7 ـ مطابقة الاجازة للمجاز وعدمها 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4324


التنبيه السابع

أنّ الاجازة تارةً تطابق العقد الواقع من جميع الجهات واُخرى تخالفه والمخالفة تارةً على نحو التباين واُخرى بنحو الكلّية والجزئية وثالثة بنحو الاطلاق والتقييد .

أمّا فيما إذا كانت مطابقة للعقد الصادر من جميع الجهات فلا ينبغي الإشكال في صحّتها حينئذ وهو واضح ، كما أنّه إذا كانت مخالفة له بالتباين لا ينبغي الإشكال في بطلانها وفسادها وهذا كما إذا عقد الفضولي على الدار فأجاز المالك بيع المال الآخر  ، وهذا ظاهر .

وأمّا إذا كانت مخالفة له بنحو الكلّية والجزئية كما إذا عقد الفضولي على دارين للمالك فأجاز المالك بيع إحداهما دون الاُخرى ، أو باع داراً واحدةً وأجاز المالك بيع نصفها ، فالظاهر أنّ المعاملة صحيحة في المقدار الذي تعلّقت الاجازة به ، وذلك لما يأتي في بيع ما يملك وما لا يملك من أنّ المعاملة الواحدة تنحلّ عند العرف إلى بيوع متعدّدة ولا مانع من إجازة بعضها دون الآخر أبداً كما إذا باع شاة وخنزيراً فإنّ المعاملة بالاضافة إلى الشاة صحيحة وبالاضافة إلى الخنزير باطلة في مقابل ما


ــ[508]ــ

يخصّه من الثمن ، والحال في المقام من هذا القبيل فتصحّ المعاملة بالاضافة إلى إحدى الدارين أو نصفها في مقابل ما يخصّهما من الثمن ، غاية الأمر ثبوت خيار تبعّض الصفقة للأصيل ، وهذا لا خفاء فيه .

وأمّا إذا كانت مخالفة للعقد بنحو الاطلاق والتقييد ، فإن كان الاشتراط والتقييد على الأصيل للمالك كما إذا باعه الفضولي داراً واشترط عليه أن يخيط ثوب المالك مثلا ثمّ أجاز المالك نفس المعاملة مطلقة دون الاشتراط ، فلا إشكال في صحّة المعاملة حينئذ لأنّ مَن له الحقّ الذي هو المالك في المثال قد أسقط شرطه وحقّه ولم يطالب المشتري بما التزمه على نفسه فالمعاملة صحيحة .

وأمّا إذا كان الاشتراط على المالك للأصيل كما إذا باعه الفضولي شيئاً واشترط الخياطة على المالك للأصيل فأجاز المالك نفس المعاملة دون المعاملة المشروطة بالشرط فذهب شيخنا الأنصاري(1) إلى أنّ المعاملة باطلة ، لأنّ العقد وإن كان يقبل التبعيض من حيث الأجزاء كما مرّ في الأمثلة المتقدّمة ، إلاّ أنّه لا يقبل التبعيض من حيث الشرط أبداً ، لأنّ الشروط لا يقع بازائها الثمن وإنّما الثمن في مقابل نفس المال فقط .

وذكر شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) أنّ المعاملة في الصورة المفروضة صحيحة ، لأنّ الشرط وإن لم يحصل للمشتري حسب الفرض ولكنّه لا يضرّ بالمعاملة أبداً ، وهذا نظير تعذّر الشرط خارجاً وعدم وصوله للمشتري ، والوجه في ذلك أنّ اشتراط شيء في العقد ليس بمعنى تعليق العقد عليه حتّى يبطل العقد بانتفائه ، لأنّ التعليق في العقود يوجب البطلان بالاتّفاق ، وإنّما معناه هو الالتزام في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 430 .

(2) منية الطالب 2 : 103 .

