ثمرات القول بالكشف والنقل 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5250


ــ[450]ــ

بقي الكلام فيما يترتّب على الكشف والنقل من ثمرات

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ الثمرة على الكشف الحقيقي بين كون نفس الاجازة شرطاً وكون الشرط تعقّب العقد بها قد تظهر في جواز تصرّف كلّ منهما فيما انتقل إليه بانشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد ، وظاهر ذلك أنّ التصرف فيما انتقل إليه قبل الاجازة بناءً على أنّ نفس الاجازة شرط محرّم ، لأنّه تصرّف في مال الغير واقعاً ، وأمّا بناءً على أنّ الشرط هو تعقّب العقد بها فلا ، لأنّ الاجازة تكشف عن أنّ العقد كان ملحوقاً ومتعقّباً بالاجازة واقعاً ، لأنّه أمر يمكن أن يتحقّق قبل وجود الاجازة كما يصحّ أن يقال إنّا ملحوقون بالموت فعلا مع أنّ الموت متأخّر ، أو يقال إنّ الليل ملحوق بالنهار مع أنّ النهار لم يأت بعد ، فإذا علم أنّ المالك سيجيز فتصرفاته تتّصف بالحلّية واقعاً ، هذا ما أفاده في السطر الأوّل من كلامه.

ولا يخفى عليك أنّ ما أفاده بناءً على كون الشرط هو التعقّب بالاجازة وإن كان صحيحاً كما نقله قبل ذلك عن بعض إلاّ أنّ حكمه بعدم جواز التصرفات بناءً على كون نفس الاجازة شرطاً غير تامّ ، بل الصحيح أن يلتزم بإباحة التصرفات فيه ، لأنّ الكلام في الكشف الحقيقي كما هو مقتضى صريح عبارته ، ومعنى الكشف أنّ الاجازة بوجودها المتأخّر عن العقد تؤثّر في الملكية المتقدّمة وتكشف عن الملكية حال العقد ولو بالالتزام بصحّة تقدّم المشروط على شرطه أو بغير ذلك ممّا استند إليه القائل بالكشف في هذه الصورة ، وما أفاده (قدّس سرّه) في المقام إنّما يتمّ على الوجوه الاُخرى لا على الكشف الحقيقي كما هو ظاهر .

ثمّ إنّه (قدّس سرّه) ذكر بعد ذلك بأنّ الثمرة بين الكشف الحقيقي والكشف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 410 .

ــ[451]ــ

الحكمي مع كون نفس الاجازة شرطاً يظهر في مثل ما إذا وطئ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها ، فإنّ الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهراً لأصالة عدم الاجازة وحلال واقعاً لكشف الاجازة عن وقوعه في ملكه ، انتهى .

ولا يخفى أنّ ما ذكره في المقام يناقض ما أفاده في السطر الأوّل من كلامه حيث إنّه حكم هناك بعدم حلّية التصرفات بناءً على الكشف الحقيقي فيما إذا كان الشرط نفس الاجازة ، وفي المقام حكم بحلّية مثل الوطء واقعاً بناءً على الكشف الحقيقي وكون الاجازة بنفسها شرطاً ، وهذا تناقض صرف ، ولعلّه صدر اشتباهاً من قلمه الشريف والله العالم بالحال . نعم ما أفاده بناءً على الكشف الحكمي من حرمة الوطء واقعاً تامّ ، كما أنّه حرام بناءً على الوجه المختار ، لأنّه وطء في غير الملك وهو حرام ولو فرضناه عالماً بأنّه سيعتبر مالكاً لها ، وعليه فإذا استولدها لم يحكم عليها بأحكام اُمّ الولد ، لأنّها إنّما تصير كذلك فيما إذا كان الاستيلاد جائزاً شرعاً وقد عرفت أنّ تصرّفه فيها حرام ، فهو زنا إن كان عالماً بالحال وإلاّ فهو وطء بالشبهة كما هو ظاهر .

وتفصيل الكلام في الثمرة بين الكشف والنقل وبين أقسام الكشف يقع في جهات :

الجهة الاُولى : في بيان الأحكام الشرعية المترتّبة على التصرّفات في المبيع قبل الاجازة ، وأنّ المشتري إذا استولد الأمة المشتراة بالبيع الفضولي قبل الاجازة هل يحكم بالجواز وتصير الأمة بذلك أُمّ ولد فتجري عليها أحكامها يعني أحكام اُمّ الولد ، أو أنّه محكوم بالحرمة والزنا وأنّها لا تصير اُمّ ولد بذلك الاستيلاد الحرام ؟ وكذا إذا زوّجت المرأة فضولةً ثمّ زنى معها ثالث قبل الاجازة فهل يحكم بأنّه زناً بذات بعل بناءً على القول بالكشف أو أنّه غير محكوم بذلك ؟

ــ[452]ــ

احتمل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في المقام أن يكون الاستيلاد صحيحاً والزنا زناً بذات بعل فيترتّب أحكامهما عليهما كالحكم بعدم جواز بيع الأمة في المثال لصيرورتها اُمّ ولد بذلك الاستيلاد ، أو الحكم بالحرمة الأبدية للزاني مع المرأة المزوّجة فضولةً لأنّها حكم الزنا بذات البعل ، كما احتمل أن يكون الاستيلاد حراماً ولا يكون الزنا زناً بذات بعل .

ولكنّ بعض المحشّين(2) قد أصرّ على الاحتمال السابق وإثبات أنّ الاستيلاد صحيح والزنا زنىً بذات بعل حتّى بناءً على القول بالكشف الحكمي بدعوى أنّه مشترك مع الكشف الحقيقي في جميع الآثار غاية الأمر أنّه محتاج إلى التنزيل دون الكشف الحقيقي ، هذا .

ولكن التحقيق هو صحّة الاحتمال الثاني بناءً على الكشف الحكمي أو الكشف على الوجه المختار ، وأنّ الاستيلاد غير صحيح ولا يُحكم على الأمة بذلك بأحكام اُمّ الولد ، كما أنّ الزنا لا يكون زناً بذات بعل ولا تترتّب أحكامه عليه ، وذلك لظهور الأدلّة في أنّ الاستيلاد الذي وقع على نحو الحلال حين الفعل هو الذي يوجب حرمة بيع الأمة وصيرورتها بذلك اُمّ ولد ، لا الاستيلاد الواقع على نحو الحرام وإن يحكم بحلّيته بعد الفعل والاجازة ، كما أنّ الأحكام المترتّبة على الزنا بذات البعل إنّما تترتّب على الزنا الذي يتّصف بكونه بذات البعل حين الزنا ، لا ما سيحكم بأنّها ذات بعل بعد مدّة كما في المقام ، لانصراف الأدلّة وظهورها في كون الزنا متّصفاً بالزنا بذات البعل حين العمل ، والاستيلاد المتّصف بالحلّية حين الفعل ، لا المتّصف بذلك بعداً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 410 .

(2) الظاهر هو المحقّق الايرواني في حاشية المكاسب 2 : 261 .

ــ[453]ــ

وهذا نظير الزيادة في الصلاة حيث ذكرنا أنّ الأدلّة إنّما تدلّ على أنّ الزيادة المتّصفة بكونها زيادة من الابتداء توجب البطلان ، وأمّا ما لا يكون زائداً حين تحقّقه ويصير محكوماً بالزيادة بعداً فالأدلّة منصرفة عنه ولا دلالة لها على كونه مبطلا للصلاة ، ومثّلنا لذلك بما إذا قال : إيّاك نع بقصد القراءة والقرآن وحينما وصل إلى آخر العين بدا له ثمّ ذكر نعبد ، فإنّ كلمة نع ممّا لا معنى له إلاّ أنّها لم تكن محكومة بالزيادة من الابتداء بل كانت محكومة بالصحّة والقراءة وصارت محكومة بالزيادة بعد البداء والانصراف ، وقلنا إنّها لا توجب البطلان وإنّما توجبه فيما إذا ذكرها من الابتداء بقصد أمر آخر لا بقصد القرآنية .

وفي المقام أيضاً لا ندّعي الاستحالة وعدم إمكان كون الاستيلاد صحيحاً أو الزنا زناً بذات بعل كما ادّعاه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) حيث ذهب إلى أنّ الأمة لا تصير اُمّ ولد بذلك الاستيلاد ولا يكون الزنا في المثال زناً بذات البعل ، لأنّ الاستيلاد قد وقع على وجه الحرام وبالاجازة لا تنقلب الحرمة إلى الحلّية لاستحالة انقلاب الشيء عمّا وقع عليه ، وكذا الحال في الزنا لأنّه لم يقع بذات البعل حين العمل ولا يصير بالاجازة زناً بذات البعل لاستحالة انقلاب الشيء عمّا وقع عليه ، إذ الأحكام بيد الشارع وله أن يعتبرها كيف ما شاء ، وهذا ظاهر جدّاً ولكن ندّعي انصراف الأدلّة عن مثله إلى ما كان متّصفاً بتلك الأوصاف حين العمل ، وبما أنّهما غير متّصفين بالوصفين عند العمل واتّصفا بهما بعد الاجازة فالاستيلاد لا يكون موجباً لحرمة بيع الأمة ولا يحقّق الاستيلاد شرعاً ، لأنّه حين وقوعه كان محكوماً بالحرمة فرضاً ، كما أنّ الزنا لا يحكم بكونه واقعاً على ذات بعل لعدم اتّصافه به حين العمل ، نعم يترتّب عليه أحكام الزنا فقط لا الزنا بذات البعل كما هو ظاهر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 68 .

ــ[454]ــ

هذا كلّه بناءً على الكشف المختار والكشف الحكمي لأنّهما شيء واحد ، وإنّما يفترقان في أنّ الملكية على الكشف المختار ملكية حقيقية وعلى الكشف الحكمي ملكية تنزيلية كما عرفت .

وأمّا بناءً على الكشف الحقيقي فلا إشكال في أنّ الاستيلاد صحيح والزنا زناً بذات بعل وذلك ظاهر .

الجهة الثانية : في أحكام التصرّفات الواقعة من المالك في المال المبيع بالبيع الفضولي وأنّها صحيحة أو فاسدة وأنّ حكمها ماذا ، فنقول : إنّ التصرّف الصادر من المجيز قبل الاجازة تارةً ينافي العقد الفضولي الصادر قبله بحيث لا يبقى له مجال وهذا كما إذا زوّجت المرأة فضولة ثمّ المرأة قبل الاجازة زوّجت نفسها من شخص آخر فإنّ التزويج الثاني بنفسه ينافي العقد الفضولي لا محالة ، وهذا من المرأة ردّ عملي للتزويج الصادر من الفضولي فيما إذا لم تكن عالمة بالعقد الفضولي ، وإلاّ يمكن أن يقال إنّ نفس إقدامها على التزويج الثاني ردّ لما أصدره الفضولي وهو ظاهر ، ففي مثل ذلك لا يبقى مجال للاجازة المتأخّرة ، إذ لا يمكن تزويج المرأة من زوجين في زمان واحد .

لا يقال : إنّ الاجازة المتأخّرة تكشف عن أنّ العقد الثاني وقع على زوجة الغير وكان عقداً فضولياً ، فهذه الاجازة للعقد الأوّل بنفسها ردّ للعقد الثاني بل هو بنفسه باطل لبطلان العقد على زوجة الغير كما هو ظاهر .

