الكلام في ولاية الأب والجدّ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8880


الكلام في ولاية الأب والجدّ

قد ذكرنا في شرائط المتعاقدين أنّهما لابدّ من أن يكونا مالكين أو مأذونين من قبل المالك أو وليّين عليه وقد تقدّم الكلام في الأوّلين ، وبقي الكلام في الثالث ونقول : المتصرّف في مال الغير تارةً يستند إلى إذن ذلك الغير أو إجازته فيعبّر عنه بالوكيل والمأذون ، وتصرّفهما في ماله لابدّ وأن يكون عن رضاه وطيب نفسه .

واُخرى يتصرّف في مال الغير من دون حاجة إلى إذن الغير وإجازته ولا رضاه وطيب نفسه ومع ذلك تكون تصرفاته نافذة في حقّ ذلك الغير ويعبّر عنه بالولي ، ولهذه الولاية موارد .

منها : ولاية الأب والجدّ على الطفل ، وثبوتها كاد أن يكون من ضروريات الفقه إذ لم يختلف فيها اثنان ، هذا .

مضافاً إلى الأخبار والروايات المستفيضة الواردة في الأبواب المختلفة


ــ[137]ــ

المصرّحة بولاية الأب والجدّ على الطفل :

منها : ما ورد(1) في النكاح من أنّهما وليّان على تزويج البنت والابن . ومنها  : ما ورد(2) في المضاربة ودلّ على جواز تصرفهما في مال الطفل باعطائه للغير من باب المضاربة . ومنها : ما ورد(3) في الحجر من أنّ الصغير لا يتمكّن من التصرف في ماله وإنّما يتصرف فيه الأب والجدّ ، وغير ذلك ممّا ورد في أبواب الفقه .

والظاهر أنّ الأولوية التي ادّعاها شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام وذكر أنّ الأب والجدّ وليّان على التصرف في مال الطفل بفحوى ما ورد من سلطنتهما وولايتهما على تزويج البنت صحيحة وهي كما أفاده (قدّس سرّه) وإن منعنا الأولوية في باب الفضولي وذكرنا أنّ ما ورد في النكاح لا يستفاد منه جواز الفضولي في المعاملات ، والوجه في صحّة الأولوية في المقام هو أنّ الشارع إذا سبّب وجعل الولاية للأب والجدّ في تزويج البنت والابن الذي هو تسليط على شؤون البنت وتصرّف له أمد طويل وهو حلّيتها لزوجها إلى آخر الحياة ، فلا محالة يسبّب ويجعل الولاية لهما في التصرف في مال الصغير الذي هو تمليك للمال بطريق أولى ، إذ لا أهمية له ولا أمد طويل فيه ، وهذه الأولوية ملحوظة في مقام الجعل والتسبيب لا في مقام العمل بعد وقوعه كما في الأولوية في باب الفضولي فإنّها هي التي منعناها هناك وقلنا إنّ الحكم بصحة نكاح الفضولي لا يستلزم الحكم بصحّة البيع الفضولي بطريق الأولوية ، لأنّ الحكم بالصحّة في النكاح إنّما هو لأجل الاحتياط وتقديم احتمال الزنا المجرّد على احتمال الزنا بذات البعل وهو غير موجود في المعاملات ، لأنّ غاية ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 20 : 275 ، 289 / أبواب عقد النكاح ب6 ، 11 .

(2) الوسائل 19 : 427 / كتاب الوصايا ب92 ح1 .

(3) الوسائل 18 : 409 / كتاب الحجر ب1 ح1 .

ــ[138]ــ

هناك أن يكون البيع فاسداً وغير موجب لانتقال المال إلى المشتري وهو ليس بمحذور أهم ، وتوضيح ذلك : أنّ الحكم بالصحة في النكاح لأجل الاحتياط هو أنه إذا زوّجها الفضولي من أحد فإنّ الحكم بالصحة فيه أولى من الحكم بالفساد للاحتياط ، وذلك لأنّها إن كانت زوجته واقعاً وحكمنا بفساد النكاح فيلزم منه الزنا بذات البعل عند تزويجها من غيره ، وهذا بخلاف ما إذا حكمنا بالصحة فإنّها على تقدير عدم كونها زوجة له واقعاً لا يلزم منه إلاّ مجرد الزنا ، ومن المعلوم أنّ الزنا بذات البعل لا يقاس بالزنا المجرد والثاني أهون منه بمراتب ، وإن كان كلاهما على خلاف الاحتياط ، إلاّ أنّ أولى الاحتياطين هو الحكم بالصحة . وكيف كان فالأولوية المدّعاة إنّما هي الأولوية في مقام الجعل والتسبيب وقد عرفت الأولوية فلا نعيد ، وكيف كان فأصل ولاية الأب والجدّ ممّا لا يقبل الانكار .

فهل الولاية ثابتة في حقّهما على الاطلاق أو أنّها مقيّدة بالعدالة فيهما فلا ولاية للأب والجدّ فيما إذا كانا فاسقين ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ الولاية ثابتة لهما مطلقاً كما هو المشهور ، واستدلّ على عدم اشتراط العدالة بالأصل والاطلاقات ، والمراد بالأصل في المقام ليس هو البراءة قطعاً ، إذ لا كلام لنا في ثبوت تكليف حتّى ننفيه بالبراءة وإنّما الكلام في اشتراط العدالة وعدمه ، فالمورد خارج من موارد جريان البراءة فيتعيّن أن يراد بالأصل الاستصحاب .

