التعليق في الاجازة - ترتّب العقود الفضولية 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4607


والجهة الثالثة : أنه هل يكفي في صحّة العقد إجازته على تقدير وقوعه بأن

ــ[51]ــ

يقول أجزت ما وقع على مالي إذا كان بيعاً ثمّ انكشف أنه كان بيعاً ، أو أنّ ذلك من التعليق في العقود ، لأنّ الاجازة وإن لم تكن عقداً في حدّ نفسها إلاّ أنها في حكم العقود لا محالة فيكون تعليقها على شيء موجباً لبطلانها ، وهاتان الجهتان لابدّ من التكلّم فيهما .

أمّا هذه الجهة الأخيرة فقد ذهب شيخنا الأنصاري(1) إلى أنّ التعليق في الاجازة مبطل لها ، لأنّها كالعقود ممّا لا يقبل التعليق . وذكر شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) أنّ الاجازة من الايقاعات والايقاع لا معنى للتعليق فيه ، هذا .

ولا يخفى عليك أنّ ما أفاداه في غاية الضعف والإشكال .

أمّا ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فلأنّ المانع عن صحّة التعليق في العقود ليس إلاّ الاجماع على أنّ التعليق في العقود يوجب البطلان ، ومن الظاهر أنّ الاجازة شرط لصحّة المعاملات وليست من العقود ، والاجماع إنّما يوجب بطلان التعليق في مورده وهو العقود دون غيره ، هذا . مضافاً إلى أنّ التعليق في العقود إنّما يوجب البطلان فيما إذا كان على غير موضوعاتها ، وأمّا إذا علّق العقد على موضوعه فلا وجه لبطلانه كما إذا قال : إن كان هذا مالي فبعته ، والعقد في المقام موضوع للاجازة المتأخّرة ، إذ لولاه لوقعت الاجازة باطلة إذ لا معنى لاجازة المعدوم فلا مانع من تعليقها على موضوعها .

وأمّا ما ذكره شيخنا الاُستاذ من أنه لا معنى للتعليق في الايقاعات ، فلم نفهم ماذا يريد بهذا الكلام ، لأنّ التعليق في الايقاعات كالتعليق في العقود أمر ممكن لا أنه مستحيل ولا معنى له ، غاية الأمر قام الاجماع على بطلانه في العقود ، وهذا لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 468 .

(2) منية الطالب 2 : 139 .

ــ[52]ــ

يمنع عن التعليق في الايقاعات ، كيف وقد وقع التعليق في موردين من الايقاعات أحدهما بلا كلام والآخر على كلام فيه ، والأول هو التدبير فإنه من الايقاعات بلا إشكال ومع ذلك قد علّق فيه الحرّية على الموت ، والثاني باب الوصية فإنّ الملكية فيها معلّقة على الموت إلاّ أنّها مع الإشكال في كونها إيقاعاً لاحتمال كونها من العقود  ، وإن كان الأول أظهر ، هذا كلّه في الجهة الأخيرة .

أمّا الجهة الثانية المتقدّمة : فصحّة الاجازة على العقد المعلوم بالاجمال من فروعات المسألة المتقدّمة وأنّ التعليق في الاجازة موجب للبطلان أو لا ، ولأجل ذلك قدّمناها على هذه الجهة ، فعلى ما ذكرناه هناك من أنّ التعليق في الاجازة لا يوجب البطلان ، لا مانع من الالتزام بصحّة العقد المعلوم إجمالا فيما إذا تعلّقت به الاجازة ، لأنّ معناها حينئذ أنّي أجزت العقد الواقع إذا كان بيعاً ، وأجزت الواقع إذا كان نكاحاً ، وأجزته إذا كان إجارة وهكذا ، فلا مانع فيه إلاّ التعليق وقد عرفت أنه غير موجب للبطلان .

