5 ـ شرطية إذن السيّد في صحة معاملة العبد \ معاملات العبد 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4202


ــ[357]ــ

      قوله (رحمه الله) : وإن شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضى فسخ العقد(1).

      قوله (رحمه الله) : مسألة : ومن شروط المتعاقدين إذن السيّد(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على صحّته كما إذا فرض عدم كونه خلاف المتعارف وشملته الاطلاقات ، لزم الحكم بترتّب آثار الملكية من الأول لا من حين العقد ، والاجازة أيضاً كذلك فلازم تعلّقها بالعقد السابق ترتّب آثاره من حين حدوثه ، وذلك لأنّ مقتضى إطلاق قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) إمضاء اعتبار المتعاملين من حين حدوثه ، وقد رفعنا اليد عن ذلك في مقدار من الزمان لحديث رفع الاكراه ، وبعد ارتفاعه وحصول الرضا يكون مقتضى إطلاق العام إمضاء اعتبار المتعاملين المتحقق سابقاً  ، وهذا معنى الكشف.

(1) الفسخ يقابله الإمضاء لا الإجازة ، وما يقابل الإجازة إنّما هو الردّ ، وإن كان جميعها متعلّقاً بالعقد السابق ، فلا وجه لقياس الاجازة وجعلها مقابلة للفسخ وذلك لأنّ الاجازة عبارة عن إمضاء العقد من حينه ، ويقابله ردّ العقد الذي هو عبارة عن فسخه من حينه ـ أي حدوثاً ـ وأمّا الفسخ في مقابل الإمضاء فهو عبارة عن حلّ العقد من حين الفسخ ـ أي بقاءً لا حدوثاً ـ كما هو ظاهر أدلّة الخيار في موارد ثبوته كخيار الحيوان والمجلس ونحوهما ، فكون الفسخ حلّ العقد بقاءً ومن قبيل النقل لا يستلزم كون الاجازة إمضاءً للعقد كذلك ، فالقياس مع الفارق .

شرطيّة إذن السيّد

(2) ذكروا من جملة شروط صحّة العقد كون العاقد حرّاً ، فلو فرض كونه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

ــ[358]ــ

عبداً لم يصح ما لم يأذن مولاه ، فجعل العبد حدّ وسط بين الحرّ وبين الصبي والمجنون فانّ الحرّ مستقل في تصرفاته ، والمجنون ـ وكذا الصبي على قول ـ ساقط انشاؤه مطلقا حتّى مع إذن الولي ، وأمّا العبد فهو وسط بينهما ، فليس كالحرّ بحيث يستقل في تصرفاته ، وليس كالمجنون بحيث لا ينفذ تصرّفه أصلا حتى مع إذن الولي ، بل ينفذ تصرّفه مع إذن المالك ولا ينفذ بدون إذنه ، واستدل على ذلك بقوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء)(1) حيث وصف العبد بكونه غير قادر على شيء والمراد بالقدرة المنفيّة إنّما هو استقلاله في التصرف لا أصل التصرف ، فانّ من لا يكون مستقلا في تصرفه فهو ليس بقادر عليه .

ثمّ إنه ليس المراد بالقدرة القدرة العقلية وبالشيء الأفعال الخارجية ، بداهة أنّ الرقية والحرية لا دخل لشيء منهما في القدرة العقلية على الاُمور الخارجية ، فمن يقدر على الخياطة فهو قادر عليها تكويناً عبداً كان أو حراً ، فيحتمل أن يراد من القدرة القدرة الشرعية ، والتعبير عن المنع الشرعي بعدم القدرة متعارف ، فيكون المعنى أنّ العبد ممنوع عن كل شيء ، وهذا أيضاً لا يمكن الالتزام به ، بداهة عدم حرمة جميع الأفعال على العبد بدون إذن سيده حتى الأفعال الضرورية كالتنفّس وتحريك اليد والرأس والعين والتكلّم ونحو ذلك ، فلابدّ وأن يراد بالقدرة القدرة الوضعية ـ أعني النفوذ ـ فيكون المراد من قوله (لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء) نفي نفوذ تصرفاته .