فحينئذ إن أراد بالاستصحاب استصحاب عدم اشتراط ولايتهما بالعدالة في الشريعة المقدّسة بمفاد ليس الناقصة ، فيتوجّه عليه أنّ الولاية متى ثبتت لهما في الشريعة من دون اشتراط العدالة فيها لنستصحبه ونقول إنّها كما كانت ولم يشترط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 535 ـ 536 .

ــ[139]ــ

العدالة فيها فعلا .

وإن أراد نفيه بمفاد ليس التامّة وإجراء الاستصحاب في العدم الأزلي ، فهو وإن كان متيناً في حدّ نفسه لما ذكرنا في محلّه من أنّ الاستصحاب يجري في الأعدام الأزلية فيقال في المقام إنّ كلا من الولاية واشتراط العدالة كان غير موجود في الشريعة المقدّسة ثمّ علمنا بوجود الولاية وثبوتها وشككنا في تحقّق اشتراط العدالة معها فالأصل عدم تحقّق الاشتراط معها ، إلاّ أنّ ذلك مناف لمسلكه (قدّس سرّه) من عدم جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية أوّلا .

وثانياً : أنّ استصحاب عدم الاشتراط ولو باجراء الأصل في الأعدام الأزلية لا يثبت الاطلاق وأنّ الولاية لهما ثابتة على نحو الاطلاق إلاّ بنحو الأصل المثبت الذي لا نقول به .

وثالثاً : أنّ هذا الاستصحاب مبتلى بالمعارض لما ذكرناه غير مرّة من أنّ الاطلاق والتقييد أمران متضادّان فاستصحاب عدم الاشتراط معارض باستصحاب عدم لحاظ الاطلاق في مقام الجعل والتشريع ، فإنّ كل واحد منهما يحتاج إلى لحاظ الحاكم لا محالة وأصالة عدم أحدهما معارض بأصالة عدم الآخر فيتعارضان ، وكيف كان فلا أصل لهذا الأصل .

وأمّا الاطلاقات فهي كما أفاده (قدّس سرّه) مطلقة وتدلّ على عدم اعتبار العدالة في الأب والجدّ ، بل لم يخالف في ذلك من الأصحاب إلاّ ما حكي عن الوسيلة(1) والايضاح(2) فإنّهما اعتبرا العدالة في ولايتهما واستدلاّ على اشتراط العدالة بأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ولا يصرف عن ماله ، ويستحيل من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الوسيلة : 279 .

(2) إيضاح الفوائد 2 : 628 .

ــ[140]ــ

حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أميناً يقبل إقراراته وإخباراته عن غيره مع نصّ القرآن على خلافه ، انتهى .

وقد استظهر شيخنا الأنصاري من جامع المقاصد(1) أنّهم أرادوا بنصّ القرآن قوله تعالى (وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(2) إلاّ أنّها لا دلالة فيها على اشتراط العدالة بوجه ، إذ المراد عدم الركون إلى الظالم فيما يرجع إلى اُمور الدين والآخرة دون غيره ، مثلا إذا أخبر الظالم عن حرمة شيء أو نبوّة أحد فلا يمكن الركون إلى قوله لاستلزامه النار في الآخرة لعدم مطابقة قوله الواقع ، وأمّا توكيل الظالم في بيع ماله أو أمر آخر فهو ليس ركوناً إليه على نحو يوجب مسّ النار كما في الآية المباركة ، وتوكيل الظالم ليس من المحرّمات الشرعية قطعاً ، مضافاً إلى أنّ جعله وليّاً ليس ركوناً إلى الظالم بعد ما صار أميناً بالولاية .

ويحتمل أن يراد بنصّ القرآن قوله تعالى (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(3) بملاحظة ذيل عبارة الايضاح المتقدّمة(4) حيث قال : ويقبل إقراراته وإخباراته ، إلاّ أنّها أيضاً لا دلالة فيها على اشتراط العدالة في الولي من أجل أنّها إنّما تدلّ على عدم قبول إخبار الفاسق عن الغير فيما يترتّب عليه الآثار بلحاظ قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وأمّا إذا أخبر عن شؤون نفسه من دون أن يترتّب عليه أثر على الغير كما إذا قال : إنّ ثوبي ملك فلان أو نجس أفلا يجوز قبوله بدعوى أنه فاسق ، فإنه لابدّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع المقاصد 11 : 275 .

(2) هود 11 : 113 .

(3) الحجرات 49 : 6 .

(4) تقدّمت آنفاً .

 
 

ــ[141]ــ

من قبوله بما أنه ذو اليد لا بما أنه فاسق ، وفي المقام أيضاً نقبل إخبارات الأب الفاسق بما أنه ولي لا بما أنه فاسق . وبعبارة اُخرى : الآية المباركة بقرينة ذيلها إنّما تدلّ على عدم اعتبار خبر الفاسق بصفة أنه فاسق لا على نحو الاطلاق كعنوان أنه مالك أو ذو يد أو ولي ، فكما نقبل إقرار الفاسق بما أنه مالك للمال فكذا نقبل إخباره عن أموال الطفل بما أنه وليّه بعد ثبوت ولايته ، فالاستدلال بهذه الآية ممّا لا مورد له .

وأمّا استحالة جعل الفاسق أميناً من حكمة الصانع كما اُفيد فيدفعه : أنه لا مانع من ذلك فيما إذا رأى الحكيم في ولاية الأب مصلحة ولأجلها جعل له الولاية والسلطنة ، وهذه المصلحة هي رأفة الأب على ولده وإن كان في أعلى مراتب الفسق  ، إذ سائر الناس ليسوا بأرأف به من أبيه وجدّه ولو كانوا في أعلى مراتب العدالة ، وهذه الرأفة هي التي توجب حفظ مال الصبي .

