شروط خيار التأخير \ الأوّل:عدم قبض المبيع - الثاني:عدم قبض مجموع الثمن 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الرابع : الخيارات-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4911


وقد خالف في ذلك صاحب الرياض(1) وتبعه صاحب الجواهر(2) (قدّس سرّهما) فأنكرا هذا الاشتراط في ثبوت الخيار ، وقد وجّه شيخنا الأنصاري(3)إنكارهما لهذا الاشتراط مع دلالة صحيحة علي بن يقطين عليه بوجهين : أحدهما أنّ هذه الفقرة من الصحيحة لعلّها ساقطة عن نسختهما ولأجل ذلك لم يشترطا عدم قبض المبيع في الخيار . وثانيهما : احتمال أنّهما قرءا « قبضه » بالتخفيف و «  بيّعه  » بالتشديد على خلاف ما قرأناه ، وعليه يصير معنى الرواية فإن قَبَضَ بيّعه أي قبض الثمن بائع المبيع فلا خيار للمشتري وإلاّ فهو على خيار ، فتكون هذه الفقرة ممّا دلّ من الروايات على اعتبار عدم قبض الثمن في ثبوت الخيار ، فإنّهم اشترطوا أمرين في هذا الخيار أحدهما عدم قبض المبيع وثانيهما عدم قبض الثمن ، والفقرة دلّت على اعتبار عدم قبض الثمن في ثبوت الخيار ، وكيف كان فلا تدلّ الرواية حينئذ على اشتراط عدم قبض المبيع في ثبوت الخيار .

ثمّ أورد على هذا التوجيه الثاني بقوله : ولا يخفى ضعف هذا الاحتمال وملخّص ما أورده عليه أمران : أحدهما أنّ استعمال لفظ البيّع وإن كان صحيحاً في التثنية كقوله « البيّعان بالخيار » الخ إلاّ أنّ استعماله مفرداً غير صحيح ، لعدم وجوده في شيء من الأخبار والكلمات العربية . وثانيهما : أنّ تشديد بيّعه على خلاف الأصل  ، لأنّ أصالة العدم الأزلي يقتضي عدم التشديد كما ذكر نظير ذلك الشهيد

ــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) رياض المسائل 8 : 307 .

(2) الجواهر 23 : 53 .

(3) المكاسب 5 : 220 .

ــ[9]ــ

(قدّس سرّه)(1) في لفظ البكاء المبطل للصلاة ، فإنّ البكاء مع المدّ معناه خروج الدمع مع الصوت (من باب أنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني) وأمّا بلا مدّ كما إذا كان مقصوراً فمعناه مجرد خروج الدمع بلا صوت ، والشهيد (قدّس سرّه) أجرى أصالة عدم المدّ في البكاء وبه ذهب إلى أنّ القاطع للصلاة مجرد خروج الدمع وإن لم يكن معه صوت ، هذا ما أورده عليهما شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وفي كلا إيراديه نظر ، أمّا فيما أورده أوّلا ، فلأنّ عدم وجدانه (قدّس سرّه) استعمال البيّع مفرداً لا يكشف عن عدم وجوده في الكلمات العربية وأشعارها ، فإنّ غاية ما رآه من كتب العرب هي كتب الأخبار أو هي مع مقدار يسير من غيرها وهذا المقدار لا يكشف عن عدم وجوده ، هذا أوّلا .

وثانياً : هب أنّ استعمال البيّع مفرداً غير موجود في الكتب العربية إلاّ أنّه ليس من السماعيات المتوقّفة على الاستعمال والسماع من العرب ، وإنّما هو أمر قياسي ولا مانع لاستعمال البيّع المفرد في القواعد ولا نرى فيه غلطاً .

وأمّا ما أورده ثانياً فيدفعه : أنّ أصالة عدم التشديد في بيعه معارضة بأصالة عدم بيعه بلا تشديد ، إذ الأصل أنّ بيعه بلا تشديد لم يستعمل في كلامه (عليه السلام) ولا يقاس المقام بالمدّ في البكاء فإنّ أصالة العدم فيها بلا معارض لعدم تركّب البكاء من هيئة ومادّة ، بخلاف بيعه فإنّه بلا تشديد غير بيّعه مع الشديد ، وأصالة عدم التشديد يعارض بأصالة عدم بيعه بلا تشديد(2).

