الانتفاع بالمتنجّسات 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5044


ــ[201]ــ

الأصل جواز الانتفاع بالمتنجّس

قوله : ولا حاكم عليها سوى ما يتخيّل .

أقول : قد استدلّ على حرمة الانتفاع بمطلق المتنجّس بجملة من الآيات والروايات .

أمّا الآيات فمنها قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَْنصَابُ وَالاَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(1) فإنّ المتنجّس رجس فيجب الاجتناب عنه .

وفيه : أنّ الرجس وإن اُطلق على الأعيان النجسة كثيراً ، كما اُطلق على الكلب في صحيحة البقباق(2) إلاّ أنّ الآية لا ترتبط بالمدّعى لوجوه :

الأول : أنّ الظاهر من الرجس هو الأشياء التي يحكم عليها بالنجاسة بعناوينها الأولية ، فيختص بالأعيان النجسة ، ولا يشمل الأعيان المتنجّسة ، لأنّ النجاسة فيها من الاُمور العرضية .

الثاني : أنّ الرجس في الآية لايراد منه القذارة الظاهرية لكي ينازع في اختصاصه بالأعيان النجسة أو شموله الأعيان المتنجّسة أيضاً ، بل المراد منه القذارة المعنوية ، أي الخسّة الموجودة في الاُمور المذكورة في الآية ، سواء كانت قذرة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 90 .

(2) الفضل بن عبدالملك قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن فضل الهرّة والشاة ـ إلى أن قال  :  ـ فلم أترك شيئاً إلاّ سألت عنه ؟ فقال : لا بأس به ، حتّى انتهيت إلى الكلب فقال  : رجس نجس ، لا تتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء » الخبر ، وهي صحيحة . راجع التهذيب 1 : 225 / 646 ، والوافي 6 : 73 / 9 ، والوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب1 ح4  .

ــ[202]ــ

بالقذارة الحسّية أيضاً أم لم تكن ، والذي يدل على ذلك من الآية إطلاق الرجس على الميسر والأنصاب والأزلام ، فإنّ من البديهي أنّ قذارة هذه الأشياء ليست ظاهرية ، ولا شبهة في صحة إطلاق الرجس في اللغة(1) على ما يشمل القذارة الباطنية أيضاً ، وعليه فالآية إنّما تدل على وجوب الاجتناب عن كل قذر بالقذارة الباطنية التي يعبّر عنها في لغة الفرس بلفظ (پليد) فتكون المتنجّسات خارجة عنها جزماً .

الثالث : أنّ جعل المذكورات في الآية من عمل الشيطان إمّا من جهة كون الأفعال المتعلّقة بالخمر والأنصاب والأزلام رجساً من عمل الشيطان ، كما يشير إليه قوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)(2) فإنّ الرجس قد يطلق على مطلق القبائح والمعاصي ، وقد عرفت ذلك في الهامش من القاموس وغيره . وإمّا من جهة كون تلك الاُمور نفسها من عمل الشيطان .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في مجمع البيان 3 : 370 : رجس أي خبيث . وفي مفردات الراغب ] 342 مادّة رجس  [ : الرجس الشيء القذر . يقال : رجل رجس ورجال أرجاس ، والرجس على أربعة أوجه : إمّا من حيث الطبع ، وإمّا من جهة العقل ، وإمّا من جهة الشرع ، وإمّا من كل ذلك . وفي القاموس ] 2 : 219 مادّة رَجَسَت [ : الرجس بالكسر القذر ، والمأثم ، وكل ما استقذر من العمل ، والعمل المؤدّي إلى العذاب . وفي المنجد ] 250 مادّة رَجِس [ : رجس رجاسة عمل عملا قبيحاً .