وبالجملة : أنّ المصلحة النوعية وهي الشفقة على الولد بمقتضى الطبيعة البشرية توجب جعل الولاية لهما ، وعلى تقدير كونهما متلفين لأموال الولد فللحاكم عزلهما كما هو واضح .

فالمتحصّل : أنّ العدالة غير معتبرة في ولاية الأب والجدّ .

فيقع الكلام بعد ذلك في أنّ تصرف الأب والجدّ هل يشترط في صحته ونفوذه أن يكون على وفق مصلحة الولد أو يكفي في صحّته عدم المفسدة أو أنه لا يعتبر في صحّته شيء من المصلحة وعدم المفسدة ؟

قد حكي الأول عن الشيخ الطوسي(1) وذهب شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) إلى الثاني وحكى الثالث عن بعضهم . وربما يفصّل بين الأب والجدّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 2 : 200 .

(2) المكاسب 3 : 537 .

ــ[142]ــ

باشتراط المصلحة في الجد والاكتفاء بعدم المفسدة في الأب .

وقد استدلّ لعدم اشتراط المصلحة وعدم المفسدة باطلاق ما ورد(1) من أنّ الولد وماله لأبيه ، أو « أنت ومالك لأبيك » أو غير ذلك ممّا ورد في المقام ، ومن الظاهر أنّ تصرّفات الإنسان في مال نفسه لا تشترط بالمصلحة أو عدم المفسدة بل هي صحيحة ونافذة مطلقاً ، هذا .

ولا يخفى أنّ هذه الأخبار بأجمعها أجنبية عن الولاية ولا دلالة لها على اشتراطها أو عدم اشتراطها بشيء وتوضيح ذلك : أنّ المراد من قوله (عليه السلام) «  أنت ومالك لأبيك » ليس هو الملك قطعاً ، إذ لا معنى لأن يكون الولد ملكاً لوالده  ، وإلاّ فيصير كالعبد ولا يتملّك شيئاً ، نعم لو لم تشتمل الرواية على لفظة أنت لكان احتمال الملك ممكناً إلاّ أنّك عرفت أنّ الرواية مشتملة على لفظة أنت ، ومعه لا يبقى مجال لهذا الاحتمال ، هذا .

مضافاً إلى أنّ ذلك ينافي ما ورد من أنّ الولي أعني الأب والجد يجوز أن يقترض من مال الولد(2) أو أنه يقوّم جارية الابن على نفسه(3) إذ لو كان الولد وماله ملكاً لهما فلا يحتاج إلى الاقتراض بل هو ماله ، كما لا يكون حينئذ معنى لتقويم الجارية ولعلّه ظاهر فاحتمال إرادة الملك مقطوع الفساد .

كما أنّ المراد منها ليس هو الولاية بمعنى أنت ومالك تحت تصرّف أبيك وذلك لأنّ بعضها ورد في الكبير كالرواية(4) المتضمّنة لشكاية الولد إلى النبي (صلّى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 262 / أبواب ما يكتسب به ب78 .

(2) الوسائل 17 : 264 / أبواب ما يكتسب به ب78 ح6 .

(3) الوسائل 17 : 263 / أبواب ما يكتسب به ب78 ح3 .

(4) الوسائل 17 : 265 / أبواب ما يكتسب به ب78 ح8 .

ــ[143]ــ

الله عليه وآله) من أبيه وما ورد في تزويج الجد للبنت معلّلا بأنّ البنت وأباها للجد ومن المعلوم أنّ الكبير لا معنى للولاية عليه ، فهذا الاحتمال أيضاً مندفع .

وأمّا احتمال إرادة الملك تنزيلا بمعنى أنّ الولد وماله وإن لم يكونا مملوكين للأب حقيقة إلاّ أنّهما في حكم الملك بالنسبة إليه ، فهو أيضاً مندفع بأنّ ذلك ينافي الاقتراض من مال الولد وتقويم جاريته على نفسه لأنّ الإنسان لا يقترض من مال نفسه ولا يقوّم ماله على نفسه .

وأمّا احتمال إرادة الانتفاع بمال الولد ونفسه بمعنى أنّ الوالد يجوز له الانتفاع من الولد وماله ، فهو وإن كان صحيحاً في حدّ نفسه إلاّ أنه لا دلالة فيه على الولاية لأنّ جواز الانتفاع أمر غير الولاية على الولد كما هو ظاهر .

فتحصّل : أنّ هذه الأخبار لا دلالة فيها على الولاية ولا على تقييدها واشتراطها بشيء .

والتحقيق في معنى الحديث أن يقال : إنه ناظر إلى أمر أخلاقي ناشئ من الأمر التكويني ، وذلك الأمر التكويني هو أنّ الله تعالى قد وهب الولد لوالده كما هو مقتضى قوله تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)(1) فهو موهوب وهدية من الله لوالده كما ورد في عدّة روايات(2) سئل فيها عن وجه حلّية مال الولد لوالده دون العكس فأجابه (عليه السلام) بأنّ الولد موهوب إلهي للأب ومقتضى الهدية في مقابل المشاق التي احتملها الأب وتوسّل إلى الله تعالى في طلب الولد أن لا يمنعه الولد عن التصرف فيه وفي ماله ، فلا ربط لتلك الروايات بالولاية كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشورى 42 : 49 .

(2) الوسائل 17 : 266 / أبواب ما يكتسب به ب78 ح9 .

