صور جواز بيع الوقف \ الأُولى : عروض الخراب للوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4740


الجهة الثانية من الكلام : في صور جواز بيع الوقف الصورة الاُولى : عروض الخراب للوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به إلاّ بالبيع ، والمدار في جواز البيع عروض عدم إمكان الانتفاع من العين الموقوفة ، سواء كان عدم إمكان الانتفاع لأجل عروض الخراب عليها كحصير المسجد إذا اندرس مثلا ، أو كان مع بقاء نفس العين أيضاً كما إذا فرضنا شخصاً وقف داراً جديدة في بلد لذرّيته طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض وفرضنا أنّ أهل تلك القرية قد تفرّقوا ولم

ــ[270]ــ

يمكن الانتفاع من تلك الدار لا بالسكنى ولا بالاجارة لأنّ المفروض تفرّق أهل القرية نعم يمكن الانتفاع ببيعها للزرع مثلا وتبديلها بدار اُخرى في غير هذا المكان إذا عرفت هذا يقع الكلام في هذا المقام في أمرين : الأول عدم المانع من البيع . والثاني وجود المقتضي للبيع ، وشيخنا الأنصاري(1) أيضاً قد تعرّض للأمرين في المقام .

فأقول اتّكالا على الله أمّا الكلام في الأول : فبديهي أنّ الاجماع الذي كان موجوداً في أصل المطلب من عدم جواز بيع الوقف ليس موجوداً في المقام لو لم يكن موجوداً على جواز البيع ، ولا أقل من كون جواز البيع في المقام من المعروف والمشهور .

وأمّا رواية أبي علي بن راشد(2) الواردة في اشتراء الأرض الخربة التي قد عمّرها المشتري ثمّ علم أنّها وقف وسأل من الإمام (عليه السلام) حكمها وأجاب (عليه السلام) « لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلّة في ملكك » منصرفة عن الموارد التي لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها وواردة في الموارد التي يمكن الانتفاع منها مع بقاء عينها ، وتوهّم أنّ الرواية باطلاقها تشمل الأراضي التي خربت ويمكن الانتفاع منها بالعمارة مثلا والأراضي التي لا يمكن الانتفاع بها لأنّ المناط هو جواب الإمام (عليه السلام) وهو عام ومطلق بالنسبة إلى جميع الموارد ، في غير محلّه لأنّ الناقد البصير والعارف باُسلوب الكلام يفهم من ظاهر الكلام أنّ مراده (عليه السلام) من عدم جواز البيع إنّما هو فيما إذا كان الانتفاع ممكناً مع بقاء العين الموقوفة كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 61 .

(2) الوسائل 19 : 185 / كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح1 .

ــ[271]ــ

وأمّا قوله (عليه السلام) الوقوف على حسب ما يقفها أو يوقفها أهلها(1) فهو أيضاً لا يشمل المقام بالبيان الذي ذكرناه في خبر أبي علي بن راشد من أنّه منصرف إلى موارد جواز الانتفاع بها مع بقاء عينها وقلنا إنّ معنى الوقف عبارة عن حبس العين وتسبيل المنفعة ، والمفروض أنّ هذا المعنى لا يمكن في المقام إلاّ مع البيع وتبديل العين بشيء آخر كما سيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى ، فالعين ليست محبوسة عن البيع حتّى بحسب جعل الواقف ، فلا يكون جواز البيع منافياً لقوله (عليه السلام) : «  الوقوف على حسب ما يقفها أهلها » .

وما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بقوله : وأمّا قوله (عليه السلام) «  الوقوف على حسب » الخ فلا يدلّ على المنع هنا لأنّه مسوق لبيان كيفية المصرف في الوقف من أنّ الواقف لو وقفه على جهة لابدّ من صرف منافعها في تلك الجهة ، لا يمكن المساعدة عليه أمّا أوّلا : فإنّ هذا الكلام مناف لما ذكره في أوّل البحث(2) من الاستدلال بهذه الرواية على عدم جواز بيع الوقف بقوله (قدّس سرّه) ما هذا لفظه : مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعاً محقّقاً في الجملة ومحكياً ، ولعموم قوله (عليه السلام) « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » انتهى موضع الحاجة من كلامه (قدّس سرّه) .

وثانياً : أنّه لا وجه لهذا التخصيص بل هو عام يشمل كيفية التصرف وعدم جواز البيع غاية الأمر أنّ المقام لا يكون مشمولا له ، لا أنّ الرواية لا تدلّ على المنع كما ذكره (قدّس سرّه) .

وثالثاً : أنّه لا مانع من شمول أدلّة الامضاء العامّة كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لعدم جواز البيع في الوقف ، وقد ذكرنا أنّ عدم جواز بيع الوقف ليس من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 175 / كتاب الوقوف والصدقات ب2 ح2 .

