الكلام في الاندار للظرف - بيع المظروف وظرفه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4164


الكلام في الإندار

لا إشكال في جواز الاندار في الجملة ، وإنّما وقع الكلام في بعض الخصوصيات والأقوال في المسألة كما ذكرها شيخنا الأنصاري(2) ستّة ، فذهب بعضهم إلى جواز الأندار فيما إذا كانت العادة جارية على الاندار فيه سواء علم الزيادة أو النقيصة أم لم

ـــــــــــــ
(2) المكاسب 4 : 321 ـ 322 .

ــ[480]ــ

يعلم ، وآخر إلى جوازه بشرطين : جريان العادة على الاندار فيه وعدم العلم بالزيادة . وثالث إلى ذلك بعطف عدم العلم بالنقيصة إليه بمعنى اشتراطه بالعادة وبعدم العلم بالزيادة أو النقيصة ، ورابع إلى جواز الاندار فيما يحتمل فيه الزيادة وأمّا مع العلم بالزيادة فاشترط فيه التراضي ، وخامس إلى جوازه فيما يحتمل فيه الزيادة وأمّا مع العلم بالزيادة أو النقيصة فالتراضي وهذا هو الذي نسبه المحقّق الثاني(1)إلى كلّ من لم يذكر النقيصة ، والحقّ معه (قدّس سرّه) إذ لا يحتمل أن يكون للعلم بالزيادة خصوصية تميّزه عن العلم بالنقيصة ، إذ الظاهر أنّ كليهما ممّا لابدّ فيه من تحصيل التراضي كما هو ظاهر ، والقول السادس هو ما ذهب إليه كاشف الغطاء (قدّس سرّه)(2) من أنّ الجواز منوط بعدم الغرر وإلاّ فلا يفيد التراضي على المعاملة الغررية صحّتها كما لا يخفى ، هذا .

والظاهر أنّ مورد الأقوال الستّة مختلف وأنّ النفي والإثبات فيها غير واردين على مورد واحد ، وذلك لأنّ في المقام مسألتين قد اختلطت إحداهما بالاُخرى كما يظهر من مطاوي كلمات شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وعليه فلابدّ من تحريرهما على نحو يتّضح الحال في المقام فنقول : إنّ الاندار تارة يقع بعد تحقّق المعاملة صحيحة وفي مقام الوفاء بالحقّ وهذا كما إذا باع دُهناً في ظرفه على أنّ كل رطل منه بدرهم فتحقّقت المعاملة على وجه صحيح من دون حاجة إلى الاندار في صحّتها ، وذلك لما ذكرناه في بيع الصبرة من أنّ بيع كل رطل منها بدرهم صحيح ولا غرر فيه بوجه ، أو باعه منضمّاً إلى شيء معلوم وبنينا على صحّة بيع المجهول عند ضمّه إلى معلوم وكيف كان فقد أوقعنا المعاملة صحيحة بلا حاجة إلى الاندار ، إلاّ أنّا احتجنا إليه في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع المقاصد 4 : 115 .

(2) شرح القواعد (مخطوط) : 97 .

 
 

ــ[481]ــ

مقام الوفاء بحقّ البائع وأنّ المبيع أي مقدار ليأخذ البائع في مقابل كلّ رطل منه درهماً ، ففي هذه الصورة إذا أندر البائع مقداراً للظرف علمنا بزيادته عن وزنه فمعناه أنّ البائع وهب مقداراً من المبيع إلى المشتري ، كما أنّه إذا أندر المشتري مقداراً أقل من وزن الظرف في مقام الأداء فمعناه أنّه وهب للبائع مقداراً من الثمن ، وكيف كان فإذا رضيا بإندار الأقل أو باندار الزائد لا مانع من صحّته ولا يأتي في ذلك اشتراط عدم الغرر بوجه ، إذ المفروض أنّ البيع وقع صحيحاً والاندار في مقام الأداء والايفاء بالحقّ ، ولا مانع من جواز اندار الزيادة أو النقيصة مع تراضي المالكين لأنّ مرجعه إلى هبة شيء من المبيع أو الثمن ولعلّه ظاهر . نعم يأتي في هذه الصورة اشتراط التراضي لا محالة ، ولم يظهر لنا وجه ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من أنّ ذلك يوجب الجهل بمقدار المبيع وذلك لما عرفت من أنّ المفروض أنّ المعاملة وقعت صحيحة والاندار في مقام الأداء فإذا رضي البائع بالزيادة فهو هبة منه مقداراً من المبيع كما عرفت ، هذا فيما إذا رضيا باندار القليل أو الكثير .