ومن ذلك يظهر أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ(1) من أن الاطلاق إنّما يعقل في الكلّيات وأمّا الفرد الواقع المبهم فلا إطلاق فيه حتّى يتمسّك باطلاقه ويجيزه مطلقاً  ، نعم الوكالة يعقل تعلّقها بالأمر المطلق بأن يوكّل مثلا في هبة ماله على نحو الاطلاق زيداً كان الموهوب له أم عمراً .

لا يمكن المساعدة عليه في المقام ، وذلك لأنه لا يجيز الفرد المبهم حتّى يقال إنه لا إطلاق فيه ، بل إنّما يجيز جميع المحتملات التي منها ما وقع على ماله وهو لا يميّزه فإنه يقول أجزت ما وقع على مالي إن كان بيعاً ، وأجزته إن كان إيجاراً ، وأجزته إن كان نكاحاً ، كما إذا كان ماله أمةً وهكذا ، كما ظهر أنّ الحكم بالصحّة في المقام أولى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 138 .

ــ[53]ــ

من الحكم بصحّة الوكالة المتعلّقة بأمر مبهم ، فإنه إذا وكّله في أحد أمرين : بيع ماله ونكاحه فهو يحتمل وجوهاً ، فتارةً يوكّله في كل واحد من البيع والنكاح فينحل التوكيل المذكور إلى توكيلين ، ففي مثله لا إشكال في صحّة كل واحد من الأمرين غاية الأمر أنه لا يتمكّن إلاّ من أحدهما ، فإمّا أن يبيع الأمة وإمّا يزوّجها . واُخرى يوكّله في أحدهما من غير تعيين ، ففي مثله إذا كان للجامع بينهما أثر فلا مانع من صحة ما يرتكبه الوكيل ، لأنه مُجاز في ذلك الأثر حصل من هذا أو من ذاك ، وأمّا إذا لم يكن أثر يترتّب على الجامع بين الأمرين كما في المثال فلا محالة تقع الوكالة باطلة إذ لا معنى للوكالة في أمر مبهم .

وهذا بخلاف المقام فإنه يجيز العقد الواقع على ماله مطلقاً بيعاً كان أو نكاحاً أو إجارة ، فهو يجيز جميع المحتملات التي منها ما أوقعه الفضولي على ماله وهو لا يعلمه .

ترتّب العقود الفضولية

الجهة الرابعة : أنّ الاجازة تارةً تتعلّق بالعقد الواقع على نفس مال الغير واُخرى تتعلّق بالعقد الواقع على عوض مال الغير ، وعلى كلا التقديرين إمّا أن تتعلّق بأوّل عقد وقع على مال الغير أو على عوضه ، وإمّا أن تتعلّق بآخر عقد واقع على مال الغير أو على عوضه ، فالصور أربعة . وأمّا إذا تعلّقت بالعقد المتوسّط بين الأول والآخر فهو إمّا متوسّط بين عقدين وقعا على نفس مال الغير ، وإمّا متوسّط بين عقدين وقعاً على عوض مال الغير ، وإمّا متوسط بين عقدين أحدهما وقع على مال الغير وثانيهما على عوضه بالاختلاف ، فربما يكون الأول واقعاً على المال والأخير على عوضه واُخرى يكون الأمر بالعكس . ثمّ العقد المتوسط الذي تعلّقت به الاجازة تارةً يكون واقعاً على نفس مال الغير واُخرى يكون واقعاً على عوضه

