أدلّة نجاسة الخمر وطهارتها 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 14859


ــ[82]ــ

   التاسع : الخمر ((1)) (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مطلقاً بل عدم خاص . وبعبارة أوضح أن العدم والملكة ليس مركباً من أمرين أحدهما العدم وثانيهما الملكة ـ كما يعطي ذلك ظاهر التعبير ـ حتى يمكن إحراز المركب منهما بضم الوجدان إلى الأصل بأن يقال في العمى مثلاً إن الملكة وقابليته للإبصار محرزة بالوجدان لأنه إنسان ، وعدم البصر يثبت باستصحابه على نحو العدم الأزلي فاذا ضممنا أحدهما إلى الآخر فيثبت عدم البصر عمن من شأنه الإبصار ، وكذلك الكلام في من يشك في أن له لحية أو أنه أقرع أو غير ذلك مما هو من الأعدام والملكات .

   بل الصحيح أنّ الأعدام والملكات أعدام خاصّة ومن قبيل البسائط ، ولا يسعنا التعبير عنها إلاّ بالعدم والملكة لا أن تعبيرنا هذا من جهة أنها مركبة ، وعليه فلا يمكننا إحرازها بضم الوجدان إلى الأصل إذ لا حالة سابقة للأعدام الخاصة ، فلا يصح أن يقال في المقام إن القابلية محرزة بالوجدان لأن من يشك في كفره وإسلامه بالغ عاقل فاذا أثبتنا عدم إسلامه بالاستصحاب ـ لأنه أمر حادث مسبوق بالعدم ـ فبضم الوجدان إلى الأصل نحرز كلا جزئي الموضوع المركب للحكم بالكفر ، وذلك لما مرّ من أنّ الكفر عدم خاص وإذ لا حالة سابقة فلا يجري فيه الاسـتصحاب ، كما أنّ استصحاب عدم الاسلام غير جار حيث لا أثر عملي له شرعاً ، فاستصحاب عدم الاسلام لاثبات الكفر كاسـتصحاب عدم الإبصـار لاثبات العمى من أظهر أنحـاء الاُصول المثبتة ، ومعه لا يمكننا الحكم بكفر من نشك في إسلامه وكفره كما لا يمكننا أن نرتب عليه شيئاً من الآثار المترتبة على الاسلام . نعم ، يحكم بطهارته بمقتضى قاعدة الطهارة للشك في طهارته ونجاسته ، بل ولعلّه ـ أعني الحكم بطهارته ـ مما لا خلاف فيه كما أشرنا إليه سابقا (2) .

   (1) نجاسة الخمر هي المعروفة بين أصحابنا المتقدِّمين والمتأخِّرين ، ولم ينقل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ويلحق به النبيذ المسكر ، وأمّا الحكم بالنجاسة في غيره فهو مبني على الاحتياط ، وأما المسكر الذي لم يتعارف شربه كالاسپرتو فالظاهر طهارته مطلقا .

(2) مرّت الاشارة إليه في شرح العروة 2 : 470 ذيل المسألة  [ 181 ]  .

ــ[83]ــ

الخلاف في ذلك إلاّ من جمـاعة من المتقـدِّمين كالصدوق(1) ووالده في الرسالة(2) والجعفي(3) والعماني(4) وجملة من المتأخِّرين كالأردبيلي(5) وغيره حيث ذهبوا إلى طهارتها ، واختلافهم في ذلك إنما نشأ من اختلاف الروايات التي هي العمدة في المقام وذلك للقطع بعدم تحقّق الاجماع على نجاسة الخمر بعد ذهاب مثل الصدوق والأردبيلي وغيرهما من الأكابر إلى طهارتها ، كما أن الكتاب العزيز لا دلالة له على نجاستها حيث إن الرجس في قوله عزّ من قائل : (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه )(6) ليس بمعنى النجس بوجه ، لوضـوح أنه لا  معنى لنجاسة بقية الاُمور المذكورة في الآية المباركة ، فانّ منها الميسر وهو من الأفعال ولا يتّصف الفعل بالنجاسـة أبداً ، بل الرجس معـناه القبيح المعبّر عنه في الفارسية بـ «پليد و زشت» .