وأمّا إذا لم يرض البائع بمقدار الاندار ولم يرض المشتري باندار القليل ، فإن كان الظرف ممّا تعارف فيه الاندار بمقدار معلوم ، وكانت العادة تجري على إندار هذا المقدار ، وكان البائع والمشتري عالمين بالعادة والمتعارف بين المتعاملين فلابدّ من إخراج المقدار الذي جرت عليه العادة ، لأنّ إخراجه شرط ضمني ارتكازي فلا حقّ للبائع ولا للمشتري أزيد من المقدار المتعارف حينئذ .

وإذا فرضنا اختلاف العادة في الظرف أو عدمها أو عدم علم المشتري أو البائع بما هو المتعارف ولم يرض كلّ منهما بما رضي به الآخر فلا محالة تنتهي النوبة إلى الأصل ، لأنّ الأصل أنّ المشتري لا يجب عليه الأداء في غير المقدار المتيقّن من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 411 .

ــ[482]ــ

الثمن ، والأصل عدم استحقاق البائع أزيد من المقدار المتيقّن منه ، فعلى المشترى أن يدفع المقدار المتيقّن والرجوع في الزائد منه إلى الأصل وهو يقتضي عدمه ، هذا كلّه فيما إذا وقعت المعاملة صحيحة في حدّ نفسها وإنّما احتجنا إلى الإندار في مقام الأداء والإيفاء بحقّ البائع من الثمن ، وقد عرفت أنّ اشتراط عدم الغرر أو عدم العلم بالزيادة والنقيصة لا يجري حينئذ .

واُخرى يحتاج إلى الاندار في تصحيح البيع والمعاملة ، وذلك كما إذا باع دهناً في ظرفه ولم يعلم أنّ المبيع أيّ مقدار ، وفي مثله لابدّ من الاندار للظرف حتّى يعلم مقدار المبيع وتصحّ المعاملة الواقعة عليه ، ويأتي في هذه الصورة اشتراط الاندار على نحو يدفع الغرر ، ولا يفيد التراضي على إندار مقدار معيّن لا يعلم زيادته أو نقصيته لأنّه عين التراضي على الغرر وهو لا يوجب صحّة المعاملة الغررية .

والوجه في اشتراط عدم الغرر ظاهر وذلك لأنّ العلم بالمبيع شرط في صحّة البيع كما مرّ والمفروض أنّ مقداره مجهول في المقام ، وكون مقداره مع الظرف معلوماً لا يوجب العلم بمقدار المبيع لأنّه نظير ما إذا كان وزن المبيع مع الحجر الموجود في الدار معلوماً للبائع حيث إنّه لا يوجب العلم بمقدار المبيع ولا يحتمل أن يكون للظرف وكونه فيه مدخلية في عدم اعتبار العلم بمقدار المبيع بأن يقال إنّ المبيع لو لم يكن في ذلك الظرف كان العلم بوزنه شرطاً في المعاملة إلاّ أنّه لمّا كان في ظرفه كان العلم بمجموعهما كافياً في صحّته وإن لم نعلم مقدار نفس المبيع ، وذلك لبداهة أنّ كلّ دهن له ظرف لا محالة وكيف يمكن إلغاء اعتبار العلم بالوزن في المبيع من جهة كونه في الظرف ، وقد عرفت أنّ العلم بمجموعهما نظير العلم بوزن مجموع المبيع والحجر الموضوع بجنبه .

فالمتحصّل : أنّه لابدّ من العلم بوزن المبيع حتّى تصحّ المعاملة فلا محالة يشترط في ذلك انتفاء الغرر ، نعم لو كانت هناك عادة جارية في الظرف وإنداره

ــ[483]ــ

بمقدار معيّن كما كان النفط من هذا القبيل سابقاً حيث كانوا يضعون من كل تنكة من النفط حقّة لظرفه كانت العادة طريقاً إلى وزن المبيع وبذلك يرتفع الغرر لا محالة .