ــ[54]ــ

فتكون الصور فيه ثمانية ومع ضمّها إلى الأربعة المتقدّمة تصير اثنى عشر صورة . فإن اكتفينا بالبحث عن حكم الاجازة المتعلّقة بالمتوسط من العقود لأنّ حكم اجازة الأول والأخير يعلم من حكم المتوسط بينهما فتكون الصور ثمانية وتصوير تلك الصور أشكل من تحقيق أحكامها . فنمثّل له بما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس ثمّ باع الفرس بدرهم ، وأمّا مشتري العبد فباعه بكتاب ومالك الكتاب باع العبد بدينار ثمّ اشترى بالدينار جارية ، وهذه خمسة عقود ، فالعقد المتوسط فيها هو بيع العبد بكتاب ، وهذا عقد متوسط بين عقدين وقعا على نفس مال الغير ، الأول هو بيع العبد بفرس والأخير بيع العبد بدينار ، كما هو عقد متوسط بين عقدين وقعا على عوض مال الغير وبدله ، والأول منهما بيع الفرس بدرهم والأخير منهما بيع الدينار بالجارية ، كما أنه عقد متوسط بين عقدين تعلّق أحدهما بنفس مال الغير وثانيهما بعوضه بالاختلاف ، فالأول منهما بيع العبد بفرس أو بيع الفرس بدرهم والأخير منهما بيع الدينار بالجارية أو بيع العبد بدينار ، فإذا ظهر حكم هذا العقد المتوسط بينهما فلا محالة يظهر حكم العقود السابقة واللاحقة عليه .

ثم إنّ الكلام في ذلك تارةً يقع على الكشف واُخرى على القول بالنقل ولنتكلّم على الكشف أوّلا فنقول : إنه إذا أجاز مالك العبد البيع الواقع عليه بالكتاب فهي تكشف عن أنّ العبد صار ملكاً لمالك الكتاب من الابتداء ، والكتاب صار ملكاً لمالك العبد من حين المعاملة ، ونتيجة ذلك بطلان بيع العبد بالفرس ، إذ لم تتعلّق به الاجازة بحسب الفرض . وأمّا بيع الفرس بدرهم فهو غير مربوط بمالك العبد على كلا القولين من الكشف والنقل وإنّما هو راجع إلى صاحب الفرس فإن أجازه صحّ وإن ردّه بطل ، وأمّا العقود المتأخّرة عن بيع العبد بالكتاب وهو بيع العبد بالدينار والدينار بالجارية فهي بأجمعها صحيحة من جهة أنّ الاجازة إنّما كشفت عن ملكية العبد لصاحب الكتاب من الابتداء فهو إنّما باع ملك نفسه بالدينار ، كما أنّ مالك

ــ[55]ــ

الدينار (وهو مالك الكتاب) قد اشترى به الجارية فجميعها صحيحة ، هذا كلّه بناءً على القول بالكشف .

وأمّا على النقل فبما أنّ الاجازة توجب انتقال العبد إلى صاحب الكتاب من حين الاجازة فهي توجب بطلان بيع العبد بالفرس ، إذ لم تتعلّق به الاجازة بحسب الفرض . أمّا العقود المتأخّرة عن بيع العبد بالكتاب فصحّتها تتوقّف على ما تقدّم(1)من أنّ من باع شيئاً ثمّ ملكه صحيح على نحو الاطلاق أو مع الاجازة أو أنه باطل مطلقاً حيث إنّ مالك الكتاب قد باع العبد بالدينار ثمّ ملكه بالاجازة المتأخّرة على القول بالنقل ، فقد ظهر من جميع ذلك حكم المعاملة في ستة صور من الصور المتقدّمة وهي صور وقوع الاجازة على العقد الواقع على نفس مال الغير ، فيبقى في البين الصور الست للاجازة على العقد الواقع على عوض مال الغير .

والمتحصّل : أنّ البيع الواقع على عوض مال الغير المتقدّم على بيع العبد بالكتاب غير مربوط بمالك العبد وإنّما هو راجع إلى مالك الفرس على كلا القولين من الكشف والنقل فإن أجازه صحّ وإن ردّه بطل ، وأمّا البيع الواقع على مورد الاجازة في العقد المتوسط أعني بيع العبد بالفرس فهو أيضاً باطل على كلا القولين لعدم الاجازة بحسب الفرض حيث إنّها إنّما تعلّقت ببيع العبد بالكتاب ، وإنّما تظهر الثمرة بين الكشف والنقل في العقود المتأخّرة عن بيع العبد بالكتاب لأنّها على الكشف تصحّ لوقوعها في ملك مالك الكتاب كما مرّ ، وأمّا على النقل فصحّتها تبتني على صحّة البيع قبل الملك كما عرفت . وكيف كان فإذا أجاز العقد المتوسط صحّت العقود المتأخرة عنه بناءً على الكشف، فهي إمضاء بالاضافة إليها وفسخ للعقود المتقدّمة عليه ، وأمّا على النقل فاجازته فسخ للعقود المتقدّمة فقط ، وأمّا صحّة المتأخّرة فهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة13 .