(2) المائدة 5 : 91 . وفي مجمع البيان 3 : 371 والمعنى : يريد الشيطان إيقاع العداوة بينكم بالإغواء المزيّن لكم ذلك حتى إذا سكرتم زالت عقولكم ، وأقدمتم على القبائح على ما يمنعه منه عقولكم . قال قتادة : إنّ الرجل كان يقامر في ماله وأهله فيقمر ، ويبقى حزيناً سليباً فيكسبه ذلك العداوة والبغضاء .

ــ[203]ــ

فعلى الأول تكون الآية دالّة على وجوب الاجتناب عن كل عمل قبيح يصدق عليه أنه رجس ، وأمّا ما لم يحرز قبحه فلا تشمله الآية .

وعلى الثاني يكون موضوع الحكم فيها كل عين من الأعيان صدق عليها أنّها من عمل الشيطان ، وعليه فكل عين محرّمة صدق هذا العنوان عليها تكون مشمولة للآية ، ومن الواضح أنّ الخمر من عمل الشيطان باعتبار صنعها ، أو بلحاظ أنّ أصل تعليمها كان من الشيطان ، وكذلك النصب بلحاظ جعلها صليباً ، والأزلام بلحاظ التقسيم ، كالحظ والنصيب في الزمن الحاضر المعبّر عنه في اللغة الفارسية بكلمة (بليط آزمايش بخت) وأمّا ما لا يصدق عليه ذلك وإن كان من الأعيان النجسة كالكلب والخنزير فضلا عن المتنجّسات فلا تشمله الآية .

الرابع : إذا سلّمنا شمول الآية للنجاسات والمتنجّسات فلا دلالة فيها على حرمة الانتفاع بالمتنجّس ، فإنّ الاجتناب عن الشيء إنّما يكون باجتناب ما يناسب ذلك الشيء ، فالاجتناب عن الخمر عبارة عن ترك شربها إذا لم يدل دليل آخر على حرمة الانتفاع بها مطلقاً ، والاجتناب عن النجاسات والمتنجّسات عبارة عن ترك استعمالها فيما يناسبها ، ومن القمار عن ترك اللعب ، ومن الاُمّهات والبنات والأخوات والخالات وبقيّة المحارم عبارة عن ترك تزويجهن ، كما أنّ الاجتناب عن المسجد هو ترك العبادة فيه ، والاجتناب عن العالم ترك السؤال منه  ، والاجتناب عن التاجر ترك المعاملة معه ، والاجتناب عن أهل الفسوق ترك معاشرتهم وهكذا . وعلى الجملة : نسبة الاجتناب إلى ما يجب الاجتناب عنه تختلف باختلاف الموارد ، وليست في جميعها على نسق واحد ، وعليه فلا دلالة في الآية على حرمة الانتفاع بالمتنجّس مطلقاً ، بل الأمر في ذلك موقوف على ورود دليل خاص يدل على وجوب الاجتناب مطلقاً .

ــ[204]ــ

قوله : مع أنه لو عم المتنجّس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد .

أقول : لا يلزم من خروج المتنجّسات كلّها من الآية تخصيص الأكثر فضلا عمّا إذا كان الخارج بعضها ، فإنّ الخارج منها عنوان واحد ينطبق على جميع أفراد المتنجّس انطباق الكلّي على أفراده ، نعم لو كان الخارج من عموم الآية كل فرد فرد من أفراده لزم المحذور المذكور .

ومنها قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(1) بناء على شمول الرجز للأعيان النجسة والمتنجّسة . وقد ظهر الجواب عنها من كلامنا على الآية السابقة . ثم إنّ نسبة الهجر إلى الأعيان الخارجية لا تصح إلاّ بالعناية والمجاز ، بخلاف نسبته إلى الأعمال فإنّها على نحو الحقيقة ، وعليه فالمراد من الآية خصوص الهجر عن الأعمال القبيحة والأفعال المحرّمة ، ولا تشمل الأعيان المحرّمة .

