تصديق البائع في إخباره بمقدار المبيع - إذا ظهر المبيع على خلاف ما أخبر به البائع 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4120


ــ[381]ــ

الكلام في جواز تصديق البائع في إخباره

والكلام في ذلك يقع في جهات ثلاث :

الجهة الاُولى : في أصل ذلك ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ البائع يعتبر قوله وإخباره عن كيل المبيع ووزنه ، لدلالة الروايات المتقدّمة على تصديق البائع في إخباره وجواز تصديقه ، والاكتفاء به عن الكيل والوزن ممّا لا يعتريه ريب . وأمّا ما ربما يتوهّم من ذيل صحيحة الحلبي المتقدّمة من منعه (عليه السلام) عن تصديق البائع في إخباره ، فقد تقدّم دفعه وأنّه (عليه السلام) إنّما منعه عن تصديقه من أجل أنّ إخباره كان مستنداً إلى حدسه ونظره لا إلى حسّه وكيله ووزنه ، والروايات إنّما تدلّ على أنّ إخباره عن حسّه كما إذا كاله أو وزنه بنفسه ثمّ أخبر به المشتري ممّا يمكن الاكتفاء به لا مطلقاً ولو كان إخباره مستنداً إلى حدسه ونظره ، وهذا ظاهر .

الجهة الثانية : في أنّ إخبار البائع وقبول قوله هل أنّه من جهة الموضوعية في إخباره بأن يعتبر الشارع في بيع المكيل والموزون أحد الأمرين الكيل والوزن أو إخبار البائع بهما ولو كان البائع فاسقاً مشتهراً بالكذب في أقواله وأخباره ، أو أنّه من جهة الطريقية إلى وزنه أو كيله فلابدّ وأن يكون المخبر ثقة أو يحصل الاطمئنان بخبره وإلاّ فلا يصغى إلى إخباره بل لابدّ من كيله أو وزنه ، أو أنّه لا ذاك ولا هذا بل من أجل أنّ إخباره بمنزلة الاشتراط على أنّه بذاك المقدار وبما أنّه يوجب انتفاء الغرر عن المشتري إذ له أن يفسخ المعاملة على تقدير عدم كونه بهذا المقدار فلذا كان موجباً لصحّة البيع من دون اعتبار شيء من الكيل أو الوزن فيه ؟

الصحيح هو الثاني من الاحتمالات ، لأنّ احتمال الموضوعية في الإخبار بعيد بل قد دلّت الروايات(1) على أنّه إذا ائتمنك فلا مانع من أن يشتريه بلا كيل أو إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 343 / أبواب عقد البيع وشروطه ب5 .

ــ[382]ــ

صدّقته فلا مانع ، فمنه يظهر أنّ إخباره طريق إليهما لا أنّ له موضوعية في جواز المعاملة ، إذ لو كان الأمر كذلك لصحّ الاكتفاء بإخباره حتّى مع عدم الاطمئنان بصدقه أو مع فسقه وكذبه ، وقد عرفت عدم صحّة الاعتماد عليه حينئذ بحسب دلالة الأخبار ، وأمّا احتمال أنّه من أجل رجوعه إلى الاشتراط الموجب لانتفاء الغرر فأبعد ، لأنّه لو كان موجباً لصحّته لجازت المعاملة بالاشتراط على أنّه كذا مقدار من دون توسيط إخبار البائع مع أنّه من الجزاف بل لابدّ من كيله ووزنه ، والوجه فيه أنّ المستند في اعتبار الكيل والوزن ليس هو دليل نفي الغرر حتّى يتوهم صحّة المعاملة فيما انتفى فيه الغرر ولو بغير الكيل والوزن ، بل المستند فيه هو الأخبار والروايات الواردة في الباب ، وعليه فلا يفرق في اعتبارهما بين انتفاء الغرر وعدمه .

الجهة الثالثة : أنّ المبيع إذا ظهر على خلاف ما أخبر به البائع من مقداره ووزنه بأن ظهر أنّه أنقص ممّا أخبر به أو ظهر أنّه أزيد إمّا من أجل تعمّد البائع أو سهوه واشتباهه ، فهل اللازم بطلان المعاملة حينئذ لأنّ البيع إنّما وقع على ما هو معنون بعنوان كونه كذا مقدار والمدفوع غير متّصف به فتكون المعاملة الواقعة عليه بما أنّه كذا وكذا باطلة ، أو أنّ المعاملة صحيحة غاية الأمر يتخيّر المشتري بين الفسخ وإمضائها ، وعلى تقدير الامضاء هل يمضى العقد بالثمن المسمّى على ذلك المبيع الناقص بحسب الفرض بأن يقع الثمن بأجمعه في مقابل الناقص أو أنّه يمضى في المقدار الباقي بأن يخرج من الثمن بنسبة الناقص إلى المثمن لا أنّه يعطى جميعه في مقابل ذلك الناقص ، ففي المقام موارد للبحث .

