .

   (2) المسألة متسالم عليها بين الأصحاب ولم يقع في ذلك خلاف وإنما الكلام في مدركها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولا يخفى أن في سندها أحمد بن محمد عن أبيه ، والظاهر أنه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، وهو وإن كان من مشايخ الشيخ المفيد إلاّ أنه لم تثبت وثاقته بدليل ، وكونه شيخ إجازة لا دلالة له على الوثاقة بوجه ، فالوجه في كون الرواية موثقة أن في سندها محمد بن أحمد بن يحيى ، وللشيخ (قدس سره) إليه طرق متعددة وهي وإن لم تكن صحيحة بأسرها ، إلاّ أن في صحة بعضها غنى وكفاية ، وذلك لأن الرواية إما أن تكون من كتاب الراوي أو من نفسه ، وعلى كلا التقديرين يحكم بصحة رواية الشيخ عن محمد بن أحمد لتصريحه في الفهرست بأن له إلى جميع كتب محمد بن أحمد ورواياته طرقاً متعدِّدة [ الفهرست : 144 ] وقد عرفت صحة بعضها ، وإذا صحّ السند إلى محمد ابن أحمد بن يحيى صح بأسره لوثاقة الرواة الواقعة بينه وبين الإمام (عليه السلام) وبهذا الطريق الذي أبديناه أخيراً يمكنك تصحيح جملة من الروايات التي تقدمت في تضاعيف الكتاب أو لم تتقدم .

(2) الوسائل 3 : 464 / أبواب النجاسات ب 35 ح 2 .

ــ[10]ــ

   وما استدلّ به على طهارة الدم المتخلف اُمور :

   الأوّل : الاجماع ، وقد مرّ غير مرّة أن الاجماع إنما يعتمد عليه فيما إذا كان تعبدياً كاشفاً عن رأيه (عليه السلام) وليس الأمر كذلك في المقام للاطمئنان ولا أقل من احتمال أن يكون مدرك المجمعين أحد الوجوه الآتية في الاستدلال .

   الثاني : أن لحم كل ذبيحة يشتمل على مقدار من الدم ولو مع المبالغة في غسله وقد حكم بحلية أكله شرعاً مع ما فيها من الدم ، وهي أخص من الطهارة ، لأنّ حلية الأكل من طوارئ الأشياء الطاهرة لعدم جواز أكل النجس شرعاً ، فهذا يدلّنا على طهارة الدم المتخلف في الذبيحة . وهذا الوجه إنما يتم فيما يتبع اللحم من الأجزاء الدموية المستهلكة في ضمنه ولذا يحل أكله ، والأمر فيه كما اُفيد ونزيد عليه أن موضع الذبح لا يمكن تخليصه من الدم عادة ، بل ترى أن الدم يتقاطر منه إذا عصر وإن غسل متعدِّداً ، ومعه حكم الشارع بطهارته بعد غسله وهذا كاشف عن طهارة الدم المتخلف في المذبح وغيره من أجزاء الذبيحة ، إلاّ أنه لا يتم في الأجزاء الدموية المستقلة في الوجود كما يوجد في بطن الذبيحة أو في قلبها أو في سائر أجزائها بحيث إذا شق سال منه دم كثير فانها غير محللة الأكل شرعاً ، فهذا الوجه لا يقتضي طهارة الدم المتخلف مطلقاً .

   الثالث : وهو الوجه الصحيح ، استقرار سيرة المتشرعة المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) على عدم الاجتناب عما يتخلف في الذبيحة من الدم كان تابعاً للحمها أم لم يكن ، مع كثرة ابتلائهم بالذبائح من الابل والغنم والبقر ، ولا سيما في الصحاري والقفار الخالية عن الماء فانهم غير ملتزمين بتطهير لحمها وما يلاقيه من أثوابهم وأبدانهم ، بل ولا يمكن تطهيره بتجريده من الدم إلاّ يجعله في الماء مدة ثم غسله وعصره ونحو ذلك مما نقطع بعدم لزومه شرعاً ، ومع هذا لو كان الدم المتخلف في الذبيحة نجساً لبان وذاع ، وبهذه السيرة نخرج عن عموم ما دل على نجاسة الدم ، ولولاها لم نتمكن من الحكم بطهارة الدم المتخلف بوجه لعموم نجاسته . نعم ، بناء على عدم نجاسة مطلق الدم لعدم تمامية العموم لا مانع من التمسك بقاعدة الطهارة في الحكم بطهارة الدم المتخلف .

ــ[11]ــ

سواء كان في العروق أو في اللّحم أو في القلب أو في الكبد فانّه طاهر(1) .