ويحتمل أن يراد من الرجز العذاب ، كما في قوله تعالى : (فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ)(2) وقد صرّح بذلك بعض أهل اللغة كصاحب القاموس(3) وغيره ، وعلى هذا فالمراد من هجر العذاب هجر موجباته ، كما اُريد من المسارعة إلى المغفرة ومن الاستباق إلى الخيرات المسارعة والاستباق إلى أسبابهما في آيتيهما(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدثر 74 : 5 .

(2) البقرة 2 : 59 .

(3) القاموس المحيط 2 : 176 مادّة الرجز .

(4) وهما قوله تعالى في آل عمران 3 : 133 (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ) والبقرة 2 : 148 (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) .

ــ[205]ــ

ومنها قوله تعالى : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)(1) بناء على صدق الخبائث على المتنجّسات ، وحيث إنّ التحريم في الآية لم يقيّد بجهة خاصة فهي تدل على عموم تحريم الانتفاع بالمتنجّسات .

وأجاب عنها المصنّف بأنّ المراد من التحريم خصوص حرمة الأكل بقرينة مقابلته بحلّية الطيّبات . وفيه : أنّ مقتضى الإطلاق هو حرمة الانتفاع بالخبائث مطلقاً ، فتدل على حرمة الانتفاع بالمتنجّس كذلك .

والحق أن يقال : إنّ متعلّق التحريم في الآية إنّما هو العمل الخبيث والفعل القبيح ، فالمتنجّس خارج عن مدلولها ، لأنّه من الأعيان .

لا يقال : إذا اُريد من الخبيث العمل القبيح وجب الالتزام بالتقدير ، وهو خلاف الظاهر من الآية .

فإنّه يقال : إنّما يلزم ذلك إذا لم يكن الخبيث بنفسه بمعنى العمل القبيح ، وقد أثبتنا في مبحث بيع الأبوال(2) صحة إطلاقه عليه بدون عناية ، وخصوصاً بقرينة قوله تعالى : (وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ)(3) فإنّ المراد من الخبائث فيها اللواط .

وأمّا الأخبار فهي كثيرة : منها : ما تقدّم من رواية تحف العقول ، حيث علّل النهي فيها عن بيع وجوه النجس بأنّ ذلك كلّه محرّم أكله وشربه وإمساكه ، وجميع التقلّب في ذلك حرام ومحرّم . فإنّ الظاهر منها أنّ جميع الانتفاعات بالمتنجّس حرام لكونه من وجوه النجس .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأعراف 7 : 157 .

(2) في ص58 .

(3) الأنبياء 21 : 74 .

ــ[206]ــ

وفيه أولا : ما تقدّم في أوّل الكتاب من ضعف سند الرواية ، وعدم انجباره بشيء . وثانياً : أنّ الظاهر من وجوه النجس هي الأعيان النجسة ، فإنّ وجه الشيء هو عنوانه الأوّلي ، فلا تشمل المتنجّسات ، لأنّها ليست نجسة بعناوينها الأولية .

ومنها : رواية السكوني الآمرة باهراق المرق المتنجّس بموت الفارة فيه(1)فتدل على حرمة الانتفاع به ، إذ لولا ذلك لجاز الانتفاع به باطعامه الصبي ونحوه وبضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب .

وأجاب عنها المصنّف بأنّ الأمر بالإهراق كناية عن خصوص حرمة الأكل وفيه : أنّ الظاهر من الأمر بالإهراق هو عدم جواز الانتفاع بالمرق مطلقاً إلاّ أنها لا تدل على المدّعى لخصوصية المورد ، فإنّ المرق غير قابل للانتفاع به إلاّ في إطعام الصبي ونحوه بناء على ما هو الظاهر من جواز ذلك ، ومن الواضح أنّ ذلك إنّما يكون عادة إذا كان المرق قليلا ، لا بمقدار القدر ونحوه .