فإنّه يقال : إنّ الأمر بالعكس ولا مجال للاجازة المتأخّرة حينئذ ، والوجه في ذلك ما ذكرناه في الاُصول في باب الأمارات من أنّ الموضوع لأحد الدليلين إذا كان تنجيزياً ومتحقّقاً بالفعل فلا محالة يترتّب عليه حكمه ولا يبقى مجالٌ لموضوع الدليل الثاني المتوقّف على عدم موضوع الدليل الأوّل ، فإنّ الموضوع إذا تحقّق يترتّب عليه حكمه ، وفي المقام بما أنّ المرأة كانت ذات اختيار فقد زوّجت نفسها من الثاني

ــ[455]ــ

باختيارها شملتها العمومات وصحّ ذلك العقد ، وبعد ذلك لا يبقى مجال للاجازة المتأخّرة فإنّها إنّما تصحّ من جهة أنّها تسند العقد الأوّل إلى من يعتبر استناده إليه وبذلك كانت تشمله العمومات ، ومع العقد الثاني كيف تكون الاجازة موجبة لاسناد العقد الأوّل إلى من يعتبر إستناده إليه مع أنّها زوجة الغير حسب الفرض وإنّما توجب الاجازة إسناده إليها فيما إذا لم يكن هناك عقد ثان والمفروض أنّها زوّجت نفسها وتحقّق الموضوع وأثّر الحكم أثره .

وبالجملة : أنّ الأدلّة الخاصّة الواردة في صحّة الفضولي لا إطلاق لها بحيث تشمل المقام وصورة وقوع العقد من المجيز ثانياً .

وأمّا الأدلّة العامّة فقد عرفت أنّها إنّما توجب صحّة الفضولي من جهة أنّ الاجازة تسند العقد الفضولي إلى من يعتبر إستناده إليه ، وهذا الإستناد لا يتحقّق مع العقد الثاني فلا تشمله العمومات ، وهذا بلا فرق بين الكشف الحقيقي والحكمي .

واُخرى لا يكون التصرّف الصادر من المجيز منافياً للعقد الفضولي وهذا كما إذا أعتق المالك عبده أو باع ماله ثمّ علم أنّ الفضولي قد باعه من شخص آخر فأجاز البيع الفضولي بعد العلم بالحال فإنّ هذا التصرّف ليس منافياً للعقد الفضولي لأنّ بقاء العوضين ليس شرطاً في العقد فلا يعتبر وجودهما حين إستناد العقد إلى المالك بل ينتقل إلى البدل ، وهذا بخلاف النكاح فإنّ كون المرأة خليّة معتبر حين إستناد العقد إليها ولا يمكن الحكم بزوجية المرأة المزوّجة للغير . وهذه الصورة هل يحكم فيها بصحّة الاجازة وبطلان البيع أو العتق أو يحكم ببطلان الاجازة وصحّة البيع والعتق ؟ ذكر شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) إنّ الاجازة تُلغى لأنّ المالك يجوز له التصرّف في المال قبل الاجازة ، وهذا التصرّف يُخرج المالك عن كونه مالكاً حين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 69 .

ــ[456]ــ

الاجازة ، ومن البديهي أنّ المعتبر في كشف الاجازة عن سبق الملكية إنّما هو إجازة المالك دون الأجنبي ، وهو حينئذ كالأجنبي بالنسبة إلى المال بمقتضى بيعه وعتقه فلا يبقى مجال للاجازة حتّى تكشف عن الملكية المتقدّمة ، والسرّ فيما أفاده (قدّس سرّه) أنّ الاجازة عنده تتعلّق بالعين لا بالعقد ومن الواضح أنّ البيع أو العتق أو غيرهما من التصرّفات الناقلة تخرج العين عن ملك المجيز فلا يبقى مجال للاجازة لانتفاء متعلّقها وموضوعها .

وفيه : أنّ الاجازة كالفسخ والردّ تتعلّق بالعقد ، وإن كان الردّ دفعاً والفسخ رفعاً من حينه ولكنّهما مشتركان في أنّهما متعلّقان بالعقد ، وكذا الاجازة فالمعتبر أن يكون المجيز مالكاً حين العقد لا حين الاجازة وإلاّ فلا تعقل الاجازة بناءً على الكشف الحقيقي ، لأنّ المفروض أنّ المشتري صار مالكاً للمال من حين المعاملة فالمال ملك له حين الاجازة وخارج عن ملك المجيز فكيف تصحّ الاجازة منه وليس ذلك إلاّ من أجل أنّه كان مالكاً للمال حين العقد وهذا هو المعتبر في الاجازة .

والتحقيق : أنّه بناءً على الكشف الحقيقي نلتزم بصحّة البيع والعتق وإلغاء الاجازة ، لا لما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) بل لأنّ الالتزام بالكشف الحقيقي إمّا أنّه التزام بشيء مستحيل ثبوتاً وإمّا التزام بما لا دليل عليه في مقام الاثبات كما مرّ في معاني الكشف الحقيقي ، وعليه فالالتزام به في مورد إنّما هو على خلاف القاعدة ومن أجل ضيق الخناق واللاّبدّية ولو لأجل ما ذكره فخر المحقّقين (قدّس سرّه) ، فلابدّ أن يقتصر فيه على المقدار المتيقّن لا محالة وهو ما إذا كانت الاجازة من المالك حين الاجازة بمعنى أنّه مالك لولا الاجازة ، لاحتمال أن يكون الكاشف حصّة خاصّة من الاجازة لا مطلقاً ، وبما أنّ المجيز غير مالك للمال حينها فلا نلتزم بكون الاجازة كاشفة عن الملك حقيقة . وهذا الذي نقول بيان لقصور المقتضي عن تصحيح الاجازة في المقام ، وما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) بيان للمانع عن

ــ[457]ــ

تأثير الاجازة بعد تمامية المقتضي .

وأمّا على الكشف الحكمي والكشف بالمعنى المختار فبما أنّهما على طبق القاعدة لشمول العمومات لهما ، وإطلاقها يقتضي صحّة الاجازة حتّى فيما إذا لم يكن المجيز مالكاً للعين حين الاجازة ، فنحكم بصحّة الاجازة ونفوذها ويكون المشتري مالكاً للمبيع حقيقة أو تنزيلا ، ولكن بما أنّ التصرفات الصادرة عن المالك كانت واقعة على ملكه فنحكم بصحّتها وانتقال حقّ المشتري إلى البدل فيطالب المشتري المجيز بالمثل أو القيمة ، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلّة الدالّة على صحّة تصرّفات المالك في ماله وبين وجوب الوفاء بالعقد بعد الاجازة كما وقع نظيره فيما إذا فسخ من له الخيار وكان المبيع منتقلا إلى الغير .

الجهة الثالثة : في حكم نقل المالك نماء العين المبيعة كبيع ولد الشاة المبيعة أو بيع أثمار الأشجار فيما إذا تحقّقت بعد البيع وقبل الاجازة ، فبناءً على القول بالنقل لا ينبغي الإشكال في أنّ تصرف المالك في منافع العين تصرّف في ملكه ، لأنّها تابعة للعين ، وهي ملك للمالك قبل الاجازة ، فلو باع منافعها فقد باع ملك نفسه ، وهذا ظاهر .

وأمّا على القول بالكشف الحقيقي فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1)على نسخة الولد أنّ المالك إذا نقل الولد ثمّ أجاز البيع الفضولي يبطل بيع الولد لا محالة ، لأنّها تكشف عن أنّ المشتري كان مالكاً للعين من حين العقد فيكون مالكاً للنماء أيضاً بالتبع ، فهو إنّما باع ملك الغير ويكون من قبيل البيع الفضولي ، ولا يبعد أن يكون ذلك موافقاً للارتكاز العرفي أيضاً ، ثمّ احتمل أن تكون الاجازة لغواً وبيع النماء ردّاً للعقد الفضولي فيقع صحيحاً لا محالة ، إلاّ أنّ هذا الاحتمال بعيد غايته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 411 .

ــ[458]ــ

وذلك لأنّ مجرّد بيع الثمرة والتصرّف في منافع المبيع لا يمكن أن يكون ردّاً فعلياً للمعاملة الصادرة فضولةً ، لأنّ الردّ كالاجازة من الاُمور القصدية ، فإذا كان المالك جاهلا بوقوع المعاملة الفضولية أو باع النماء عدواناً مع بنائه على الاجازة لم يكن ذلك إنشاءً للردّ ، نعم لو كان عالماً بالحال وقد قصد بنقل النماء ردّ المعاملة الفضولية يكون ذلك ردّاً ويقع نقل النماء صحيحاً .

فالمتحصّل : أنّ الاجازة في هذه الصورة تكشف عن أنّ تصرّفات المالك في النماء وقعت على مال الغير لا على مال نفسه ، ولا يقاس المقام بما إذا باع المالك نفس العين المبيعة حيث حكمنا فيه ببطلان الاجازة المتأخّرة بناءً على الكشف الحقيقي من جهة الأخذ بالمقدار المتيقّن واحتمال أن يكون المؤثّر حصّة خاصّة من الاجازة وهي إجازة المجيز المالك لولا الاجازة ، وذلك لأنّ العين موجودة في المقام والنقل إنّما وقع على النماء ولم يقع على ما تعلّق به العقد الفضولي ليحتمل مانعيته عن صحّة الاجازة فالاجازة قد صدرت من المالك لولا الاجازة وهو المقدار المتيقّن من الاجازة المؤثّرة ، وأمّا بناءً على الكشف الحكمي أو الكشف بالمعنى المختار فقد ذكر شيخنا الأنصاري(1) أنّ التصرّف في النماء قد وقع صحيحاً في ملك نفسه فلا يكون التصرف حراماً ، وكذلك يقع صحيحاً من حيث حكمه الوضعي كما هو مقتضى وقوعه في ملكه إلاّ أنّه يدفع قيمة النماء إلى المشتري بعد إجازة البيع ، لأنّ النماء يدخل في ملك المشتري بقاءً وإن كان في ملك المالك حين التصرّفات ، ومقتضى الجمع بينهما هو الحكم بصحّة البيع وتغريم القيمة للمشتري .

وما أفاده (قدّس سرّه) متين ولا مانع من أن يحكم بملكية المشتري للنماء بعد الاجازة ويترتّب عليه وجوب دفع البدل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 411 .

ــ[459]ــ

وقد أورد عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) بأنّ المنفعة المنفصلة قد انتقلت إلى شخص آخر وليست موجودة حتّى يحكم بملكيتها للمشتري بعد الاجازة ، وبعد الانعدام كيف يصحّ الحكم بكونها ملكاً له ، هذا .

ولا يخفى عليك أنّ هذه المناقشة ظاهرة الاندفاع ، لأنّ الحكم بالملكية ليس بلحاظ حال الانعدام وإنّما هو بلحاظ حال الوجود ، فمن الآن يحكم بأنّ الموجود سابقاً ملك للمشتري فيترتّب عليه وجوب دفع القيمة ، هذا كلّه بناءً على نسخة الولد .