فيقع الكلام في أنّ المنفي نفوذ تصرفه في خصوص نفسه وماله ، أو أعم منه ومن تصرفه في مال سيّده ، أو أعم من ذلك ومن تصرفه فيما لا يرجع إلى سيده

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النحل 16 : 75 .

ــ[359]ــ

كالوكالة في إنشاء العقد عن غيره ؟ وجوه ، ظاهر المصنف(1) هو الأخير ، وكأنّه أرسله إرسال المسلّمات وشرع في إجازة السيّد وحكمها ، وتبعه في ذلك المحقق النائيني (رحمه الله)(2) إلاّ أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون المنفي نفوذ تصرف العبد في نفسه وفي ماله لو قلنا بأنّه يملك ـ كما هو أحد القولين في المسألة ـ نظير قوله (عليه السلام) : « الناس مسلّطون على أموالهم أو على أنفسهم »(3).

ويؤكّدها : أن ذكر قوله تعالى (مَمْلُوكاً) في الآية ، مع أنّ العبد والمملوك مترادفان لابدّ وأن يكون لنكتة وليس قيداً توضيحياً كما ذكره الميرزا (رحمه الله)(4)والنكتة في ذلك إنّما هي علّية المملوكية للحكم ، وعليه فلابدّ وأن يكون المنفي ما يكون المملوكية علّة له ، وليس ذلك إلاّ نفوذ تصرفه في نفسه وماله ، فيصح أن يقال  : لا يصح تصرفه في نفسه لأنّه مملوك ، وأمّا التصرف في مال السيد فعدم نفوذه ليس معلولا للمملوكية ، ولذا لا ينفذ تصرف الحرّ في مال غيره أيضاً ، وهكذا الوكالة عن الغير في إنشاء العقد ، ولا أقل من الاجمال فيرجع في مورد إجمال المخصص ـ وهو إنشاء العقد للغير ـ إلى العمومات والاطلاقات .

وعليه فلابدّ من التفصيل بين وكالة العبد عن الغير في مجرد إنشاء الصيغة وتوكيله الغير ، والالتزام بالفساد في الثاني لأنّ العبد لم يكن له التصرف بنفسه فضلا عن توكيله الغير ، وبالصحة في الأول لعدم الدليل على توقف إنشاء العبد على إذن السيد ، كما أنّ الظاهر عدم كونه حراماً تكليفاً لعدم الدليل على حرمة التلفّظ ونحوه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 338 .

(2) منية الطالب 1 : 423 .

(3) عوالي اللآلي 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .

(4) منية الطالب 1 : 422 .

ــ[360]ــ

      قوله (رحمه الله) : وأمّا مع الاجازة اللاحقة فيحتمل(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من التصرفات الضرورية ، وعلى فرض حرمته تكليفاً فهي لا تدلّ على الفساد لعدم تعلّقها بعنوان المعاملة .

(1) أمّا بناءً على المختار من عدم توقف إنشاء العبد على إذن سيده ـ  لانصراف الآية عن مثله لمناسبة الحكم والموضوع أو لظهور أخذ المملوك في العلّية ولأنّ الروايتين(1) لا تشملان الانشاء المجرد ، لورودهما في تزويج العبد لنفسه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحدهما : ما نقله الشيخ في صدر هذه المسألة ] عن الفقيه 3 : 350 / 1673 [ وهو مذكور في الوسائل 22 : 101 / أبواب مقدمات الطلاق ب45 ح1 .

وإليك نصّ الرواية :

محمّد بن علي بن الحسين باسناده عن ابن اُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا : « المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلاّ باذن سيده ، قلت : فانّ السيّد كان زوّجه بيد من الطلاق ؟ قال : بيد السيد (ضَرَبَ اللهُ مَثَلا عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء) أفشيء الطلاق » .

ثم إنّ إطلاق الرواية المذكورة معارضة بما ورد من تجويز طلاق العبد إن كانت زوجته حرّة أو من غير مولاه ، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك ، منها ما رواه عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد ، عن ابن فضّال ، عن مفضل بن صالح ، عن ليث المرادي قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن العبد هل يجوز طلاقه ؟ فقال : إن كانت أمتك فلا ، إنّ الله عزّوجلّ يقول : (عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء) وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرّة جاز طلاقه » ]  الوسائل 22 : 98 / أبواب مقدّمات الطلاق ب43 ح2 [ .