ــ[144]ــ

واستدلّ أيضاً على عدم اعتبار شيء من الأمرين في ولايتهما باطلاق ما دلّ على ولاية الأب والجدّ على تزويج البنت وتقديم تزويج الجد على تزويج الأب فيما إذا زوّجا البنت من شخصين في زمان واحد معلّلا بأنّ الأب وماله للجدّ ، فولاية الجدّ أقوى من ولاية الأب في النكاح ، لكن الإنصاف أنه لا إطلاق لهذه الروايات بل هي منصرفة إلى جعل السلطنة للولي في التصرّفات التي لا تكون مضرّة بالمولّى عليه .

وكيف كان ، فلم يثبت عدم اشتراط الولاية والتصرّف بالمصلحة في مثل البيع والاجارة وغيرهما من المعاملات ، فإذا قلنا باشتراطه فيها بالمصلحة لقلنا باشتراطه بها في النكاح بطريق أولى لأنه أهم ، كما أنّ نفوذ تزويجهما إذا لم يثبت اشتراطه بالمصلحة في النكاح لقلنا بعدم اشتراطه بها في المعاملات بطريق الأولوية .

فالمتحصّل : أنّ هذه الأخبار لا يستفاد منها عدم اشتراط التصرّف بالمصلحة وعدم المفسدة . مضافاً إلى أنّها على تقدير إطلاقها ودلالتها على عدم الاشتراط نقيّدها بصحيحة أبي حمزة الثمالي(1) الدالّة على تقييد التصرف في مال الابن بصورة الحاجة مذيّلة بقوله تعالى (واللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَاد)(2) فإنّ معناه أنّ الله يبغض الفساد لا أنه يكرهه ، إذ لا معنى لكراهة الفساد ، فتكون هذه الصحيحة دليلا على حرمة التصرف من دون مصلحة أو مع وجود المفسدة فيكون موجباً لتقييد هذه الأخبار المتقدّمة على تقدير إطلاقها ودلالتها على عدم الاشتراط . هذا كلّه في التصرّفات الراجعة إلى غير الولي في مال الولد .

وأمّا في التصرفات الراجعة إلى نفسه في مال الولد فلا ينبغي الإشكال في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّمت آنفاً ، وهي الرواية الثانية من الباب 78 من أبواب ما يكتسب به .

(2) البقرة 2 : 205 .

ــ[145]ــ

عدم اشتراطها بالمصلحة بل مجرد عدم وجود المفسدة فيها كاف في صحّتها كما إذا احتاج إلى تبديل فلوسه بدراهم الولد أو إلى جاريته وهكذا ، فإنّ عدم المفسدة في مثل تلك التصرفات كاف في صحّتها ولعلّه ظاهر .

ملخّص ما ذكرناه : أنّه استدلّ على عدم اشتراط الولاية بشيء من المصلحة وعدم المفسدة بالأخبار المتقدّمة الواردة في أنّ الولد وماله لأبيه ، إلاّ أنّك عرفت أنّها غير واردة في الولاية بوجه ، ولا دلالة لها على الملكية الحقيقية ولا التنزيلية ولا غيرها ، وإنّما وردت لأجل أمر آخر لا ربط له بالولاية . نعم الأخبار الواردة في النكاح الدالّة على أنّ الجد والأب يزوّجان الابن والبنت وعلى تقدير المزاحمة يقدّم الجدّ على الأب قد يدعى أنّها مطلقة وغير مقيّدة بوجود المصلحة أو بعدم المفسدة ويمكن أن يستدلّ بها على عدم اشتراط الولاية بشيء ، وعليه فنفي الاشتراط في غير النكاح بطريق الأولوية ، إلاّ أنّ صحيحة أبي حمزة الثمالي المتقدّمة(1) تدلّ على تقييد الولاية بعدم المفسدة وتوجب تقييد تلك المطلقات كما مرّ ، فإذا ثبت الاشتراط في غير النكاح فنثبته في النكاح بطريق أولى ، هذا .

وربما يقال كما عن بعض مشايخنا المحقّقين(2) إنّ الأخبار الواردة في النكاح أيضاً مقيّدة بعدم المفسدة ولا إطلاق فيها بوجه ، وذلك لما ورد في بعضها من أنّ الجدّ يقدّم على الأب عند المزاحمة إلاّ إذا كان مضارّاً وفي مقام الاضرار ، وهي توجب تقييد غيرها من الأخبار بعدم المفسدة لا محالة ، هذا .

ولا يخفى أنه لا دلالة في هذه الرواية على الاشتراط بالمصلحة أو عدم المفسدة  ، وذلك لأنّها إنّما دلّت على اشتراط أولوية الجد من الأب بصورة عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّمت آنفاً ، وهي الرواية الثانية من الباب 78 من أبواب ما يكتسب به .

(2) حاشية المكاسب (الأصفهاني) 2 : 375 .

ــ[146]ــ

الاضرار ، لا أنّها دلّت على تقييد أصل ولاية الجد بعدم كونه مضاراً ، وأولوية الجد من الأب في مقام المزاحمة أمر وولايته أمر آخر ولا ينبغي خلط أحدهما بالآخر ولعلّه ظاهر .

