إرث الكافر للعبد المسلم - هل يلحق بالارث كلّ ملك غير اختياري ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4777


ويقع الكلام في الملك غير الاختياري مثل الارث ، وهل يلحق هذا بالملك الاختياري أم لا ؟ فإن كان الدليل على عدم جواز البيع في الاختياري الاجماع فلا مانع من جواز إرث الكافر العبد المسلم غاية الأمر يكون ملزماً على بيعه من قبل الشارع ، بل ادّعي الاجماع على الجواز في الارث .

وإن كان الدليل الروايات الواردة في عدم استقرار ملك الكافر للعبد المسلم كما في قوله (عليه السلام) « ولا تقرّوه عنده »(1) فهو أيضاً لا يمنع من تملّك الكافر العبد المسلم ابتداءً بارث ونحوه وغاية الأمر يلزم على بيعه .

وأمّا لو كان الدليل عليه الآية الشريفة(2) وقلنا بكون التملّك سبيلا من الكافر على المؤمن ، فعليه إن قلنا بحكومة الآية على أدلّة الارث فعدم الملك ظاهر وأمّا لو قلنا بعدم الحكومة كما كان كذلك في البيع فيقع التعارض بين الآية الشريفة وأدلّة الارث ، فلابدّ من الرجوع إلى الأصل الموجود في المقام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 380 / أبواب عقد البيع وشروطه ب28 ح1 .

(2) النساء 4 : 141 .

ــ[211]ــ

وللميرزا (قدّس سرّه)(1) في المقام كلام يريد به أن يفرّق بين الارث والبيع وأنّ أحدهما لا يقاس بالآخر بتقريب أنّ البيع عبارة عن التبديل بين المالين مع حفظ المالكين وتوضيح ذلك : أنّ الملكية بين المالك والمملوك لمّا كانت كالخيط المشدود أحد طرفيه بالمالك والآخر بالمملوك وعند البيع يفتح الخيط من طرف المملوك ويشد إلى الثمن ، وأمّا طرف المالك فهو باق على حاله ، والملكية الحاصلة بين المشتري والمثمن ملكية حادثة لم تكن له بخلاف الارث لأنه ليس إلاّ تبدّلا من طرف المالك ، وأمّا الملكية فهي باقية على حالها ، فعليه لا مانع من الارث لعدم كونه إحداث ملك حتّى يكون مشمولا لآية نفي السبيل ليقع التعارض ، بل هي ملكية كانت موجودة قبلا غاية الأمر قد تبدّل المالك فيلزم على بيعه .

ولكنّه لا يخفى ما فيه ، بداهة أنّ الملكية من الاُمور التي تكون قائمة بالطرفين ولا يعقل بقاؤها مع انتفاء أحد طرفيها فعليه توجد وتحدث ملكية جديدة للوارث . وبعبارة واضحة أنّ الملكية الحاصلة للوارث ملكية جديدة غير الملكية التي كانت للمورّث ، فما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) هو المتين .

وكيف كان ، فبعد التعارض لابدّ من الرجوع إلى الأصل الموجود في المقام وقد ذكر الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه) أنّ الأصل في المقام عبارة عن أصالة بقاء رقّية العبد ، ولكنّه لا يثبت بذلك تملّك الكافر بل يرثه الإمام (عليه السلام) لأنه مقتضى الجمع بين أصالة عدم تملّك الوارث الكافر وبين أصالة بقاء رقّية العبد .

وقد اُورد(2) على الشيخ (قدّس سرّه) بأمرين : أحدهما أنّ جريان الأصل في طرف بقاء رقّية العبد مبني على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 254 ـ 256 .

(2) حاشية المكاسب (الاصفهاني) 2 : 469 .

ــ[212]ــ

استصحاب الكلّي ، بداهة أنّ الرقّية التي كانت ثابتة للمورّث قد فاتت بموت المورّث قطعاً ، ولو كان في المقام رقّية للوارث فهي رقّية اُخرى ، فاثبات رقّية العبد الكذائي بعد موت المورّث باستصحاب بقاء كلّي الرقّية من باب جريان استصحاب الكلّي في القسم الثالث منه ، وقد حقّق في موطنه عدم جريان الاستصحاب فيه .

وفيه : أنّ مراد الشيخ (قدّس سرّه) من أصالة بقاء الرقّية أصالة عدم كونه حرّاً وليس هذا متوقّفاً على وجود الطرف ، ومن هنا لو شككنا في خروج المال عن كونه مملوكاً بعد موت المالك استصحبنا عدمه وإن فرضنا عدم وجود أيّ مالك في العالم  ، بل لا نحتاج إلى استصحاب الرقّية أصلا ، وذلك للعلم الوجداني ببقاء العبد في ملك مالكه إلى زمان موته ، فهو داخل في عنوان ما تركه الميّت فإذا استصحبنا عدم انتقاله إلى الوارث يتمّ به موضوع الانتقال إلى الإمام (عليه السلام) من دون حاجة إلى استصحاب الرقّية .