وممّا ذكرناه في المقام يظهر أنّ الأخبار الواردة في المقام على طبق القاعدة لأنّ المتعارف في المعاملات هو الاندار في مقام الأداء فمعمّر الزيّات(1) كان يشتري الزيت في زقاقه وكان يحسب عليه النقصان والاندار لمكان الظرف والزقاق في مقام الأداء فنهاه (عليه السلام) عن الاندار فيما إذا زاد ، والوجه في نهيه (عليه السلام) أنّ البائع الذي هو الواسطة بين المشتري ومالك الزيت كأهل القرى والبادية ربما كان يحسب في مقام الاندار مقداراً زائداً على وزن الزقاق تخفيفاً للمشتري بلا رضا مالكه أو علمه فلذا نهاه عن ذلك ، وكذا إذا كان يحسب الناقص عن وزنه تخفيفاً ومساعدة للمالك بلا رضا المشتري ، وأمّا إذا كانا راضيين على الزائد أو الناقص فلا يحتمل أن يكون ذلك منهياً عنه في الرواية بوجه ، لأنّ هبة البائع مقداراً من المبيع أو هبة المشتري مقداراً من الثمن غير منهي عنهما في الشريعة المقدّسة كما عرفت ، نعم فيما إذا لم يتراضيا على الزيادة أو النقيصة فلا يصحّ كما أشرنا إليه فراجع  .

وتوضيح ما ذكرناه في هذه الرواية : أنّ الرواية ظاهرة في الاندار في مقام الأداء والإيفاء سيّما بعد ملاحظة الفاء في قوله إنّا نشتري الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان الخ حيث إنّه كالصريح في أنّ الاندار والحساب بعد تحقّق الشراء والبيع وأنّه إنّما يحسب عليه في مقام الأداء ومقتضى القاعدة عند الاندار بعد البيع واحتسابه في مقام الأداء هو الصحّة مع التراضي سواء علم بالزيادة أو النقيصة أو احتملهما ، كان غررياً أم لم يكن ، جرت عليه العادة أو لم تجر ، وعليه فلابدّ من الحكم في الرواية بالصحّة على تقدير التراضي وبعدمها والرجوع إلى العادة أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 367 / أبواب عقد البيع وشروطه ب20 ح4 .

ــ[484]ــ

الأصل على تقدير عدم التراضي .

وأمّا وجه حكمه (عليه السلام) بالجواز فيما احتمل الزيادة في تقدير الزقّ والنقصان وبعدمه عند العلم بالزيادة ، فهو أنّه إذا احتملنا الزيادة في التقدير تارةً والنقيصة فيه اُخرى الذي هو المتعارف في التخمينات والتقديرات لأنّها تارةً تزيد واُخرى تنقص على وجه يتسامح فيه في العرف ففي مثله يكون المالك والمشتري راضيين بالتقدير لا محالة لأنّه المتعارف حسب الفرض ، وهذا بخلاف ما إذا كان التقدير زائداً على وزن الظرف دائماً فإنّه على ضرر المالك وهو لا يرضى به عادةً وقد عرفت أنّ الرواية ناظرة إلى ما هو المتعارف في الخانات والأسواق من أنّ مالك المتاع كأهل البادية والقرى لا يباشرون البيع والشراء وإنّما يباشرهما الدلاّل وهو وكيل من قبل المالك في البيع ، ثمّ إنّ هنا شخصاً آخر غير الدلاّل المباشر للبيع وهو يباشر المحاسبة والاختيار بيده في الحساب فربما يحسب النقصان واُخرى الزيادة وبما أنّه ليس مالكاً للمتاع ولا وكيلا من قبله في الاحتساب فلذا لم يعتن الإمام (عليه السلام) بحسابه الزيادة دائماً ومنعه عن الارتكاب من جهة عدم رضا المالك بتلك الزيادة ، وعليه فالرواية مطابقة لما تقتضيه القاعدة في المقام .

وممّا ذكرناه في المقام ظهر أنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من أنّ الرواية ظاهرة في رضا المالك بالزيادة لأنّ المباشر إمّا هو المالك أو وكيله ورضاهما يكفي في صحّة المعاملة ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لما مرّ من أنّ المتعارف أنّ المباشر هو الدلاّل وهو وكيل من قبله في البيع دون الحساب والمتصدّي للحساب شخص ثالث وهو غير وكيل من قبل المالك ، فالرواية إمّا مطلقة من حيث رضا المالك وعدمه فتقيّدها الروايات المصرّحة بالصحّة عند التراضي وعدمها عند عدمه  ، وإمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 327 .

ــ[485]ــ

ظاهرة في عدم رضا المالك كما ذكرناه ، هذا تمام الكلام في أصل المسألة .