ومنها : الأخبار الدالّة على أنّ الفارة إذا ماتت في السمن الجامد ونحوه وجب أن تطرح الفارة وما يليها من السمن(2)، لأنّه لو جاز الانتفاع بالمتنجّس لما أمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عن جعفر عن أبيه « أنّ علياً (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة ؟ قال : يهراق مرقها ، ويغسل اللحم ويؤكل » وهي ضعيفة بالنوفلي . راجع الكافي 6 : 261 / 3 ، والتهذيب 9 : 86 / 365 ، والوافي 19 : 118 / 11 ، والوسائل 1 : 206 / أبواب الماء المضاف ب5 ح3 .

(2) زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إذا وقعت الفارة في السمن فماتت فيه ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها ، وكُلْ ما بقي » الخبر ، وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم . راجع الكافي 6 : 261 / 1  ، والتهذيب 9 : 85 / 360 ، والوافي 19 : 118 / 9 ، والوسائل 1 : 205 / أبواب الماء المضاف ب5 ح1 ، 17 : 97 / أبواب ما يكتسب به ب6 ح2 ، 24 : 194 / أبواب الأطعمة المحرّمة ب43 ح2 .

علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال : « سألته عن الفارة والكلب إذا أكلا من الجبن وشبهه أيحل أكله ؟ قال : يطرح منه ما أكل ، ويحل الباقي » وهي مجهولة بعبدالله بن الحسن . راجع الوسائل 24 : 198 / أبواب الأطعمة المحرّمة ب45 ح2 .

إلى غير ذلك من الأخبار المزبورة في المواضع المتقدّمة من الوسائل 17 ، والوافي ، والتهذيب والمستدرك 16 : 194 / ب31 ، 1 : 211 / ب3 ح7 ، 2 ، 13 : 71 / ب6 ، وسنن البيهقي 9 : 354 باب من أباح الاستصباح به .

ــ[207]ــ

الإمام (عليه السلام) بطرحه ، لإمكان الانتفاع به في غير ما هو مشروط بالطهارة كتدهين السفن(1) والأجرب(2) ونحوهما ، فتدل على المدّعى بضميمة عدم القول بالفصل بين أفراد المتنجّسات .

وقد أجاب عنها المصنّف بأنّ الطرح كناية عن حرمة الأكل فقط ، فإنّ الانتفاع بالاستصباح به جائز إجماعاً . ولكن يرد عليه ما تقدّم من ظهور الأمر بالطرح في حرمة الانتفاع به مطلقاً ، وأمّا الاستصباح به فإنّما خرج بالنصوص الخاصة كما عرفت(3).

والصحيح في الجواب ما أشرنا إليه من أنّ الأمر بطرح ما يلي الفأرة من السمن للإرشاد إلى عدم إمكان الانتفاع به بالاستصباح ونحوه لقلّته ، فتكون الرواية غريبة عن المقام .

ومن هنا ظهر ما في رواية زكريا بن آدم التي تدل على إهراق المرق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السفن ـ محرّكة ـ جلد خشن يجعل على قوائم السيوف .

(2) في المنجد ] 84 مادّة جرب [ : الجرب وهو داء يحدث في الجلد بثوراً صغاراً لها حكّة شديدة .

(3) في ص169 وما بعدها .

ــ[208]ــ

المتنجّس(1)، فإنّ الأمر بالهراقة فيها إرشاد إلى ما ذكرناه من قلّة نفعه ، مضافاً إلى أنّها ضعيفة السند .

ومنها : قوله (عليه السلام) في روايتي سماعة(2) وعمّار الواردتين في الإناءين المشتبهين : « يهريقهما جميعاً ويتيمّم » فإنّ أمره (عليه السلام) بهراقة الإناءين مع إمكان الانتفاع بهما في غير ما هو مشروط بالطهارة ظاهر في حرمة الانتفاع بالماء المتنجّس ، وبضميمة عدم القول بالفصل بين أفراد المتنجّسات يتمّ المطلوب .

