حكم تصرّف الفضولي في الثمن مع ردّ المالك - هل يضمن البائع الفضولي تلف الثمن ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5015


وقد أضاف إلى ذلك شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) وجهاً رابعاً وجعله هو الصحيح دون شيء من أجوبة شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وهو أنه هب أنّ التسليط في المقام يوجب التمليك للبائع مثلا وأنه كالهبة فرضاً إلاّ أنه لا ينبغي الإشكال في أنه ملك جائز ولا يزيد على الهبة بوجه ، ولا مانع في الهبة من الرجوع واسترداد العين أبداً ، فللمشتري أن يرجع على البائع فيما وهبه إيّاه بالتسليط وهذا ممّا لا محذور فيه .

ولا يخفى عليك أنّ ما أفاده لو تم فإنّما يصحّ فيما إذا لم يتصرّف الموهوب له أيّ تصرّف في العين كخياطته أو بيعه أو غيرهما من أنحاء التصرفات ، كما أنه يختص بما إذا لم يكن الموهوب له ذا رحم للواهب وإلاّ فالهبة لازمة ولا يمكنه الرجوع في المقام مع أنّ الكلام في جواز رجوعه إلى البائع مطلقاً تصرف فيه أم لم يتصرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 162 .

ــ[78]ــ

كان ذا رحم بالاضافة إلى المشتري أو كان غيره ، فهذا الجواب لا يتم في جميع الموارد كما لا يخفى ، هذا كلّه في الجهة الاُولى.

وأمّا الجهة الثانية : فقد ظهر حكمها ممّا ذكرناه في الجهة الاُولى ، إذ بعد ما لم يتحقّق هناك سبب شرعي لانتقال المال إلى البائع فبأيّ أمر يجوز تصرفاته في ملك الغير مع أنه من مصاديق أكل المال بالباطل وهو حرام ، إذ لم تتحقّق هناك تجارة عن تراض فجميع تصرفاته محكومة بالحرمة والبطلان .

وأمّا الجهة الثالثة : وهي أنه إذا تلف الثمن عند البائع مع علم المشتري بالحال وتسليط البائع على المال فهل يحكم بضمان البائع له أو أنه غير ضامن للثمن لأنّ المشتري سلّطه عليه مع علمه بالحال ؟ المشهور أنّ البائع غير ضامن له ، وذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) وتبعه شيخنا الاُستاذ(2).

وقد استدلّ عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بأنّ الدليل الموجب للضمان أمران : أحدهما قاعدة « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » المرتكزة عند العقلاء حيث إنّهم يرون أخذ مال الغير وإثبات اليد عليه موجباً لضمانه . وثانيهما : الاقدام على الضمان كما ذكره الشيخ(3) والشهيد الثاني(4) (قدّس سرّهما) في المقبوض بالبيع الفاسد كما تقدّم تفصيل ذلك سابقاً في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وشيء من الأمرين غير متحقّق في المقام .

أمّا اليد فلأنّها وإن كانت متحقّقة في المقام إلاّ أنّها لا تقتضي الضمان في جميع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 485 ـ 489 .

(2) منية الطالب 2 : 163 فما بعدها .

(3) المبسوط 3 : 85 ، 89 .

(4) المسالك 3 : 154 .

ــ[79]ــ

مواردها ، لما ورد في غير واحد من الأخبار(1) من أنّ من استأمنه المالك على ماله فهو غير ضامن للمال كما في مثل الوديعة والعارية والاجارة ، وهذه الأخبار تقتضي عدم الضمان في المقام بطريق أولى ، إذ الاستئمان لو كان ملغياً للضمان فالتسليط في المقام يقتضي إلغاءه بالفحوى والأولوية ، لأنّ المالك في موارد الاستئمان لا يجوّز التصرف فيه ولا يسوّغ إتلافه كما في الوديعة ونظائرها ومع ذلك يوجب ذلك عدم الضمان ، ففي المقام الذي قد أجاز المالك التصرف في ماله على نحو الاطلاق بل قد سوّغ له الاتلاف بالتسليط لابدّ من الالتزام بعدم الضمان بالأولوية وذلك ظاهر . والمتحصّل أنّ قاعدة اليد مخصّصة بموارد الرضا المالكي كما عرفت .