   وعليه فالمهم هو الأخبار ، ولقد ورد نجاسة الخمر في عدّة كثيرة من الروايات ، ففي جملة منها ورد الأمر بغسل الثوب إذا أصابته خمر أو نبيذ (7) وفي بعضها أمر باراقة ما  قطرت فيه قطرة من خمر (8) وفي ثالث : لا والله ولا تقطر قطرة منه (أي من المسكر) في حب إلاّ اُهريق ذلك الحب (9) وفي رابع غير ذلك مما ورد في الأخبار الكثيرة البالغة حدّ الاسـتفاضة ، بل يمكن دعوى القطع بصـدور بعـضها عن الأئمة (عليهم السلام) فلا  مجال للمناقشة فيها بحسب السند ، كما أن دلالتها وظهورها في نجاسة الخمر مما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1 : 43 .

(2) نقله في المستمسك 1 : 399 .

(3) نقله عنه في الذكرى : 13 السطر 27 .

(4) نقله عنه في المعتبر 1 : 422 .

(5) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 310 .

(6) المائدة 5 : 90 .

(7) الوسائل 3 : 468 / أبواب النجاسات ب 38 وفيها عدة روايات تدل على المطلب .

(8) كما في رواية زكريا بن آدم المروية في الوسائل 3 : 470 / أبواب النجاسات ب 38 ح 8 .

(9) كما في رواية عمر بن حنظلة المروية في الوسائل 25 : 341 / أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 1 .

ــ[84]ــ

لا  كلام فيه .

   وفي قبالها روايات كثيرة ـ فيها صحاح وموثقات ـ وقد دلّت على طهارة الخمر بصراحتها وهي من حيث العدد أكثر من الأخبار الواردة في نجاستها ، ودعوى العلم بصدور جملة منها عن الأئمة (عليهم السلام) أيضاً غير بعيدة ، كما أنها من حيث الدلالة صريحة أو كالصريح ، حيث نفوا (عليهم السلام) البأس عن الصلاة في ثوب أصابه خمر معللاً في بعضها بأنّ الثوب لا يسكر(1) فكأنّ مبغوضية الخمر إنما هي في إسكارها المتحقق بشربها ، وأما عينها كما إذا أصاب منها الثوب مثلاً فمما لا بأس به .

  وهاتان الطائفتان متعارضتان متقابلتان فلا بد من علاجهما بالمرجحات وهي تنحصر في موافقة الكتاب ومخالفة العامة على ما قدمناه في محله (2) وكلا المرجحين مفقود في المقام ، أمّا موافقة الكتاب فلما مرّ من أنه ليس في الكتاب العزيز ما يدل على نجاسة الخمر أو طهارتها ، وأمّا مخالفة العامّة فلأنّ كلاًّ من الطائفتين موافقة للعامّة من جهة ومخالفة لهم من جهة ، فان العامة على ما نسب إليهم ـ وهو الصحيح ـ ملتزمون بنجاستها (3) وعليه فروايات الطهارة متقدمة لمخالفتها مع العامة ، إلاّ أن ربيعة الرأي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في مصححة الحسن بن أبي سارة المروية في الوسائل 3 : 471 / أبواب النجاسات ب 38 ح  10 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 414 .

(3) في المغني لابن قدامة الحنبلي ج 10 ص 337 الخمر نجسة في قول عامة أهل العلم وفي أحكام القرآن للقاضي ابن العربي المالكي ج 2 ص 656 نفى الخلاف في نجاستها بين الناس إلاّ ما يؤثر عن ربيعة انها محرمة وهي طاهرة كالحرير عند مالك محرم مع انه طاهر . وفي الميزان للشعراني ج  1 ص 105 ادعى الاجماع على نجاستها عن غير داود حيث حكى عنه القول بطهارتها مع تحريمها . وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج 4 ص 425 انّ جمهور العلماء على ان العلة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النجاسة . وممن صرح بنجاستها ابن حزم في المحلى ج 1 ص 191 والنووي في المنهاج ص 15 ووافقه ابن حجر في تحفة المحتاج ج 1 ص 122 ومنهم الغزالي في الوجيز 1 ص 6 واحياء العلوم ج 1 ص 153 . والفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 15 والشيرازي في المذهب ج 1 ص 53 والعيني الحنفي في عمدة    القاري ج 5 ص 606 والكاساني الحنفي في بدائع الصنائع ج 5 ص 113 . نعم ، قال النووي في المجموع ج 2 ص 563 انه لا يظهر من الآية دلالة ظاهرة على نجاسة الخمر ـ إلى أن قال : وأقرب ما يقال فيها ما ذكره الغزالي من أنه يحكم بنجاستها تغليظاً وزجراً قياساً على الكلب وما ولغ فيه .