ــ[56]ــ

مبتنية على المسألة المتقدّمة .

وينبغي التنبيه على أمرين في المقام ، الأول : أنّ إجازة المتوسط إنّما تكون فسخاً للعقود المتقدّمة عليه فيما إذا أجازه المالك لنفسه ، بأن يجيزه على أن يكون البيع له ، وأمّا إذا أجازه للبائع وهو بائع العبد بالكتاب فهي لا تكون موجبة لفسخ العقد المتقدّم عليه ، بل بالملازمة تقتضي صحة بيع العبد بالفرس لينتقل العبد إلى مالك الفرس حتّى يصحّ بيعه بالكتاب ، وإلاّ فمع عدم انتقال العبد إلى مالك الفرس كيف يصحّ بيع العبد بالكتاب الذي أجازه المالك للبائع بحسب الفرض ، فاجازته للبائع إجازة للعقد المتقدّم أيضاً .

الثاني : أنّ المراد بالعقود المتأخّرة عن المتوسط في الحكم بصحّتها إذا أجاز المتوسط ليس مجرد ما تأخّر عنه بزمان ، إذ يمكن أن يكون عقد متأخّراً عنه بحسب الزمان ومع ذلك لا يكون صحيحاً باجازة المتوسط بوجه كما سيتّضح ، بل المراد كل عقد تتوقّف صحته على صحة المتوسط كما إذا كان البائع في العقود المتأخرة أحد المتعاملين في المتوسط من المشتري والبائع كما عرفت في الأمثلة المتقدّمة ، فالتأخر تأخّر رتبي لا زماني ، فإنه إذا باع العبد بفرس من زيد ثمّ باعه بكتاب من بكر ثم باعه بدينار من عمرو ، فاجازة المتوسط لا يوجب إجازة المتأخّر عنه أبداً ، لأنه عقد أجنبي لا ربط له بالمتوسط والمتقدّم وإن وقع متأخّراً عنه بحسب الزمان ، هذا تمام الكلام فيما إذا كان متعلّق الاجازة العقد الواقع على نفس مال الغير .

وأمّا إذا كان متعلّقها العقد الواقع على عوض مال الغير فهذا أيضاً تارة يكون أوّل عقد وقع على عوض مال الغير ، واُخرى يكون آخر عقد وقع على عوضه وثالثة يكون متوسطاً بين عقدين وقعاً على عوض مال الغير أو بين عقدين وقعاً على نفس مال الغير أو بين عقدين تعلّق أحدهما بعوض مال الغير والآخر تعلّق بنفس مال الغير بالاختلاف كما مرّ في الصورة المتقدّمة .

ــ[57]ــ

ويظهر حكم الصورتين الأولتين أعني ما إذا تعلّقت الاجازة بأوّل عقد وقع على عوض مال الغير وما إذا تعلّقت بآخر عقد وقع على عوض مال الغير من بيان حكم الصورة الثالثة وهي تعلّق الاجازة بالعقد المتوسّط بين عقدين ، والمثال الجامع للأقسام كما مثّل به شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) هو ما إذا بيع العبد بفرس ثمّ بيع الفرس بدرهم ثمّ بيع الدرهم برغيف ثمّ بيع الرغيف بعسل ثمّ بيع الدرهم بحمار فهذه عقود خمسة ، والمتوسط بينها هو بيع الدرهم برغيف وهو عقد وقع على عوض مال الغير وهو العبد ، وقد سبقه عقدان أحدهما وقع على مورده وهو بيع الفرس بدرهم وثانيهما وقع على عوضه وهو بيع العبد بفرس كما لحقه عقدان أحدهما وقع على مورده وهو بيع الدرهم بحمار وثانيهما وقع على عوضه وهو بيع الرغيف بعسل .