ثمّ إنّهم استدلّوا على اشتراط المصلحة في الولاية بوجوه :

الأول : أنّ نفس جعل الولاية في حقّ الصغير والمجنون وغيرهما يقتضي اشتراطها بالمصلحة ، لأنّ معناه أن يباشر الولي اُمور المولّى عليه لأجل أن يعود نفعها إلى ذلك المولّى عليه بأن يبيع داره لأجل مصلحته ويشتري له شيئاً لدفع مفسدته  ، لا أن تجعل الولاية للتصرف في مال المولى عليه بلا مصلحة وصرفه فيما لا ينبغي له ، وكيف كان فالحكمة في جعل الولاية هي مصلحة الطفل والمولّى عليه وإلاّ فيكون أصل تشريعها لغواً ، فمقتضى نفس جعل الولاية أن يراعى مصلحة المولّى عليه ، ولعلّ ذلك ظاهر .

والجواب عن ذلك : أن جعل الولي لشخص وإن كان مقتضياً لمراعاة مصالح المولّى عليه لا محالة (وإلاّ فلم يكن يحتاج إلى جعل الولي بل يخلّي الطفل بحاله وإن تصرف في ماله بما يضرّه لأنه وجعل الولاية على نحو الاطلاق على حدّ سواء في عدم عود المنافع إليه) إلاّ أنّ ذلك كلّه فيما إذا لوحظ المولّى عليه في مقام جعل الولاية  ، وكان جعلها بالاضافة إلى مصالحه فقط ، وأمّا إذا كان جعلها بملاحظة كل واحد من الطرفين ولأجل احترام الولي ، لأنّ المولّى عليه موهوب له كما ورد في الأخبار(1) من أنّ الولد هبة لأبيه ، فإنّما جعل الولاية له حفظاً لاحترامه ومصالحه ولأجل التصرّف في مال المولّى عليه وحفظه ، فلا يقتضي جعل الولاية للأب مثلا رعاية مصالح المولّى عليه في جميع التصرّفات ، ولا وجه لتقييد أدلّتها مع أنّها مطلقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 266 / أبواب ما يكتسب به ب78 ح9 .

ــ[147]ــ

في مقام الاثبات ، بل ثبت أنّ الولي له أن يأكل من مال الطفل عند الحاجة إليه وإن كان ذلك على خلاف مصلحة الصغير ، وذلك لأنّ نفقة الوالدين على الولد عند الاعسار كما أنّ نفقة الولد على الأبوين .

الوجه الثاني : الاجماع على اشتراط الولاية بالمصلحة في التصرف .

ويدفعه : أنّ المحصّل منه غير حاصل والمنقول منه ليس بحجّة . مضافاً إلى أنّ تحقّق الاجماع في حدّ نفسه غير خال عن التعسّف لكثرة المخالف في المسألة ، وقد ذهب بعضهم إلى عدم اعتبار شيء من المصلحة وعدم المفسدة . مع أنّ من المحتمل لو لم يكن هو المطمأن به أنّ القائلين بالاشتراط إنّما اعتمدوا في ذلك على الوجه السابق أو الوجه الآتي ، ومع هذا الاحتمال كيف يكون الاجماع على تقدير تحقّقه تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) .

الوجه الثالث : قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(1)والأحسن إنّما يتحقّق بالمصلحة ، فإن قلنا إنّ اليتيم عبارة عن خصوص من مات أبوه فلا تشمل الآية الأب كما هو ظاهر وتشمل الجدّ فقط عند فقدان الأب ، وإن عمّمناه لمن ماتت اُمّه فتشمل الأب أيضاً ، فإذا ثبت اشتراط الولاية في الجد بالمصلحة فنثبته في ولاية الأب بطريق أولى ، لما مرّ وعرفت من أنّ ولاية الجد أقوى من ولاية الأب عند المزاحمة ، فإذا ثبت أمر في القوي فيثبت في الضعيف بالأولوية .

وبهذا يندفع ما ذكره شيخنا الأنصاري(2) في المقام من أنّ عدم القول بالفصل ممنوع ، وذلك لأنّك عرفت أنّ الوجه في عدم الانفصال هو الأولوية وهي ليست ممنوعة ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنعام 6 : 152 .

(2) المكاسب 3 : 542 .

ــ[148]ــ

إلاّ أنّ الآية خطاب لعموم الناس ولا مانع من تخصيصها وتقييدها بما ورد في ولاية الجدّ والأب من الأخبار المطلقة الدالّة على أنّ ولايتهما مشروطة بعدم الفساد لا بوجود المصلحة ، وبذلك تخرج ولاية الأب والجدّ عن الاشتراط بالمصلحة بخلاف ولاية غيرهما من الأولياء كالوصي والقيّم والحاكم وعدول المؤمنين وفسّاقهم عند عدم العدول .

فالمتحصّل أنّ اللازم في ولاية الأب والجدّ هو عدم المفسدة لقوله (عليه السلام) في صحيحة أبي حمزة الثمالي(1) « إنّ الله لا يحبّ الفساد » وأمّا المصلحة فلا .

بقي الكلام في أنّ المصلحة أو عدم المفسدة المعتبرة في ولاية الأب والجدّ هل الاعتبار بوجودهما الواقعي أو المعتبر فيهما هو المصلحة أو عدم المفسدة بوجودهما الاحرازي ، وتظهر الثمرة فيما إذا تصرّف في مال الصغير بقصد المصلحة وعدم المفسدة فظهر أنه كان فاسداً في الواقع ، أو أنه تصرّف فيه بقصد الافساد ثمّ ظهر أنه على وفق مصلحة الطفل فهل يحكم بالصحّة أو بالفساد ؟

وهذه المسألة لم تنقّح في كلماتهم بوجه إلاّ بالاشارة في بعضها ونقول في تحقيق ذلك : أنّ المعتبر في ولاية الأب والجدّ عدم الافساد كما في صحيحة أبي حمزة الثمالي والمفسدة كعنوان المعصية متقوّمة بأمرين على ما ذكرناه في سفر المعصية من بحث الصلاة(2): أحدهما الفساد الواقعي . وثانيهما : قصده ، كما أنّ المعصية متقوّمة بالعصيان واقعاً وبالقصد إليه ، فإذا تصرّف في أموال الصغير بقصد الإفساد وكان ذلك فاسداً في الواقع أيضاً يحكم بعدم الصحّة والنفوذ لاشتراط الولاية بعدم المفسدة ، وأمّا إذا تصرّف فيه بقصد الافساد ولم يكن فاسداً في الواقع بل كان على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 263 / أبواب ما يكتسب به ب78 ح2 .