وأمّا بناءً على نسخة اُمّ الولد فالمسألة داخلة في الجهة الثانية المتقدّمة أعني ما إذا تصرّف المالك في نفس المال المبيع ، والكلام في المقام إنّما هو في الجهة الثالثة وهي ما إذا تصرّف المالك في منافع العين المبيعة لا في نفسها ، وقد استقرب شيخنا الاُستاذ(2) النسخة الثانية وقال إنّ الصحيح هو نسخة اُمّ الولد ، فلذا أورد عليه ما نقلناه سابقاً من أنّ بيع الاُمّ يوجب لغوية الاجازة المتأخّرة ولا يبقى لها مجال ، لأنّ الاجازة تتعلّق بالعين والمفروض أنّها بالبيع انتقلت إلى شخص آخر والمالك أجنبي حين الاجازة حينئذ ، ويعتبر في الاجازة أن تكون صادرة عن المالك لا عن الأجنبي ، هذا .

إلاّ أنّ الصحيح هو النسخة الاُولى وهي نسخة الولد ، وذلك لأنّ الشيخ (قدّس سرّه) بعد سطرين أو ثلاثة أسطر يذكر في بيان ضابط الكشف الحكمي أنّ الضابط هو الحكم بعد الاجازة بترتّب آثار ملكية المشتري من حين العقد ، فإن ترتّب شيء من آثار ملكية المالك قبل إجازته كاتلاف النماء ونقله ولم يناف الاجازة جمع بينه وبين مقتضى الاجازة بالرجوع إلى البدل ، وإن نافى الاجازة كاتلاف العين عقلا أو شرعاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) منية الطالب 2 : 70 .

ــ[460]ــ

يعني به البيع والعتق ونحوهما فات محلّها ، مع احتمال الرجوع إلى البدل ، فقد حكم بأنّ الاجازة تقع لغواً فيما إذا أتلف العين عقلا أو شرعاً ، فلو كانت النسخة نسخة اُمّ الولد لوقع بين كلماته (قدّس سرّه) تهافت ظاهر ، فإنّه (قدّس سرّه) يحكم هناك بصحّة بيع اُمّ الولد ووقوع الاجازة صحيحة أيضاً ويجمع بينهما بدفع القيمة ، وفي هذه الأسطر قد حكم بصحّة بيع العين وإلغاء الاجازة عن التأثير ، وهذا تناقض واضح ولا يناسب مقامه ، فالتحفّظ على مقامه يقتضي أن تكون النسخة الصحيحة نسخة الولد ، وعليه فالشيخ (قدّس سرّه) تعرّض للجهتين أعني التصرّف في نفس العين في هذه العبارة والتصرّف في النماء في العبارة السابقة .

وأمّا الجهة الرابعة : فهي في بيان حكم التصرّفات الصادرة من المشتري في المال قبل الاجازة ، ولا إشكال في أنّه حرام بالحرمة التكليفية بناءً على النقل ، لأنّه تصرّف في مال الغير لا محالة ، كما أنّه إذا وطئ الأمة يحكم بكونه زناً ولو مع العلم بصدور الاجازة من المالك بعد ذلك ، كما أنّه بحسب الحكم الوضعي باطل لأنّه بيع ملك الغير فيكون فضولياً لا محالة ، نعم لو أجاز المعاملة يدخل في من باع شيئاً ثمّ ملك وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى .

وأمّا بناءً على الكشف الحقيقي فلا إشكال في أنّ تصرّفاته جائزة شرعاً ونافذة واقعاً ، غاية الأمر أنّه تجرّى في الاقدام على التصرّفات المحرّمة ظاهراً لاستصحاب عدم لحوق الاجازة ، فلو وطئ الأمة أو باعها فقد تصرّف في ملكه وإن كان جاهلا بالحال ، وإن كان تصرّفه عبادياً كالوضوء بالماء المبيع فضولة وقع فاسداً ، لمنافاة الحرمة الظاهرية مع قصد القربة .

وأمّا بناءً على الكشف الحكمي والكشف بالمعنى المختار فتصرّفاته في المال حرام تكليفاً ، وأمّا وضعاً فهي وإن كانت في مال الغير بحسب الحدوث إلاّ أنّه بحسب البقاء ملك للمشتري فلا مانع من أن يحكم بصحّة التصرّفات المتقدّمة بعد صدور

 
 

ــ[461]ــ

الاجازة ولعلّه ظاهر ، هذا .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري(1) أعاد الكلام في بيان الثمرة بين الكشف والنقل من حيث النماء مع أنّه قد تعرّض له قبل ذلك ، ولعلّه أعاده للتعرّض إلى ما أفاده الشهيد الثاني(2) في المقام حيث ذكر في شرح اللمعة أنّ الفائدة تظهر في النماء ، فإن جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل المتخلّل بين العقد والاجازة الحاصل من المبيع للمشتري ونماء الثمن المعيّن للبائع ، ولو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز ، انتهى . مع أنّ الاجازة على تقدير كونها ناقلة لا توجب تملّك المجيز لنماء الثمن ، وإنّما نماؤه يرجع إلى المشتري كما أنّ نماء المبيع يرجع إلى المالك المجيز ، فكأنّ العقد لم يقع عليه إلاّ بعد الاجازة ، فما معنى قوله أنّ نماء الثمن والمبيع للمالك المجيز على تقدير كون الاجازة ناقلة .

وقد وجّهه بعض محشّي(3) الكتاب بأنّ المراد ما إذا كان كلّ واحد من البائع والمشتري فضولياً ، وأنّ نماء الثمن يرجع إلى مالك الثمن ونماء المبيع إلى مالك المبيع وكلّ واحد منهما مالك مجيز ، فصحّ التعبير عنهما بالمالك المجيز الذي يصدق على كلّ واحد من المالكين ، وليس المراد أنّ نماء الثمن والمبيع يرجع إلى مالك المبيع .

وهذا التوجيه بعيد غايته ، فإنّ قوله : « فهما للمالك المجيز » الظاهر منه أنّ كلا من نمائي الثمن والمبيع ـ الذي حكم برجوعه إلى البائع في نماء الثمن وإلى المشتري في نماء المبيع على تقدير كون الاجازة كاشفة ـ يرجع إلى شخص واحد على تقدير كونها ناقلة وهو المالك المجيز .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 411 .

(2) الروضة البهيّة 3 : 229 ـ 230 .

(3) وهو جمال الدين في حاشية الروضة ، ونقله المحقّق الايرواني في حاشية المكاسب 2 : 262  .

ــ[462]ــ

وقد ذكر بعض آخر(1) في توجيه العبارة أنّ الحكم برجوع النماء في كلّ واحد من العوضين إلى المالك أعني مالك المبيع هو الصحيح وأنّه على وفق القاعدة ، ولا وجه لرفع اليد عن ظهورها ، وذلك أمّا في نماء المبيع فلوضوح أنّ المال ماله وكذلك النماء ، فقبل الاجازة الموجبة للنقل لا ينبغي الإشكال في أنّه له وهذا بمكان من الوضوح . وأمّا نماء الثمن فلأنّ المشتري الأصيل هو الذي أقدم على تمليكه له في المعاملة ، وهو أي الاقدام يوجب رجوع نماء الثمن إلى مالك المبيع لا محالة ، هذا  .

ولا يخفى أنّ هذا أبعد من التوجيه المتقدّم آنفاً ولا يمكن المساعدة عليه بوجه لا صغرىً ولا كبرىً .

أمّا بحسب الصغرى ، فلأنّ الشراء قد يكون فضولياً كالبيع فلم يُقدم مالك الثمن على التمليك ، وقد يكون المشتري أصيلا لكنّه جاهل بكون المعاملة فضولية  ، وقد يكون عالماً بذلك ولكنّه اشترى بمال الصغير الذي تحت ولايته فهو لم يقدم على تمليك مال نفسه وإنّما أقدم على تمليك مال الصغير خلافاً للمصلحة .

وأمّا بحسب الكبرى ، فلأنّ الاقدام ليس من أحد المملّكات في الشريعة المقدّسة ، نعم في التسليط الخارجي كلام بين الأعلام ولكنّه غير المقام أعني المعاملة الفضولية كما لا يخفى .

فالمتحصّل : أنّ هذا التوجيه لا يمكن المساعدة عليه ، فالصحيح حمل العبارة على سهو القلم ، أو توجيه المراد منها بحملها على خلاف ظاهرها كما في التوجيه الأوّل الذي جعله شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أولى من التحفّظ على ظاهرها وتوجيه حكمها كما تكلّفه بعض آخر في التوجيه الثاني .

ثمّ إنّ من جملة الموارد التي تظهر فيها الثمرة بين الكشف والنقل أنّ أحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقله السيّد اليزدي في حاشيته 154 ، والايرواني في حاشيته على المكاسب 2 : 262 .

ــ[463]ــ

المتعاملين إذا كان أصيلا وكان الآخر فضولياً فالأصيل يجوز له الفسخ أو التصرّف المنافي للاجازة كالبيع ونحوه ممّا يرفع موضوع الاجازة المتأخّرة بناءً على النقل دون الكشف ، هذا .

والأقوال في المسألة ثلاثة ، قول بصحّة التصرّفات الصادرة من الأصيل وكذلك فسخه على نحو الاطلاق ، وقول بعدم صحّتها مطلقاً ، وثالث بالتفصيل بين النقل والكشف وأنّها صحيحة على الأوّل دون الثاني ، وهذا هو الذي ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) وذكر أنّ الأصيل يجوز له الفسخ وغيره من التصرفات كتزويج نفسها من ثالث أو عتق العبد المجعول ثمناً بناءً على النقل دون الكشف ، لأنّه أي الأصيل ملزم على المعاملة حينئذ ولا يجوز له الرجوع .

وأمّا شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) فقد ذهب إلى عدم جواز فسخ الأصيل وتصرّفاته حتّى على القول بالنقل ، لأنّ العقد تامّ فيجب عليه الوفاء وإن كانت الملكية متوقّفة على الاجازة ، وعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يقتضي الحكم بوجوب الوفاء بالعقد وحرمة الفسخ عليه ، وهو حكم انحلالي ينحلّ إلى كلّ واحد من المتعاقدين ، وأنّه يجب الوفاء على كلّ واحد منهما بعقد نفسه ولا ربط لأحدهما بالآخر كما لا يخفى .

وهذا الكلام منه (قدّس سرّه) مبنيّ على ما بني عليه في محلّه من أنّ الآية أعني (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إنّما تدلّ على الحكم التكليفي وهو وجوب الالتزام بالعقد وحرمة الفسخ عليه ، وليست ناظرة إلى الحكم الوضعي ، ولا منافاة بين الحكم بحرمة الفسخ ووجوب الالتزام ، وبين توقّف الحكم الوضعي أعني الملكية على الاجازة ، كما وقع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 412 .

(2) منية الطالب 2 : 78 .