ثمّ إنّه إذا ظهر الخلاف وانكشف أنّ التقدير في الزقّ والاندار كان مخالفاً للواقع ، فحينئذ إذا كان الاندار في مقام تصحيح البيع والمعاملة لا في مقام الأداء بعد إيقاع المعاملة فهو نظير المسألة المتقدّمة في بيع الصبرة على أنّها كذا مقداراً من الوزن ثمّ ظهر أنّها أقلّ أو أزيد عن المقدار الذي وقع عليه البيع بعينه لأنّه في المقام قد اشترى دهناً على أنّ كل رطل منه بكذا وأنّه كذا أرطال ثمّ ظهرت الزيادة أو النقيصة فيه فراجع .

وأمّا إذا كان الاندار في مقام الأداء دون البيع ثمّ ظهر التخلّف في المقدار المندر  ، فإن كان الاندار في المقدار بالتراضي من البائع والمشتري فلا خيار لأحدهما ولا شيء آخر ، والمعاملة صحيحة بلا رجوع أحدهما إلى الآخر ، إذ المفروض أنّ كل واحد من المتبايعين راض بالمقدار الخارج ، فإن كان المقدار المندر أزيد من المقدار الواقعي فالبائع وهب تلك الزيادة من المبيع للمشتري ، وإن كان المندر أنقص فالمشتري وهب مقداراً من الثمن إلى البائع فلا يرجع أحدهما إلى الآخر بوجه .

وأمّا إذا كان المقدار المندر غير مبنيّ على المراضاة بل من جهة جريان العادة على إندار ذلك المقدار المندر في مثله مع علم المتبايعين بالعادة فكذلك لا يرجع أحدهما إلى الآخر ولا خيار في البين ، لأنّ إندار المقدار مشروط بالشرط الضمني الحاصل ببناء العرف والعقلاء والمفروض أنّهما أقدما على الاندار والمعاملة مع العلم بالحال ، فهما راضيان بالاندار المفروض لا محالة فلا رجوع في البين .

وإذا فرضنا أنّهما غير راضيين بالمقدار المندر ولا العادة جرت على إنداره وإنّما حكمنا على المشتري بوجوب دفع المقدار المتيقّن لأصالة عدم وجوب دفع الزائد على المقدار المقطوع ثمّ انكشف الخلاف وظهر أنّ وزن الظرف في الواقع أزيد

ــ[486]ــ

أو أنقص من ذلك المقدار المندر بالأصل فلا خيار في البين أيضاً ، بل إن كان المندر أزيد من المقدار الواقعي كان المشتري ضامناً للزيادة للبائع ، كما أنّه إذا كان أنقص فالبائع يضمن المقدار الناقص للمشتري مع أنّ المعاملة صحيحة ولا خيار في البين . فتحصّل أنّ الخيار إنّما يثبت بظهور التخلّف فيما إذا كان الاندار في مقام البيع دون مقام الأداء كما لا يخفى ، هذا تمام الكلام في بيع المظروف من دون ظرفه .

الكلام في بيع المظروف وظرفه على نحو المجموع

نسب إلى فقهائنا (رضوان الله عليهم) جواز بيع المظروف في ظرفه بنحو الاجتماع وإن لم يعلم وزن كل واحد منهما ، للاكتفاء بالعلم بوزن المجموع ، وإن خالف فيه بعضهم . وذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ المظروف إن كان ممّا يجوز بيعه باندار مقدار ظرفه وإن استلزم ذلك الجهل بمقدار المظروف كما في المسألة المتقدّمة فلا مانع من بيعه بضمّ ظرفه إليه ، لأنّ ضمّ الظرف إلى المظروف لا يمنع عن جواز بيع المظروف حينئذ لأنّه لا يوجب ارتفاع شرط ولا إيجاد مانع ، إذ المفروض صحّة بيع المظروف بتجرّده مع الجهل بمقداره بعد الاندار ، وبضمّ ظرفه إليه لا ينقلب المظروف عن الجهالة والمفروض جواز بيعه مع الجهل بمقداره ، وكيف كان فضمّ ظرفه إليه حينئذ نظير ضمّ غيره من الأشياء إليه وذلك ظاهر .

وأمّا إذا كان المظروف ممّا لا يجوز بيعه مع الجهل بوزنه فلا يجوز بيعه بضمّ ظرفه إليه وبيع مجموعهما فيما إذا استلزم الغرر ، وهذا كما إذا كان هناك سبيكة ذهب مردّدة بين أن تكون مائة مثقال وبين أن تكون ألف مثقال وكان هناك سبيكة اُخرى من فضّة مردّدة بين أن يكون ألف مثقال أو ألف وتسعمائة مثقال ولكنّا علمنا بمقدار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 333 .