وأضف إلى ذلك : أنّا إذا رفعنا اليد عن التشديد في بيعه فلا محالة نلتزم به في قبضه ، فلصاحب الرياض أن يجري أصالة عدم التشديد في قبّضه حتّى يكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الروضة البهيّة 1 : 234 .

(2) لا يخفى ورود عين هذا الاشكال في البكاء فإنّ الأصل عدم استعمال البكاء بلا مدّ .

ــ[10]ــ

الأصلان متعارضين ، وبالجملة لا مجال لأصالة عدم التشديد في المقام ولا يثبت بها أنّ بيّعه بلا تشديد .

فالصحيح في الجواب عن احتمال قراءة بيّعه بالتشديد أن يقال : إنّ الوجه في عدم قراءته بالتشديد وقراءة قبّضه مع التشديد هو أنّ نقلة الأخبار كذا نقلوهما فإنّ عادتهم كانت جارية على قراءة الروايات عند أساتذتهم وبعد قراءتها كانوا يكتبونها ، ولم يحتمل أحد منهم قراءة بيعه بالتشديد وقراءة قبضه بدون التشديد ومقتضى سكوتهم عن هذا الاحتمال أنّهم نقلوا واحداً عن واحد قبّضه مع التشديد وبيعه بدونه إلى أن يصل إلى الإمام (عليه السلام) ومع نقل الرواة أحدهما بلا تشديد وثانيهما معه لا مجال لرفع اليد عن نقلهم واحتمال عكسه .

فالمتحصّل إلى هنا أنّ اشتراط عدم قبض المبيع في ثبوت الخيار ممّا لا إشكال فيه .

وإنّما الكلام في خصوصيات ذلك ، وقد عرفت أنّ البائع إذا أقبض المبيع للمشتري فلا يثبت له الخيار ، ولو وضعه عند البائع أمانة بعد قبضه منه فلا إشكال في أنّ البائع إذا أقبضه باختياره ينتفي الخيار كما أنّه إذا لم يقبضه لأجل عدم ردّ المشتري ثمنه يثبت له الخيار .

وأمّا إذا لم يقبضه البائع لا لأجل عدم ردّ المشتري الثمن بل عدواناً والمشتري مكّنه من الثمن وأراد أخذ المبيع إلاّ أنّ البائع منعه عن القبض ظلماً وعدواناً فهل يثبت بذلك الخيار للبائع بعد ثلاثة أيام أو لا ، لأنّ عدم قبضه ليس عن حق ومن أجل عدم ردّ الثمن .

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ ظاهر الأخبار أنّ الخيار إنّما جعل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 221 .

ــ[11]ــ

للبائع إرفاقاً له حتى لا يتضرّر بسبب الحكم الشرعي ، وهذا إنما يتحقق فيما إذا كان عدم إقباض المبيع مستنداً إلى عدم إقباض المشتري وعدم ردّه الثمن ، وأمّا إذا كان عدم إقباضه مستنداً إلى اختياره وعدم قبول الثمن من المشتري فلا يتوجّه عليه ضرر من ناحية الحكم الشرعي حتى يرفعه الشارع إرفاقاً له . ففي هذه الصورة لا يثبت له الخيار ، هذا .

وفيه : أنّ الروايات إنّما جعلت الخيار أو دلّت على البطلان عند عدم قبض المبيع إلى ثلاثة أيام ، بلا تقييد بكون عدم القبض مستنداً إلى اختياره أو إلى عدم دفع المشتري الثمن ، ولم تدلّ الروايات على أنّ جعل الخيار للبائع من جهة الارفاق حتى يدور مداره الحكم ، بل الأخبار مطلقة وقد دلّت على اشتراط صحة البيع بالقبض إلى ثلاثة أيام كما دلّت الروايات على اشتراط صحة بيع الصرف بالقبض في المجلس بلا فرق في ذلك بين استناد عدم القبض إلى اختياره أو إلى عدم ردّ المشتري الثمن ، كما لا يفرق الحال بذلك في الصرف فإنه يبطل إذا لم يحصل القبض في المجلس  ، كان مستنداً إلى اختياره أو إلى شيء آخر .