(2) شرح العروة الوثقى 20 : 135 .

ــ[149]ــ

مصلحة المولّى عليه أو تصرّف فيه من دون قصد الافساد وكان في الواقع فاسداً فلا يحكم بالفساد بوجه ، لأنه كما عرفت متقوّم بوجود المفسدة الواقعية وبقصد ذلك الفساد وإذا انتفى أحدهما ينتفي الافساد كما في المعصية فلا تغفل(1).

استدراك وعدول

قد ذكرنا أنّ النسبة بين الروايات الواردة في ولاية الأب والجدّ والآية المباركة أي قوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ)(2) الخ عموم وخصوص ، وأنّ الروايات تتقدّم على الآية وتخصّصها ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ النسبة بينهما عموم من وجه وأنّ الآية في مقام بيان سعة ولاية الأب والجدّ وضيقها وإنّما دلّت على أنّ التصرف في مال اليتيم لابدّ وأن يكون عن مصلحة تعود إليه سواء كان الولي هو الأب أو الجدّ أو غيرهما ، والروايات دلّت على أنّ تصرّف الأب والجدّ لابدّ وأن لا يكون مع المفسدة سواء كان مع المصلحة أيضاً أو بدونها ، فتكون صورة عدم المصلحة وعدم المفسدة مورداً لاجتماعهما وتعارضهما ، ولا وجه لتقدّم الروايات على الآية أبداً هذا كلّه فيما إذا كانت دلالة الآية على اشتراط الولاية بالمصلحة تامّة .

إلاّ أنّ للمناقشة في دلالتها على ذلك مجالا واسعاً ، وذلك لأنّا تتبّعنا ولم نجد رواية من المعصومين (عليهم السلام) في تفسير الآية المباركة بذلك ، وظاهرها أنّها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولا يخفى أنه بناء على اعتبار المصلحة في الولاية يأتي فيها ما أفاده سيّدنا الاُستاذ دام علاه لأنّ المصلحة كالمفسدة لابدّ من أن يتقوّم بأمرين أحدهما المصلحة الواقعية وثانيهما قصدها  ، وعليه فإذا تصرف فيه بقصد المصلحة وكان في الواقع على خلافها أو تصرف فيه بقصد المفسدة وكان في الواقع على وفق المصلحة فهل يمكن الحكم بفساد ذلك التصرف
وعلى ما أفاده السيد دام ظلّه لابدّ من الحكم بالفساد في الصورتين وهو مشكل .

(2) الأنعام 6 : 152 .

ــ[150]ــ

نظير قوله تعالى (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(1) وليس مفادها غير مفاد هذه الآية المباركة ، ومعنى القرب على ما بيّناه في محلّه يختلف باختلاف الموارد ففيما إذا اُضيف إلى فعل من الأفعال كما إذا قيل : لا تقربوا من شرب الخمر أو لا تقرب الزنا إنه كان فاحشة ونحو ذلك فمعناه لا تفعله ولا تأت به كما هو المصطلح بالفارسية أيضاً وإذا اُضيف إلى جنس من الأجناس كما في قوله تعالى (َلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ)(2) أو لا تقرب المزمار وآلات الغناء فمعناه أن لا تجعله تحت يدك ولا تملكه بالأكل والتصرف فيه ، والظاهر أنّ اليتيم في الآية إنّما ذكر من أجل أنّ الغالب أنّهم يتقرّبون من أموال اليتامى ويأخذونها لعدم تمكّن اليتيم من الدفع عن نفسه وإلاّ فلا خصوصية لليتيم أبداً .

ثمّ إنّ الباء في قوله تعالى (إِلاَّ بِالَّتِي) سببية كما في قوله تعالى (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) وقد حذف متعلّقها وهو الطريقة الوسطى كما يشهد له تأنيث الموصول ، ولا يراد به التقرّب الأحسن ، فمعنى الآية لا تأكلوا ولا تقربوا أموال اليتامى إلاّ بالطريقة الوسطى وهي طريقة الإسلام ، بمعنى أنه لا تأكلوها إلاّ بمجوّز شرعي الذي هو الطريقة الإسلامية ، فمساق الآية مساق قوله تعالى (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) وعليه فالآية أجنبية عن الولاية بالكلّية ، وذلك لأنّ التصرّف في مال اليتيم بالبيع ونحوه ليس تقرّباً للمال ، لما عرفت من أنّ معنى التقرّب هو الأكل والتملّك لا البيع والشراء وأمثالهما ، والنهي في المقام تكليفي قد تعلّق بالتقرّب بالمعنى المذكور ولا ربط له بالحكم الوضعي من الصحّة والفساد أبداً ، وعلى تقدير أنّ النهي أعمّ من التكليفي والوضعي أيضاً قد عرفت أنّ التقرّب لا يشمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

(2) الأنعام 6 : 152 .