ــ[464]ــ

نظير ذلك في بيع الصرف والسلم فإنّهما بعد المعاملة ملزمان على البيع ويحرم عليهما الرجوع ، ويجب الالتزام بما أنشآه وإن كانت الملكية متوقّفة على القبض والاقباض  ، ولا يقاس ذلك بالوقف والهبة وغيرهما من العقود التي دلّ الدليل على جواز الفسخ والرجوع فيها قبل القبض أو بعده ، لأنّها إنّما خرجت بالنصّ ، كما لا يمكن قياس المقام بجواز الفسخ بعد الايجاب قبل القبول ، لأنّ العقد حينئذ غير تامّ وإنّما يتمّ بالقبول ولا مانع من الفسخ قبل إتمام العقد كما هو ظاهر ، وهذا بخلاف المقام فإنّ المفروض أنّ العقد فيه تامّ فيجب عليه الوفاء ويحرم عليه الفسخ ، لأنّ المراد بالعقد في الآية إنّما هو العقد بالمعنى المصدري يعني الايجاب والقبول لا الحاصل من المصدر الذي هو الملكية حتّى يقال إنّها لم تحصل بعد فلا يجب الوفاء ، وبذلك أورد على شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في قوله بجواز الرجوع والفسخ قبل تمامية شرائط صحّة العقد ، وأفاد أنّ الالتزام بالعقد واجب سواء حصلت شرائط صحّة العقد أم لم تحصل ، وعليه فلا وجه لتفصيل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بين الكشف والنقل هذا.

ولا يخفى أنّ المراد بالآية لو كان هو وجوب الالتزام وحرمة الفسخ كما أفاده لصحّ ما ذهب إليه أبو حنيفة من أنّ الحكم من الايجاب والتحريم إنّما يصحّ فيما إذا كان متعلّقهما مقدوراً للمكلّف لا محالة ، وعليه فهذه الآية تدلّ على أنّ العقود في حدّ نفسها جائزة وفسخها ممكن وصحيح وإلاّ فلا معنى لوجوب عدم الفسخ أو لحرمة الفسخ ، إذ المراد بالفسخ ليس هو لفظة فسخت قطعاً للعلم بعدم حرمتها شرعاً ، بل المراد هو واقع الفسخ الممضى شرعاً ، فلو كانت العقود جائزة فلا وجه للالتزام بها بوجه ، لأنّ الجائز لا يجب الالتزام به وإنّما يجب الالتزام بالعقود اللازمة كما هو ظاهر ، فلا يمكن حمل الآية على الحكم التكليفي كما أفاده ، وإنّما هي مسوقة للارشاد

ــ[465]ــ

إلى اللزوم وأنّها لا تنفسخ بالرجوع نظير قوله (صلى الله عليه وآله) « دعي الصلاة أيّام أقرائك »(1)وعليه فلا يكون العقد مشمولا للآية إلاّ بعد تماميته من حيث الاجزاء والشرائط وترتّب الأثر عليه ، والعقد الفضولي ليس كذلك على النقل ، ومن هنا يظهر أنّ وجوب الالتزام في الصرف والسلم قبل حصول القبض والاقباض أوّل الكلام لأنّه عقد لم تتمّ شرائطه ولم يترتّب الأثر عليه بل إنّما يصير العقد لازماً بعد تحقّق الملكية بالقبض  ، وعليه فما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّه على النقل يجوز للأصيل الفسخ وسائر التصرّفات التي ترفع مورد الاجازة متين .

فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ معنى الوفاء في الآية عبارة عن إنهاء العقد إلى آخره ، لأنّ معنى الوفاء بالشيء إنهاؤه إلى آخره ، والآية ترشد إلى أنّه لا ينفسخ بالفسخ ، هذا أوّلا .

وثانياً : هب أنّ الآية تدلّ على وجوب الالتزام تكليفاً إلاّ أنّها إنّما تختصّ بالملاّك ، لأنّها خطاب إلى المالكين وموضوعها العقد أي الارتباط بين التزامي المالكين ، فإذا كان أحدهما أصيلا والآخر فضولياً فتمامية العقد إنّما هي بعد الاجازة على فرض القول بالنقل ، وأمّا قبلها فلا عقد حتّى يجب الالتزام به بل هناك إلتزام من قبل الأصيل إلاّ أنّه غير مرتبط بالتزام المالك الآخر حتّى يكون عقداً ويجب عليهما الوفاء به على نحو الانحلال . نعم بالاجازة يستند البيع إلى المالك وتقع المعاملة بينهما ، فقبل الاجازة لا عقد حتّى يجب عليه الوفاء كما لا يخفى ، هذا كلّه بناءً على النقل .

وكذلك الحال بناءً على المعنى المختار في الكشف فإنّه لا عقد قبل الاجازة ولا مانع من تصرفات الأصيل وفسخه ، وهي توجب ارتفاع مورد الاجازة المتأخّرة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 287 / أبواب الحيض ب7 ح2 .

ــ[466]ــ

وأمّا بناءً على الكشف الحقيقي فهل ينفذ فسخ الأصيل قبل الاجازة وتجوز تصرّفاته في ماله وتكون نافذة أو أنّها تقع لغواً ، فلابدّ في تحقيق ذلك من التكلّم في جهات :

الجهة الاُولى : في نفوذ فسخ الأصيل وعدمه .

الثانية : في جواز تصرّفاته في المال المنتقل عنه ظاهراً أو واقعاً .

الثالثة : في نفوذ التصرّفات وضعاً .

أمّا الجهة الاُولى : فالظاهر أنّ الفسخ من الأصيل قبل الاجازة لا أثر له بناءً على الكشف الحقيقي ولا يمكن أن يكون نافذاً أبداً ، لأنّ العقد بناءً على هذا القول تامّ ولا قصور ولا نقصان فيه بوجه ، فلذا استدلّ القائل بالكشف الحقيقي بأنّ العقد سبب تامّ فإذا تحقّق العقد من قبل الأصيل فيكون لازماً عليه ويشمله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) وغيره من أدلّة اللزوم كقوله (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(2)فإنّ الفسخ والتصرف في المال بعد صيرورته ملكاً للطرف الآخر تصرّف في مال الغير وأكل للمال بالباطل ، وكذا يجري استصحاب الملكية في المقام إذا شكّ في تأثير الفسخ وعدمه ، فإنّ الاستصحاب يقتضي بقاءه في ملك الطرف الآخر وعدم انتقاله إليه بفسخه فلا ينفسخ بالفسخ ، والقول بعدم تمامية العقد حينئذ هدم لأساس الكشف الحقيقي وهو خلف ، وهذه الثمرة بين النقل والكشف صحيحة .

وأمّا الجهة الثانية : فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) أنّ التصرّفات من طرف الأصيل فيما انتقل عنه محرّمة شرعاً لأنّها منافية لوجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

(2) النساء 4 : 29 .

(3) المكاسب 3 : 413 .

ــ[467]ــ

الالتزام والوفاء ، هذا .

ولكن الأمر ليس كما أفاده (قدّس سرّه) لأنّ حرمة أكل المال ووطء الأمة وغيرهما من التصرفات ليست من آثار الالتزام بالعقد ، وإنّما هي من آثار الملكية الشرعية ، والملكية إنّما يُعلم بها بعد الاجازة بمعنى أنّها تكشف عن الملكية المتقدّمة وأمّا قبلها فالمال ملك الأصيل بمقتضى الاستصحاب كما أنّ المبيع ملك لمالكه فلماذا لا يجوز له التصرف في ماله ظاهراً ، نعم بعد الاجازة ينكشف أنّها كانت محرّمة عليه في الواقع . والعجب من شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) حيث ذهب إلى حرمة التصرفات في المال ولو مع العلم بعدم إجازة المالك وهذا من غرائب الكلام ، إذ أيّ شيء دلّ على تخصيص العمومات المجوّزة لتصرّفات المالك في ملكه ، لأنّه ملكه حينئذ ظاهراً أو واقعاً .

وكيف كان ، فمقتضى الالتزام أنّي متعهّد بالمعاملة ولا أفسخها ولكنّه لا يستدعي حرمة التصرفات التكوينية بل هي مترتّبة على الأثر الذي يمضيه الشارع وهو المعبّر عنه بالملكية الشرعية وهي غير متحقّقة بعد ولو باستصحاب عدم الاجازة ، فتكون تصرّفاته محكومة بالجواز ظاهراً وإن ينكشف بعد الاجازة أنّها كانت محكومة بالحرمة واقعاً .

ثمّ إنّه ممّا ذكرناه يتّضح الفرق بين الوفاء بالنذر والوفاء بالعقد ، فإنّ معنى الوفاء في كليهما هو الانهاء إلاّ أنّ موارده مختلفة ، ففي العقد معنى الانهاء الالتزام بالملكية إلى الأبد وعدم الفسخ ، وأمّا في النذر فانهاؤه هو الاتيان بمتعلّقه فعلا أو تركاً ، فترك الفعل أو إتيانه بنفسه ردّ للنذر فيما إذا نذر الفعل في الأول والترك في الثاني .

وملخّص ما ذكرناه في المقام : أنّ الأصيل إذا شكّ في إجازة المالك يجوز له التصرف في المال ظاهراً ولو بحكم الاستصحاب الذي ذكرنا أنّه يجري في الاُمور

ــ[468]ــ

المتأخّرة أيضاً ، فإذا تحقّقت الاجازة ينكشف أنّه كان حراماً في الواقع ونفس الأمر  ، وأمّا إذا كان عالماً بعدم إجازة المالك فتصرّفاته جائزة ظاهراً وواقعاً .

فالمتحصّل : أنّه لا مانع من جواز تصرّفات الأصيل في ماله قبل إجازة الآخر سواء كان عالماً بعدم حصول الاجازة أو شاكّاً في تحقّقها ، فإنّها تجوز له في الأوّل واقعاً وفي الثاني ظاهراً بحكم استصحاب عدم تحقّق الاجازة ، وبعد تحقّقها ينكشف أنّ التصرفات صدرت من غير أهلها وكانت محرّمة في الواقع ، وقد عرفت أنّ الآية الشريفة أعني قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إنّما وردت في مقام الارشاد إلى أنّ العقود لا تنفسخ بالفسخ ، وليس المراد منها وجوب الوفاء بالعقود بالحكم التكليفي ، فلو سلّمنا وتنزّلنا عمّا ذكرناه فهي دالّة على وجوب الالتزام بالعقد ، وقد عرفت أنّ التصرف في المال لا ينافي الالتزام ، لأنّ حرمة التصرفات من آثار الملكية لا الالتزام ، فلذا يمكن أن يقال بجواز التصرفات في مثل الهبة وبيع الصرف ونحوهما ممّا اشترطت الملكية فيه بشرط لاحق قبل تحقّق شرطها ، بل لو أغمضنا عن جميع ذلك وقلنا بأنّ الآية بصدد الحكم التكليفي وأنّها تدلّ على وجوب الوفاء بالعقود لا يفيد ذلك في المقام ، لأنّ العقد قبل الاجازة غير معلوم في الفضولي لما ذكرناه سابقاً من أنّ العقد ربط التزام بالتزام آخر ، وهذا الربط لا يُعلم إلاّ بعد الاجازة كما لا يخفى ، وأمّا قبلها فمقتضى الاستصحاب عدمه فيجوز للأصيل التصرف ظاهراً وإن كان العقد حاصلا واقعاً .

نعم إنّما يفيد في مثل الهبة والصرف ، لأنّ العقد فيهما تامّ وإن كانت الملكية فيهما مشروطة بالقبض ولعلّه ظاهر .