وعليه فالصحيح ثبوت الخيار في هذه الصورة للبائع على المشهور ، وبطلان البيع عندنا وهذا ظاهر ، هذا كلّه في هذا الفرع .

الفرع الثاني والثالث : ما إذا مكّن البائع المشتري من القبض ولكنّه لم يأخذه المشتري ، أو أنّ المشتري قد أخذ المبيع بلا إذن من البائع بدعوى أنه ملكه فهل يصدق القبض بتمكين البائع المشتري من القبض أو بأخذ المشتري المبيع بنفسه فلا يثبت للبائع الخيار ، أو أنّهما كلا قبض والبائع له الخيار بعد ثلاثة أيام .

فقد بناهما شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) على أنّ مثل هذين الأمرين هل يكفي في دفع الضمان عن البائع في مسألة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه فإذا مكّنه البائع من القبض أو أخذه المشتري بنفسه هل يكفي ذلك في سقوط الضمان

ــ[12]ــ

عن البائع حينئذ أو لا ، فإن قلنا بكفايتهما في رفع الضمان في هذه المسألة فنقول بكفايتهما في المقام ونحكم بعدم الخيار للبائع حينئذ ، وإن لم نقل بكفايتهما في رفع الضمان في تلك المسألة فلا نلتزم بكفايتهما في المقام ، وذلك لأنّا إنما حكمنا بثبوت الخيار للبائع إرفاقاً له حتّى لا يتضرّر من جهة كون تلف المبيع عليه حينئذ ، ومن جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه ، ومن أجل عدم وصول ثمنه إليه ، فإذا كان تمكين البائع إيّاه من القبض أو أخذ المشتري المبيع بنفسه كافياً في سقوط الضمان عن البائع فنلتزم بكفايتهما في المقام وعدم ثبوت الخيار للبائع حينئذ ، لعدم تضرّره من جهة كونه ضامناً له ، وإذا ارتفع ضرره من هذه الجهة فارتفاع ضرره من الجهتين الباقيتين سهل ، لأنّه يأخذ المبيع من باب التقاص فيتصرّف فيه فلا يجب عليه حفظه لامكان أن يردّه إلى الحاكم ، ولا يجب عليه الصبر لجواز تصرفه فيه مقاصّة ، وأمّا إذا لم يكف هذان الأمران في سقوط الضمان عن البائع في الجهة الاُولى فلا نلتزم بكفايتهما في المقام أيضاً ، لأنه يستلزم الضرر عليه من تلك الناحية ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما أفاده على تقدير صحته إنما يتم بناءً على أنّ المدرك في ثبوت الخيار للبائع حديث لا ضرر ، وأمّا بناءً على أنّ المدرك هو الأخبار لعدم تمامية الحديث سيّما بلحاظ تقييده بثلاثة أيام ، فلا وجه لما أفاده (قدّس سرّه) بل لابدّ من المراجعة إلى الروايات لنرى أنّ الأمرين المتقدّمين يكفيان في المقام أو لا .

فنقول : ظاهر قوله في صحيحة علي بن يقطين « فإن قبّضه بيعه » الخ أنّ القبض المانع عن الخيار أو عن البطلان هو خصوص القبض المستند إلى البائع كما هو مقتضى قراءة « قبّضه » بالتشديد ، فمجرد أخذ المشتري المبيع لا يكفي في القبض كما أنّ تمكين البائع لا يكون إقباضاً له ، فيثبت له الخيار في هذين الفرعين بعد ثلاثة أيام ، سواء قلنا بكفايتهما في رفع الضمان في مسألة تلف المبيع قبل قبضه أم لم نقل فإنّها مسألة اُخرى غير ما نحن بصدده ، نعم لو استندنا في المقام إلى حديث نفي

ــ[13]ــ

الضرر لكان لما أفاده وجه ، ولكن العمدة هي الأخبار وقد عرفت أنّ مقتضاها عدم كفاية أخذ المشتري المبيع من دون إقباض البائع كما أنّ تمكين البائع لا يكون إقباضاً  ، وقد تقدّم في المسألة السابقة أنّ الأخبار مطلقة ومقتضاها أنّ عدم إقباض المبيع يستلزم الخيار أو البطلان ، كان عدم الاقباض مستنداً إلى حقّه ومن أجل عدم إقباض المشتري ثمنه ، أو كان مستنداً إلى ظلمه وعدوانه ولو مع مجيء المشتري بالثمن ، هذا .