ــ[151]ــ

أمثال التصرّف بالبيع ونحوه ولعلّه ظاهر ، وعليه فالأخبار الواردة في ولاية الأب والجد الدالّة على اعتبار عدم المفسدة فقط تبقى بلا معارض .

بقي الكلام في اُمور : الأول : أنّ هذا الحكم هل يختص بالأب والجد الأدنى وهو أب الأب فقط ، أو أنه يعمّ جدّ الأب أيضاً وهكذا ؟ الظاهر أنّ الحكم عام ولا يختصّ بالجد الأدنى بل يعمّه وغيره من الأجداد أيضاً ، لاطلاق الأخبار(1)الواردة في النكاح ، مضافاً إلى ما ورد في تعليل ولاية الجدّ من « أنت ومالك لأبيك  » فإنه موجود بالاضافة إلى الأجداد العالية أيضاً .

الثاني : أنه إذا فقد الأب ومات فهل تختصّ الولاية بالجدّ الأدنى أو يشترك هو وأبوه في الولاية ؟ ربما يقال إنّ الولاية تختص بالأدنى لقوله تعالى (وَأُوْلُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض)(2) الخ . وفيه : أنّ الآية ليست إلاّ في مقام أولوية بعضهم على بعض آخر في الارث لا في غيره وإلاّ فالولد أقرب بالاضافة إلى الأب مع أنّ الولاية ثبتت لكليهما وللأب أن يتصرّف في مال الصغير مع وجود ولده فالظاهر أنّ كلا من الأجداد يمكنهم التصرف في أموال المولّى عليه لعموم قوله « أنت ومالك لأبيك » .

وبالجملة : أنّ المقتضي لولاية الأجداد موجود وهو الاطلاقات الواردة في باب النكاح من دون تقييدها بشيء والمانع مفقود ، وأمّا ما تخيّل مانعاً في المقام وهي الآية الشريفة فقد عرفت أنّها راجعة إلى الارث ولا تصلح للمانعية . وبعبارة اُخرى أنّ أصل ولاية الأجداد إن ثبت بالاطلاق ونحوه فلا وجه لرفع اليد عنه وإن قلنا إنّ الأدلّة المثبتة للولاية منصرفة إلى غير الأجداد المتعالية فالمقتضي من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّمت في الصفحة137 .

(2) الأنفال 8 : 75 .

ــ[152]ــ

الابتداء قاصر .

الثالث : هل ولاية الجدّ تختصّ بحال حياة الأب أو أنّها عامّة والجدّ ولي على نحو الاطلاق سواء كان الأب حيّاً أو ميتاً ؟ ولا يخفى بُعد اختصاص الولاية في الجدّ بحال حياة الأب ، لأنّ ولايته أقوى من ولاية الأب فكيف تختصّ بحال حياة الأب
هذا ولكن مورد بعض الأخبار الواردة في النكاح هو إثبات الولاية للجدّ مع وجود الأب ، إلاّ أنّ الأخبار الاُخرى الواردة في إثبات الولاية للجدّ مطلقة ولا تقييد فيها بخصوص حياة الأب ، ولا مقيّد لاطلاقها إلاّ ما رواه شيخنا المحقّق في حاشيته(1)عن فضل بن عبدالملك عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيّاً وكان الجدّ مرضياً جاز »(2) فإنّها قيّدت الولاية بحال حياة الأب  .

ولكنّا حينما تفحّصنا عن الرواية في الوافي(3) وجدناها بغير هذا السند وقد رواها فيه عن البقباق ، هذا .

ولا يخفى أنه ظهر بعد المراجعة أنّ الرواية منقولة عن أبي العباس واسمه فضل ولقبه البقباق وقد رواها في الوافي باللقب تلخيصاً للكلام كما هو دأبه على ما صرّح به في أوائل كتابه ، وعليه فالطريقان متّحدان .

وعلى تقدير تمامية هذه الرواية بحسب السند والدلالة لابدّ من الالتزام بأنّ ولاية الجدّ تختصّ بحال وجود الأب فقط ، كما لابدّ من الالتزام باشتراط ولاية الجدّ بالعدالة لأنّها معنى قوله (عليه السلام) « وكان الجدّ مرضياً » فإنّ المرضي على وجه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الاصفهاني) 2 : 377 .

(2) الوسائل 20 : 290 / أبواب عقد النكاح ب11 ح4 .

(3) الوافي 21 : 437 / 21491 .

ــ[153]ــ

الاطلاق أي في العمل والاعتقاد عبارة عن العادل كما ورد(1) في روايات إمام الجماعة فراجع ، وتكون هذه الرواية مقيّدة وموجبة لاشتراط الولاية بالعدالة شرعاً ولا ينحصر وجه الاشتراط في الوجه العقلي كما صنعه الفخر (قدّس سرّه)(2)فراجع .

إلاّ أنّ الكلام في تمامية سند الرواية ودلالتها .

أمّا بحسب السند فالظاهر أنّها ضعيفة ، لأنّ من جملة رواتها جعفر بن سماعة وهو ممّن لم تثبت وثاقته وقد ضعف المجلسي سند الرواية في مرآة العقول(3) إلاّ أنّ ذلك من جهة الوقف . وقد اعتقد صاحب الرجال الكبير(4) أنّ جعفراً هذا هو جعفر ابن محمّد بن سماعة وهو موثّق في كتب الرجال إلاّ أنّ كون جعفر هو جعفر الموثّق لم يثبت عندنا ، لاحتمال أن يكون جعفر اسم شخصين أحدهما ولد لسماعة وثانيهما ولد ولده ، ورواة الرواية كلّهم واقفية إلاّأنه لا يضرّ بحجّيتها بعد ما كانوا موثّقين من غير جهة جعفر بن سماعة ، هذا كلّه بحسب السند .

