5 ـ اشتراط العلم بمقدار المثمن \ اعتبار العلم بالكيل والوزن في المكيل والموزون 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5374


ومن جملة الشروط العلم بمقدار المثمن

والدليل على اعتباره هو الأدلّة المتقدّمة في اعتبار العلم بمقدار الثمن ، ولكنّك عرفت ما فيها وأنّ الإجماع لم يعلم انعقاده ، والغرر غير آت في مثله ، مضافاً إلى عدم تمامية دليله سنداً ولا دلالة ، فإذن لا دليل على اعتبار العلم بمقدار المثمن .

وربما يستدلّ على اعتبار العلم بمقدار المثمن بما ورد من الأخبار في اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون وأنّهما لا يصحّ بيعهما من غير كيل ووزن .

وفيه : أنّ الكلام في مطلق البيع لا في خصوص بيع المكيل والموزون كما هو ظاهر ، وعليه فالكلام في ذلك يقع في مقامين : أحدهما في اعتبار العلم بمقدار المثمن في مطلق المعاملات ، وقد عرفت أنّه لم يقم دليل على اعتباره بوجه .


ــ[364]ــ

نعم يمكن الاستدلال على اعتبار العلم بمقدار المثمن بتقرير الإمام المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) « أنّه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعدّ ما فيه ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك العدد ، قال لا بأس به »(1) فإنّ ظاهرها أنّ السائل اعتقد عدم جواز البيع من غير العلم بمقدار المثمن والإمام لم يردعه عن هذا الاعتقاد ولم ينبّهه على أنّ العلم بمقدار المبيع غير لازم  ، بل قد قرّره على ذلك وأجاب عن المسألة بقوله « لا بأس به » فمنه يستفاد أنّ العلم بمقدار المثمن لازم في صحّة المعاملة وإلاّ لردعه الإمام (عليه السلام) ونبّهه على عدم الاشتراط ، وهذا وإن كان وارداً في خصوص المعدود والمثمن ولكنّه يتعدّى منه إلى جميع البيوع والثمن للقطع بعدم الفرق ، هذا كلّه في المقام الأوّل .

وثانيهما : في اعتبار العلم بمقدار المثمن في خصوص المكيل والموزون ، وهذا ممّا لا إشكال في اعتباره للأخبار المعتبرة الواردة في اعتبار العلم بمقدار المثمن ومنها صحيحة الحلبي « في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلا بكيل معلوم ثمّ إنّ صاحبه قال للمشتري ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته ، قال (عليه السلام) لا يصلح (لا يصحّ على نسخة الفقيه) إلاّ بكيل . قال وما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة ، هذا ممّا يكره من بيع الطعام  »(2)وهي كما ترى تنادي باعتبار العلم بمقدار المثمن بالكيل .

وقد يناقش في هذه الصحيحة من وجوه : الأوّل أنّ الإمام (عليه السلام) ذكر أنّ بيع المكيل مجازفة ممّا يكره من المعاملات والكراهة لا تقتضي بطلان البيع كما هو واضح ، وعليه فالصحيحة لا دلالة لها على بطلان بيع المكيل بلا علم بمقداره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 348 / أبواب عقد البيع وشروطه ب7 ح1 .

(2) الوسائل 17 : 342 / أبواب عقد البيع وشروطه ب4 ح2 .

ــ[365]ــ

والثاني : أنّ الإمام قد نوّع وقسّم الطعام إلى قسمين فذكر أنّ ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا ، وظاهره أنّ الطعام منه ما هو مكيل ومنه ما لا كيل فيه وهو تنويع له إلى قسمين مع أنّ الطعام كلّه من المكيل ولا طعام لا يكون فيه كيل .

والثالث : أنّ الإمام (عليه السلام) منع عن شراء العدل الآخر بإخبار البائع بوزنه مع أنّ إخبار البائع ممّا لا إشكال في صحّة الاعتماد عليه في المعاملات فالصحيحة غير معمول بها عند المشهور وهي مجملة لا يمكن الاعتماد عليها ، هذا . والظاهر أنّ الرواية ممّا لا إشكال في دلالتها أبداً .

أمّا الوجه الأوّل من الإيرادات ففيه : ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من أنّ ظهور الكراهة في المعنى المصطلح في مقابل الحرام وغيره إنّما هو عند الفقهاء ، وأمّا في ألسنة الأخبار فهي تستعمل بمعناها اللغوي وهو المبغوض ، وهذا معنى جامع بين الحرمة والكراهة الإصطلاحية ولا يختصّ بالثاني ، وعليه فظهور لا يصلح أو لا يصحّ يعيّن إرادة الحرمة منها فلا يكون لظهور لا يصلح في البطلان معارض .