وظاهر هذه الرواية عدم المنافاة بين جواز طلاق العبد لزوجته إن كانت حرّة أو أمة لغير مولاه . وبين كونه مملوكاً لا يقدر على شيء .

ثانيهما : ما استعان به الشيخ (رحمه الله) ونقل بعض فقراته مؤيّداً لكلامه في المسألة المذكورة أيضاً ، وقد ذكره في الوسائل 21 : 114 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب24 ح1 وإليك نصّه :

محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده فقال : ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما ، قلت : أصلحك الله ، إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجاز فهو له جائز » . ورواه الصدوق باسناده عن ابن بكير ، عن زرارة . ] الفقيه 3 : 350 / 1675 ورواه الشيخ أيضاً في التهذيب 7 : 351 / 1432 [ .

 
 

ــ[361]ــ

وطلاقه زوجته ولو زوّجه السيد ، وكلاهما من التصرف في نفس العبد ، وهذا أجنبي عن إنشائه الصيغة للغير ، ولذا يكون فاسداً ولو كان المنشىء للصيغة غير المملوك أي وكّل غيره في إنشاء العقد ، بل لولا ما ورد في ذيل الرواية من تطبيق الآية على ذلك لاقتصرنا فيها على خصوص نكاح العبد وطلاقه ولم نتعدّ إلى سائر تصرفاته في نفسه ـ فلا مجال للبحث عن نفوذ إجازة السيد بعد ذلك وعدمه .

وأمّا على مسلك المصنف فيقع الكلام في نفوذ إنشاء المملوك إذا لحقته اجازة السيد وعدمه ، وقد احتمل المصنف أوّلا كلا الأمرين ، من عدم النفوذ لأنّ المنع ليس من جهة المُنشأ وعدم رضا المالك به ، وإنّما هو من جهة الانشاء الصادر ، وما وقع لا ينقلب عمّا وقع عليه ، إذ ليس له بقاء لينقلب عمّا وقع عليه بقاء ، والنفوذ ولحوق الاجازة ، لكون المعتبر هو الرضا الأعم من المقارن واللاحق ، ثم قوّى هذا الاحتمال واستدلّ عليه بوجهين : أحدهما يرجع إلى نفي المقتضي لاعتبار خصوص الاذن السابق ، والآخر يرجع إلى وجود الدليل على عدم اعتباره .

أمّا الوجه الأوّل فحاصله : أنّ ما دلّ عليه المخصص إنّما هو نفي استقلال العبد

ــ[362]ــ

في التصرف وعدم نفوذه في نفسه من دون ضميمة لا مطلقاً ولو لحقه إجازة السيد ولا أقل من الاجمال فيرجع في مورده وهو لحوق الاجازة إلى عموم دليل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

وأورد عليه المحقق النائيني(1) بعدم الاجمال في المخصص ، فانّ المأخوذ في الرواية عنوان الاذن ، حيث قال (عليه السلام) : « لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلاّ باذن سيّده » والاذن ظاهر في الاذن المقارن .

وفيه أوّلا : أنّ الظاهر أنّ المصنّف ناظر في المخصص إلى الآية لا الرواية ، لما عرفت من أنّ الرواية أجنبية عن إنشاء العبد للغير ، وإنّما هي واردة في نكاح العبد لنفسه أو طلاقه زوجته ، فلا تعم الانشاء المجرد أصلا ، وليس في الآية عنوان الاذن ليدّعي ظهوره في المقارن .

وثانياً : لو تنزّلنا عن ذلك فلم يظهر لنا ظهور الاذن في المقارن ، بل كل من الاجازة والاذن يستعمل في الرضا السابق والمقارن واللاحق ، فإذا فرضنا أنّ أحداً غصب دار غيره مدّة وتصرف فيها ثمّ رضي به المالك يصح أن يقول : أجزت تصرفاته ، أو يقول : أذنت فيها .

