بيع المكيل بالوزن وبيع الموزون بالكيل - هل يلزم علم المتبايعين بالمقادير تفصيلا ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5539


بقي الكلام في جواز بيع المكيل بالوزن وبيع الموزون بالكيل وأنّه صحيح مطلقاً أو غير صحيح كذلك أو أنّ فيه تفصيلا فيجوز بيع المكيل بالوزن دون العكس كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري(1) من جهة أنّ الوزن هو الأصل وقد جعل الكيل طريقاً إليه فلا مانع من وزن المكيل بوجه وهذا بخلاف العكس ولعلّ ذلك ظاهر . ولعلّ القائل بالجواز مطلقاً نظر إلى الروايات الواردة في المكيل والموزون واستفاد منها أنّ التقدير في الجملة لابدّ منه في المكيل والموزون حتّى يخرج البيع بذلك عن كونه جزافاً ، وأمّا اشتراط تقدير المكيل بالكيل والموزون بالوزن فممّا لا يدلّ شيء من الأخبار عليه ، فلا مانع من تقدير المكيل بالوزن أو الموزون بالكيل لخروج المعاملة بذلك عن الجزافية ، هذا .

وفيه : أنّ تقدير مالية المال بغير ما تعرف ماليته به لا يخرج المعاملة عن كونها جزافاً ، ومن المعلوم أنّ مقدار المالية في الموزون إنّما تعرف بالوزن كما أنّ مقدار مالية المكيل تعرف بالكيل على ما تعارف فيهما عرفاً ، فتقدير أحدهما بالآخر تقدير للمالية بشيء غير معلوم من حيث المالية ، فلا تخرج المعاملة بذلك عن الجزافية قطعاً  ، والمعاملة الجزافية ممّا منعت عنه الروايات ، هذا.

ولا يخفى أنّ البحث في المقام إنّما هو على تقدير الاستدلال بالروايات وأمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 219 .

ــ[373]ــ

بناءً على أنّ الدليل في اعتبار الكيل والوزن هو دليل نفي الغرر فجواز بيع المكيل بالوزن أو الموزون بالكيل يتبع تحقّق الغرر وجوداً وعدماً .

وأمّا ما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من التفصيل بين بيع المكيل بالوزن وبين العكس بتجويز المعاملة في الأوّل دون الثاني ، فالوجه فيه ما أفاده من أنّ الأصل في التقدير هو الوزن والكيل إنّما هو فرع له ، فإذا أوقعنا المعاملة على المكيل بالوزن فقد قدّرناه بما هو الأصل في التقدير ، وهذا بخلاف ما إذا قدّرنا الموزون بالكيل لاستلزامه الجزافية وعدم معرفة المقدار في المثمن أو الثمن .

ويدفعه : أنّ بيع الموزون بالكيل كما لا يكفي في خروج المعاملة عن كونها جزافية كذلك لا يوجب تقدير المكيل بالوزن صحّة المعاملة وخروجها عن الجزافية وذلك لما أشرنا إليه من أنّ تقدير مالية المال إذا كان بالوزن أو بالكيل فلا يكون تقدير ماليته بشيء آخر موجباً لمعلومية مقدار ماليته فتكون المعاملة بذلك جزافية نعم ما أفاده من أنّ الأصل في التقدير هو الوزن ممّا لا يمكن إنكاره ، وذلك لاختلاف المكائيل في البلدان وعدم رجوعها إلى شيء آخر غير الوزن بالأخرة ، فالوزن هو الأصل لرجوع الأوزان على اختلافها إلى شيء واحد وهو المثقال الذي هو أربعة وعشرون حمّصة ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب جواز بيع المكيل بالوزن لعدم معلومية مقدار المالية في المكيل إلاّ بالكيل ولعلّه ظاهر ، هذا أوّلا .

وعلى تقدير الإغماض والبناء على عدم الجزافية في المكيل عند تقديره بالوزن فنقول ثانياً : إنّ الرواية الثانية وهي رواية ابن محبوب عن زرعة عن سماعة(1) قد دلّت على أنّ المكيل والموزون لا يباع إلاّ بالكيل أو الوزن ، وظاهرها هو اللفّ والنشر بمعنى أنّ الكيل لابدّ في المكيل والوزن في الموزون ، لا أنّ المكيل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 345 / أبواب عقد البيع وشروطه ب5 ح7 .

ــ[374]ــ

والموزون يباع بالمجموع من الكيل أو الوزن بأن يقع مجموعهما في مقابل المكيل والموزون حتّى يستفاد منها أنّ في بيع المكيل والموزون لابدّ من أحدهما من دون تعيين الكيل في المكيل والوزن في الموزون وهو القول بالجواز مطلقاً ، وهذه الرواية لو لم تكن ظاهرة فيما ادّعيناه من اعتبار الكيل في المكيل بخصوصه واعتبار الوزن في الموزون كذلك فلا محالة ليست بظاهرة في كفاية أحدهما في بيع أحدهما أيضاً ، وعليه فتكون الرواية مجملة فلابدّ من المراجعة إلى سائر العمومات والاطلاقات ، هذا كلّه في عدم كفاية الوزن في المكيل .