وأمّا دلالتها فقد وقع الكلام في أنّ دلالتها على القيدين هل هي بمفهوم الوصف أو أنّها بمفهو الشرط ؟ وقد حكى شيخنا المحقّق(5) عن صاحب الجواهر(6)أنّ دلالتها عليهما بمفهوم الشرط ، إلاّ أنه (قدّس سرّه) ذهب إلى أنّها بمفهوم الوصف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 326 ح2 ، 338 ح3 .

(2) إيضاح الفوائد 2 : 628 .

(3) ] لاحظ مرآة العقول 20 : 132 فإنّه ذكر أنّ الرواية موثّقة [ .

(4) منهج المقال 3 : 201 . ] ولا يخفى أنه (قدّس سرّه) اختار في المعجم انصراف جعفر بن سماعة إلى جعفر بن محمد بن سماعة الثقة فلاحظ معجم رجال الحديث 5 : 38 [ .

(5) حاشية المكاسب (الأصفهاني) 2 : 377 .

(6) الجواهر 29 : 171 .

ــ[154]ــ

لأنّ الشرطية سيقت لبيان تحقّق الموضوع حيث إنّ مفهومها أنه إذا لم يزوّج الجدّ ابنة ابنه ، ومن الواضح أنّ عدم الولاية حينئذ من باب السالبة بانتفاع الموضوع ومثله لا يدلّ على المفهوم ، وإنّما هو مستفاد من الوصف في المقام وقد أثبتنا في محلّه(1) أنّ الوصف لا مفهوم له ، وبذلك تسقط الرواية عن الاعتبار ، هذا .

إلاّ أنّ الصحيح أنّ دلالتها على ثبوت القيدين إنّما هي بمفهوم الشرط كما ذكرنا ذلك في الاُصول وقلنا إنّ نسبة الجزاء إلى الشرط تارةً نسبة المعلول إلى علّته عقلا بحيث يستحيل أن يتحقّق الجزاء في الخارج من دون تحقّق الشرط وهذا نظير قوله : إن رزقت ولداً فاختنه أو إن ركب الأمير فخذ ركابه ، وفي أمثال ذلك يكون الشرط مسوقاً لأجل تحقّق الموضوع ولا دلالة في أمثاله على المفهوم لأنه سالبة بانتفاء الموضوع .

واُخرى يكون نسبة الجزاء إلى الشرط نسبة المعلول إلى علّته شرعاً من دون أن يكون بينهما ترتّب عقلي وهذا كما إذا قال إن جاءك زيد فاعطه درهماً ، فإنّ إعطاء الدرهم لا يتوقّف على المجيء عقلا وإنّما الترتّب بينهما شرعي ، وفي مثل ذلك يؤخذ بمفهوم الشرط ويقال إنه حجّة .

وثالثة تشتمل الجملة الشرطية على قيدين أو قيود تكون النسبة والترتّب بين بعضها وبين الجزاء عقلياً وبين بعضها الآخر والجزاء شرعياً ، وهذا كما إذا ورد إن رزقت ولداً وكان تولّده يوم الجمعة فاختنه ، فإنّ الختان بالاضافة إلى المرزوقية معلول عقلي لعدم إمكانه بدونها ، وأمّا بالاضافة إلى التولّد يوم الجمعة معلول شرعي لامكان الختان من دون الحاجة إلى التولّد يوم الجمعة أصلا ، ففي مثل ذلك لا يمكن استفادة المفهوم بالاضافة إلى الجملة الاُولى لأنّها مسوقة لتحقّق الموضوع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4 (موسوعة الإمام الخوئي 46) : 274 .

ــ[155]ــ

بخلاف الجملة الثانية لأنّها تدلّ على المفهوم لا محالة ويستفاد منها أنّ التولّد إذا لم يكن يوم الجمعة فلا يجب الختان .

والرواية من هذا القسم الثالث لاشتمالها على تزويج بنت الابن وعلى كون الأب حيّاً وعلى كون الجد مرضياً ، فبالاضافة إلى الاُولى لا يمكن استفادة المفهوم لأنّها سيقت لتحقّق الموضوع وأمّا بالاضافة إلى الباقي فلا مانع من الأخذ بالمفهوم لأنّ الترتّب بينه وبين الجزاء شرعي فتدلّ على عدم الجواز فيما إذا لم يكن الأب حيّاً أو الجدّ مرضياً ، وبذلك يمكن تقييد المطلقات التي وردت في المقام .

نعم يمكن أن يقال : بملاحظة فتاوى العامّة في المسألة أنّ الجملة الشرطية لا مفهوم لها في خصوص المقام ، بل إنّما وردت لبيان الحكم الواقعي الذي أفتى العامّة(1) بخلافه ، وذلك لأنّهم ذهبوا إلى أنه لا ولاية للجدّ مع وجود الأب ، وأراد الإمام (عليه السلام) بيان أنّ الجدّ له الولاية على الطفل مع وجود أبيه أيضاً ، وكأنه أتى بواو الوصل وقال إنه ولي عليه ولو كان أبوه حيّاً ، وهذا التقييد وإن كان بعيداً في حدّ نفسه إلاّ أنه بملاحظة فتاوى العامّة في المسألة يقرب هذا التقييد جدّاً .

وكيف كان ، فالعمدة هي ضعف الرواية بحسب السند .

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاُمّ 5 : 13 ، المغني 7 : 346 ، المجموع 16 : 147 و154 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net