وثانيهما : أنّ الأصل كما يقتضي أصالة عدم تملّك الوارث كذلك يقتضي عدم تملّك الإمام أيضاً فيتعارضان . وبعبارة اُخرى أنّا نعلم إجمالا إمّا بعدم تملّك الكافر وإمّا بعدم تملّك الإمام (عليه السلام) ولا مرجّح في البين .

وفيه : أنّ الأمر وإن كان كذلك إلاّ أنه لا معارضة بين الأصلين لكونهما طوليين ، بداهة أنّ الثاني في طول الأول لأنّا إذا أجرينا أصالة عدم تملّك الوارث الكافر للعبد المسلم وضممنا هذا الأصل إلى موت المورّث الذي نعلم بالوجدان فيكون موضوع إرث الإمام (عليه السلام) متحقّقاً وهو عبارة عن الميّت الذي لا وارث له ، وبديهي أنّ هذا يتمّ بضمّ الوجدان إلى الأصل ، وما ذكرناه ليس مختصاً بالمقام بل يجري في كثير من الموارد كما إذا شككنا في وجود ولد للميّت فباستصحاب العدم نحكم بكون الارث لغيره من طبقات الورّاث .

ولا يخفى أنّ في تعبير الشيخ في المقام بقوله « إنه إذا نفي إرث الكافر بآية نفي

ــ[213]ــ

السبيل كان الميّت بالنسبة إلى هذا المال ممّن لا وارث له » مسامحة ظاهرة ، لأنّ المفروض تعارض الآية بأدلّة الارث . ومع ذلك كلّه الحقّ هو إرث الكافر العبد المسلم لوجود الاتّفاق والتسالم بين الفقهاء (قدّس سرّهم) .

وهل يلحق بالارث كل ملك غير اختياري أو لا يلحق ، أو يفصّل بين ما كان سببه اختيارياً فلا يلحق وما يكون سببه غير اختياري أيضاً فيلحق ؟ واختار الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه)(1) عدم الالحاق أوّلا وعلى فرض تسليمه الالحاق فيما إذا كان سببه أيضاً غير اختياري ، ولعمري أنّ ما ذكره (قدّس سرّه) في غاية المتانة بناءً على ما ذكره من مقتضى القاعدة من أنّ الأصل عدم تملّك الكافر العبد المسلم غاية الأمر خرجنا في الارث لأجل الاتّفاق والتسالم بين الفقهاء (قدّس سرّهم)  .

والمراد من الملك غير الاختياري أن يكون كذلك بالنسبة إلى الكافر ، والمراد من سببه غير الاختياري كما إذا تلف المبيع قبل قبضه كما إذا فرضنا أنّ المال الذي جعل في مقابل العبد المسلم تلف قبل قبضه فعليه يرجع العبد إلى ملك الكافر قهراً وكما أنّ الملك قهريّ فسببه الذي يكون عبارة عن التلف قبل القبض أيضاً غير اختياري  ، والمراد من الملك غير الاختياري الذي يكون سببه اختيارياً ما إذا كان العقد خيارياً من جهة العيب في العبد أو من جهة الغبن وغير ذلك من أسباب الاختيار ، فبديهي أنّ ملك الكافر العبد المسلم وإن كان غير اختياري إلاّ أنّ سببه الذي هو عبارة عن الفسخ اختياري للفاسخ ، وهذا أيضاً ينقسم إلى قسمين لأنه تارةً يكون اختيارياً من الطرفين واُخرى يكون اختيارياً من أحد الطرفين . وكيف كان أنّ ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) هو المتين .

إذا عرفت هذا بقي الكلام في أمرين : الأول أنّ متولّي البيع هل هو الكافر أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 596 .

ــ[214]ــ

أنه لا سلطنة له على ذلك والمتولّي عليه هو الحاكم أو المسلمون وأمّا الكافر فهو مسلوب السلطنة ؟ فإن قلنا بمقالة الفخر (قدّس سرّه)(1) من زوال ملك الكافر عن عبده المسلم وليس له إلاّ استحقاق أخذ الثمن ، فعدم سلطنة الكافر في غاية الوضوح  ، إلاّ أنّ هذا في نفسه فاسد كما هو الظاهر لعدم الدليل عليه . مضافاً إلى أنه لو صحّ ذلك أي مقالة زوال ملك الكافر فلا يكون مستحقّاً لأخذ الثمن أيضاً بعد ما لم يكن العبد ملكاً له ، وأيضاً العبد بعد خروجه عن ملك الكافر يكون بلا مالك .

وأمّا لو قلنا بمقالة المشهور من كونه مالكاً غاية الأمر لابدّ له من إزالة ملكه عنه بقاءً ، فالحقّ ما ذهب إليه العلاّمة الأنصاري (قدّس سرّه)(2) من كون متولّي البيع هو نفس الكافر وبديهي أنّ الناس مسلّطون على أموالهم ، خرجنا عنه بآية نفي السبيل في خصوص أنه ليس له إبقاء ملكه بل لابدّ له من إزالته ، وتظهر الثمرة فيما إذا أراد الكافر بيعه من شخص خاص أو أراد أن يهبه فبناءً على كون المتولّي هو الكافر فله ذلك وإلاّ فلا .
ــــــــــــ

(1) إيضاح الفوائد 1 : 414 .

(2) المكاسب 3 : 596 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net