وأمّا الاقدام فهو أيضاً مفقود في المقام ، لأنّ البائع لم يقدم على الضمان بل إنّما سلّطه المشتري على ماله مع العلم بالحال وأنه غير مستحق للمال ، ومن هنا يظهر الفرق بين المقام وبين سائر البيوع الفاسدة حيث إنّ المتعاملين في البيوع الفاسدة قد أقدما على الضمان غاية الأمر أنّ الشارع حكم بالفساد لفقد شرط من الشرائط المعتبرة في صحّتها ، وهذا بخلاف المقام إذ لا إقدام منهما على الضمان فيكون التسليط مجّانياً ولا يكون البائع ضامناً للثمن عند التلف .

ثمّ أورد نقضاً على نفسه بأنّ ذلك يقتضي عدم الضمان مطلقاً ولو مع جهل المشتري بالحال فإنه إنّما يتخيّل أنه مالك للمال فيعطيه الثمن في مقابل المثمن ، وأمّا في الواقع فهو غير مستحقّ للمال ، فالتضمين خيالي صوري لا حقيقي واقعي . وأجاب عنه بأنّ المشتري في صورة جهله بالحال إنّما يضمّن شخص البائع للمال ولا يسلّطه على ملكه مجّاناً ، وهذا بخلاف ما إذا علم بالحال فإنه مع ذلك إذا دفعه إليه فهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 79 / كتاب الوديعة ب4 ، وص91 / كتاب العارية ب1 ، وب28 ، 32 من كتاب الاجارة .

ــ[80]ــ

تسليط مجّاني لا محالة ، فيكون ضامناً له في الصورة الاُولى لأنّه إنّما دفعه إليه لبنائه على أنه مالك للمبيع .

ثمّ استشكل على نفسه بأنّ المشتري في صورة علمه بالحال أيضاً لا يسلّطه على ماله مطلقاً وبلا عوض بل إنّما يدفعه إليه ببناء أنه المالك للمال ، إذ لولا ذلك البناء لفسدت المعاملة قطعاً ولم يتحقّق مفهوم المعاوضة والمبادلة بوجه ، وهذا البناء على كونه مالكاً وإن كان ادّعائياً إلاّ أنّ دفع الثمن إليه في مقابل المثمن حقيقي فالتضمين ودفع المال في مقابل المثمن حقيقي وإن كان ذلك مبنياً على أمر ادّعائي .

وأجاب عن ذلك : بأنّ العمدة في وجه تصحيح بيع الغاصب هو ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ البيع عبارة عن مبادلة مال بمال من دون أن يكون فيها نظر إلى المالكين ، وبما أنّ المبادلة متحقّقة حسب الفرض فإذا أجازها المالك تقع المعاملة له لا محالة ، فالتضمين في الحقيقة إنّما هو بالاضافة إلى مالك المال ، وأمّا البائع فلا تضمين له من المشتري مع فرض أنه عالم بأنّ البائع غير مستحق للمال ومعه كيف يضمّنه على المال ولعلّ ذلك ظاهر ، هذا ملخّص ما أفاده (قدّس سرّه) في وجه عدم الضمان .

وشيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) وإن كان قد ناقش في بعض كلماته إلاّ أنه موافق معه في أصل الطلب .

والتحقيق كما أشرنا إليه في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده أنّ الموجب للضمان ليس إلاّ قاعدة اليد المرتكزة عند العقلاء ، وأنّ إثبات اليد على مال الغير يقتضي ردّه إلى مالكه ، وأمّا الاقدام فلم يثبت أنه يوجب الضمان وإن ذكره الشيخ والشهيد الثاني (قدّس سرّهما) إلاّ أنّه لم يعلم أنّ الوجه في استدلالهما بالاقدام هو أنه من أحد أسباب الضمان ، أو أنّ الوجه فيه ما سنشير إليه عن قريب إن شاء الله تعالى . وبالجملة أنّ إثبات اليد على شيء يقتضي ردّه إلى مالكه وإن لم يكن

 
  

ــ[81]ــ

هناك إقدام على الضمان أصلا ، وهما إنّما استدلاّ على الضمان بالاقدام في البيع الفاسد بعد ذكر قاعدة اليد تتميماً للاستدلال بتلك القاعدة لأنّها مشروطة بعدم التسليط المجّاني وإلغاء المالك احترام ماله ، لا أنّهم ذكروه دليلا للضمان بالاستقلال .