وربما يتوهم التنافي بين الأخبار من جهة أنّ مقتضى غير صحيحة علي بن يقطين أنّ الخيار إنّما يثبت فيما إذا لم يجئ المشتري بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام ولازم ذلك عدم الخيار فيما إذا جاء بالثمن خلال ثلاثة أيام ، وفي مفروض المقام المشتري جاء بالثمن وإنّما لم يقبله البائع ولم يقبضه المبيع عدواناً ، فمقتضى تلك الروايات عدم الخيار للبائع حينئذ ، كما أنّ مقتضى الصحيحة المتقدّمة أنّ المناط في ترتّب الخيار عدم إقباض المبيع ولازمه ثبوت الخيار في المقام لعدم إقباض البائع إيّاه ، فالروايات متنافية .

ولا يخفى عدم المنافاة بين الأخبار ، والوجه في ذلك أنّ ما دلّ على عدم البيع للمشتري فيما إذا لم يجئ بالثمن خلال ثلاثة أيام وثبوت البيع له فيما إذا جاءه في المدة المذكورة إنما يقتضي ثبوت البيع له أي استحقاقه مطالبة المبيع من البائع من ناحية تمامية هذا الشرط وهو مجيؤه بالثمن ، أو عدم استحقاقه المطالبة منه من جهة عدم تمامية ذلك الشرط ، وهذا لا ينافي عدم استحقاقه المطالبة من البائع وعدم ثبوت البيع له من ناحية فقدان سائر الشروط كما إذا كان البيع غررياً مثلا ، فعدم إقباض المبيع كالغرر موجب لعدم ثبوت البيع للمشتري ، ولا يلزم من تمامية البيع من ناحية مجيئه بالثمن تماميته من جميع الجهات ، ففي المقام وإن كان له مطالبة البائع بالثمن من ناحية مجيئه بالثمن إلاّ أنّه لا يتمكّن من مطالبته من أجل عدم إقباض البائع

ــ[14]ــ

والمفروض أنّ البائع في صورة عدم إقباض المبيع متمكّن من فسخ البيع ولا يمكن التزامه .

وكيف كان فلا تنافي بين الأخبار ، وقد تقدّم أنّ الخيار في المقام لا يدور مدار الارفاق للبائع ، إذ لا دليل على اعتبار الارفاق وكونه هو المناط في ثبوت الخيار وعليه فالصحيح في المسألة ثبوت الخيار للبائع لأجل عدم إقباض المبيع ، كان ذلك مستنداً إلى حقه واختياره أو إلى ظلمه وعدوانه .

الفرع الرابع : ما إذا أقبض بعض المبيع كما إذا وقعت المعاملة على عدّة أشياء وباعها دفعة من المشتري وأقبضه بعضها وبقي بعضها الآخر ، وقد احتمل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في المسألة احتمالات :

أحدها : أن يكون قبض البعض كلا قبض في ثبوت الخيار أو البطلان .

وثانيها : أن يكون قبض البعض كقبض الجميع في ارتفاع الخيار أو البطلان .

وثالثها : التفصيل بالخيار في الجزء غير المقبوض وعدمه في الجزء المقبوض وإنّما احتمل هذا الوجه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أجل أنّ المناط عنده هو تضرّر البائع من قبل الضمان قبل القبض ، فبما أنه لا ضمان عليه في الجزء المقبوض فيلتزم فيه بارتفاع الخيار ، وأمّا الجزء غير المقبوض فلما كان ضمان تلفه على البائع لأنه من التلف قبل القبض فيلتزم فيه ثبوت الخيار ، هذا .