نعم لو كان عالماً بصدور الاجازة من الآخر تحرم عليه التصرفات لأنّها تصرف في مال الغير إلاّ أنّه ملازم للعلم بدخول العوض في ملكه فيجوز له التصرف فيه .

ــ[469]ــ

وممّا ذكرنا ظهر الحال في :

الجهة الثالثة وأنّ تصرفات الأصيل تكون نافذة ظاهراً فإذا تحقّقت الاجازة إنكشف فسادها .

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام لا يختصّ بمورد خاصّ ويجري في جميع المعاملات الفضولية حتّى النكاح فإذا زوّجت المرأة نفسها فضولة يجوز لها أن تزوّج نفسها من آخر فيما إذا علمت بعدم الاجازة من الآخر أو شكّت في صدورها واستصحبت عدمها ، غاية الأمر أنّ الاجازة بعد تحقّقها تكشف عن بطلان ذلك الزواج ، كما أنّ الزوج إذا كان أصيلا يجوز له الخامسة وتزويج اُمّ المعقودة أو اُختها كما لا يخفى ، فما ذكره العلاّمة (قدّس سرّه)(1) في النكاح إن كان من أجل خصوصية في النكاح فقد عرفت منعه ، وإن كان من أجل أنّ مبناه عدم جواز تصرّف الأصيل مطلقاً فلا بأس به ، لأنّه حكم على المبنى وذلك ظاهر .

نعم ، قد ورد في تزويج الصغيرين(2) أنّ الإمام (عليه السلام) أمر بعزل حصّة الزوجة من الأموال وألغى استصحاب عدم لحوق الاجازة ، ومسألة تزويج الصغيرين وإن كانت خارجة عمّا نحن فيه ، لعدم وقوع معاملة فضولية على المال وإنّما الرواية تتعرّض لحكم تصرف الورثة وهم لا يرتبطون بالمعاملة الفضولية إلاّ أنّ الشكّ في إرثهم مسبّب عن الشكّ في لحوق إجازة الزوجة وعدمه ، فإذا جرى استصحاب عدم الاجازة ترتّب عليه إرث الورثة وجواز تصرّفهم في المال . فالمسألة من هذه الجهة مشتركة مع ما نحن فيه ، وقد ألغى الإمام (عليه السلام) هذا الاستصحاب . وفيه : أنّ إلغاء الاستصحاب في مورد لأجل النصّ الخاص لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قواعد الأحكام 3 : 16 .

(2) تقدّم مصدره في الصفحة 444 .

ــ[470]ــ

يكشف عن إلغائه في جميع الموارد الفضولية بل يختصّ بمورده ، كما اُلغي استصحاب عدم تولّد الحمل في مسألة إرث الحمل حيث حكم الشارع بعزل نصيب ذكرين .

الكلام في مسألة النذر

التي تعرّض لها شيخنا الأنصاري(1) في المقام ، والكلام فيها يقع من جهتين :

1 ـ من جهة الحكم التكليفي 2 ـ من جهة الحكم الوضعي .

أمّا الجهة الاُولى ، فملخّص الكلام فيها : أنّ النذر إذا كان على نحو الاطلاق المعبّر عنه بالمنجز ولم يكن مقيّداً بشيء فلا ينبغي الإشكال في أنّ التصرف في المال المنذور للفقراء حرام ، سواء كان النذر نذر نتيجة بأن ينذر انتقال الشاة إلى ملكهم أو كان نذر فعل كنذره أن يملّكها للفقراء ، لأنّه تصرّف فيما يجب تمليكه للغير فلا يجوز أكله ولا بيعه ولا غيرهما من التصرّفات المنافية للوفاء بالنذر ، وهذا ظاهر جدّاً .

كما أنّه إذا كان على نحو الواجب المعلّق بأن يكون النذر معلّقاً على شيء إلاّ أنه من الآن يلتزم بالعمل وإن كان ظرف العمل متأخّراً وهو زمان مجيء ولده أو شفاء مريضه كما هو الظاهر فيما إذا كان المعلّق عليه أمراً متيقّن الحصول كما إذا قال : لله عليّ كذا إذا جاء الغد ، فلا إشكال أيضاً في عدم جواز التصرّف في المال ، لأنّ الوجوب فعليّ ومعه كيف يجوز له البيع أو الذبح ونحوهما .

وكذا الحال فيما إذا كان على نحو الواجب المشروط إلاّ أنّ الشرط كان معلوم الحصول ، وذلك لما ذكرناه في المقدّمات المفوّتة من أنّ تفويت الملاك الملزم قبيح في نظر العقل وهو كعصيان التكليف المنجز عنده ، ولا إشكال أنّه بذبح الشاة أو بيعها يعجز عن إستيفاء الملاك الذي يعلم أنّه يتوجّه عليه ، فلا يجوز تفويت الملاك لأنّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 416 .

ــ[471]ــ

روح الأمر وحقيقته .

وأمّا إذا كان مشروطاً بشرط مجهول الحصول ، فإن كان بنذره ذلك قاصداً لابقاء الشاة أيضاً إلى وقت حصول الشرط المجهول كما هو الغالب في الناذرين فلا إشكال في عدم جواز إتلافها وبيعها أو ذبحها ، لأنّه بنذره ذلك أوجب أمرين : أحدهما تمليك الشاة للفقراء . وثانيهما : إبقاؤها إلى زمان الشرط ، وهذا نظير ما ذكره الفقهاء في الشروط من أنّه إذا باع داره بشرط أن يبيعها المشتري للبائع فيما إذا جاء بمثل الثمن ، فهو بمنزلة اشتراط أن لا يبيعها المشتري للغير .

وفي المقام أيضاً يمكن أن يقال إنّه بنذره ذلك نذر أن يبقي المال إلى ذلك الوقت  ، وهذا من دون فرق بين أن يكون الشرط اختيارياً للناذر كما إذا نذر أن يفعل كذا إذا شرب التتن ، وبين كونه غير اختياري له كما إذا نذر كذا إذا نزل المطر في وقت معلوم ، نعم لو فرضناه على نحو الواجب المشروط من دون أن ينذر الابقاء وغيره وكان الشرط مجهول الحصول ، فلا مانع من التصرف في المال ببيعه وذبحه هذا كلّه بحسب الحكم التكليفي .

وأمّا الجهة الثانية : وهو الحكم الوضعي ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ النذر إذا كان نذر نتيجة وكان مطلقاً ، أو كان مشروطاً ولكن حصل شرطه لا يصحّ التصرّف في المال المنذور صرفه في جهات خاصّة ، لأنّه ملك الغير حينئذ فلا تكون التصرّفات نافذة أبداً .

وأمّا فيما إذا كان نذر فعل وكان معلّقاً أو مشروطاً مع كون الشرط معلوم الحصول ، أو غير ذلك من الموارد التي حكمنا بعدم جواز التصرف فيها في المال من دون تعلّق حقّ به وإنّما كان مجرد حكم تكليفي بعدم الجواز ، فهل تصحّ التصرفات في المال حينئذ وتكون نافذة أو أنّها تقع باطلة ؟ فقد وقع فيه الخلاف ، فذهب بعضهم إلى الصحّة والنفوذ ، ومنعه بعض آخر بعد الاتّفاق على صحّة التصرفات ونفوذها

ــ[472]ــ

في الموارد التي حكمنا بالجواز فيها تكليفاً .

ولا إشكال في أنّ مقتضى العمومات والاطلاقات صحّة التصرفات والمعاملات الواقعة على المال في الموارد المبحوث عنها ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، وإنّما المهمّ بيان ما استند إليه المانعون في المقام .

فقد استدلّوا على بطلان البيع وسائر التصرّفات بوجهين :

أحدهما : أنّ الملك في المعاملة يعتبر أن يكون طلقاً ولا يصحّ بيع ما ليس بطلق كبيع الوقف والرهن ، والمال في المقام كالرهن والوقف ليس طلقاً لتعلّق حقّ الفقراء أو السادات به أو حقّ غيرهما ممّا نذر صرفه فيه ، وعليه يكون البيع الواقع عليه باطلا ، هذا .

وفيه : منع الصغرى والكبرى ، أمّا الصغرى فلا ، لانّ المفروض أنّ الموجود في البين ليس إلاّ حكماً تكليفياً ولم يتعلّق بالمال حقّ بالنسبة إلى الغير لعدم تحقّق شرطه  ، والذي يوضّح ذلك ويدلّ على أنّ الأمر بصرفه في الجهات الخاصّة مجرد حكم تكليفي وليس هناك حقّ للغير هو أنّه لا يقبل السقوط بالاسقاط ولا يسقط بشيء ، فلو فرضنا أنّ فقراء البلد اجتمعوا وأسقطوا حقّهم عن المال لا يسقط وجوب الصرف بذلك بل يجب عليه الوفاء بالنذر على تقدير حصول شرطه ، ومن المعلوم أنّه لو كان حقّاً لكان قابلا للاسقاط لما ذكرناه في أوائل البيع(1) من أنّ الفارق بين الحقّ والحكم ليس إلاّ ذلك ، وأنّ الأوّل يسقط بالاسقاط دون الثاني وإلاّ فكلّ حقّ حكم ، فالملك طلق في المقام .

وأمّا منع الكبرى فلما سيأتي(2) من أنّ هذا العنوان أي اعتبار كون المبيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 30 .

(2) في المجلّد الثاني من هذا الكتاب الصفحة 252 .

ــ[473]ــ

ملكاً طلقاً لم يرد في شيء من الآيات والروايات وإنّما انتزعه الفقهاء من الموارد الخاصّة كالمنع عن بيع الوقف والرهن واُمّ الولد ونحوها ، فالعبرة إنّما هي بتلك الموارد لا بالعنوان فلا يمكن التعدّي عنها ، والمقام ليس من قبيل الموارد المذكورة كما هو واضح ، فعلى تقدير تسليم أنّ المال تعلّق به حقّ الغير لا يمكن الالتزام ببطلان بيعه .

الثاني ممّا استدلّ به على المنع : ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من أنّ الممنوع شرعاً كالممتنع عقلا ، وبما أنّ الشارع أمر بصرف المال في الجهات الخاصّة فبالملازمة نستكشف أنّ ضدّها وهو التصرف في المال وصرفه إلى غير الجهات الخاصّة حرام ومنهي عنه شرعاً ، فيكون تسليمه إلى المشتري ضدّاً لصرفه في الجهات ومحرّماً شرعاً ، والممنوع شرعاً كالممتنع عقلا فيكون النهي موجباً لسلب القدرة على التسليم ، ومن شرائط صحّة المعاملات هو القدرة على تسليم المبيع وبهذا بنى على أنّ النهي المولوي في المعاملات يوجب الفساد ، هذا .

وفيه : أنّ المتّبع هو الدليل الذي دلّ على اشتراط القدرة على التسليم وهل أنّه دلّ على اعتبار القدرة خارجاً وتكويناً أو على اعتبار القدرة شرعاً أيضاً ، ولا إشكال أنّه إنّما يقتضي اعتبار القدرة على التسليم تكويناً ، ولا إشكال أنّ الناذر قادر عليه خارجاً فلا محالة يصحّ بيعه وإن ارتكب محرّماً شرعياً حينئذ ، وبالجملة أنّه لا تنافي ولا تضادّ بين حرمة التصرفات ونفوذها أبداً ، فلذا يصحّ البيع فيما إذا حلف على تركه غاية الأمر أنّه عاص للحكم التحريمي حينئذ ، والقائل أنّ الممنوع شرعاً كالممتنع عقلا إن أراد بذلك أنّه غير مقدور تكليفاً فهو مسلّم ، وإن أراد أنّه غير مقدور وضعاً بمعنى أنّه غير نافذ فهو أوّل الكلام كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ منية الطالب 2 : 83 .