وأمّا الثاني من الوجوه فيدفعه : أنّ قوله (عليه السلام) « سمّيت فيه كيلا » من قبيل الأوصاف وهو وصف للطعام ومن الواضح أنّ الأوصاف لا مفهوم لها ، نعم إنّما يؤتى بها في الكلام لأجل فائدة ولا يكون ذكر الأوصاف لغواً ، ولعلّ الفائدة في ذكره في المقام هو الإشعار بعلّية الوصف للحكم وأنّ الحكم لا يختصّ بالطعام بل كلّ ما فيه كيل يجب كيله في مقام بيعه .

وأمّا الثالث من الوجوه فالجواب عنه : أنّ تصديق البائع في إخباره واعتبار قوله في ذلك وإن كان ثابتاً بالروايات التي سيمر عليك ذكرها وقد نقلها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 212 .

ــ[366]ــ

شيخنا الأنصاري بعد ذلك بأسطر إلاّ أنّه يختصّ بما إذا كان إخباره عن الحسّ بأن يكيله سابقاً ويعلم بقدره ويخبر المشتري بذلك ، وأمّا إذا كان إخباره عن حدسه ونظره من دون أن يكيله فاعتباره يحتاج إلى دليل مستقل ولا يمكن اتّباعه ، وفي المقام إنّما أخبره البائع بوزن العدل الآخر بحدسه من دون أن يكيله كما يدلّ عليه قوله « ابتع منّي هذا العدل الآخر من غير كيل » وقد عرفت أنّ حجّية نظر البائع وحدسه يحتاج إلى دليل وهو مفقود في المقام ، وعليه فلا إشكال ولا إجمال في دلالة الصحيحة أبداً .

وكيف كان ، فهل يعتبر الكيل والوزن في المكيل والموزون في جميع الموارد أو يختصّ ببعضها ؟ قد عرفت أنّ المستند في اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون هو أحد الاُمور الثلاثة : الإجماع وأدلّة نفي الغرر والروايات . أمّا الإجماع فعلى فرض تماميته فالمقدار المتيقّن منه يؤخذ به وأمّا فيما شكّ في اعتبار الكيل أو الوزن فيه فيرجع إلى سائر العمومات والاطلاقات وبها ندفع اشتراط الكيل والوزن فيه . وأمّا إذا كان المستند هو دليل نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فيقع الكلام حينئذ في أنّ المناط هل هو الغرر الشخصي أو أنّ المناط هو الغرر النوعي .

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ ذلك يبتني على أنّ الغرر هل هو حكمة للنهي عن البيع الغرري أو أنّه علّة له ، فعلى الأوّل لابدّ من أن يجعل المناط في الفساد هو الغرر النوعي ، إذ لا يلزم في الحكمة الاطراد فنحكم بفساد البيع فيما إذا باع مقداراً من الطعام بما يقابله في الميزان من غير اختلاف بينهما في القيمة ، وذلك لأنّه وإن لم يكن فيه غرر بشخصه إلاّ أنّ الغرر حكمة للنهي عمّا يوجب الغرر بنوعه وهذا نظير جعل العدّة على المطلّقة لأجل عدم اختلاط المياه حتّى في الموارد التي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 214 .

ــ[367]ــ

نعلم بعدم اختلاطها ، أو جعل الحلّية والطهارة في الحديد لأجل استلزام النهي عنه العسر والحرج وإن لم يكن الاجتناب عنه موجباً للعسر في حقّ واحد ، وذلك لأنّ العسر أو عدم اختلاط المياه حكمة للجعل لا أنّهما علّتان للحكم حتّى يدور الحكم مدارهما .

وعلى الثاني لابدّ من أن يكون المناط في الفساد هو الغرر الشخصي وملاحظة كلّ مورد مورد ، فإن كان فيه غرر فيحكم بالفساد دون غيره وإن كان ذلك موجباً للغرر بنوعه ، وعليه فالبيع في المثال المتقدّم صحيح لعدم الغرر فيه . وكذا فيما إذا كان حدس المتبايعين قويّاً جدّاً فباعا واشتريا بحدسهما من دون كيل فإنّه لا غرر حينئذ لقوّة حدسهما كما لا يخفى . وكذا فيما إذا كان المبيع قليلا جدّاً أو كثيراً لم يتعارف وزن الميزان لمثله وهذا كما إذا دفع فلساً وأراد به دهناً لحاجة أو أراد بيع زبرة الحديد فإنّ المعاملة في مثلهما تتمّ بالتراضي والتخمين ولا غرر فيهما عند العرف ، هذا .