وكيف كان ، فالقاعدة هي المقتضية للضمان فلابدّ من ملاحظة أنّها متحقّقة في المقام أيضاً أم غير متحقّقة ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ اليد ثابتة في المقام وإنّما الكلام في أنّها من جهة التسليط المجّاني حتّى لا توجب الضمان ، أو من جهة التسليط مع الضمان لبنائهما على البيع الفاسد ، وهذا هو مدار البحث في المقام ، ولكنّه قد سقط من كلمات شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ولا ينبغي الشكّ في أنّ المشتري إنّما يسلّط البائع على المال لبنائه على ذلك البيع الفاسد كما في غيره من البيوع الفاسدة مع علمهما بالحال ، فهو إنّما يعطي ليأخذ المثمن لا أنه يسلّط البائع عليه مجّاناً ، فالتسليط تضمّني ولولا ذلك للزم الالتزام بأنّ ما يدفعه المتقامران ويأخذاه موجب لالغاء الضمان لعلمهما بأنّ الآخذ غير مستحق للمال مع أنّا نلتزم بالضمان فيه من أجل أنّه إنّما يدفعه إليه لبنائهما على ذلك الأمر الفاسد فيعطي ليأخذ المثمن في المقام ، بل لو كان هذا التسليط مجّانياً فلماذا التزم هو (قدّس سرّه) في الجهة الثانية بحرمة تصرفات البائع في الثمن ، فهل يكون التصرف فيما أجازه المالك حراماً ، وليس ذلك إلاّ من أجل أنّ المشتري إنّما سلّطه عليه لبنائه على المعاملة الفاسدة حتّى يأخذ المثمن فتكون اليد موجبة للضمان كما هو ظاهر .

ومن هنا ظهر الفرق بين المقام وبين ما إذا سلّط المشتري ثالثاً على المال ، فإنّ اليد فيه غير ضمانية وإنّما هو تسليط مجّاني ، ولا يقاس ذلك بما إذا سلّط البائع على المال لبنائه على المعاملة ، فإنّ التسليط حينئذ في مقابل المثمن لا أنه تسليط مجّاني .

كما أنه ظهر الفرق بين المقام وبين البيع بلا ثمن والاجارة بلا اُجرة حيث ذكرنا في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده أنّ البيع بلا ثمن وكذا الاجارة بلا اُجرة

ــ[82]ــ

هبة غير معوّضة في الحقيقة غاية الأمر أنه عبّر عن الهبة بالبيع أو الاجارة مجازاً ، لا أنه بيع أو إجارة ، وهذا بخلاف المقام فإنّ البيع فيه في مقابل الثمن وإنّما أعطاه إلى البائع ليتملّك المثمن ، فلا ضمان في البيع بلا ثمن والاجارة بلا اُجرة دون المقام .

وأمّا دعوى أنّ البيع بلا ثمن وكذا الاجارة بلا اُجرة موجب للضمان ، إذ كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فغير مسموعة لما أشرنا إليه هناك بأنّ هذا الكلام لم يرد في آية ولا في رواية ولا وقع معقد إجماع وإن أتعب شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) نفسه في توضيح معناه وتفسير ألفاظه ، فلا منشأ له ولا يمكن الاستدلال به على الضمان في مورد أبداً ، بل المناط لو أردنا تطبيق تلك الكبرى غير المسلّمة على المقام أن يقال إنّ كل عقد شخصي لو كان صحيحاً كان موجباً للضمان ففاسده أيضاً يوجب الضمان ، وهذا العقد لو كان صحيحاً لم يكن موجباً للضمان فلا يوجب فاسده ذلك أيضاً ، إلاّ أنّ شيخنا الأنصاري لا يرضى بهذا الاحتمال في معنى القاعدة فراجع  .

فالمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ تسليط المشتري البائع الغاصب على المال إنّما هو مبني على ذلك البيع الفاسد لا أنه تسليط مجّاني ، فعند التلف يضمنه لا محالة ، نعم في الموارد التي لا يكون فيها مبادلة ولو بنظر العرف كما إذا باع الحرّ من شخص فانه لا مالية للحرّ عند العرف والعقلاء فلا محالة يكون دفع المال إلى بائع الحرّ مثلا مع العلم بالحال تسليطاً له على المال مجّاناً ، إذ المعاملة تتقوّم بالمبادلة بين المالين ولا مبادلة بينهما فرضاً ، إذ لا يدخل الحرّ في ملك المشتري بالمعاملة فيكون تسليط البائع على المال تسليطاً مجّانياً لا محالة .

وأمّا فيما إذا كان المبيع مالا عند العرف والعقلاء وإن ألغى الشارع ماليته بالاضافة إلى المسلمين كما في الخمر والخنزير فدفع الثمن في مقابله تسليط مبني على المعاوضة الفاسدة وموجب للضمان لا محالة ، فإنّ الخمر مال عند العقلاء ، نعم قد

ــ[83]ــ

أسقط الشارع ماليته بالاضافة إلى المسلمين ، فلذا لو أتلف أحد خمر ذمّي يضمنه اللهم إلاّ أن يتعدّى من الوظائف المجعولة له كما إذا باعه من ذمّي آخر علناً لا سرّاً وذلك ظاهر ، ومن هذه الموارد ما نحن فيه فإنّ المبيع مال عند العرف والعقلاء وإن ألغى الشارع ماليته بالاضافة إلى الغاصب البائع ، فيكون تسليط المشتري ذلك الغاصب على الثمن مبنياً على المعاملة الفاسدة وهو لا يرضى بالتصرّف فيه في غير صورة المعاوضة ، فلم يرد تخصيص على قاعدة اليد في المقام وهي شاملة له ، لأنّ التسليط لم يكن مجانياً حتّى لا يوجب الضمان فلا تغفل .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ذكر اُموراً بعد حكمه بعدم الضمان في المقام منها : أنّ ما ذكرناه من عدم الضمان إنّما هو فيما إذا سلّطه المشتري على المال بأن دفعه إليه بنفسه ، وأمّا إذا أخذه البائع بعد المعاملة من دون أن يدفعه إليه المشتري فلا محالة يحكم فيه بالضمان ، إذ البيع بمجرده ليس تسليطاً على شيء فما لم يدفعه إليه المشتري لا يكون في البين تسليط .

ومنها : أنّ ما ذكرناه من عدم الضمان في المقام لا يفرّق فيه بين أن يكون الثمن الذي سلّطه المشتري عليه أو المثمن الذي سلّطه البائع عليه فيما إذا كان المشتري غاصباً ، عيناً شخصية وبين أن يكون كلّياً قد شخّصه المشتري في شيء ودفعه إلى البائع ، لأنه تسليط مجّاني في كلا الموردين غير موجب للضمان .

ومنها : أنّ المشتري إذا سلّطه على الثمن بشرط أن يجيزه مالك المال ، وأمّا إذا رجع إليه فهو أيضاً يرجع إلى البائع بالثمن ، فلا مانع في مثله من الالتزام بالضمان لأنه تسليط غير مجّاني فإذا تلف عنده فيحكم بضمانه ، هذا .

وقد ذكر (قدّس سرّه) قبل هذه الفروع فرعاً آخر وهو أنّ ما ذكرناه من الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 492 .

ــ[84]ــ

بعدم الضمان إنّما هو فيما إذا باعه البائع الغاصب لنفسه ودفع المشتري الثمن إليه مع علمه بالحال ، وأمّا إذا باعه للمالك فدفع المشتري الثمن إليه ليوصله إلى مالك المال ثمّ تلف المال عند البائع قبل أن يوصله إلى المالك ففيه نحكم بضمان البائع ، فيجب عليه دفع قيمته لا محالة ، لأنه واسطة في الايصال ولم يأذن المشتري في تصرفه فيه وإتلافه ، فإذا تصرّف فيه أو أتلفه فلا محالة يكون ضامناً للمال ، هذا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net