   نعم ، إذا رجع دم المذبح إلى الجوف لرد النفس ، أو لكون رأس الذبيحة في علو كان نجساً (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) هل الحكم بالطهارة يختص بالمتخلف في الأجزاء المحللة أكلها أو أنه يعم المتخلف فيما يحرم أكله أيضاً كالطحال والنخاع ونحوهما من الحيوانات المحللة ؟

   يختلف هذا باختلاف الوجوه المتقدمة في المسألة ، فان كان مدرك الحكم بطهارة الدم المتخلف هو الاجماع ، فلا مناص من الاقتصار في الحكم بالطهارة بما يتخلف في الأجزاء المحللة دون الأعضاء المحرمة في الذبيحة لأنه دليل لبي يقتصر فيه على مورد اليقين ، بل ولا علم بانعقاد الاجماع على طهارة المتخلف في الأعضاء المحرّمة أصلاً مع وجود المخالف في المسألة ، فاذا لم يثبت المخصص فلا محالة يرجع إلى عموم العام . اللّهمّ إلاّ أن يقال بعدم ثبوت العموم فان المرجع على هذا إنما هو قاعدة الطهارة في المتخلف في العضو المحرّم أكله ، وكذلك الحال فيما إذا كان مدركه هو الوجه الثاني ، لعدم حلية أكل مثل الطحال حتى يدعى أن الحلية أخص من الطهارة بالتقريب المتقدم .

   وأما إذا اعتمدنا في ذلك على الوجه الأخير أعني السيرة المتشرعية الجارية على عدم لزوم الاجتناب عن الدم المتخلف في الذبيحة فلا بد من الالتزام بطهارته مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين الدم المتخلف في الأعضاء المحللة وبين المتخلف في الأعضاء المحرّمة ، لأنّ السيرة قائمة على طهارته في كلا الموردين .

   (2) لا إشكال في نجاسة الدم الداخل إلى جوف الذبيحة بعد خروجه عن المذبح ، للأدلّة المتقدمة التي دلّت على نجاسته مطلقاً ، كما لا إشكال في نجاسة ما أصابه ذلك الدم من لحم ودم وعرق وغيرها مما يلاقيه في جوف الذبيحة ، هذا فيما إذا رجع الدم إلى جوف الذبيحة بنفسه أو  لرد النفس بعد خروجه عن مذبحها ، وأما فرض رجوع الدم إلى جوفها قبل خروجه عن المذبح بأن رجع إليه بعد وصوله إلى منتهى الأوداج فالظاهر أنه فرض أمر مستحيل ، وذلك لأنّ الذبح إنما يتحقق بقطع أوداج أربعة أحدها : الحلقوم وهو مجرى الطعام ومدخله . وثانيها : مجرى النفس . وثالثها ورابعها :

ــ[12]ــ

عرقان من اليمين واليسار يسميان بالوريد وهما مجرى الدم فاذا قطع الوريد فلا محالة يخرج الدم من مفصله فكيف يرجع إلى الجوف قبل خروجه عنه ، ولا يمكن للنفس أن يجذب الدم من الوريد الذي هو مجرى الدم ، نعم يجذبه من مجرى النفس إلاّ أنه بعد خروج الدم من الوريد ولا يمكنه ذلك قبل خروجه .

   ثم إن هناك صورة اُخرى وهي عدم خروج الدم من الذبيحة أصلاً ، وهذا قد ينشأ من الخوف العارض على الحيوان وانجماد الدم بسببه ، واُخرى يحصل بوضع اليد على مقطع الذبيحة وسد الطريق ، وثالثة يتحقق بالنار ، فان وضعها على المقطع يوجب التيامه وبه ينسد الطريق من دون أن يرجع الدم إلى الداخل كما في الصورة المتقدمة فهل يحكم بطهارته حينئذ ؟  الصحيح أنه محكوم بالنجاسة بل الذبيحة ميتة محرّمة والوجه في ذلك أن التذكية تتحقق بأمرين أعني خروج الدم وتحرك الذبيحة ، لأنه مقتضى الجمع بين ما دلّ على اشتراط التذكية بخروج الدم فحسب(1) وما دلّ على اعتبار تحرك الذبيحة في تحققها (2) وحيث إن مفروض المسألة عدم خروج الدم من الذبيحة فلا يمكن الحكم بتذكيته .

   ثم إنه إذا اكتفينا في تحقق التذكية بمجرد الحركة أو قلنا بكفاية كل واحد من الأمرين كما ذهب إليه بعضهم فلا إشكال في جواز أكل الذبيحة ، لوقوع التذكية عليها على الفرض ، ولا يمكن الحكم بطهارة دمها ، لأن الدليل على طهارة الدم المتخلف منحصر بالسيرة المتشرعية ، ولم نتحقق سيرتهم على عدم الاجتناب من دم الذبيحة في مفروض المسألة لندرة الابتلاء به ومعها لا طريق إلى إحراز السيرة بوجه . هذا كله في صورة العلم بالحال وأن الدم الموجود من المتخلف في الذبيحة أو مما دخل إلى الجوف بعد الخروج ، وأما إذا شككنا في ذلك ولم نحرز أنه من المتخلف أو من غيره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي ما رواه زيد الشحام : «إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس» الوسائل 24 : 25 / أبواب الذبائح ب 12 ح 3 .

(2) عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «في كتاب علي (عليه السلام) إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته» إلى غير ذلك من الأخبار المروية في الوسائل 24 : 23 / أبواب الذبائح ب 11 ح 6 وغيره .

ــ[13]ــ

ويشترط في طهارة المتخلف أن يكون مما يؤكل لحمه على الأحوط ، فالمتخلف من غير المأكول نجس على الأحوط (1) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net