وبعبارة اُخرى : قوله (عليه السلام) « لا يجوز » في الرواية قرينة على أنّ المراد بالنكاح والطلاق إنّما هو المنشأ لا الانشاء ، فانّ المنشأ هو القابل للجواز وعدم الجواز ، لقابليته للبقاء دون الانشاء ، وعليه فانّ المنشأ قد لا يكون مقروناً بالاذن أصلا وقد يكون مقروناً بالاذن السابق ، وربما يكون مقروناً بالاجازة اللاحقة فنفى الجواز عمّا ليس مقروناً بالاذن أصلا وأثبته للمقرون باذن ، سواء كان سابقاً أو لاحقاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 1 : 430 .

ــ[363]ــ

وأمّا الوجه الثاني الراجع إلى وجود الدليل على نفي اعتبار خصوص الاذن السابق فقرّبه بوجهين :

الأوّل : أنّ الاذن في الرواية أعم من الاجازة اللاحقة ، لأنّه ذكر فيها النكاح  ، ولا إشكال في نفوذ نكاح العبد إذا لحقه إجازة سيّده ، فيكون ذلك قرينة على إرادة الأعم من الاذن .

وأورد عليه الميرزا(1) بايراد متين ، وحاصله : عدم كون النكاح في الرواية ]  قرينة على أنّ المراد من الاذن [ هو الأعم ، وإلاّ فلِمَ لا ينعكس الأمر ويقال : إنّ الطلاق المذكور في الرواية وعدم نفوذه بالاجازة اللاحقة إجماعي ، فيكون هذا قرينة على أنّ المراد من الاذن هو خصوص الاذن السابق ، فهذا الوجه غير تامّ .

وحاصل الكلام : أنّه بناءً على توقف مجرد إنشاء العبد على إذن السيّد يقع الكلام في أنّه إذا أنشأ عن غيره بدون إذن سيّده فأجازه السيد بعد ذلك هل يكون إنشاؤه قابلا للحوق الرضا أم لا ؟ احتمل المصنف أوّلا المنع من جهة عدم تعلّق حقّ السيّد بمضمون العقد ـ أعني المنشأ ـ ليكون قابلا للاجازة ، لعدم كون العوضين متعلّقاً لحقّه ، وإنّما تعلّق حقّه بمجرد الانشاء ، وليس هو قابلا للاجازة لعدم البقاء فيه والاستمرار .

ثمّ قوّى قابليته للحوق الاجازة وأفاد في وجهه وجهين : الأوّل : وهو ما يرجع إلى منع المقتضي عن اعتبار أزيد من الاذن في الجملة ، وحاصله : أنّ مقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) صحة إنشاء العبد مطلقاً ، خرج عنه بمقتضى قوله تعالى : (لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء) الدال على نفي استقلال العبد في التصرف حتى الانشاء على الفرض واحتياجه إلى إذن السيد ، ما إذا لم يكن إنشاؤه مقروناً بالرضا رأساً لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 1 : 430 .

ــ[364]ــ

سابقاً ولا لاحقاً ، وبما أنّه مجمل بالاضافة إلى إنشائه الملحوق باجازة السيد يرجع فيه إلى عموم العام ويحكم بصحته .

وهذا الوجه وإن كان تاماً من حيث الحكم الفرعي إلاّ أنّه ليس جواباً عن الاشكال ، فالمصنف (قدّس سرّه) وإن بيّن الحكم الفقهي إلاّ أنّه لم يجب عن الاشكال ـ  أعني ] عدم كون [ انشاء العبد قابلا للاجازة ـ فنقول في حلّه : إنّ الانشاء ليس إلاّ ابرازاً للاعتبار ، ولا يترتّب عليه بما هو إنشاء أثر أصلا ، وإنّما الأثر مترتّب على المنشأ ـ أعني مضمون العقد ـ والاعتبار النفساني ، لكن لا مطلقاً بل بما أنّه مبرز فنفس الانشاء حيث لا يترتّب عليه الأثر لا معنى للحوق الاجازة به ، بل لابدّ وأن يلحق الاجازة بمضمون العقد . وتوهم ] عدم [ كونه متعلّقاً لحق مالك العبد لعدم كونه مالكاً للعوضين ممنوع ، فانّ تعلّق الحق بمضمون العقد لا ينحصر بما إذا كان ذو الحق مالكاً لأحد العوضين ، بل يثبت الحق لمالك العبد متعلّقاً بمضمون العقد الذي أنشأه مملوكه من حيث كونه مبرَز مملوكه .