ــ[509]ــ

الالتزام ، فإذا لم يحصل أحدهما فلا وجه لبطلان الآخر أبداً ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدّس سرّه) من أنّ الشرط التزام في الالتزام وليس العقد معلّقاً عليه وإلاّ لبطلت المعاملة للتعليق ممّا لا غبار عليه ، لأنّ معنى الاشتراط ليس عدم البيع على تقدير عدم حصوله ، وإلاّ لبطلت المعاملات المشروطة بالشرط للاتّفاق على أنّ التعليق يوجب البطلان ، ومع الغضّ عن ذلك فلازمه بطلان العقد عند تخلّف الشرط ، بل الاشتراط عبارة عن الالتزام في الالتزام ، وإنّما الكلام في معنى الالتزام في الالتزام وهل أنّه عبارة عن مجرّد التقارن بين الالتزامين من دون أن يكون أحدهما مربوطاً بالآخر بوجه كالالتزام الابتدائي نظير الوعد والعهد فهذا لا يمكن الالتزام به إذ لا وجه حينئذ للخيار عند تخلّف الشرط فإنّه غير واجب الوفاء كالوعد فلماذا نحكم بالخيار عند التخلّف حينئذ ، بل هو مخالف لمعنى الشرط لغة فإنّ الشرط هو الربط بين شيئين ومنه الشريط الذي يوضع على اللباس ، ولا ربط بين الشيئين على هذا الاحتمال .

فالتحقيق كما ذكرناه في محلّه : أنّ معناه عبارة عن أنّ الالتزام بالبيع والقيام عليه معلّق على الالتزام الآخر ، فأصل البيع غير معلّق على شيء بل هو متحقّق على كلا تقديري تحقّق الشرط وعدمه ، وإنّما المعلّق عبارة عن الالتزام بذلك البيع والثبات عليه والوفاء به ، وأنّ الوفاء بالعقد معلّق على وفاء الآخر بالشرط ومرجعه إلى جعل الخيار عند تخلّف الشرط خارجاً ، وعليه يثبت له الخيار فيما إذا تخلّف الشرط في المعاملة ، ولا يكون ذلك من قبيل التعليق في العقود ، لأنّ البيع والعقد غير معلّقين على شيء وإنّما المعلّق هو الالتزام بالمبادلة وعدم فسخها ، وعليه فالبيع قسمان لازم وخياري وهما حصّتان متغايرتان ، فإذا أوجد الفضولي إحدى الحصّتين فأجاز المالك الحصّة الاُخرى منهما فلا معنى لصحّة البيع حينئذ ، لأنّ إحداهما غير الاُخرى بالبداهة فلا تكون الاجازة مطابقة للعقد بوجه ، والتطابق

ــ[510]ــ

بينهما معتبر في صحّة المعاملات نظير التطابق بين الايجاب والقبول . وبعبارة اُخرى : العقد الواقع في الخارج لم تتعلّق به الاجازة وما تعلّقت به الاجازة حصّة اُخرى لم تقع خارجاً .

وهذا لا يقاس بما إذا تعذّر الشرط خارجاً بعد تمامية العقد من الطرفين فإنّ البائع والمشتري في صورة التعذّر قد رضيا بالبيع والشرط وطابق القبول الايجاب فيها غاية الأمر أنّ الشرط تعذّر خارجاً إمّا بالتعذّر العقلي كما إذا لم يتمكّن من الوفاء بالشرط حقيقةً بأن لم يتمكّن من تحريك لسانه ليدرّسه كما إذا اشترط عليه التدريس ، وإمّا بالتعذّر الشرعي كما إذا باعه شيئاً بشرط أن يأتيه بالخمر أو يقتل عدوّاً له ، فإنّه وإن كان متمكّناً من الفعلين حينئذ إلاّ أنّ الشارع نهاه عنهما فهما متعذّران شرعاً ، وهذا بخلاف المقام فإنّ أحدهما غير راض بفعل الآخر ولم يحصل التطابق بينهما ، فالمعاملة لم تتمّ بعد فكيف يقاس أحدهما بالآخر .

فالصحيح ما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من البطلان في الصورة المفروضة وإن كان ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) بالاضافة إلى معنى الاشتراط صحيحاً أيضاً ، هذا كلّه في صورة اشتراط الأصيل على المالك .

وممّا ذكرناه في تفصيله يظهر أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) من أنّ المقام نظير تخلّف الجزء فيما إذا باع شيئاً مركّباً ممّا لا وجه له ، فإنّ الالتزامين عند تخلّف الجزء متطابقان بخلاف المقام ، وتوضيحه : أنّه إذا باع الفضولي فرسين للمشتري فقبله الأصيل بالاجتماع بمعنى أنّ شراء كلّ واحد منهما مشروط بشراء الفرس الآخر ، ثمّ أجازه المالك في أحدهما دون الآخر ، لا وجه لبطلان المعاملة أبداً ، وذلك لأنّ المشتري كأنّه اشترى كلّ واحد منهما بشراء مستقل مشروطاً بشراء الفرس الآخر في المثال ، والمالك أجاز البيع الخياري في أحدهما دون الآخر حيث إنّ البيع في كلّ واحد منهما خياري ومشروط بشراء الآخر حسب الفرض

