5 ـ إجازة المعاملة ليست إجازة للقبض والاقباض 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4461


التنبيه الخامس

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ إجازة المعاملة الفضولية ليست إجازة للقبض والاقباض ، إلاّ في بعض الموارد فإنّها بدلالة الاقتضاء توجب إجازة القبض والاقباض أيضاً كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكيف كان فإذا صرّح بالاجازة فيهما أو فهمناها بدلالة الاقتضاء فهل تكون الاجازة بالنسبة إلى القبض أو الاقباض صحيحة أو أنّها ممّا لا يترتّب عليه أثر أصلا ، فقد فصّل شيخنا الأنصاري بين القبض والاقباض في الثمن المعيّن وبين القبض في الكلّي المتشخّص به وذلك لأنّ الاجازة إنّما تسند الفعل الصادر من الفضولي إلى المجيز فيما إذا كان الفعل من قبيل الاُمور الاعتبارية كالبيع والهبة ونحوهما ، وأمّا في الأفعال الخارجية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 428 .

ــ[502]ــ

التكوينية فلا معنى للاجازة فيها ، لأنّ أكل أحد لا ينتسب إلى الآخر بالاجازة وكذلك النوم وغيره من الأفعال الصادرة عن الغير لا تستند إلى المجيز بالاجازة والقبض أيضاً من الأفعال التكوينية الخارجية فلا معنى للاجازة فيه ، إلاّ أن يقوم دليل على صحّتها فيه أيضاً .

فإذا كان الثمن معيّناً فأجازه المالك في قبضه فمرجع الاجازة إلى إسقاط الضمان عن المشتري وأنّه إذا تلف بعد ذلك فيخرج من المالك لا من المشتري ، كما أنّ المثمن إذا كان معيّناً فمرجع الاجازة في إقباضه إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا المالك ، ولا يعتبر في الاقباض إلاّ ذلك المعنى ، إذ لا يشترط فيه أن يأخذه المالك بيده ثمّ يقبضه من المشتري ، فلذا إذا كان المبيع بيد المشتري سابقاً فرضي به المالك صحّ الاقباض لا محالة .

وأمّا إذا كان الثمن أو المثمن كلّياً يتشخّص بالقبض والاقباض فلا وجه لصحّة الاجازة فيهما ، لأنّ قبض غير المالك أو إقباضه لا يوجب تشخّص الكلّي فيما أخذه الفضولي أو أقبضه بوجه ، هذا ملخّص ما أفاده في المقام .

ولا يخفى أنّ ما أفاده في طرف الاقباض من أنّه إذا كان المبيع معيّناً فمرجع الاجازة إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا المالك وأنّه يكفي في الاقباض وإن كان متيناً لا محالة لما عرفت ، إلاّ أنّ ما ذكره في طرف قبض الثمن وأنّ الاجازة فيه ترجع إلى إسقاط الضمان عن المشتري غير تامّ ، لأنّ قبض الأجنبي لا يسقط الضمان فلو تلف تحت يد الفضول يشمله عموم « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه  » فيوجب انفساخ البيع ، إذ المراد بالمبيع هو الأعمّ من الثمن أو المثمن ، وكذا الحال فيما إذا فرضنا البائع أصيلا والمشتري مجيزاً فإن قبض الفضولي للبيع لا يكفي في سقوط الضمان لأجل العموم ، ومعنى ذلك الحكم بانفساخ المعاملة عند تلف المبيع قبل قبضه ، وهذا حكم شرعي لا يقبل الاسقاط حتّى يقال إنّه بالاجازة أسقط

ــ[503]ــ

الضمان ، فإنّ معنى الضمان ليس إلاّ حكم الشارع بالانفساخ ، ولو كان قبض الأجنبي وإقباضه مستنداً إلى المالك باجازته فلماذا منع عن ذلك فيما إذا كان الثمن أو المثمن كلّياً ، هذا .