وفيه : أنّ خصوصية المورد تقتضي كون الأمر بالإهراق إرشاداً إلى مانعية النجاسة عن الوضوء ، ثم إذا سلّمنا كون الأمر فيهما للمولوية التكليفية فمن المحتمل القريب أن يكون الغرض من الأمر هو تتميم موضوع جواز التيمّم ، لأنّ جوازه في الشريعة المقدّسة مقيّد بفقدان الماء ، وقبل إراقة الإناءين لا يتحقّق عنوان الفقدان لوجود الماء الطاهر عنده وإن لم يعرفه بعينه ، ولذلك أفتى بعض الفقهاء بعدم جواز التيمّم قبل إهراق الإناءين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال : « سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ، قال : يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب » وهي مهملة بالحسن بن المبارك ، وضعيفة بمحمد بن موسى . راجع الكافي 6 : 422 / 1 ، والتهذيب 9 : 119 / 512 ، والوافي 20 : 685 / 1 ، والوسائل 3 : 470 / أبواب النجاسات ب38 ح8 .

(2) قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل معه إناءان فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر ، ولا يدري أيّهما ، وليس يقدر على ماء غيرهما ، قال : يهريقهما جميعاً ويتيمّم » وهي ضعيفة بعثمان بن عيسى  . ومثلها رواية عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ولكنّها موثّقة لأجله ولمصدّق بن صدقة . راجع الكافي 3 : 10 / 6 ، والتهذيب 1 : 229 / 662 ، 713 ، 712 ، والوافي 6 : 60 / 17 ، 18 ، والوسائل 1 : 151 / أبواب الماء المطلق ب8 ح2 ، 14 .

ــ[209]ــ

ومنها : الأخبار الواردة في إهراق الماء المتنجّس(1)، فإنّه لولا حرمة الانتفاع به في غير ما هو مشروط بالطهارة لم يؤمر بذلك.

وفيه أولا : ما عرفت من أنّ خصوصية المورد تقتضي ذلك ، لقلّة نفعه في العادة . وثانياً : أنّ الأمر بالهراقة في تلك الأخبار إرشاد إلى عدم جواز التوضّي من ذلك الماء للنجاسة . ولا يجوز التعدّي من موردها إلى غيره من الاستعمالات ، إلاّ إذا كان مشروطاً بالطهارة . إذن فلا دلالة فيها على المطلوب أيضاً .

ومنها : الأخبار المستفيضة عند الخاصة(2) والعامّة(3) الواردة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه ؟ قال : إن كانت يده قذرة فأهرقه » الحديث . وهي صحيحة . راجع المصادر المتقدّمة من التهذيب والوسائل والوافي ]  ح27 [ . في القاموس ] 1 : 381 مادّة التّوْر [ : التور : إناء يشرب فيه.

وفي موثّقة سماعة ] عن أبي بصير [ : « فإن أدخلت يدك في الإناء وفيها شيء من ذلك فأهرق ذلك الماء » . وفي موثّقة اُخرى له : « وإن كان أصاب ـ المني ـ يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه فليهرق الماء كلّه » . راجع الباب المتقدّم من الوسائل ح4 ، 10 والكافي 3 : 11 / 1 ، والوافي 6 : 64 / 26 ، 33 . وفي صحيحة البقباق المتقدّمة في ص201 عن سؤر الكلب قال (عليه السلام) : «  واصبب ذلك الماء » .

(2) راجع الكافي 6 : 261 / 1 ، 2 ، والتهذيب 9 : 85 / 358 ـ 362 . والوسائل 17 : 97 / أبواب ما يكتسب به ب6 ، والمستدرك 13 : 71 / أبواب ما يكتسب به ب6 ، والوسائل 24 : 194 / أبواب الأطعمة المحرّمة ب43 ، 178 / ب32 ، 1 : 205 / أبواب الماء المضاف ب5 ح1 ، والمستدرك 16 : 194 / أبواب الأطعمة المحرّمة ب31 ح1 ، 3 وغيرهما ، والوافي 19 : 118 / 9 ، 10 ، 12 ، 14 ، 15 ، والمستدرك 1 : 210 / ب3 .