(2) المكاسب 4 : 33 .

ــ[272]ــ

أحكام الوقف بل هو مقوّم للوقف وداخل في إنشاء الواقف ، لأنّ الوقف كما ذكرنا مراراً عبارة عن تحبيس العين وتسبيل المنفعة إلى أن يرث الله الأرض ومحلّ كلامنا أيضاً في الوقف المؤبّد ، هذا كلّه في الأمر الأول .

وأمّا الكلام في الأمر الثاني وهو عبارة عن وجود المقتضى للبيع : فهو ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) بقوله : والحاصل وملخّص ما ذكره (قدّس سرّه) أنّ الأمر في المقام أي فيما إذا خرب الوقف ولم يمكن الانتفاع به دائر بين تعطيل العين حتّى تتلف بنفسها وبين انتفاع البطن الموجود به بالاتلاف وبين تبديل العين الموقوفة بما يبقى وينتفع بها الكل ، والأول غير جائز قطعاً لكونه تضييعاً وتبذيراً وهو ممّا لا يرضى به الله تعالى ، كما أنّ الثاني أيضاً غير مقصود .

وتوضيح ذلك : أنّه قد ذكرنا مراراً أنّ الوقف المؤبّد عبارة عن تحبيس العين وتسبيل المنفعة إلى أن يرث الله الأرض ، ولا فرق بين تصريح الواقف في صيغة الوقف بكلمة إلى أن يرث الله الأرض وبين عدم تصريحه بذلك ، لأنّ معنى الوقف عبارة عن هذا ، فعليه لمّا كان الواقف واحداً من العقلاء ويعلم أنّ الأشياء كلّها فانية فلابدّ وأن يكون نظره من تحبيس العين وتسبيل المنفعة أعمّ من نفس العين ومن بدلها .

وبعبارة اُخرى : أنّ نظر الواقف من تحبيس العين وتسبيل منفعتها أوّلا وبالذات إلى شخص العين ما دامت حالها هكذا يعني يمكن الانتفاع بها مع بقاء العين وثانياً وبالعرض إلى بدلها ، فعليه يكون نفس إنشاء الواقف تحبيس العين وتسبيل المنفعة على نحو الدوام دالا على هذا المعنى ، فليس للبطون الموجودة إتلاف نفس العين لأنفسهم بل لابدّ من تبديل العين إلى شيء يبقى وينتفع به الكل إلى أن يرث الله الأرض .

وما احتمله شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام بقوله يمكن أن يقال إذا

ــ[273]ــ

كان الوقف ممّا لا يبقى بحسب استعداده العادي إلى آخر البطون فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقى لهم إلى آخر كلامه ، لا وجه له وذلك لأنّ المستفاد من كلامه (قدّس سرّه) هذا كون العين الموقوفة ملكاً طلقاً للبطون الموجودة التي تسقط العين عن الانتفاع بها في زمانهم بحيث لو مات أحدهم يرث وارثه منها وهو غير سديد بداهة أنّ الواقف لم ينشئ بالوقف ملكيتين ملكية غير طلقة للبطون السابقة وملكية طلقة لمن أدرك آخر أزمنة بقاء الوقف ، بل الواقف بعد التفاته إلى أنّ العين الموقوفة غير قابلة للبقاء إلى الأبد لا مناص له من أن يوقف العين بشخصها ما دامت باقية وبماليتها بعد التلف ، لا بمعنى أنّ الواقف أوقف البدل بشخصه ليقال إنّه لم يكن ملكاً له لا حدوثاً كما هو واضح ولا بقاءً لأنّه حين المبادلة لم يكن المبدل ملكاً للواقف ولا بمعنى أنّه وقف كلّي المالية السارية بين العين الموقوفة وبدلها  ، بل بمعنى أنّه وقف العين الشخصية بشخصها وبماليتها غاية الأمر حبس شخص العين محدود بما إذا أمكن الانتفاع بها مع بقائها وبدونه تكون المالية وقفاً في ضمن أيّ شيء كانت وليست العين حينئذ محبوسة فيجوز تبديلها ، وهذا هو السرّ في عدم جواز إتلافها من قبل البطن الموجود فإنّ ماليتها موقوفة في ضمن أيّ عين كانت ولا يجوز إتلاف المالية الموقوفة ، وأمّا توهّم أنّ البطن الموجود لا يجوز لهم الاتلاف لكونها مملوكة للبطون اللاحقة بالملكية الشأنية ففيه : أنّا لا نتعقّل الملكية الشأنية لتكون منشأة من قبل الواقف .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net