المورد الأوّل : في أنّ ظهور المبيع أنقص من المقدار الذي أخبر به البائع أو قامت البيّنة عليه أو أزيد من ذلك المقدار يوجب بطلان المعاملة أو أنّه لا يضرّ بصحّتها ؟

ربما يقال ببطلان المعاملة في هذه الصورة من جهة أنّها من قبيل تخلّف العنوان

ــ[383]ــ

عن المعنون نظير ما إذا باع شيئاً على أنّه كتّان فظهر أنّه قطن فالمعاملة باطلة . ثمّ يجاب عن ذلك بأنّ البطلان في المثال من جهة أنّ المبيع غير الموجود بحسب الجنس وهذا لا يقاس بالمقام لأنّ المبيع والموجود كلاهما من جنس واحد بل هو هو وإنّما الاختلاف بينهما في الكمّ وظهور أنّه أنقص منه بشيء ، فهما متحدان جنساً ووصفاً إلاّ في خصوص الكمّ ، هذا .

واحتمل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) البطلان في المقام ثمّ ذهب إلى صحّتها مع الخيار ، وما ذهب إليه (قدّس سرّه) هو الصحيح وتوضيح ذلك : أنّا ذكرنا مراراً أنّ المواد المشتركة بين الموجودات والأشياء المعبّر عنها بالهيولى لا تقابل بالمال أبداً ، لأنّ المادّة المشتركة بين التراب والذهب لا يدفع بازائها المال خارجاً وإنّما المال يبذل بازاء الأوصاف بمعنى أنّها واسطة لثبوت المالية للمواد . وهذه الأوصاف تارة تكون من قبيل الصور النوعية واُخرى تكون من الأعراض غير المقوّمة ، فإذا تخلّفت الصورة النوعية في معاملة سواء كان ذلك من الصور النوعية العقلية أم كان من الصور النوعية العرفية بطلت المعاملة ، مثلا إذا باع جارية فظهر أنّها فرس فإنّ الصورة النوعية مختلفة فيهما عقلا إذ المفروض أنّ أحدهما صامت والآخر ناطق فيحكم ببطلان المعاملة من جهة أنّ الموجود لم يقع عليه بيع وما وقع عليه البيع غير موجود بحسب الفرض . أو إذا باع جارية فظهر أنّها عبد فإنّ الصورة النوعية فيهما مختلفة عرفاً وإن لم تكونا كذلك عقلا لاتّحادهما بنظر العقل حقيقة إذ الذكورية والاُنوثية ليست مقوّمة بنظر العقل بوجه وإنّما هما من الأعراض فلذا يمكن أن يتبدّل أحدهما بالآخر بإعجاز أو بغيره كما ربما يتّفق في بعض الموارد ، إلاّ أنّهما لمّا كانتا من الصور النوعية عرفاً فلذا يحكم ببطلان المعاملة حينئذ لأنّ ما وقع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 241 .

ــ[384]ــ

عليه البيع غير موجود والموجود لم يقع عليه بيع ، فالبطلان في المعاملات عند التخلّف إنّما هو في هاتين الصورتين .

وأمّا إذا ظهر الاختلاف والتخلّف في بعض الأعراض دون الصور النوعية كما إذا باع الحنطة على أنّه كذا مقدار ثمّ ظهر أنّه أنقص منه أو أزيد ، فإنّ الموجود والمبيع حينئذ شيء واحد حقيقة وعرفاً ولا اختلاف بينهما إلاّ في خصوص المقدار والكم ففي مثل ذلك لا وجه للبطلان غاية الأمر أنّ للمشتري الخيار لتخلّف شرط أنّه كذا مقدار .

المورد الثاني : أنّ الخيار الثابت في المقام هل هو خيار الغبن أو أنّه خيار تخلّف الشرط ؟ ظاهر كلام العلاّمة (قدّس سرّه)(1) هو الأوّل حيث ذكر في قواعده عند ظهور الزيادة أو النقيصة أنّ المغبون منهما يتخيّر بين الفسخ والامضاء ، ولكن الصحيح أنّ الخيار في المقام خيار تخلّف الشرط ، وأمّا تعبير العلاّمة (قدّس سرّه) ففيه من المسامحة ما لا يخفى ، ولعلّه بذلك أراد إثبات الخيار لكلّ من توجّه عليه الضرر منهما ، فعلى تقدير الزيادة فالضرر متوجّه على البائع فهو على خيار ، كما أنّه على تقدير النقيصة متوجّه على المشتري فهو مخيّر بين الفسخ والإمضاء ، ولم يرد الغبن الاصطلاحي إذ لم تقع المعاملة على ثمن زائد عن القيمة السوقية حتّى يتوهّم أنّ المشتري مغبون في المعاملة لأنّه اشتراه بأكثر من القيمة السوقية وذلك ظاهر ، وهو نظير تعبير الشهيد في اللمعة كما نقله شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) بل الظاهر أنّ الخيار مستند إلى تخلّف الشرط كما عرفت ، هذا .