(3) في سنن البيهقي 9 : 354 « سئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت  ؟ قال : استصبحوا به ولا تأكلوه » وغير ذلك من الأحاديث .

ــ[210]ــ

الاستصباح بالدهن المتنجّس ، فإنّها ظاهرة في أنّ الانتفاع به منحصر في الإسراج فإنّه لو جاز الانتفاع به في غيره أيضاً لتعرّض له الإمام (عليه السلام) فيها أو في غيرها .

وفيه : أنّ وجه التخصيص أنّ النفع الظاهر للدهن هو الأكل والإسراج فقط فإذا حرم أكله للتنجّس اختص الانتفاع به بالإسراج ، فلذا لم يتعرّض الإمام (عليه السلام) لغير الاستصباح . إذن فلا دلالة فيها أيضاً على المدّعى .

على أنه قد ورد في بعض الروايات جواز الانتفاع به بغير الاستصباح ، كقوله (عليه السلام) في رواية قرب الاسناد(1): « ولكن ينتفع به بسراج ونحوه » . وكقول علي (عليه السلام) المروي عنه بطرق شتّى : « الزيت خاصّة يبيعه لمن يعمله صابوناً  »(2) فإنّ الظاهر أنه لا خصوصية للمورد فيهما ، ونتيجة التعدّي عنه هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه ، إلى أن قال : « وسألته عن فأرة أو كلب شربا من زيت أو سمن ، قال : إن كان جرّة أو نحوها فلا تأكله ، ولكن ينتفع به بسراج ونحوه » وهي مجهولة بعبدالله بن الحسن . راجع قرب الإسناد : 274 / 1090 ، الوسائل 24 : 198  / أبواب الأطعمة المحرّمة ب45 ح3 .

(2) الجعفريات : 47 / 122 عن علي (عليه السلام) « سئل عن الزيت يقع فيه شيء له دم فيموت ، قال : الزيت خاصة يبيعه لمن يعمله صابوناً » وهي مجهولة بموسى بن إسماعيل . ومثلها في دعائم الإسلام 1 : 122 ، ونوادر الراوندي : 220 / 445 . راجع المستدرك 13 : 72 / أبواب ما يكتسب به ب6 ح2 ، 7 .

قال المحدّث النوري (نوّر الله مرقده) في المستدرك 19 (الخاتمة 1 / الفائدة الثانية) : 173 : كتاب النوادر ، هو تأليف السيد الإمام الكبير ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي الكاشاني ـ حفيد الحسن المثنّى بن الحسن المجتبى (عليه السلام) ـ ووصفه العلاّمة في إجازة بني زهرة بالسيد الإمام . وفي فهرست الشيخ منتجب الدين : علاّمة زمانه جمع مع علو النسب كمال الفضل والحسب ، وكان اُستاذ أئمّة عصره . وبالجملة : إنّه من المشايخ وإليه تنتهي كثيراً أسانيد الإجازات ، وهو تلميذ الشيخ أبي علي بن شيخ الطائفة وله تصانيف تشهد بفضله وأدبه وجمعه بين موروث المجد ومكتسبه ، ومنه انتشرت الأدعية الجليلة المعروفة بأدعية السر ، انتهى ملخّص كلامه .

أقول : لا شبهة في علو شأنه ورفعة منزلته ومكانة علمه وثبوت وثاقته ، وقد صرّح بذلك غير واحد من المترجمين ، ولكن لم يظهر لنا اعتبار كتابه هذا ، لأنّ في سنده من لم تثبت وثاقته كعبدالواحد بن إسماعيل ، ومن هو مجهول الحال كمحمد بن الحسن التميمي البكري .

ــ[211]ــ

جواز الانتفاع بكل متنجّس بجميع الانتفاعات المحلّلة . بل ورد في أحاديث العامة جواز الانتفاع به مطلقاً من غير تقييد بنوع خاص من المنافع(1).