ــ[474]ــ

فالمتحصّل : أنّه لا مانع من الالتزام بصحّة بيع المال الذي تعلّق به النذر ووجب صرفه في جهات معيّنة وإن كان ذلك معدماً له حينئذ . ثمّ إنّه لا إشكال في صحّة البيع فيما إذا علم برجوعه إلى ملكه عند فعلية النذر بحصول شرطه كما إذا علم أنّه يهبه له أو يبيحه أو يبيعه منه وهكذا ، ولعلّ المانع يمنعه في غير تلك الصورة أيضاً بل لا يكون التصرّف حراماً أيضاً لعدم منافاته الوفاء بالنذر .

ثمّ إنّه ذكر كاشف الغطاء (قدّس سرّه)(1) للكشف والنقل ثمرات اُخر منها : أنّه إذا خرج أحد المتعاقدين ـ ونفرضه الأصيل ـ عن قابلية الملكية والمعاملة بالموت ونحوه ، تصحّ المعاملة بناءً على الكشف لأنّ الاجازة تكشف عن صحّة العقد السابق على الموت ، وهذا بخلاف القول بالنقل فإنّ المعاملة تبطل حينئذ لعدم قابلية أحدهما للملك حين الاجازة ، هذا .

وأورد عليه صاحب الجواهر (قدّس سرّه)(2) بأنّ الخروج عن القابلية يوجب البطلان على كلا القولين ، أمّا على النقل فواضح ، وأمّا على الكشف فلأنّ الاجازة لابدّ وأن تكشف عن الملكية المستمرّة من حين العقد إلى حين الاجازة ، وعند خروج أحدهما عن الأهلية لا يمكن الكشف عن الملكية المستمرّة .

وقد أشكل عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) بالنقض والحلّ ، أمّا النقض  : فبأنّ المشتري إذا باعه من زيد وهو من بكر وبكر من خالد فلا ينبغي الإشكال في أنّ الاجازة على القول بالكشف تكشف عن صحّة البيوع المتعاقبة وعن أنّ المال قد انتقل إلى المشتري الأوّل من حين العقد ، مع أنّ الملكية غير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح القواعد (مخطوط) : 62 .

(2) الجواهر 22 : 291 .

(3) المكاسب 3 : 419 .

ــ[475]ــ

مستمرّة من حين العقد إلى حين الاجازة حينئذ ، لانتقال المال إلى المشتري الثاني قبل الاجازة حسب الفرض .

وأمّا الحلّ : فهو أنّ الروايات الواردة في البيع الفضولي قد دلّت على عدم اعتبار بقاء المتعاقدين على صفة القابلية والأهلية في بيع الفضولي ، وبعضها صريح في ذلك وبعضها الآخر ظاهر في المدّعى ، ولعلّه أراد بالصريح ما ورد في مسألة العبد المأذون حيث إنّها صريحة في أنّ العبد ينتقل إلى الورثة فيما إذا أقاموا البيّنة مع أنّ المالك الأصيل قد مات وإنّما الحي ورثته ، وأراد بالظاهر ما ورد في المضاربة وفي الاتّجار بمال اليتيم(1) حيث دلّت الاُولى على أنّ العامل إذا صرف المال في غير الجهة المأذون فيها يكون ضامناً للخسران ، والربح يرجع إليهما أي إلى المالك والعامل ودلّت الثانية على أنّ الربح يرجع إلى اليتيم والخسران على المتصرّف في المال ، وهما ظاهرتان في صحّة البيع الفضولي مطلقاً سواء بقي المالك على حياته أم خرج عن الأهلية بالموت ونحوه ، إذ لم يفصّل فيهما بين موته وحياته وترك الاستفصال دليل العموم ، هذا .

ولا يخفى أنّ تلك الأخبار بأجمعها خارجة عن البيع الفضولي على ما ذكرناه سابقاً حتّى أنّ شيخنا الأنصاري لم يستدلّ على صحّة الفضولي بتلك الأخبار وإنّما ذكرها تأييداً ، وعليه فلم ترد رواية منها في الفضولي حتّى يستفاد منها عدم اعتبار استمرار القابلية بالصراحة أو الظهور كما هو ظاهر .

وأمّا النقض الذي أورده على صاحب الجواهر (قدّس سرّه) فأعجب ، لأنّ الكلام في اعتبار قابلية المتعاقدين في نفسهما ، وأمّا الخروج عن المالكية بالاجازة فهو ممّا لا مانع عنه أبداً ، ومن الظاهر أنّ المالك في البيوع المتعاقبة لم يخرج عن أهلية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّمت مصادرها في ص390 ، 396 .

ــ[476]ــ

الملك والقابلية لولا الاجازة ، فهذا النقض من مثله بالنسبة إلى صاحب الجواهر غريب ، هذا كلّه بالنسبة إلى ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر (قدّس سرّه) فإن كان الخروج عن القابلية بالموت فالظاهر أنّ المعاملة صحيحة على كلا القولين من الكشف والنقل .

أمّا على الكشف ، فلوضوح أنّ الاجازة تكشف عن صحّة البيع حين العقد وهما كانا حيّين عند العقد ، وخروج أحدهما عن الأهلية بعده لا يوجب فساد المعاملة للعمومات والاطلاقات الواردة في صحّة بيع الفضولي الشاملة لما إذا خرج أحد المتعاقدين عن القابلية حين الاجازة ، نعم لو كان المدرك في صحّة البيع الفضولي هو الأخبار الخاصّة المتقدّمة كرواية عروة البارقي أو صحيحة محمّد بن قيس ونحوهما ، كان اللازم أن نقتصر على موردها ، وهما ظاهرتان في حياة المالكين والمتعاقدين ، ولم يمكن التعدّي منهما إلى ما إذا خرجا عن الأهلية بالموت إلاّ أنّك عرفت أنّ المدرك هو العمومات وهي شاملة للمقام من دون قصور.

وأمّا على النقل ، فلأنّ المعاملة إنّما تتقوّم بالمبادلة بين المالين ولا نظر فيها إلى المالكين ، فإذا صدرت الاجازة من المالك المجيز فتتوقّف صحّة المعاملة على إجازة وارث الأصيل الذي فرضناه خارجاً عن الأهلية بالموت ، لأنّ الموت لا يوجب بطلان المعاملة حينئذ ، غاية الأمر أن يكون بيعه بالنسبة إلى الوارث فضولياً لأنّه باع ما ملكه الوارث بعد ذلك فيتوقّف على إجازة الوارث ، وسيأتي في المسألة الآتية أنّه لا يعتبر في المجيز أن يكون مالكاً حين العقد على ما ذهب إليه الشيخ أسد الله التستري ، ولا مانع من أن يكون المجيز غير المالك حين العقد ، هذا كلّه بالنسبة إلى الموت .

وأمّا إذا كان الخروج عن الأهلية بالارتداد والكفر ، فالظاهر كما نقل عن كاشف الغطاء وغيره أنّهم لم يفرّقوا في المرتدّ الفطري بين كون المبيع مصحفاً أو عبداً

ــ[477]ــ

مسلماً وبين كونه من الأشياء الاُخر ، وقد حكموا بالصحّة على الكشف والبطلان على النقل ، ولكنّه مبني على أنّ الارتداد عن فطرة يوجب عدم قابلية المرتدّ للملك مطلقاً ، إلاّ أنّ هذا ممّا لم يدلّ دليل على صحّته وإنّما ورد أنّ المرتدّ عن فطرة تقسّم أمواله بين ورثته وتنتقل إليهم ، وأمّا أنّه إذا اكتسب مالا بعد الارتداد لا يكون مالكاً له فلا يستفاد من شيء ، وعليه لابدّ في الفطري أيضاً من التفصيل بين كون المبيع من قبيل المصحف والعبد المسلم ونحوهما ممّا لا يملكه الكافر وبين غيره فالثمرة تظهر في بيع المصحف والعبد المسلم فإنّه على الكشف يصحّ لأنّه كان مسلماً حين العقد وعلى النقل يكون باطلا لأنّه حين الاجازة كافر وهو لا يتملّك شيئاً منهما كما لا يخفى ، وأمّا في غيرهما كالفرش والدار ونحوهما فلا يبطل على النقل أيضاً حتّى في الارتداد عن فطرة ، إذ لا دليل على أنّ المرتدّ الفطري لا يتملّك بعد الارتداد .

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرناه من بطلان بيع المصحف ونحوه عند ارتداد المشتري قبل الاجازة بناءً على القول بالنقل إنّما هو فيما إذا كان الثمن كلّياً ، وأمّا إذا كان شخصياً وكان الارتداد عن فطرة فهو ينتقل إلى ورثة المرتدّ فتكون المعاملة بقاءً على مال الورثة فتتوقّف على إجازتهم كما مرّ في الموت ، لأنّه بالنسبة إلى الوارث فضولي ولا يكون البيع باطلا ، فلا تكون حينئذ ثمرة بين القول بالكشف والقول بالنقل ، وإنّما تظهر الثمرة عند كون الثمن كلّياً إذ لا مالية له إلاّ بالاضافة وهو قد اُضيف إلى ذمّة المرتدّ ، ولا ينتقل إلى الورثة لمغايرة ما اُضيف إلى ذمّته بالنسبة إلى ما في ذمّة الورثة .

والحاصل : أنّ الارتداد موت شرعي ، وعليه فلا فرق بينهما في البيع الشخصي من حيث الصحّة فيهما على كلا القولين من النقل والكشف ، غاية الأمر أنّها على النقل تتوقّف على إجازة الوارث في كلّ واحد من الارتداد والموت ، لأنّه بالنسبة إلى الوارث فضولي فيهما ، كما لا فرق بينهما في البيع الكلّي من حيث البطلان

ــ[478]ــ

في كليهما على القول بالنقل دون الكشف ، لأنّ ما في ذمّة الميّت والمرتدّ غير ما في ذمّة وارثهما ، فلا فرق بينهما من هذه الجهات . نعم يظهر الفرق بين الارتداد والموت على القول بالكشف فيما إذا كان الثمن عبارة عمّا في ذمّة أحدهما من المنافع كما إذا اشتريا المصحف أو العبد المسلم في مقابل أن يكنسا دار البائع أو في مقابل عمل آخر ، فإنّ البيع في صورة الموت باطل ، لعدم تمكّنه من الثمن واستحالة الكنس أو العمل في حقّ الميّت فيبطل ، اللهمّ إلاّ إذا حكمنا بالانتقال إلى القيمة ، وهذا بخلاف المرتدّ فإنّ البيع لا يبطل بالنسبة إليه بل ينتقل المصحف أو العبد إلى الوارث ويلزم المرتدّ على العمل من الكنس أو غيره لقدرته عليه إلاّ فيما إذا كان العمل ممّا يشترط فيه الطهارة والإسلام كالصوم والصلاة ، فالبيع بالنسبة إلى الميّت باطل لعدم قدرته على تسليم الثمن ، وصحيح في حقّ المرتدّ فلا تغفل ، هذا كلّه بالنسبة إلى ارتفاع الأهلية والقابلية عن المالكين قبل الاجازة وبعد العقد .