فإذا ظهر حكم ذلك العقد المتوسط من حيث صحة سابقه أو لاحقه فيظهر منه حكم الصورتين الأوّلتين أيضاً وهما ما إذا أجاز أوّل عقد وقع على عوض مال الغير وما إذا أجاز آخر عقد وقع على عوضه ، لأنّا إذا قلنا بصحة العقود المتأخرة عن المجاز فلا محالة تصح العقود المتأخرة عن العقد الأول في الصورة الاُولى منهما كما أنه إذا قلنا بصحة العقود المتقدّمة على المجاز فلا محالة تصح العقود المتقدّمة على العقد الآخر في الصورة الثانية من الصورتين فلا يحتاج إلى إعادة الكلام فيهما .

وكيف كان ، فعلى القول بالكشف إذا أجاز المتوسط من العقود الخمسة المتقدّمة فلا إشكال في صحة العقود المتأخرة عنه الواقعة على مورده وهو الدرهم في المثال لوقوعها في ملك البائع بحسب الفرض ، فإنّ الدرهم صار ملكاً لمالك الرغيف فبيع الدرهم بحمار قد وقع في ملك نفسه فلا إشكال في صحته ، وأمّا بيع الرغيف بالعسل فهو غير مربوط بمالك الدرهم بل راجع إلى مالك الرغيف فيصحّ إذا أجازه أيضاً ، كما أنّ إجازة المتوسط حينئذ تقتضي إجازة العقد المتقدّم عليه ، إذ لولا صحة بيع الفرس بدرهم كيف يمكن الحكم بصحة بيع الدرهم برغيف ، كما أنّ صحة بيع

ــ[58]ــ

الفرس بالدرهم تتوقّف على صحة بيع العبد بفرس ، فصحة العقد المتوسط تستلزم صحة العقود المتقدّمة عليه كما أنها تستلزم صحة العقود المتأخرة عنه فيما إذا وقعت على مورده وهو الدرهم وبيعه بحمار .

وأمّا على القول بالنقل فصحة نفس هذا المتوسط المجاز تتوقّف على صحة البيع قبل الملك وعدم اشتراط أن يكون المجيز مالكاً حال البيع ، لأنّ البائع في بيع الدرهم برغيف غير مالك حال البيع على النقل وإنّما يملكه بالاجازة ، فعلى القول بصحة مثله يصح المتوسط لا محالة ، وصحّته تستلزم صحة العقود المتقدّمة عليه كما تستلزم صحة العقود المتأخرة عنه الواقعة على مورده بناءً على صحة البيع قبل الملك  .

وبالجملة : أنّ صحة العقد المتوسط توجب صحة جميع العقود المترتّبة على صحّته ، والعقود المتوقّفة عليها صحة ذلك العقد المجاز أعني لوازمه وملزوماته .

ثم إنه ظهر من ذلك أمران ، أحدهما : أنّ ما أفاده الشهيد الأوّل (قدّس سرّه) في الدروس(1) من أنه إذا أجاز العقد الواقع على المبيع صحّ وما بعده وإذا أجاز العقد الواقع على الثمن صح وما قبله ليس على إطلاقه بصحيح ، لما عرفت من أنّ الاجازة سواء وقعت على المبيع أو الثمن تستلزم صحة ما تتوقّف عليه صحة المجاز كما تستلزم صحة العقود المترتّبة على صحته كما في بيع الدرهم بحمار فمع أنه وقع على الثمن استلزم صحة بيع الدرهم برغيف صحته كما تستلزم صحة العقود المتقدّمة عليه  .