وقد يخطر بالبال أنّ الأمر في الروايات بخصوص الاستصباح دون غيره إنّما هو فيما لا يتمكّن الإنسان من الانتفاع به بغير الاستصباح ولو في الوجوه النادرة من المنافع ، وإلاّ فلا خصوصية للتقييد بالاستصباح ، كما لا خصوصية للتقييد بجعله صابوناً ، ولذا جوّز الإمام (عليه السلام) أن ينتفع به بغيرهما أيضاً في رواية قرب الإسناد كما عرفت . ولكنّها ضعيفة السند .

وقد يقال بانعقاد الإجماع على حرمة الانتفاع بالمتنجّس مطلقاً ، فيكون مقتضى الأصل هو حرمة الانتفاع به في المقام . إلاّ أنّ ذلك ممنوع ، فإنّ الإجماع المنقول ممنوع الحجّية ، وقد حقّقناه في علم الاُصول(2)، على أنّ دعوى الإجماع في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في سنن البيهقي 9 : 354 في جملة من الأحاديث سئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الفأرة تقع في السمن ، فقال : اطرحوها وما حولها إن كان جامداً ، فقالوا : يارسول الله (صلّى الله عليه وآله) فإن كان مائعاً ؟ قال : فانتفعوا به ولا تأكلوه .

(2) مصباح الاُصول 2 (موسوعة الإمام الخوئي 47) : 156 .

ــ[212]ــ

المسألة موهونة بكثرة المخالفين فيها . وأمّا الإجماع المحصّل على ذلك فهو ممنوع التحقّق أيضاً . ويضاف إلى ما ذكرناه كلّه أنه لا ظهور لعبارات الفقهاء المحتوية لنقله في ذلك المدّعى .

قال في الغنية بعد أن اشترط في البيع أن يكون ممّا ينتفع به منفعة محلّلة : وقيّدنا بكونها ـ المنفعة ـ مباحة تحفّظاً من المنافع المحرّمة ، ويدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره ، إلاّ ما أخرجه الدليل من بيع الكلب المعلّم للصيد والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء ، وهو إجماع الطائفة(1).

وهذه العبارة وإن كانت صريحة في نقل الإجماع ، إلاّ أنّ الظاهر رجوعه إلى مطلع كلامه ، أعني حرمة بيع النجس ، فلا دلالة فيها على حرمة الانتفاع بالمتنجّس . ويحتمل قريباً أن يرجع إلى آخر كلامه ، أعني استثناء الكلب المعلّم للصيد والزيت المتنجّس للاستصباح من حرمة البيع .

وقال الشيخ في الخلاف : إذا ماتت الفارة في سمن أو زيت أو شيرج أو بزرنجس كلّه ، وجاز الاستصباح به ، ولا يجوز أكله ، ولا الانتفاع به لغير الاستصباح . ثم ذكر المخالفين في المسألة من العامّة وغيرهم ، إلى أن قال : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم(2).

وفيه : أنّ محط كلامه إنّما هو الدهن المتنجّس فقط ، فلو صح ما ادّعاه من الإجماع لدل على حرمة الانتفاع به خاصة ، لكونه هو المتيقّن من مورد الإجماع فلا يشمل سائر المتنجّسات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغنية : 213 .

(2) الخلاف 6 : 91 .

ــ[213]ــ

وقد أجاب المصنّف عمّا ادّعاه الشيخ من الإجماع بأنّ معقده ما وقع الخلاف فيه بينه وبين من ذكر من المخالفين ، إذ فرق بين دعوى الإجماع على محل النزاع بعد تحريره وبين دعواه ابتداء على الأحكام المذكورات في عنوان المسألة ، فإنّ الثاني يشمل الأحكام كلّها ، والأول لا يشمل إلاّ الحكم الواقع مورد الخلاف ، لأنّه الظاهر من قوله : دليلنا إجماع الفرقة .