نعم لو كان البيع واقعاً على الموزون بالوزن ولكنّا جعلنا الكيل طريقاً إلى الوزن للتسهيل بأن كلنا مقداراً من الطعام في ظرف فوزنّاه وعلمنا مقداره بحسب الوزن ثمّ كِلناه ثانياً على حساب الوزن الأوّل ، فلا إشكال في صحّته وكفايته ، لأنّ ذلك في الحقيقة تقدير بالوزن غاية الأمر لا بالميزان بل بالمكيال وبذلك نستكشف مقداره بحسب الوزن ، ولا يضرّ في ذلك ظهور الاختلاف اليسير بين ذلك وبين المقدار الموزون كما إذا نقص عنه بشيء يتسامح فيه عادة أو زاد عنه كذلك ، لأنّ ذلك ممّا لابدّ منه حتّى في الوزن بالميزان ولا يوجد ميزانان في العالم بحيث لا يكون بينهما الاختلاف في مقدار قليل هذا ، بل لو ظهر الاختلاف بكثير أيضاً لا يضرّ ذلك في صحّة المعاملة بل غاية الأمر أنّ المشتري له أن يرجع إلى البائع بالمقدار الناقص وهذا أشبه شيء ببيع الكلّي وتسليم الناقص في مقام التسليم  .

وممّا ذكرناه ظهر أنّ ما أورده شيخنا الأُستاذ(1) على شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ بيع الموزون بالكيل لو كان صحيحاً حتّى في صورة انكشاف النقصان بمقدار لا يتسامح فيه لجاز بيع الموزون بلا كيل ووزن على أنّه كذا مقدار فإنّه أيضاً إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 366 .

ــ[375]ــ

ظهر ناقصاً يرجع إلى البائع بمقدار الناقص مع أنّ المعاملة في هذه الصورة باطلة غير وارد من أساسه ، وذلك لأنّ مفروض كلام الشيخ (رحمه الله) إنّما هو صورة استكشاف وزن المبيع بالكيل بالاطمئنان ، وأنّ لها صورتين صورة المطابقة وعدم ظهور النقص وصورة الاختلاف وظهور النقصان بمقدار كثير ، وما أورده عليه من النقص لا كشف لمقدار المبيع فيه لا بالوزن ولا بالكيل ولا بإخبار البائع ، وبيع المكيل والموزون بالمشاهدة غير صحيح ولأجل ذلك لا وجه لصحّته أبداً ، وهذا بخلاف الصورة المتقدّمة فإنّ المقدار والوزن مستكشفان بالكيل في الابتداء والكيل طريق إلى الوزن إلاّ أنّه ظهر فيه النقص بعد انعقاد المعاملة صحيحة ، هذا .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بعد ذلك ذكر أنّه علم ممّا ذكرناه أنّ المقدار في الموزون والمكيل لابدّ وأن يكون معلوماً لكلّ واحد من المتبايعين ، وإذا فرضنا أنّ المعاملة وقعت على عنوان مقدار من المقادير معلوم عند أحدهما دون الآخر كالحقّة والرطل والوزنة باصطلاح أهل العراق الذي لا يعرفه غيرهم سيّما الأعاجم فهي محكومة بالبطلان لا محالة ، لأنّ مجرّد ذكر أحد هذه العناوين وجعله في الميزان ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ، هذا .

ولا يخفى أنّ العلم بالمقادير على نحو التفصيل إن كان معتبراً في صحّة المعاملات فاللازم بطلان أكثر المعاملات بل أجمعها لأنّ المتعاملين غالباً لا يعرفون أوزان المقادير تفصيلا حتّى أنّهم لا يدرون أنّ الحقّة أو الوقية تساوي بكم مثقال وأنّ المثقال أيّ مقدار غالباً ، وإن قلنا بكفاية العلم بالمقادير في الجملة فهو موجود في معاملات الأعاجم مع أهل العراق لأنّه يراه في الميزان ويعلم أنّه بمقدار حقّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 224 .

ــ[376]ــ

وهذا المقدار من العلم بالمقدار كاف في صحّة المعاملات ولا نظنّ أحداً يحكم بفساد تلك المعاملات الواقعة بين الأعاجم وأهل العراق مثلا ، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّه إذا عرف من المقادير اسمها لا حقيقتها وعامل معاملة في الذمّة مثلا كما إذا اشترى حقّة من الحنطة في ذمّة البائع والحال أنّه لم ير ولم يعلم أنّ الحنطة بمقدار الحقّة أيّ مقدار فلا محالة يحكم ببطلانها لعدم العلم بالمقدار حقيقة ، وهذا بخلاف ما إذا رأى المقدار في الميزان وعلم مقداره بالمشاهدة ولعلّ ذلك ظاهر ، هذا كلّه في المكيل والموزون .

وأمّا المعدود فقد يستفاد من رواية الحلبي عدم جواز بيع المعدود بغير العدّ لأجل تقرير الإمام وعدم ردعه السائل عن اعتقاده عدم جواز بيع المعدود بغير العدّ ، وهو كذلك كما أشرنا إليه سابقاً ، فهل يكفي فيه الكيل أو الوزن فيما إذا جعلا طريقاً إلى العدّ ، الظاهر أنّه لا مانع من ذلك بوجه كما صرّح به في الرواية المتقدّمة ولا ينافي ذلك ظهور الاختلاف في بعض الأوقات بمقدار يسير ، وهذا لا يختصّ بحال الاضطرار بل يجوز في حالتي الاختيار وعدمه .

وقد يقال إنّ ظاهر الرواية أنّ السائل كان يعتقد عدم جواز بيع المعدود بغير العدّ في حال الاختيار فلذا سأله عن صورة عدم استطاعة العدّ والاضطرار إلى الكيل ، والإمام (عليه السلام) قرّره على ذلك .

ولكن يمكن المناقشة في ذلك : بأنّ الوجه في عدم السؤال عن كيل المعدود في صورة التمكّن من العدّ ليس هو الاعتقاد بعدم جوازه بل لعلّه من أجل عدم الحاجة إلى الكيل مع التمكّن من العدّ الذي هو أسهل من الكيل فلا تقرير في الرواية بوجه وهذا ظاهر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net