ــ[85]ــ

الذي هو من أحد حكّامهم وقضاتهم المعاصرين لأبي عبدالله (عليه السلام) ممن يرى طهارتها .

   على أ نّا مهما شككنا في شيء فلا نشك في أن امراءهم وسلاطينهم كانوا يشربون الخمر ولا يجتنبونه ، وعليه فأخبار الطهارة موافقة للعامة عملاً فتتقدم أخبار النجاسة عليها . وعلى الجملة أن أخبار النجاسة مخالفة للعامة من حيث عملهم كما أن أخبار الطهارة مخالفة لهم من حيث حكمهم .

   فاذن لا يمكننا علاج المعارضة بشيء من المرجحين ، فلو كنّا نحن ومقتضى الصناعة العلمية لحكمنا بطهارة الخمر لا محالة ، وذلك لأ نّا إن نفينا المعارضة بين الطائفتين نظراً إلى أن إحداهما صريحة في مدلولها والاُخرى ظاهرة ، فمقتضى الجمع العرفي بينهما تقديم روايات الطهارة على أخبار النجاسة لصراحتها في طهارة الخمر ونفي البأس عن الصلاة في ثوب أصابته خمر بحمل أخبار النجاسة على الاستحباب لكونها ظاهرة في نجاستها كما في أمره (عليه السلام) بغسل الثوب الذي أصابته خمر أو إهراق المائع الذي قطرت فيه قطرة منها ، فنرفع اليد عن ظهورها في الارشاد إلى نجاسة الخمر بصراحة أخبار الطهارة في طهارتها فتحمل على الاستحباب لا محالة فلا  مناص من الحكم بطهارة الخمر .

   وإن أثبتنا التعارض بينهما وقلنا إن المقام ليس من موارد الجمع العرفي بين المتعارضين لما حررناه في محله من أن مورد الجمع العرفي بحمل الظاهر من المتقابلين على نصهما ، إنما هو ما إذا كان المتعارضان على نحو إذا ألقيناهما على أهل العرف لم يتحيروا بينهما بل رأوا أحدهما قرينة على التصرف في الآخر ، وليس الأمر كذلك في المقام ، لأنّ أمره (عليه السلام) بالإراقة والإهراق إذا انضمّ إليه نفيه (عليه السلام)

ــ[86]ــ

البأس عن الصلاة في ثوب أصابته خمر واُلقيا على أهل العرف لتحيروا بينهما لا محالة ولا يرون أحدهما قرينة على التصرف في الآخر بوجه ، فأيضاً لا بد من الحكم بطهارة الخمر لأن الطائفتين متعارضتان ولا مرجّح لاحداهما على الاُخرى، ومقتضى القاعدة هو التساقط والرجوع إلى قاعدة الطهارة وهي تقتضي الحكم بطهارة الخمر كما مرّ .