وبعبارة اُخرى : ما اعتبره العبد في مقام الانشاء هو متعلّق لحقّ مالكه ويتعلّق به الاجازة ، وهو أمر له البقاء والاستمرار ، ويؤكّده إسناد الجواز وعدمه في الروايتين إلى نفس الطلاق والنكاح ، وقوله (عليه السلام) « أفشيء الطلاق »(1) وهو ظاهر في حقيقة العقد أو الايقاع الخاص ، ولم يسند شيء من ذلك إلى الانشاء فالاشكال مندفع من أصله . ونظيره اعتبار اجازة العمّة والخالة في تزويج بنت أخيها أو بنت اُختها ، فانّها تتعلق بمضمون العقد وواقع الزوجية لا بالانشاء السابق  ، ولذا صحّحنا فيها الاجازة اللاحقة ولم نعتبر في صحته الاذن السابق منها  .

وأمّا الوجه الثاني الذي ذكره المصنف الراجع إلى إقامة الدليل على كفاية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 22 : 101 / أبواب مقدمات الطلاق ب45 ح1 .

ــ[365]ــ

الاجازة المتأخّرة فقد عرفت أنّه (قدّس سرّه) قرّبه بوجهين : أمّا الوجه الأوّل فقد تقدّم الكلام فيه فلا نعيده . وأمّا الوجه الثاني فهو التمسك بالروايات الواردة في تزويج العبد لنفسه من وجهين : أحدهما قوله (عليه السلام) فيها « فإذا أجازه فهو له جائز »(1) ومقتضاه صحة تزويج العبد لنفسه ولو كان هو المنشىء للعقد .

وبعبارة اُخرى : تزويج العبد لنفسه غير نافذ لأنّه تصرف في مملوك المولى ولو كان المنشئ للعقد شخصاً آخر ، وإنشاؤه للعقد غير نافذ ولو كان التزويج لشخص آخر ، وقد اجتمع كلتا الجهتين في مورد الرواية فحكم فيها بالصحة إذا لحقت الاجازة ، فيستفاد منها لحوق الاجازة بانشاء العبد أيضاً .

وببيان ثالث : كل من تصرف العبد في نفسه وإنشائه العقد ممنوع عنه وضعاً واجتمعا في تزويج العبد لنفسه ، ففيه جهتان لعدم النفوذ ومع ذلك حكم الامام (عليه السلام) بصحته إذا لحقته الاجازة ، فإذا لم يكن في البين إلاّ جهة واحدة ـ بأن أنشأ العبد النكاح لغيره ـ كان أولى بالصحة إذا لحقته إجازة المالك .

وقد أورد عليه الميرزا(2) بما حاصله : أنّ لحوق الاجازة بانشاء العبد بنحو المعنى الحرفي ، أي تبعاً لاجازة مضمون العقد لا يستلزم لحوقها إليه بنحو المعنى الاسمي ـ أي مستقلا ـ .

وفيه : أنّا لم نفهم المراد من المعنى الحرفي والاسمي في المقام ، فانّ الانشاء معنى حرفي دائماً ، غاية الأمر في مورد الرواية يكون إجازته بالدلالة الالتزامية ، فانّ إجازة التزويج يستلزم إجازة الانشاء أيضاً ، وفي غيره يكون لحوق الاجازة به بالمطابقة ، فإذا كان قابلا للحوق الاجازة لا يفرّق فيه بين كونه بالمطابقة أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 114 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب24 ح1 .

(2) منية الطالب 1 : 431 .

ــ[366]ــ

بالالتزام  ، إلاّ أن أصل استدلال المصنف بترك الاستفصال فاسد ، وذلك لأنّه (عليه السلام) قال : « إذا أجاز جاز » وتختص الاجازة بما يكون قابلا ، فإذا فرضنا عدم قابلية تزويج العبد لنفسه إذا كان بانشائه للحوق الاجازة ، لا يعمّه إطلاق الرواية ويختص بالصورة الاُخرى ، أعني ما إذا كان تزويجه لنفسه بانشاء غيره .