وربما يمنع عن ذلك بأنّ هذا الخيار إنّما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القواعد 2 : 67 .

(2) المكاسب 4 : 243 .

ــ[385]ــ

والمقدار في العقد وهو غير مفروض الكلام ، لأنّ الفرض أنّ البيع وقع عليه بما أنّه كذا مقدار ولم يشترط فيه المقدار بالصراحة.

وأجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بأنّ ذلك في الأوصاف الخارجية التي لا يشترط اعتبارها في صحّة المعاملة كالكتابة والخياطة ونحوهما وأمّا الوصف المأخوذ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصحّ البيع كالمقدار المعيّن من الكيل أو الوزن فلا يحتاج إلى ذكره في متن العقد ، بل الأوصاف غير الدخيلة في صحّة المعاملة أيضاً إذا وقعت المعاملة عليها لا يحتاج إلى ذكرها في العقد ، فإذا باعه عبداً كاتباً بقوله بعتك هذا العبد الكاتب بكذا فإنّه بمنزلة أن يقول بعتك هذا العبد بشرط أن يكون كاتباً فيوجب تخلّفه الخيار ، فهذا الإشكال ممّا لا أساس له .

المورد الثالث : أنّ المشتري إذا فسخ العقد فهو ، وأمّا إذا رضي به وأمضاه فهل يرجع إلى البائع بالثمن بنسبة الناقص إلى المبيع ، أو أنّ الثمن بأجمعه يقع في مقابل المبيع الذي ظهر نقصه ؟ لا ينبغي الإشكال في أنّ المشتري له أن يرجع إلى البائع بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الناقص إلى المبيع ، ولا وجه لتوهّم عدم جواز رجوعه ، والوجه في ذلك أنّ الثمن يتقسّط على أجزاء المبيع في المعاملات فإذا اشترى عشرة أمنان من الحنطة بعشرة دراهم فمعناه أنّه اشترى كلّ منّ بدرهم وعليه فإذا ظهر أنّه أنقص من المقدار المعيّن بمنّين فلا محالة يكون جزءان من الثمن بلا مثمن وبلا عوض ، فالمعاملة تصير بالاضافة إليهما باطلة ، إذ لا معنى للبيع بلا مثمن  ، وأمّا في غيرهما من الأجزاء الباقية فالمعاملة صحيحة ولكن للمشتري خيار تبعّض الصفقة لأنّه إنّما اشترى الثمانية بشرط أن تكون في ضمن العشرة ولم يشتر الثمانية باستقلالها ومرجع ذلك الخيار إلى خيار تخلّف الشرط كما عرفت ، وبالجملة لا يقاس المقام بما إذا اشترى شيئاً بوصف معيّن فظهر أنّه فاقد له فإنّ الثمن لا يتبعّض حينئذ لأنّه بأجمعه إنّما وقع في مقابل الموصوف ، وأمّا الصفة فهي ممّا لا يقع بازائها

ــ[386]ــ

الثمن ، وهذا بخلاف المقام لأنّ الفرض أنّ المبيع ظهر ناقصاً وفاقداً لبعض أجزائه وهي أي الأجزاء يتقسّط الثمن عليها بلا خلاف .

المورد الرابع : إذا ظهر أنّ المبيع أزيد من المقدار المعيّن فهل للبائع أن يفسخ المعاملة أو لا ؟ الظاهر أنّه لا وجه للخيار للبائع أبداً وغاية ما هناك أنّه يرجع في مقدار الزائد إلى المشتري ، إذ لا وجه ولا موجب لتخيّره بين الفسخ والامضاء وهذا لا يقاس بما إذا ظهرت الزيادة في الأوصاف التي لا يتمكّن البائع من إرجاعها إلاّ بارجاع نفس الموصوف كما إذا باع عبده بما أنّه مريض ثمّ ظهر أنّه صحيح فإنّ البائع يتخيّر حينئذ بين الفسخ والامضاء بلا كلام ، وأمّا في المقام الذي له أن يأخذ الزيادة فلا موجب للخيار ، نعم يوجب ذلك اشتراك المثمن بينهما وهذا أي الشركة نقص وعيب في المال فللمشتري خيار العيب وله أن يفسخ المعاملة أو يلتزم بها ولكنّه لا أرش له لأنّه ليس ممّا يقابل بالأرش فالخيار للمشتري دون البائع ، فما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من أنّ الخيار للمشتري على كلا تقديري ظهور الزيادة والنقصان هو الصحيح .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 375 ـ 376 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net