ــ[511]ــ

فالخيار عند تخلّف الشرط ثابت في كلّ واحد منهما من الابتداء ، والمالك أجاز أحد البيعين الخياريين دون الآخر ، فكأنّه قال أجزت بيع أحدهما وللمشتري الخيار وله الالتزام بالبيع وفسخه ، وهذا بخلاف المقام فإنّ المعاملة وقعت على المقيّد بالشرط والاجازة على المطلق فلم تتطابق الاجازة مع المعاملة ، والتطابق بينهما ممّا لا مناص عن الالتزام به في صحّة المعاملات ولعلّه ظاهر ، فلا وجه لما أفاده (قدّس سرّه) في المقام من أنّ تخلّف الشرط نظير تخلّف الجزء في عدم استلزامه البطلان في المعاملات  ، هذا كلّه فيما إذا وقع الاشتراط في ضمن العقد للأصيل على المالك أو للمالك على الأصيل .

وأمّا إذا كانت المعاملة مطلقة حين العقد واشترط المالك حين الاجازة أمراً على الأصيل ففيه وجوه : الأوّل صحّة الاجازة مع الشرط فيما إذا رضي به الأصيل . الثاني : صحّة الاجازة في نفسها دون الشرط لأنّه من قبيل الشروط الابتدائية وهي ممّا لا يجب الوفاء به . الثالث : بطلان الاجازة لأنّها مشروطة بالشرط فإذا لغى الشرط لغى المشروط لا محالة .

وقد مال شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) إلى الأخير ، إلاّ أنّ التحقيق هو الوجه الأوّل . أمّا عدم صحّتهما فيما إذا لم يرض به الأصيل فلما ذكرناه سابقاً من عدم تطابق الاجازة للعقد حينئذ ، فإنّها متعلّقة بالعقد المشروط والواقع خارجاً هو العقد المطلق والتطابق بينهما ممّا لابدّ منه . وأمّا صحّتهما أي الاجازة مع الشرط فيما إذا رضي به الأصيل فلأجل أنّ الشروط الابتدائية وإن كانت خارجة عن عموم «  المؤمنون عند شروطهم » وغيره من العمومات من جهة الإجماع على عدم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائية وإن كان على خلاف الأخلاق أو من جهة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 430 .

ــ[512]ــ

اقتضاء نفس الشرط فإنّه بمعنى الربط بين شيئين كما في القاموس(1) فلذا قلنا سابقاً إنّ الشريط مأخوذ من الشرط لأنّه يربط بين الشيئين كما هو ظاهر ، فلابدّ في تحقّق الشرط من وجود شيء يرتبط به شيء آخر ، وهذا مفقود في الشروط الابتدائية كما هو واضح فلا يجب الوفاء بها ، إلاّ أنّ الشرط في المقام لمّا كان في ضمن القبول أو ما هو بحكمه أعني الاجازة ولم يكن من قبيل الشرائط الابتدائية فلا مانع من شمول عموم « المؤمنون عند شروطهم » له بعد ما رضي به الأصيل ، لأنّه شرط في ضمن المعاملة غاية الأمر أنّه ذكر في طرف الاجازة والقبول لا في طرف الايجاب ، ولم يرد دليل على اعتبار ذكره في طرف الايجاب في وجوب الوفاء به . نعم هذه المعاملة المشروطة لم تبرز بالايجاب والقبول بل اُبرزت بايجاب وقبول ورضىً من الأصيل والاختلاف في المبرز غير مانع عن صحّة المعاملات .

وبالجملة : أنّ العقد وإن كان مطلقاً بحسب الحدوث إلاّ أنّه بحسب البقاء مشروط من كلا طرفي الأصيل والمالك ، فلا يرد إشكال عدم التطابق بين الاجازة والعقد في المقام ، هذا كلّه فيما إذا اشترط المالك على الأصيل حين الاجازة ، وأمّا إذا اشترطه للأصيل على نفسه فلا إشكال في صحّته بطريق الأولوية والفحوى ، لأنّ الأصيل الذي رضي بالمطلق حسب الفرض فهو راض بالعقد عند الاشتراط له ولعلّه ظاهر ، هذا تمام الكلام في الاجازة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القاموس 2 : 368 .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net