والحقّ في المقام هو التفصيل ، ولكن لا لما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بل من جهة ما ذكرناه غير مرّة من أنّ البيع وإن كان أمراً واحداً بحسب الانشاء إلاّ أنه منحل إلى اُمور متعدّدة بحسب مقام المنشأ ، لأنّه بهذا الانشاء الواحد قد باع هذا الجزء حقيقة وباع الجزء الآخر كذلك وهكذا ، فهناك بيوع متعدّدة ، وعلى هذا بنينا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 222 .

ــ[15]ــ

صحة البيع فيما إذا ظهر بعض أجزائه مستحقاً للغير فإنّ الباطل حينئذ إنّما هو البيع الواقع على ما يستحقّه الغير وأمّا البيع فيما لا يستحقّه الغير فلا مانع من صحته .

وكيف كان ، فالبيع من الاُمور الانحلالية ، وعليه فإذا فرضنا أنّ بعض أجزاء المبيع ممّا أقبضه البائع فالبيع الواقع عليه يتّصف بالصحة لتمامية شرطه ، أو أنه محكوم بعدم الخيار لارتفاع شرط الخيار فيه وهو عدم إقباضه إلى ثلاثة أيام ، وأمّا البعض الآخر الذي لم يقع عليه الاقباض فشرط صحة البيع فيه مختل أو هو محكوم بالخيار لعدم إقباضه خلال ثلاثة أيام ، كما نلتزم بذلك في بيع الصرف فإنه إذا قبض بعض الثمن دون بعضه الآخر فالصرف يصح في البعض المقبوض ويبطل في غير المقبوض  ، والوجه في ذلك ظاهر فإنّ البيع إنّما كان واحداً بالانشاء إلاّ أنه متعدّد بحسب المنشأ والاعتبار النفساني ، ففي الواقع هناك بيعان وشرط الخيار في أحدهما موجود وفي الآخر مرتفع ، وعليه فلابدّ من الالتزام بثبوت الخيار للبائع في الجزء غير المقبوض وعدم الخيار فيما أقبضه منه .

ونظير المقام ما إذا ظهر بعض أجزاء المبيع مستحقاً للغير أو ممّا لا يملك كالخمر والخنزير فإنّ البيع في ملكه وبالاضافة إلى ما يملكه صحيح دون ما لا يستحقه أو لا يتملّك أصلا كالخنزير .

ونظيره أيضاً ما إذا باع الفضولي ملك غيره ثم أجازه المالك في بعضه دون بعضه ، أو كان له مالكان أجازه أحدهما وردّه الآخر ، وله غير ذلك نظائر كثيرة هذا .

ثمّ على تقدير عدم تمامية الانحلال والقول بأنّ البيع أمر واحد ولو عرفاً فالصحيح من تلك الوجوه المحتملة هو ثبوت الخيار ، لأنّ الرواية علّقته على عدم إقباض المبيع ، والمفروض عدم إقباضه لأنّ إقباض بعض أجزائه لا يصحح إسناد الاقباض إلى الجميع ، فلا محالة يترتّب عليه الخيار ، ولا وجه في هذه الصورة

ــ[16]ــ

لاحتمال عدم الخيار أبداً ، هذا كلّه في هذا الشرط .

ومنها : أي من شروط ثبوت خيار التأخير :