ولا يخفى أنّ الحكم تارةً يترتّب على موضوع خاصّ مستنداً إلى عنوان من العناوين الثانوية كما إذا رتّبت الحلّية على الحديد لأجل عنوان العسر والحرج وأنّ في عدم حلّيته حرج على العباد ، أو تجعل العدّة على المطلّقة بعنوان عدم اختلاط المياه ، وفي مثل ذلك يمكن الخلاف في أنّ هذا العنوان الثانوي الذي لأجله ترتّب الحكم على موضوعه علّة له ليدور مداره أو أنّه حكمة لجعل الحكم على موضوعه  .

واُخرى تكون هذه العناوين الثانوية بأنفسها موضوعاً للحكم كقوله تعالى : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)(1) أو نهي النبي عن الغرر أو قوله (صلّى الله عليه وآله) : « لا ضرر ولا ضرار »(2) وهكذا غيرها ممّا يتعلّق الحكم فيه بنفس تلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحجّ 22 : 78 .

(2) الوسائل 25 : 427 / كتاب إحياء الموات ب12 .

ــ[368]ــ

العناوين ، وفي مثل ذلك لا مجال للكلام في أنّ هذه العناوين علّة للحكم أو حكمة له لأنّها موضوعات لأحكامها والحكم لا يتحقّق إلاّ بتحقّق موضوعه ، فتدور تلك الأحكام المترتّبة على هذه العناوين مدار تحقّق موضوعاتها التي هي العناوين المتقدّمة ، ففي كلّ مورد تحقّق فيه حرج يترتّب عليه حكمه ، كما أنّ الغرر إذا وجد في مورد يترتّب عليه حكمه ، ولا معنى لجعل هذه العناوين علّة أو حكمة حينئذ بل ذلك غلط محض ، واللازم هو أن يلاحظ كلّ مورد تحقّق فيه شيء من هذه العناوين فيحكم بالارتفاع أو البطلان فيه دون غيره ، فهل سمعت فقيهاً يفتي بعدم وجوب الوضوء على من لا مشقّة عليه في الوضوء فيما إذا كان على أهل بلده بأجمعهم مشقّة في التوضّي للبرد أو الحرّ بدعوى أنّ الوضوء حرجي على النوع ، وذلك لوضوح أنّ الحرج إنّما يرفع الوجوب فيما إذا كان هناك حرج لا مع فقدانه لأنّ الحكم فيه انحلالي فينحلّ إلى أفراده ومصاديقه ، وكذا النهي عن الغرر ولعلّ ذلك ظاهر ، وعليه فلا مناص من ملاحظة كلّ معاملة معاملة فإذا كانت غررية يحكم ببطلانها وإذا لم تكن كذلك يحكم بصحّتها وإن كان نوعها غررياً .

وأمّا إذا جعلنا الدليل في اعتبار الكيل في المكيل هو الأخبار كما هو الصحيح فلابدّ من ملاحظة أنّها هل علّقت الحكم بالغرر حتّى يلاحظ الغرر في المعاملات فيحكم ببطلان ما فيه غرر أو لا ؟ والصحيح هو الثاني لعدم أخذ الغرر في شيء من لسان الأدلّة أي الروايات كما هو ظاهر ، وعليه هل يحكم بصحّة المعاملة في الموارد الثلاثة المتقدّمة أو ببطلانها أو يفصل بين الأمثلة ؟ الظاهر هو الثالث ، وذلك لأنّ المثال الأوّل لابدّ من أن يحكم ببطلانه لعدم الكيل والوزن فيه وإن لم يلزم فيه غرر أيضاً ، إذ المناط في البطلان ليس هو الغرر كما مرّ بل لابدّ من كيل ما يسمّى فيه كيل والمفروض أنّه باع مقداراً من الطعام بما يقابله في الميزان من غير معرفة مقدارهما فيحكم ببطلانه .

ــ[369]ــ

وأمّا المثال الثاني فالحكم فيه هو الصحّة وذلك للعلم بمقدارهما وهو يكفي في البيع ، إذ لا يحتمل أن يكون للكيل موضوعية في الأخبار بل الظاهر أنّه طريق إلى معرفة المقدار والمفروض أنّهما يعلمان المقدار بحدسهما لقوّة نظرهما .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net