وأمّا إذا ارتفعت القابلية عن المالين وخرجا عن قابلية التموّل بالتلف وشبهه كما إذا صار الخلّ خمراً لأنّه تلف شرعي قبل الاجازة ، فيقع الكلام فيه من جهتين : إحداهما أنّ الخروج عن قابلية التموّل هل يوجب بطلان العقد على النقل دون الكشف ، وتظهر الثمرة بينهما في مثله أو لا ؟

وثانيهما : أنّ استمرار قابلية التموّل في المالين شرط في صحّة العقد والاجازة كما ادّعاه صاحب الجواهر(1) أو أنّ الاستمرار غير لازم ؟

فأمّا الكلام في الجهة الاُولى فملخّصه : أنّ الخروج عن القابلية بالتلف ونحوه إن كان قبل القبض فلا إشكال في أنّه يوجب البطلان على كلا القولين .

أمّا على النقل ، فلوضوح أنّ المال قد تلف قبل البيع والمعاملة على المعدوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 22 : 291 .

ــ[479]ــ

باطلة .

وأمّا على الكشف ، فلأنّ الاجازة وإن تكشف عن الملكية من حين العقد إلاّ أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال مالكه فيوجب التلف انفساخ المعاملة ، إذ المفروض أنّ المال لم يقبض ، ومعنى كلّ مبيع تلف قبل قبضه أنّ المال يدخل في ملك البائع قبل التلف بآن ويتلف في ملك البائع كنايةً عن انفساخ المعاملة ورجوع الثمن والمثمن إلى ملك مالكهما الأوّل فلا تظهر ثمرة بين القولين حينئذ .

وأمّا إذا خرجا عن القابلية بالتلف ونحوه بعد القبض فلا مانع من الالتزام بالصحّة على الكشف والبطلان على النقل وتظهر الثمرة بينهما حينئذ .

والتلف بعد القبض يتصوّر على وجهين :

أحدهما : ما إذا كان المبيع بيد المشتري قبل المعاملة بإذن مالكه كما إذا استأجر الدار من مالكها وسكن فيها بإذنه ثمّ اشتراها بالبيع الفضولي وتلفت قبل الاجازة ، فإنّ المعاملة صحيحة على الكشف لأنّ الملكية حصلت حين العقد وقد قبض المشتري المال ، والتلف بعد القبض لا أثر له ، وذلك لأنّ المفروض أنّ المشتري قد قبض الدار من مالكها بإذنه وإن لم يقبضها المالك بعنوان المعاملة إلاّ أنّ قبضه صحيح ومستند إلى إجازة المالك ومثله يكفي في القبض ، ولكنّها باطلة على النقل لأنّها تلفت قبل المعاملة ، والقبض قبلها لا يوجب صحّة البيع أبداً لأنّها قد انعدمت والمعاملة على المعدوم لا تصحّ .

وثانيهما : ما إذا كان الفضولي وكيلا من قبل المالك في خصوص قبض كلّ ما للمالك من الأموال ، واشترى مالا للمالك فضولا وقد قبضه من البائع فتلف بعد القبض ، فإنّه يصحّ على الكشف لتقدّم الملكية والقبض على التلف ، والمفروض أنّ القابض وكيل في قبض أموال المالك وقبضه قبض المالك لا محالة ، ويبطل على النقل لانعدام المال قبل المعاملة .

ــ[480]ــ

والغرض من هذا التطويل دفع ما أورده بعضهم ومنهم شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) على كاشف الغطاء (قدّس سرّه) في المقام من أنّ المعاملة عند التلف باطلة على كلا القولين ، أمّا على النقل فظاهر ، وأمّا على الكشف فلأجل أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ، إلاّ أنّك عرفت أنّ التلف يمكن أن يتصوّر بعد القبض وعليه تظهر الثمرة بين القولين لا محالة ، هذا.

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) مثّل للخروج عن المالية بمثالين : التلف وعروض النجاسة على المبيع مع ميعانه ، ولم نفهم الوجه في المثال الثاني وأنّ عروض النجاسة على المائعات كيف يخرج المائع عن المالية والملكية مع أنّه (قدّس سرّه) صرّح بجواز بيع المتنجّس كالدهن ونحوه للاستصباح أو لجعله صابوناً بل لطلي السفن ونحوه ، فلا يمكن المصير إلى أنّ الدهن بتنجّسه يخرج عن المالية ، غاية الأمر أنّ بيعه غير جائز فيما يتوقّف استعماله على الطهارة إلاّ أنّه لا يوجب الخروج عن المالية والملكية بوجه حتّى أنّه لو أتلفه أحد نحكم بضمانه للمالك كما هو ظاهر .

نعم تظهر الثمرة بين القولين في المثال إلاّ أنّه لا لأجل خروج المالين عن المالية بل من جهة انتفاء شرط من شروط صحّة البيع ، وعليه ينبغي أن يدرج ذلك في المقام ويلحق بالقسمين المتقدّمين أعني صورة خروج المالكين عن الأهلية وصورة خروج المالين عن المالية ويقال بظهور الثمرة فيما إذا خرج المالكان عن القابلية أو خرج المالان عن التموّل أو انتفى شرط من شرائط صحّة البيع كما عرفت ، هذا كلّه في الجهة الاُولى .

أمّا الكلام في الجهة الثانية : فقد عرفت أنّ صاحب الجواهر (قدّس سرّه)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 85 .

(2) المكاسب 3 : 418 .

 
 

ــ[481]ــ

قد ادّعى ظهور الأدلّة في اشتراط استمرار القابلية والمالية والشرائط في صحّة المعاملة والاجازة ، وقد تبعه بعض المتأخّرين وذكروا أنّه لا إطلاق في أدلّة صحّة الفضولي ليمكن التعدّي ، بل لابدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن وهو صورة استمرار القابلية والمالية والشرائط .

إلاّ أنّك عرفت أنّ ذلك إنّما يتمّ فيما إذا استدللنا على صحّة الفضولي بالأخبار الخاصّة الواردة في بعض الموارد المخصوصة ، وأمّا إذا كان المدرك على صحّة الفضولي هو الاطلاقات والعمومات فلا ينبغي الإشكال في إطلاقها وشمولها للمقام وبها ندفع اشتراط الاستمرار بحسب القابلية والمالية والشرائط ، فلا يمكن المصير إلى ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) من بطلان المعاملة على كلا القولين ، بل قد عرفت أنّ الثمرة بينهما تظهر في الموارد المتقدّمة ، فما ذكره كاشف الغطاء هو الصحيح ، هذا ما يرجع إلى كلمات صاحب الجواهر (قدّس سرّه) .

وأمّا ما أفاده شيخنا الأنصاري في مقام الجواب عن صاحب الجواهر (قدّس سرّه) من أنّه لا دليل على استمرار القابلية والمالية في المعاملة ، بل الدليل على عدم الاشتراط موجود وهو الروايات الواردة في صحّة الفضولي حيث إنّ ظاهر بعضها وصريح الآخر عدم اعتبار الحياة في المتعاقدين حال الاجازة ، مضافاً إلى إطلاق رواية عروة حيث لم يستفصل النبي (صلّى الله عليه وآله) عن موت الشاة أو ذبحها وإتلافها ، وإلى فحوى خبر تزويج الصغيرين .

فمندفع بما ذكرناه سابقاً من أنّه (قدّس سرّه) أراد بالظاهر ما ورد في المضاربة وفي الاتّجار بمال اليتيم من أنّ الربح للمالك والصغير ، والخسران على العامل والمتصرّف ، حيث إنّهما ظاهرتان في الاطلاق وعدم التفصيل بين موت

ــ[482]ــ

المالك وعدمه ، إلاّ أنّك عرفت أنّهما أجنبيتان عن الفضولي ولا دلالة فيهما على صحّته كي يتمسّك بهما في المقام ، وأمّا الصريح فلم نفهم أنّه ما أراد بالصريح في الأخبار ، إذ لا رواية صريحة في ذلك بين الأخبار ، وأمّا رواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون فهي صريحة في موت الموكّل وتدلّ على صحّة بيع الوكيل فيما إذا مات الموكّل بعد البيع ، ولا إشكال في صحّة بيع الوكيل ومعاملاته فيما إذا مات الموكّل بعد المعاملة ، وهذه لا ربط لها بالمقام كما لا يخفى .

وأمّا ما استشهد به ثانياً ففيه : أنّ عدم الاستفصال لأجل الاطمئنان بعدم موت الشاة أو تلفها ، إذ من البعيد أن تموت الشاة في ذلك الزمان القصير المتخلّل بين بيعها وإجازة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وعلى تقدير الشكّ فالاستصحاب جار وأمّا ذبح الشاة وأنّه لم يستفصل بين ذبحها وعدمه ، ففيه : أنّ ذبحها لا يخرجها عن المالية والملكية كما لا يخفى والكلام في خروج المالين عن المالية فلا تغفل .

وأمّا استدلاله برواية تزويج الصغيرين فهو عجيب ، إذ على تقدير صحّتها في موردها كيف يمكن التعدّي منها إلى المعاملات الفضولية فإنّ التعدّي منها قياس لا نقول به . ودعوى الفحوى والأولوية كما صدرت منه (قدّس سرّه) ممنوعة من جهة أنّا إنّما قلنا بدلالة الرواية الواردة في صحّة النكاح الفضولي على صحّة البيع الفضولي بالأولوية من أجل أنّ النكاح ـ بما أنّ فيه الفروج والأولاد ـ أهم عند الشارع قطعاً  ، فإذا صحّ الفضولي في النكاح فتدلّ على صحّته في البيع بطريق أولى .

وأمّا في المقام فبما أنّه لا يترتّب على صحّة النكاح بعد فرض موت الزوج ولد ولا وطء فلا يمكن التعدّي منه إلى البيع ، إذ لا أهمية له عليه ولا أولوية في البين فكيف يمكن التعدّي عن صحّة النكاح بالاجازة الذي لا يترتّب عليه إلاّ إرث الزوجة إلى صحّة جميع العقود الفضولية لينتقل الثمن والمثمن إلى المالكين . فالمتحصّل أنّه لا يمكننا المساعدة على شيء ممّا أفاده في المقام ، هذا كلّه فيما إذا كان المالكان

ــ[483]ــ

والمالان والبيع واجدين للقابلية والمالية والشروط حين العقد ولكنّها ارتفعت بعد العقد إلى زمان الاجازة .

وأمّا إذا انعكس الأمر كما إذا كان المالكان غير واجدين للقابلية أو كان العوضان فاقدين للمالية أو كان البيع فاقداً للشروط حين العقد فصارا واجدين لها في زمان الاجازة فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في المقام أنّ المعاملة باطلة حينئذ على كلا القولين لعدم تمامية الشروط في العقد ، ثمّ ذكر أنّ باب المناقشة في ذلك وإن كان واسعاً إلاّ أنّ الأرجح في النظر ما ذكرناه ، هذا .