وفيه : أنّ ما أفاده وإن كان صحيحاً بحسب الكبرى ، إلاّ أنه خلاف ما يظهر من كلام الشيخ (رحمه الله) ، فإنّ ظاهره دعوى الإجماع على جميع الأحكام المذكورة  . فالصحيح في الجواب هو ما ذكرناه . على أنّا لو سلّمنا قيام الإجماع على ذلك فلا نسلّم كونه إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، إذ من المحتمل القريب جدّاً بل المظنون عادةً أنّ مدركه هو الوجوه المذكورة في المقام لحرمة الانتفاع بمطلق المتنجّس .

قوله : إنّ بل الصبغ والحنّاء .

أقول : الصبغ والحنّاء ليسا من محل النزاع هنا في شيء ، ولم يتقدّم لهما ذكر سابق ، فلا نرى وجهاً صحيحاً لذكرهما .

قوله : ومراده بالنصّ ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجّس تحت السقف .

أقول : قد عرفت عدم ورود النص بذلك .

قوله : والذي أظنّ وإن كان الظنّ لا يغني لغيري شيئاً .

أقول : بل لا يغنيه أيضاً ، لعدم كونه من الظنون المعتبرة ، اللهمّ إلاّ أن يكون مراده من ذلك هو الظنّ الاطمئناني ، فيكون حجّة له لا لغيره .

ــ[214]ــ

قوله : والرواية إشارة إلى ما عن الراوندي في كتاب النوادر .

أقول : قد عرفت(1) أنّها رواية واحدة نقلت بطرق ثلاثة ، ولم يقع السؤال عن الشحم في شيء منها ، فما نقل في المتن ناشئ عن سهو القلم .

قوله : ثم لو قلنا بجواز البيع في الدهن .

أقول : كما يصح الانتفاع بالمتنجّس على وجه الإطلاق ، فكذلك يصح بيعه للعمومات المقتضية لذلك من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(3) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(4) وعليه فلا نحتاج في ذلك إلى التمسك بقوله (عليه السلام) في رواية تحف العقول : « وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله » كما تمسّك به المصنّف هنا .

قوله : وهذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجيس .

أقول : إذا سلّمنا جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية الإلهية ، وأغمضنا عن معارضته دائماً بأصالة عدم الجعل كما نقّحناه في الاُصول(5)، فلا نسلّم جريانه في المقام ، لأنّ محل الكلام هو الجواز الوضعي ، بمعنى نفوذ البيع على تقدير وجوده وعليه فاستصحاب الجواز بعد التنجّس يكون من الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول به .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص210 ، الهامش (2) .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) البقرة : 2 : 275 .

(4) النساء 4 : 29 .

(5) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 42 .

ــ[215]ــ

قوله : وأمّا قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوهُ)(1) وقوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(2).

أقول : قد يتوهّم أنّ إيراد المصنّف (رحمه الله) الآيات المذكورة هنا لا يخلو من الاشتباه وسهو القلم ، لأنه قد استدلّ بها فيما مضى على حرمة الانتفاع بالمتنجّس وكلامنا هنا مختص بجواز البيع فقط ، ولكنّه توهّم فاسد ، فإنّ ذكر الآيات هنا ليس إلاّ لدفع توهّم الاستدلال بها على بطلان بيع المتنجّس ، والقرينة على ذلك قوله (رحمه الله) في مقام الجواب عنه : فقد عرفت أنّها لا تدل على حرمة الانتفاع بالمتنجّس فضلا عن حرمة البيع .

قوله : وأمّا مثل بيع الصابون المتنجّس فلا يندفع الإشكال عنه .

أقول : وجه عدم الاندفاع هو أنّ الثوب المغسول بالصابون المتنجّس وإن كان يقبل الطهارة بالغسل ، إلاّ أنه ليس معنى ذلك أنّ الصابون رجع إلى حالة يقبل معها الطهارة ، فإنّ الأجزاء الصابونية تنفصل عن الثوب بالغسل وإن كانت في غاية النجاسة والخباثة .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 90 .

(2) المدّثر 74 : 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net