ثانيهما : أنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) ذكر في المقام أنّ العقود إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدروس 3 : 193 .

(2) المكاسب 3 : 470 .

ــ[59]ــ

وقعت من أشخاص متعدّدة كان إجازة الوسط منها فسخاً لما قبله وإجازة لما بعده وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر .

وهذا من غرائب كلام الشيخ (قدّس سرّه) إذ لا يفرق في صحة العقود المتأخّرة أو بطلانها كون العقود صادرة من أشخاص متعدّدة أو من شخص واحد ، فإذا فرضنا أنّ أحداً باع العبد بفرس وآخر باع الفرس بدرهم وشخصاً ثالثاً باع الدرهم برغيف وشخصاً رابعاً باع الرغيف بالعسل ومالك الدرهم اشترى به حماراً فالحكم في ذلك كما عرفت هو صحّة العقود المتقدّمة على بيع الدرهم برغيف فيما إذا تعلّقت الاجازة به (أي ببيع الدرهم برغيف) مع أنّ العقود وقعت من أشخاص متعدّدة ، كما أنّ الحال كذلك فيما إذا وقعت من شخص واحد ، فالمناط إنّما هو بالملزومات واللوازم فإذا أجاز المتوسّط صحّت ملزوماته ولوازمه مطلقاً كانت العقود صادرة من شخص واحد أو من أشخاص متعدّدة .

ثمّ إنّ هنا إشكالا في صحة العقود المتأخّرة بالاجازة وملخّصه : أنّ المشتري الأصيل أو البائع فيما إذا كان المشتري فضولياً إذا كان جاهلا بالحال ولم يلتفت إلى أنّ البائع غصب المال وأنه ليس راجعاً إليه فلا إشكال . وأمّا إذا كان عالماً بأنّ البائع غاصب وأنه غير مستحق للمال ومع ذلك سلّم الثمن إليه وسلّط الغاصب على ماله فهو بذلك يذهب باحترام ماله ويرفع اليد عنه ويملّكه للغاصب لا محالة ، فهو ينتقل إلى الغاصب ولا ينتقل إلى المالك بالاجازة ، فإذا وقع عليه عقد فقد وقع على مال الغاصب لا على مال المالك فكيف تصحّ العقود المتأخّرة بالاجازة .

وهذا الإشكال قد أشار إليه العلاّمة في القواعد(1) وأوضحه قطب الدين(2)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القواعد 1 : 124 .

(2) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 192 .

ــ[60]ــ

والشهيد (قدّس سرّهم)(1) وهذا تارة يجري في العقود المتأخرة فقط واُخرى يأتي في العقد الأول أيضاً ، وذلك لأنّ التسليط إن قلنا بأنه يوجب التمليك مطلقاً بحيث لا يمكنه الرجوع في المال ولو مع بقائه في يد الغاصب وعدم تلفه فحينئذ يأتي الإشكال في العقد الأول من حيث إنّ الثمن قد انتقل إلى الغاصب بحسب الفرض فلا ينتقل إلى المالك بالاجازة ، وإذا لم يصح العقد الأوّل فكيف تصحّ العقود المتأخرة عنه ، وأمّا إذا خصّصنا الإشكال بصورة التلف وقلنا إنّ المال إذا كان باقياً فله أن يرجع فيه إلى الغاصب ويأخذه منه ، وأمّا إذا تلف فلا يمكنه المطالبة لأجل التسليط فلا يأتي الإشكال في العقد الأول حينئذ لبقاء المال عند الغاصب وإنّما يأتي الإشكال فيما إذا باعه أو اشترى به شيئاً فهو في حكم التلف ويملك الغاصب عوضه ، ومعه لا موضوع للاجازة لأنّ العقد الثاني وقع على ملك الغاصب .