ــ[487]ــ

مجموع السبيكتين وأنّهما ألفا مثقال ، فإمّا أنّ الفضّة ألف وتسعمائة مثقال والذهب مائة مثقال ، أو أنّ كلّ واحد منهما ألف مثقال ، وفي مثل ذلك لا يكفي العلم بوزن المجموع منهما وبيعهما بكذا لأنّه غرر ظاهر للجهل بمقدار كلّ واحد من الجزأين وهذا يوجب اللوم من العقلاء واستحقاق الذمّ منهم .

وأمّا إذا لم يكن هناك غرر فلا مانع من بيعهما فيما إذا علمنا بوزن المجموع وإن جهلنا مقدار كلّ واحد منهما ، وهذا كما إذا كان هناك مقدار من الرصاص مردّد بين الألف والمائة وكان مقدار آخر من الصفر مردّد بين الألف والألف وتسعمائة وعلمنا أنّ مقدارهما معاً هو الألفان وفرضنا قيمة الرصاص والصفر متساويين فإنّ العلم بوزن المجموع يكفي في صحّة البيع حينئذ لعدم اشتراط العلم بمقدار كلّ واحد من أجزاء المبيع وإنّما يشترط العلم بوزن مجموعهما ، فلذا نرى أنّهم يبيعون الاُرز والماش بكذا ويكتفون بالعلم بوزن المجموع منهما وإن كان وزن كلّ واحد منهما مجهولا وهذا متداول بين الناس كما هو ظاهر .

ثمّ تعرّض (قدّس سرّه) لما إذا كان أحد الموزونين ممّا يجوز بيعه منفرداً مع معرفة وزن المجموع لأجل الاندار دون الموزون الآخر ومثّل له بما إذا باع الفضّة مع الشمع وقلنا بجواز بيع الأواني المصوغة من الفضّة أو الذهب لأنّ المحرّم هو استعمالهما لا بيعهما ، وحينئذ فيكفي في صحّة بيع الفضّة العلم بوزن المجموع منها ومن الشمع المنصوب فيها ، لأنّهم يتسامحون في مقدار الشمع الذي هو مثقال أو أقل أو أكثر وهذا بخلاف بيع الشمع فيما إذا كان مجهولا في حدّ نفسه ولا يكتفون فيه بالعلم بمقدار المجموع منه ومن غيره ، فأفاد أنّ الشمع إذا فرضناه تابعاً في المثال فلا تضرّ جهالته هذا ملخّص ما أفاده في المقام .

والذي ينبغي أن يقال : إنّ الظرف إذا لم يكن من الموزون فلا يمكن القول بجواز البيع للاكتفاء بالعلم بوزن المجموع من المظروف الموزون وظرفه غير الموزون

ــ[488]ــ

كما إذا كان المظروف سمناً وظرفه من الخزف والسفال ، بل لابدّ في صحّة بيع المظروف من العلم بمقداره ولو بالاندار لظرفه بمقدار المعتاد أو المطمأن بكونه كذا مقدار ، وذلك لوضوح أنّ المكيل والموزون لابدّ من العلم بوزنه ، ولا فائدة في العلم بوزن المجموع منه وممّا هو من المعدود أو غيره ممّا هو خارج عن الموزون كما إذا علمنا بوزن مقدار من الاُرز وكتاب الرسائل فإنّه لا يكفي في صحّة بيع المجموع بوجه ، فلا محيص في مثله من الاندار للظرف ثمّ بيعهما معاً فيما إذا أراد بيع كلّ واحد من الظرف والمظروف  .

وبيع المجموع منهما كما ذكره شيخنا الأنصاري يتصوّر على وجهين :

فتارة يندر للظرف كذا مقدار فبعد تعيين المظروف بذلك وأنّه خمسة أمنان مثلا يبيع المجموع من المظروف والظرف معاً بعشرة دنانير على أن يكون كل منّ من المظروف بدينار ونصف ، وحينئذ فيصير مجموع قيمة المظروف سبعة دنانير ونصف لأنّه خمسة أمنان ويكون قيمة الظرف دينارين ونصف دينار ، واُخرى بعد الاندار يبيع المجموع بعشرة دنانير من غير تعيين لقيمة المظروف .