الشرط الثاني : عدم قبض مجموع الثمن

وقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ اشتراط عدم قبض جميع الثمن مجمع عليه بين الأصحاب ، فلا اعتبار بقبض بعض الثمن وكأنّه كلا قبض عندهم ، ثم أيّد ذلك بفهم أبي بكر القاضي الراوي لتلك الرواية حيث إنه فهم منها عدم ثبوت الخيار فيما إذا ردّ المشتري جميع الثمن ، فلذا حكم فيما أقبضه بعضه بثبوت الخيار للبائع ، وإليك نص حكايته في رواية ابن الحجاج قال « اشتريت محملا وأعطيت بعض الثمن وتركته عند صاحبه ـ أي صاحب المحمل ـ ثم احتبست أياماً ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذه ، فقال : قد بعته ، فضحكت ثم قلت : لا والله لا أدعك أو اُقاضيك ، فقال لي ترضى بأبي بكر بن عياش ؟ قلت : نعم ، فأتيناه فقصصنا عليه قصّتنا ، فقال أبو بكر : بقول من تحبّ أن أقضي بينكما ؟ أبقول صاحبك أو غيره ؟ قلت بقول صاحبي ، قال : سمعته يقول من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلاّ فلا بيع له »(2). فقد حكم بثبوت الخيار للبائع مع فرض أنّ المشتري قد دفعه بعض الثمن كما هو مفروض الحديث ، ثم نقل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أنّ بعضهم استدل بتلك الرواية على أنّ قبض بعض الثمن كلا قبض (لا أنه جعلها مؤيّداً كما صنعه هو (قدّس سرّه)) ثم أورد عليه بقوله : فيه نظر ، هذا .

والانصاف أنه إن تم إجماع في المقام على اعتبار قبض مجموع الثمن فلا كلام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 222 .

(2) الوسائل 18 : 21 / أبواب الخيار ب9 ح2 .

ــ[17]ــ

إلاّ أنّ انعقاده وكونه تعبّدياً في غاية الاشكال ، ولعلّه من جهة الروايات كما حكى هو (قدّس سرّه) أنّ بعضهم قد استدل عليه بالرواية المتقدّمة .

وأمّا إذا لم يتم إجماع تعبّدي في المقام فالحق هو التفصيل بالخيار في المقدار الباقي من الثمن وعدمه في المقبوض منه ، لأجل انحلال البيع الواحد إنشاءً إلى بيوع متعدّدة ومنشآت عديدة . ثمّ على تقدير عدم القول بالانحلال فلابدّ من الالتزام بثبوت الخيار ما لم يقبض الجميع من جهة دلالة الرواية على ثبوت الخيار للبائع فيما إذا لم يأت المشتري بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام ، ومن الظاهر أنّ دفع بعض الثمن ليس دفعاً للثمن ، فيصدق عليه أنه لم يأت بالثمن خلال ثلاثة أيام ، فاحتمال عدم الخيار ممّا لا وجه له في المقام ، وكيف كان هذا هو المدرك في المسألة .

وأمّا فهم أبي بكر بن عياش فهو على تقدير كونه ثقة لا دليل على حجية فهمه بالاضافة إلى غيره فضلا عمّا إذا لم يكن كذلك كما لم يكن ، نعم لو كان هذا حكم الإمام (عليه السلام) بأن فرضنا أنه حكم بثبوت الخيار في مورد مع فرض قبض بعض الثمن لكان معتبراً قطعاً ، إلاّ أنه من الراوي كما عرفت ، فلا يمكن جعل فهم أبي بكر مؤيّداً فضلا عن الدليل .

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ من شرائط الخيار أو البطلان عدم قبض البائع الثمن من المشتري ، وهذا فيما إذا كان قبض الثمن عن حق واختيار ممّا لا إشكال فيه لأنه يوجب لزوم البيع أو صحته ، وأمّا إذا كان قبضه بلا إذن من المشتري كالأخذ منه إكراهاً أو خفية فهل هو كسابقه يرفع الخيار أو البطلان ، أو أنه كلا قبض والبائع على الخيار ، أو المعاملة باطلة ؟ فيه خلاف ، وربما يقال بأنّ القبض حينئذ كلا قبض ، لأنّ القبض في الروايات الواردة في المقام منصرف إلى القبض المتعارف خارجاً وهو خصوص القبض الصادر عن رضا المشتري واختياره ، فلا تشمل الأخبار القبض عن كره أو خفية لعدم تعارفهما عند العرف.