   ولكن هذا  كلّه بمقتضى الصناعة العلمية مع قطع النظر عن صحيحة علي بن مهزيار قال : «قرأت في كتاب عبدالله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا : لا بأس بأن تصلِّي فيه إنّما حرم شربها . وروى عن (غير) زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ ـ يعني المسكر ـ فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صليت فيه فأعد صلاتك . فاعلمني ما آخذ به ، فوقّع (عليه السلام) بخطّه وقرأته : خذ بقول أبي عبدالله (عليه السلام) »(1) وأمّا مع هذه الصحيحة فالأمر بالعكس ولا مناص من الحكم بنجاسة الخمر ، وذلك لأنّ الصحيحة ناظرة إلى الطائفتين ومبينة لما يجب الأخذ به منهما فهي في الحقيقة من أدلّة الترجيح وراجعة إلى باب التعادل والترجيح ، وغاية الأمر أنها مرجحة في خصوص هاتين المتعارضتين فلا مناص عن الأخذ بمضمونها وهي دالّة على لزوم الأخذ بقول أبي عبدالله (عليه السلام) وهو الرواية الدالة على نجاسة الخمر وعدم جواز الصلاة فيما أصابه دون رواية الطهارة ، لأنها قول الباقر والصادق (عليهما السلام) معاً وغير متمحضة في أن تكون قول الصادق (عليه السلام) وحده .

   هذا على أن الرواية الدالة على طهارة الخمر أيضاً لو كانت مرادة من قول أبي عبدالله (عليه السلام) لكان هذا موجباً لتحير السائل في الجواب، ولوجب عليه إعادة السؤال ثانياً لتوضيح مراده وأنّ قول الصادق (عليه السلام) أيّة رواية ، فانّ له (عليه السلام) حينئذ قولين متعارضين ، وحيث إن السائل لم يقع في الحيرة ولا أنه أعاد سؤاله فيستكشف منه أنه (عليه السلام) أراد خصوص الرواية الدالة على نجاسة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 468 / أبواب النجاسات ب 38 ح 2 .

ــ[87]ــ

الخمر لأنها المتمحضة في أن تكون قوله (عليه السلام) كما مرّ .

   وبهذا المضمون رواية اُخرى عن خيران الخادم ، قال : «كتبتُ إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا ؟ فانّ أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم: صلّ فيه، فانّ الله إنما حرّم شربها، وقال بعضهم: لا تصلّ فيه ، فكتب (عليه السلام) لا تصلّ فيه فانّه رجس» الحديث (1) إلاّ أنها إنما تصلح أن تكون مؤيدة للمدعى وغير صالحة للمرجحية بوجه ، لعدم كونها ناظرة إلى الطائفتين وعدم ذكر شيء منهما في الرواية ، نعم يمكن إرجـاعها إلى الصحيحة نظراً  إلى أنّ اختلاف أصحابنا إنما نشأ من اختلاف الطائفتين فكأنه (عليه السلام) حكم بترجيح أخبار النجاسة على معارضاتها ، إلاّ أنّ الرواية مع ذلك غير قابلة للاستدلال بها ، فان في سندها سهل بن زياد والأمر في سهل ليس بسهل لعدم ثبوت وثاقته في الرجال .

   والذي تحصّل عما ذكرناه في المقام أنّ الاحتمالات في المسألة أربعة :

   أحدها : تقديم أخبار النجاسة على أخبار الطهارة من جهة الصحيحة المتقدِّمة . وقد عرفت أن هذا الاحتمال هو المتعين المختار .

   وثانيها : تقديم أخبار الطهارة على روايات النجاسة من جهة الجمع العرفي المقتضي لحمل الظاهر منهما على النص أو الأظهر ، وحمل الأوامر الواردة في غسل ما  يصيبه الخمر على التنزه والاستحباب .

   وثالثها : تقديم أخبار الطهارة على أخبار النجاسة بمخالفتها للعامة بعد عدم امكان الجمع العرفي بينهما .

   ورابعها : التوقف لتعارض الطائفتين وتكافئهما فان كل واحدة منهما مخالفة للعامّة من جهة وموافقة لهم من جهة ، فأخبار الطهارة موافقة لهم عملاً ومخالفة لهم بحسب الحكم والفتوى ، كما أن روايات النجاسة موافقة معهم بحسب الحكم ومخالفة لهم عملاً فلا ترجيح في البين فيتساقطان ولا بد من التوقف حينئذ . هذه هي الوجوه المحتملة في المقام ولكنها ـ غير الوجه الأول منها ـ تندفع بصحيحة علي بن مهزيار ، حيث إن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 469 / أبواب النجاسات ب 38 ح 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net