والجواب عن هذا الإشكال بوجوه :

الأول : إنكار أصل المبنى وأنّ التسليط فيما إذا كان مع العوض فهو لا يوجب التمليك كما ذكرناه في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، بل مقتضى قاعدة على اليد ما أخذت هو الضمان وعدم انتقال المال إلى الغاصب بالتسليم من جهة أنّ المملّكات في الشريعة المقدّسة معدودة محصورة والتسليم ليس من أحدها ، والوجه في أنّ التسليط مع العوض في المقام وأنّ التسليم غير مجّاني في صورة علم المشتري بالحال هو أنّ المشتري إنّما دفع الثمن إليه من أجل أنه عوض عن المبيع في المعاملة لأصل دعوى البائع أنه مالك للمال فهو تسليم للمال عوضاً لا هبة ، وقد عرفت أنّ التسليط مع العوض لا يوجب التمليك فلم يرد تخصيص على الضمان في المقام .

الثاني : أنّ هذا الإشكال لو سلّم فإنّما يأتي على القول بالنقل ، وأمّا على مبنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 192 .

 
 

ــ[61]ــ

الكشف الذي ذهب إليه المشهور فلا وجه لهذا الإشكال ، لأنّ الاجازة تكشف عن انتقال المال إلى المالك حين البيع فيكون تسليط المشتري الغاصب على المال بعد المعاملة تسليطاً للغاصب على ملك الغير ولا يعقل أن يكون تسليط الغاصب على مال الغير موجباً للتمليك أبداً ، نعم لا مانع من ذلك على النقل فإنّ الاجازة لا موضوع لها لكونها متأخّرة عن التسليط .

الثالث : أنّ الإشكال كما لا يجري على القول بالكشف كذلك يمكن دفع ذلك على القول بالنقل أيضاً ، والوجه في ذلك أنّ التسليط إذا كان على نحو الاطلاق فلما ذكروه من الإشكال مجال ، وأمّا إذا كان على نحو التقييد فلا موجب للإشكال أبداً
والتسليط في المقام من قبيل الثاني دون الأول ، حيث إنّ المشتري إنّما سلّمه إليه عوضاً عن المال فيما إذا كانت المعاملة صحيحة وسلّطه عليه فيما إذا كانت فاسدة فإذا أجازها المالك بعد ذلك وصحّت المعاملة بها فلا وجه لانتقال المال إلى الغاصب .

وبالجملة : أنّ المشتري لا يعلم ببطلان المعاملة على أيّ حال ليكون تسليطه البائع على المال تسليطاً على نحو الاطلاق ، بل يحتمل صحّتها باجازة المالك بعد ذلك ، فيكون التسليط مراعى باجازة المالك وعدمها ، فإذا أجازها فقد صحّت المعاملة ولا تسليط للغاصب بوجه ، نعم إذا فسدت المعاملة بردّ المالك يكون ذلك تسليطاً للغاصب على المال .

فالمتحصّل : أنّ هذا الإشكال ممّا لا وجه له على كلا القولين .

وأمّا ما ذكره فخر المحقّقين(1) في مقام الجواب من أن بيع الفضولي يوجب حقّاً للمالك في المعاملة بحيث يمكنه الاجازة والردّ فيؤخذ بحقّ المالك في المسألة ، لأنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال وأخسّها ، فلم نفهم الوجه فيما أفاده ، لأنّ مسألة أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إيضاح الفوائد 1 : 417 ـ 418 .

ــ[62]ــ

الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال ليست رواية ولا آية فلماذا يؤخذ بأشقّها ، بل لابدّ من أن يؤخذ بما جعله الشارع في حقّه من الأحكام . مضافاً إلى أنّ العقد الفضولي لا يوجب حقّاً للمالك في المعاملة ليكون حقّه أولى من الغاصب مثلا ، لأنّ الاجازة كما عرفت من الأحكام دون الحقوق فلذا قلنا إنّ الاجازة لا تورّث ، ومعنى الاجازة أنّ المالك له أن يبيع كما أنّ له أن لا يبيع نظير البيع الابتدائي ، ولا حقّ في البين ليكون أسبق من حقّ الغاصب بوجه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net