ــ[18]ــ

والصحيح أن يقال : إنّ القبض فيما إذا كان من الآثار المترتّبة على المعاملة شرعاً فهو يوجب رفع الخيار والبطلان ، سواء صدر عن إذن المشتري أم لا ، كان باختياره أم لم يكن ، وأمّا إذا لم يكن من آثار المعاملة شرعاً فهو كلا قبض ولا يترتّب عليه رفع الخيار وتوضيحه : أنّ قبض الثمن من المشتري إنما يجوز شرعاً فيما إذا ردّ إليه المبيع أو مكّنه من أخذه ، وحينئذ فيجوز للبائع قبضه منه ومطالبته به وفي هذه الصورة يكون القبض من الآثار الشرعية المترتّبة على البيع ، وهذا بخلاف ما إذا لم يمكّن المشتري من قبض المبيع ، فإنّ البائع حينئذ لا يتمكّن من مطالبة المشتري بقبض الثمن ، لأنّه مشروط بتمكين المشتري من المثمن .

فإذا عرفت ذلك فنقول : إذا قبض البائع الثمن من المشتري بلا إذنه أو اختياره ولكنه مكّنه من قبض المبيع قبل ذلك ، فلا يمنع عدم إذن المشتري حينئذ عن تأثير القبض في رفع الخيار أو في صحة المعاملة ، لأنّ القبض حينئذ حقّه أي من الآثار المترتّبة على المعاملة شرعاً ، وأمّا إذا قبضه بلا إذن المشتري من دون تمكين المشتري من قبض المبيع فهو تصرّف محرّم ولا يترتّب عليه أثر لأنه ليس بحقّه وليس من آثار المعاملة ، فلا يوجب هذا ارتفاع الخيار أو صحة المعاملة ، ولعلّه ظاهر .

فالمتلخّص : هو التفصيل في القبض بلا إذن المشتري وأنّ القبض بلا إذن منه إذا كان من آثار المعاملة شرعاً يترتّب عليه ارتفاع الخيار كما أنه إذا لم يكن من آثارها فلا يترتّب شيء لأنّه كلا قبض ، هذا .

ثم إنّه إذا قبض البائع الثمن بلا إذن المشتري ثم أجازه المشتري ورضي به قبل ثلاثة أيام فهو ولا كلام فيه ، وأمّا إذا أجازه ورضي به بعد انتهاء ثلاثة أيام فيقع الكلام فيه في أنّ الاجازة كاشفة وأنّها تكشف عن رضا المشتري بالقبض من حين صدوره قبل انقضاء ثلاثة أيام حتى يحكم بعدم الخيار ، أو بعدم البطلان لتحقق

ــ[19]ــ

القبض الرافع للخيار ، أو أنها ناقلة وإنما تقتضي اتّصاف القبض بالرضا من حين إجازة المشتري ، فلم يحصل القبض الرافع للخيار أو البطلان قبل ثلاثة أيام فلا محالة تكون المعاملة جائزة أو باطلة ؟

فربما يقال : بابتناء المسألة على الخلاف المتقدّم في الفضولي وأنه إذا قلنا بالكشف هناك فنقول به في المقام كما أنه إذا قلنا فيه بالنقل فلابدّ من الالتزام بالنقل في هذه المسألة أيضاً .

والظاهر أنّ المسألة غير مبتنية على الخلاف المزبور ومن هنا ذهب شيخنا الأنصاري(1) في المقام إلى النقل مع أنه بنى في مسألة الفضولي على الكشف الحكمي ، والوجه فيما ذكرناه أنّ الاُمور الاعتبارية تابعة للاعتبار فيمكن أن يعتبر الانسان الملكية المتأخّرة لزيد كما ذكرناه في الوصية ، كما له أن يعتبر الملكية له في زمان سابق على زمان الاعتبار ، ولأجل ذلك قلنا لا مانع من أن يبيع الانسان داره قبل سنة من زمان بيعه ، بأن يعتبر المشتري مالكاً لداره من قبل سنة فتترتّب عليه آثار ملكية المشتري ، إلاّ أنّا منعنا عن صحة ذلك من أجل أنه على خلاف المرتكز عند العامة وأمر غير متعارف عندهم فلا يشمله العمومات ، وأمّا من حيث صحة الاعتبار فقد عرفت أنّها ممّا لا كلام فيه ، هذا كلّه في الاُمور الاعتبارية لأنّ اختيارها بيد معتبرها .