ولكن الصحيح أن يقال : إنّ الاجازة المتأخّرة في القبض والاقباض في البيع الشخصي والكلّي كالاذن المتقدّم عليهما ، فكما أنّه إذا كان مأذوناً فيهما من قبله أو كان وكيلا له في ذلك كان القبض والاقباض صحيحين ويترتّب عليهما الأحكام من إسقاطه الضمان ونحوه ، فكذلك الحال في الاجازة المتأخّرة عنهما ، لأنّ القبض والاقباض ليسا كغيرهما من الأفعال التكوينية غير القابلة للاجازة كما في الأكل والنوم والصلاة وغيرها ، لأنّها لا تستند إلى المجيز بالاجازة ولا بالاذن والوكالة وهذا بخلاف القبض والاقباض فإنّ فعل الوكيل فعله وقبضه قبضه في ترتّب آثاره عليه ، وكذلك القبض الصادر من الأجنبي يستند إليه بالاجازة . والضابط أنّ كلّ ما يقبل الوكالة يقبل الاجازة ولا إشكال في أنّ الوكيل في القبض والاقباض يترتّب على فعله جميع ما يترتّب على فعل موكّله ، فكذلك فيما إذا أجازهما بعداً ، وهذا من دون فرق بين الكلّي والشخصي ، كما أنّه مع قطع النظر عن ذلك لا فرق في ورود الإشكال بينهما ولعلّه ظاهر .

فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ الاجازة توجب صحّة القبض والاقباض من دون فرق بين بيع العين الشخصية والعين الكلّية أبداً ، لأنّهما ممّا يقبل الوكالة والاذن فيقبلان الاجازة المتأخّرة كما هو ظاهر ، ويشهد لذلك الارتكاز العقلائي فإنّه لو دفع المديون دَينه إلى أخ الدائن مثلا فأجاز الدائن ذلك فلا يشكّ أحد في فراغ ذمّته كما لو أذن له ابتداءً . ثمّ إنّ ما ذكرناه من أنّ إجازة العقد لا تستلزم إجازة القبض والاقباض إنّما هو في العقود التي لا تتوقّف صحّتها على القبض والاقباض .

وأمّا إذا كانا دخيلين في صحّة العقد السابق كما في الصرف والسلم فإنّ

ــ[504]ــ

المعاملة لابدّ وأن تكون فيهما يداً بيد كما في الروايات وقد عبّر الفقهاء عنه بالتقابض في المجلس ، ففي مثله إذا كان المجيز للعقد ملتفتاً إلى أنّ صحّة العقد متوقّفة على إجازة القبض والاقباض ، فاجازته للعقد تدلّ بالدلالة الالتزامية على إجازة القبض والاقباض أيضاً ، وأمّا إذا كان غافلا أو صرّح بالاجازة للعقد وعدم الاجازة للقبض والاقباض لأجل أنّ الفضولي ليس مورداً للاطمئنان فلعلّه يأكل المال ولا يدفعه إلى المجيز أو لغير ذلك من الجهات ، فلا محالة يحكم بالبطلان لعدم صحّة البيع من دون قبض ولا إقباض .

وأمّا ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من احتمال بطلان ردّ القبض بعد إجازة العقد وأنّه يلزم باجازة القبض أيضاً فهو من غرائب الكلام ، لأنّ المالك له أن يجيز وله أن يردّ واختيار ذلك بيده ، فكيف يمكن إلزامه بشيء منهما مع أنّه مالك مسلّط على ماله ، فهو نظير الالزام ببيع شيء من أمواله ابتداءً ، هذا .

ثمّ إنّه بقي في المقام شيء : وهو أنّ نزاع الكشف والنقل لا يجري في إجازة القبض والاقباض ، فإنّه إنّما يأتي في مثل الاجازة المتعلّقة بالعقد السابق الذي أصدره الفضولي وقلنا بصحّته بعد الاجازة للعمومات ، فعند ذلك يقال إنّها تكشف عن الملكية من حين العقد كما هو ظاهر ، وأمّا في مثل القبض فلا معنى فيه للكشف فإنّه فعل من الأفعال الخارجية . وبعبارة اُخرى الاُمور الاعتبارية كالبيع والهبة إذا لحقتها الاجازة تستند إلى المالك فيكون بيع الفضولي أو هبته بيعاً للمالك ، وأمّا الاُمور التكوينية كالقبض والاقباض الصادرين من الأجنبي فهي لا تستند إلى المالك بمجرد إجازته فإن قبض الفضولي الصادر سابقاً لا يكون قبضاً للمالك ، نعم إجازة القبض تكون بنفسها قبضاً للمالك فالاستناد يكون بحسب البقاء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 429 .

ــ[505]ــ

نعم لا مانع من أن يحكم الشارع بحصول الملكية من حين القبض الصادر من الفضولي إلاّ أنّه لا دليل عليه إثباتاً ، وعليه إذا باع أو اشترى الفضولي بالصرف أو السلم وقد قبض وأقبض العوضين ثمّ أجاز المالك البيع والقبض تتحقّق الملكية من حين الاجازة إذ لا قبض للمالك قبلها ، كما أنّ مجلس البيع يكون مجلس الاجازة لأنّ المالك يصير بائعاً ويستند إليه البيع بالاجازة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net