ولكن التحقيق أن يفصّل بين الشروط فإن كان الشرط راجعاً إلى المتعاقدين كالبلوغ والعقل ونحوهما وفرضنا أنّ أحدهما كان صبيّاً حين العقد ثمّ بلغ حين الاجازة ، فلا ينبغي الإشكال في بطلان العقد على كلا المسلكين ، لأنّ عمد الصبي وخطأه سيّان ، فلا اعتبار بما صدر منه حال كونه صبيّاً ، فلا عقد حتّى يصحّ على الكشف أو النقل .

وأمّا إذا كان الشرط من شروط نفس البيع كعدم كونه غررياً وكان ذلك الشرط مفقوداً حال العقد الفضولي ثمّ ارتفع الغرر قبل الاجازة كما إذا باعه صندوقاً مقفّلا من دون أن يعلم المشتري بما في الصندوق من الأموال ثمّ علمه بعد البيع قبل الاجازة ، فالمعاملة باطلة أيضاً على كلا المسلكين ، لاشتراط عدم الغرر في البيع حال الحدوث فوجوده مانع عن صحّة البيع لا محالة ، وارتفاعه بعد ذلك لا ينفع في صيرورة البيع صحيحاً ، فما أفاده متين في هذه الصورة أيضاً . وأمّا إذا كان الشرط من شرائط المالين فهو ينقسم إلى قسمين :

فتارةً يكون أحد المنقولين أو كلاهما ممّا لا مالية له تكويناً أو ممّا حكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 418 ـ 420 .

ــ[484]ــ

الشارع بعدم ماليته شرعاً حين العقد ثمّ انقلب إلى المال حال الاجازة ، وهذا أيضاً لا مجال لصحّته على كلا القولين ، فإذا باع الثمرة قبل بدوّ صلاحها أي زمان كونها زهراً على نحو الفضولي ثمّ بدا صلاحها حين الاجازة من المالك ، أو كان المبيع خمراً حال العقد ثمّ صار خلا حين الاجازة فإنّ العقد في المثالين إنّما وقع على المعدوم حقيقة أو شرعاً ، لأنّ الثمرة غير موجودة قبل بدوّ الصلاح واقعاً كما أنّ الخمر محكومة بعدم المالية شرعاً فلا محالة يكون باطلا ، إذ لا معنى لصحّة العقد على المعدوم على كلّ من المسلكين وأمّا ما وجد بعد ذلك فهو لم يقع عليه عقد حتّى يصحّ بالاجازة .

واُخرى : يكون كلّ واحد من المنقولين مالا حقيقة ولكن تختلف أوصافهما فيتّصفان بشيء حال العقد وبشيء آخر حال الاجازة ، وفي مثل هذا لا وجه للبطلان على كلا المسلكين كما إذا كان المبيع وقفاً أو ماءً متنجّساً أو اُمّ ولد حال العقد ثمّ صار الوقف مورداً للخلاف بين أهله حتّى انتهى الأمر إلى القتل والجدال فصار بيعه صحيحاً حال الاجازة ، أو طهّرنا الماء قبل صدور الاجازة من المالك فجاز بيعه بعدما كان بيعه باطلا لاشتراط الطهارة في المبيع ، أو مات ولد الاُمّ فصحّ بيعها حال الاجازة ، ومثل ذلك صحيح على كلا القولين ، أمّا على النقل فواضح لأنّه حين الاجازة مال يجوز بيعه وقد وقع العقد على هذا المال فبالاجازة يستند إلى المالك وحين الاستناد هو واجد لشرط الصحّة فتعمّه العمومات ، وأمّا على الكشف فلأنّ الاجازة لا تكشف عن الملكية من حين العقد حتّى يقال إنّ المبيع حال العقد كان وقفاً أو ماءً متنجّساً أو اُمّ ولد وكيف يحكم بدخولها في ملك المشتري مع أنّ بيعها غير صحيح حينئذ ، وإنّما تكشف عن الملكية من زمان صيرورة الوقف أو الماء أو الاُمّ ممّا يجوز بيعه لأجل ما طرأ عليها من المجوّزات ، فما أفاده (قدّس سرّه) من البطلان على كلا القولين غير تامّ في هذه الصورة .

ــ[485]ــ

كما أنّ الشرط إذا كان راجعاً إلى المالكين لا إلى المتعاقدين ولا إلى المالين ولا إلى البيع كاشتراط الإسلام في مالك الثمن في بيع المصحف أو العبد المسلم ، فلا مانع من الالتزام بصحّة البيع على كلا القولين ، أمّا على القول بالنقل فلوضوح أنّ المشتري قد صار مسلماً حال الاجازة ، وأمّا على الكشف فلأنّ الاجازة إنّما تكشف عن الملكية من زمان إسلام المشتري للمصحف والعبد لا من زمان العقد حتّى يقال إنّه حين العقد محكوم بعدم التملّك لهما ، فإذا باع الفضولي شيئاً منهما من الكافر للنسيان أو الغفلة والاشتباه ثمّ أسلم الكافر قبل الاجازة فهو صحيح على كلا المسلكين ، فلا وجه لما أفاده (قدّس سرّه)(1) من البطلان على كلا القولين في هذه الموارد كما هو ظاهر .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري ذكر أنّ الثمرة بين الكشف والنقل تظهر في موارد اُخر كالنذر والزكوات والخيارات وحقّ الشفعة .

أمّا النذر فلأنّه إذا نذر كذا عند كونه مالكاً للمال الفلاني في الوقت الفلاني فيجب عليه الوفاء بالنذر بعد العقد على المال المذكور ولو على نحو الفضولي بناءً على الكشف ، لأنّ الاجازة إنّما تكشف عن الملكية حال العقد ، وهذا بخلاف القول بالنقل لأنّه قبل الاجازة لم يملك المال حتّى يجب عليه الوفاء بالنذر .

وأمّا الزكاة فالظاهر أنّه لا ثمرة فيها بين المسلكين ، وذلك لأنّ وجوب الزكاة لا يتوقّف على الملكية فقط ليجب إخراجها على المشتري بعد العقد على الكشف دون النقل ، بل يتوقّف على الملكية مع التمكّن من التصرف في المال ، وفي المقام وإن تملّك المال قبل الاجازة على الكشف إلاّ أنّه غير متمكّن من التصرف فيه شرعاً ، فلا يفترق الحال في الزكاة بالنسبة إلى المشتري بين القول بالكشف والقول بالنقل ، وإنّما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المكاسب 3 : 420 .

ــ[486]ــ

يجب عليه إخراج الزكاة بعد الاجازة على كلا القولين .

نعم ، تظهر الثمرة فيها بالنسبة إلى المالك ، لأنّه على القول بالكشف لا يجب عليه الزكاة ، إذ المفروض أنّه خارج عن ملكه واقعاً حتّى قبل الاجازة ، والزكاة إنّما تجب على المالك كما لا يخفى ، وأمّا على القول بالنقل فتجب عليه الزكاة لأنّه المالك حسب الفرض ، والمفروض أنّه متمكّن من التصرف فيه أيضاً .

وأمّا الخيارات ففي مثل خيار الحيوان لا بأس بالثمرة بين المسلكين لأنّه إنّما ثبت لصاحب الحيوان كما في الأخبار ، فمع القول بالكشف فالمشتري صاحب للحيوان من حين العقد ، وعلى النقل إنّما يصير مالكاً بعد الاجازة لا من حين العقد فالثلاثة في الخيار تحتسب من حين العقد على الكشف ومن حين الاجازة على النقل  .

وكذا تظهر الثمرة في خياري العيب والغبن ، فله الفسخ والامضاء من حين العقد على الكشف دون النقل ، لأنّه عليه لم يملك المال حتّى يحكم بالخيار له من حين المعاملة ، نعم لا يصحّ له مطالبة الارش من المالك في خيار العيب قبل الاجازة ولو بناءً على القول بالكشف ، إذ للمالك أن يقول إنّي لم أرض بالمعاملة بعد فكيف تطالبني بالأرش ولكنّه يتمكّن من الفسخ والامضاء ، وهذا لا ينافي ما ذكرناه سابقاً من أنّ الأصيل لا يتمكّن من الفسخ لأنّه إنّما يفسخ في المقام من جهة الخيار .

وتظهر الثمرة بين الفسخ والردّ في النماء المتخلّل بين العقد والفسخ على القول بالكشف ، ففي فرض الفسخ يكون نماء المبيع للمشتري ونماء الثمن للبائع وأمّا في فرض الردّ فالأمر بالعكس .

وأمّا خيار المجلس فيمكن أن يقال إنّه مترتّب على الاجازة على كلا القولين أمّا على القول بالنقل فواضح لأنّ « البيّع » إنّما يصدق عليهما حين الاجازة دون قبلها ، وأمّا على القول بالكشف فلأنّ الاجازة وإن تكشف عن الملكية حال العقد

ــ[487]ــ

إلاّ أنّ الخيار لم يترتّب على الملكية في الأخبار ، بل على عنوان « البيّع » كما في الروايات ، ولا إشكال أنّ البيع إنّما يسند إلى المالك بالاجازة وأمّا قبلها فلا بيع للمالك أبداً ، فالبيّع إنّما يصدق عليه بالاجازة وإن كانت الملكية متقدّمة عليه ، ولا مانع من تغاير الملكية وصدق عنوان البيّع وانفكاك أحدهما عن الآخر أبداً ، وهذا كما إذا قلنا بصحّة البيع فيما إذا باع أحد ماله فعلا قبل ستّة أشهر مثلا بأن يكون البيع فعلا والملكية قبل الأشهر الستّة حتّى تكون المنافع للمشتري من زمان الملكية ، فإنّ خيار المجلس إنّما يتحقّق حين البيع لا من حين الملكية المتقدّمة وذلك ظاهر ، فالمناط بالمجلس حال الاجازة ولعلّه ظاهر . وأمّا ما عن شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من أنّه لا خيار في أمثال المقام فلم نجد له وجهاً ، لشمول إطلاق قوله (عليه السلام) «  البيّعان بالخيار »(2) لهما بعد الاجازة كما ذكرناه فلا تغفل .

وأمّا حقّ الشفعة فهو أيضاً تظهر فيه الثمرة بين المسلكين ، فإذا كان زيد شريكاً لعمرو في دار فباع الفضولي حصّة زيد من ثالث وقبل إجازة زيد باع عمرو حصّة نفسه من شخص رابع ثمّ أجاز زيد ما باعه الفضولي من حصّته ، فعلى القول بالكشف فالشفعة للمشتري من الفضولي لأنّه صار شريكاً مع عمرو فباع عمرو حصّته من آخر فله الشفعة ، وعلى القول بالنقل تكون الشفعة للمشتري من عمرو لأنّه صار شريكاً مع زيد فباع زيد حصّته من آخر ، فالشفعة للمشتري من عمرو لأنّه المالك الشريك عند بيع زيد حصّته من الآخر وهو واضح .

وأمّا مسألة تعاقب الأيادي فسيأتي الكلام فيها في محلّها فانتظر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 87 .

(2) الوسائل 18 : 5 / أبواب الخيار ب1 ح1 وغيره .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net