وهاتان الصورتان وإن كانتا مشتركتين في الحكم بالصحّة مع الاندار والفساد بدونه إلاّ أنّ الفرق بينهما يظهر فيما إذا ظهر الظرف مستحقّاً للغير ، فإنّه على الأوّل يرجع المشتري إلى البائع بدينارين ونصف دينار لأنّه قيمة الظرف على المفروض ، وأمّا على الثاني فلا تعيين لقيمة كلّ واحد من المظروف وظرفه بل لابدّ من أن يقوّم كلّ واحد منهما بحسب القيمة المتعارفة ثمّ يجمع بين القيمتين ويعلم أنّ المجموع كذا مقداراً ثمّ يلاحظ نسبة قيمة الظرف إلى مجموع القيمتين فيؤخذ من الثمن المسمّى بتلك النسبة كما هو الحال في غيره من موارد الجهل بالقيمة . فالمتحصّل أنّ بيع المجموع فيما إذا كان الظرف خارجاً عن الموزون باطل إلاّ فيما اُندر للظرف مقدار يطمأن به بحسب العادة .

ــ[489]ــ

وأمّا إذا كان الظرف أيضاً من الموزون كالمظروف فالظاهر أنّ العلم بمقدار المجموع منهما يكفي في صحّة المعاملة مطلقاً ولا نتصوّر في ذلك مورداً يستلزم الغرر في المعاملة ، وذلك لأنّ المراد بالغرر على تقدير اعتبار عدمه إنّما هو الجهل بذات المبيع من أنّه موجود أو معدوم والجهل بأوصافه التي لها دخل في قيمته كالأوصاف النوعية من الإنسانية والحيوانية ، ولابدّ في المعاملة من العلم بأنّ المبيع موجود أو معدوم وأنّه عبد أو شاة وهذا هو معنى الغرر كما ذكرناه سابقاً ، وأمّا العلم بأنّ قيمة المبيع مطابقة للقيمة السوقية أو أقلّ منها فلا يعتبر في صحّة المعاملة بوجه ، مثلا إذا اشترى الذهب بقيمة أنقص من قيمة الذهب في السوق فلا يحتمل أن تكون المعاملة غررية وباطلة غاية الأمر أنّ البائع له الخيار فيما إذا لم يسقطاه في المعاملة ولا نظنّ فقيهاً يلتزم بالبطلان في المثال ، وعليه فإذا فرضنا سبيكة ذهب مجهولة المقدار في ظرف من فضّة لا نعلم بمقدارها أيضاً ولكن نعلم أنّ مجموعهما أربعون مثقالا فبعناهما على أنّ كل مثقال من المجموع بدرهم فلا يمكن الخدشة في صحّة المعاملة حينئذ ولو مع كون قيمة الذهب أكثر منه في السوق ، وقد أشرنا في بيع الصبرة إلى أنّ بيع الصبرة المجهولة المقدار على أنّ كلّ صاع منها بكذا صحيح ، لأنّ المفروض أنّه يكيلها ويوزنها ، نعم لا يعلم المشتري أنّها أيّ مقدار وصاع ولكنّه سيعرفه بعد وزنها ، ومن الظاهر أنّ الذهب إذا كان منفرداً في كيس ولم نعلم بوزنه أيضاً ولكن بعنا مجموع ما في الكيس على أنّ كل مثقال منه بدرهم لم يكن مانع عن صحّته للعلم بذات المبيع ووصفه ، وكون الثمن مطابقاً للقيمة السوقية غير لازم فالمعاملة صحيحة  .

وكذا فيما إذا كانت الفضّة منفردة صحّ بيعها على أنّ كلّ مثقال منها بكذا مع الجهل بمقدار مجموع الفضّة في الكيس ، وعليه فلا يحتمل أن يكون بيع كلّ واحد من الذهب والفضّة معاً غير صحيح بعد فرض صحّة البيع في كلّ واحد منهما .

ــ[490]ــ

فالمتحصّل : أنّه إذا باع السبيكة الذهبية في ظرف من الفضّة المجهول مقدار كلّ واحد من الذهب والفضّة والمعلوم وزن المجموع منهما على أنّ كل مثقال منهما بكذا لا يلزم فيه غرر بوجه ، وعليه فلا وجه لتفصيل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام بين استلزام البيع الغرر وعدمه ، إذ لا نجد مورداً يكون البيع فيه غررياً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net