وبعبارة اُخرى : لو ورد نص بالخصوص على لحوق الاجازة بتزويج العبد فيما إذا كان هو المنشئ لرفعنا اليد عن الاشكال بسبب التعبّد ، وأمّا إذا لم يكن في البين إلاّ إطلاق متوقف على جريان مقدمات الحكمة فنفس ما بنينا عليه من استحالة لحوق الاجازة بالانشاء كاف في عدم تمامية المقدمات ، فلا يتحقق الاطلاق .

الوجه الثاني : تمسكه بذيل بعض الروايات ، وهو قوله (عليه السلام) : « إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده » فانّه (عليه السلام) في مقام تعليم الاستدلال والرد على بعض العامة القائل بفساد إنشاء العبد بعد لحوق الاجازة كابراهيم النخعي ، بيّن كبرى كلّية ، وهي أنّ المنع إن كان من جهة عصيان من لا يبدّل عصيانه بالرضا لاستحالة البداء في حقّه ـ كما في المحرّمات الذاتية كالتزويج بالمحارم أو في العدّة ـ لا يصحّ الاجازة ، وأمّا إن كان من جهة عصيان من يمكن البداء في حقّه وتبدّله بالرضا  ـ كما في عصيان المولى العرفي فانّ الإنسان كثيراً ما لا يرضى بشيء ثم يبدو له فيرضى به ويراه صلاحاً لنفسه ـ فيصح بلحوق الاجازة ، وهذه الكبرى الكلية تنطبق على إنشاء العبد عن غيره ، فانّه ليس من المحرّمات الذاتية ، بل المنع عنه إنّما هو من جهة عصيان السيد فيرتفع إذا تبدل بالرضا .

ويرد على هذا الوجه الايراد المتقدم والجواب المتقدم ، كما يردّ الاستدلال ما ذكرناه من اختصاص ذلك بما هو قابل للانقلاب والتبدّل ، فإذا فرضنا أنّ الانشاء يوجد وينعدم ولا بقاء له ويستحيل تبدّل العصيان فيه بالرضا فلا محالة يكون

ــ[367]ــ

خارجاً عن هذه الكبرى .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ إنشاء العبد لا يتوقّف على إذن السيد أصلا وعلى تقدير توقّفه عليه فينفذ بلحوق الاجازة ، والاشكال يندفع بأنّها تتعلّق بمضمون العقد ـ أعني ما أنشأه العبد ـ لا بنفس الانشاء بما هو ، وهو أمر مستمر قابل لذلك .

فذلكة البحث ونتيجة ما تقدّم بنحو الاجمال : هو أنّ دليل المنع عن تصرف العبد بدون إذن سيّده أمران :

أحدهما : الآية المباركة ، وهي قوله تعالى : (لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء) ولا يصح أن يراد به نفي القدرة تكليفاً ، بداهة جواز كثير من أفعاله اليسيرة الضرورية وعدم توقفه على إذن سيده ، فلابدّ وأن يراد به نفي القدرة الوضعية ـ أي النفوذ ـ وحينئذ ينحصر موردها بما يكون قابلا للنفوذ وعدمه ، فلا يعم إنشاءه للغير ، فانّ الإنشاء بما أنّه إنشاء لا يترتّب عليه الأثر ليكون قابلا للنفوذ ، كما أنّ مقتضى أخذ عنوان المملوك في الآية اختصاصها بما يكون رفع الأثر عنه معلولا للمملوكية فلا يعمّ تصرفه في أموال مولاه ، فيخرج وكالته في الإنشاء من الغير عن مورد الآية لكون المراد من نفي القدرة القدرة الوضعية بمعنى النفوذ ، كما أنّ تصرّفه في أموال المولى يخرج عن الآية ، لظهور أخذ المملوك في العلّية ، وهذا مراد المصنف من إجمال المخصص والرجوع إلى العمومات .

ثانيهما : قوله (عليه السلام) : « المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلاّ باذن سيده » الحديث(1) وظاهر النكاح والطلاق هو نكاح العبد لنفسه وطلاقه لنفسه وهو تصرف في نفس العبد ولا ربط له بانشائه للغير ، وعلى فرض التنزّل وشمول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 22 : 101 / أبواب مقدّمات الطلاق ب45 ح1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net