وأمّا الاُمور التكوينية فلا يعقل فيها ذلك ، مثلا إذا صدر القبض من غير رضا المشتري ثم بعد مدة رضي به وأجازه فلا يعقل أن يكون ذلك موجباً لانقلاب القبض الصادر من غير رضا المشتري إلى القبض الصادر عن رضاه ، فإنّ إجازته ورضاه إنّما تؤثّران في جعل القبض متّصفاً بالرضا من حين الرضا والاجازة لا من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 223 .

ــ[20]ــ

السابق ، لأنّه وقع بغير رضا حسب الفرض .

ونظير ذلك ما إذا صلّى أحد في لباس غيره بلا إذنه ثم رضي به مالكه بعد الصلاة فإنّ هذه الاجازة لا يقلب الصلاة الواقعة فيه من كونها بلا رضا إلى كونها صادرة مع رضا مالك اللباس .

وعليه فلا محيص في المقام من الالتزام بالنقل وإن التزمنا في البيع الفضولي بالكشف الحكمي بمعنى اعتبار الملكية للمشتري من زمان العقد حين الاجازة والرضا ولعلّه ظاهر ، هذا كلّه فيما إذا قبض البائع الثمن بلا إذن المشتري ثم أجازه المشتري بعد ثلاثة أيام وقد عرفت أنها مورد الكلام من حيث إنّها كاشفة أو ناقلة  .

فهل يأتي هذا النزاع فيما إذا قبض المشتري المبيع بلا إذن البائع ثم أجازه البائع بعد ثلاثة أيام أو لا يأتي فيها نزاع الكشف والنقل ؟ لا مانع من جريانه بناءً على ما سلكناه من بطلان البيع بعد ثلاثة أيام فيما إذا لم يقبض البائع المبيع ولا قبض الثمن من المشتري ، فإنه يتكلّم حينئذ في أنّ إجازة البائع بعد ثلاثة أيام هل تكشف عن صدور قبض المبيع عن رضا وإجازة أو أنها ناقلة وتدل على اتّصافه بالرضا من حين الاجازة ، فعلى الأول يحكم بصحة المعاملة كما على الثاني يحكم ببطلانها لعدم حصول شيء من الاقباض والقبض قبل ثلاثة أيام .

وأمّا بناءً على صحة المعاملة وكونهما شرطاً في حصول الخيار كما عليه المعروف والمشهور فلا ثمرة في نزاع الكشف والنقل ، وذلك لأنّ إجازة البائع على كلا التقديرين ترفع الخيار ، أمّا بناءً على الكشف واعتبار كونها واقعة قبل انقضاء ثلاثة أيام فظاهر ، لأنّه حينئذ قد أقبض البيع قبل الثلاثة فلا خيار له لانتفاء أحد شرطيه ، وأمّا بناءً على النقل واعتبار أنّها وقعت بعد ثلاثة أيام فلأنّها إسقاط لخياره حيث إنّ الخيار للبائع وإجازته القبض معناها رضاه بالقبض بعنوان

  
 

ــ[21]ــ

المعاملة والبيع وهو معنى الاسقاط ، ولعلّه لذلك لم يتعرّض لهذا الخلاف شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في طرف البائع وإنّما تعرّض له في طرف المشتري ، إذ ليس له خيار فتختلف الآثار بالاضافة إليه بناءً على الكشف والنقل ، هذا .

ومن الغريب ما صدر عن بعض أجلاّء المحشين(1) حيث ذكر أنّ النزاع في الكشف والنقل لا يترتّب عليه أثر (أي في طرف المشتري) وعلّله بما علّلنا به عدم جريان النزاع في طرف البائع من أنّها على تقدير وقوعها قبل الثلاثة توجب ارتفاع الخيار لارتفاع شرطه ، وعلى تقدير وقوعها بعد الثلاثة أيضاً ترفع الخيار لأنّها إسقاط له .

وهذا اشتباه ظاهر ، لأنّ المشتري ليس له الخيار حتى تكون إجازته قبض البائع بعد ثلاثة أيام مسقطة لخياره بخلاف العكس كما مرّ .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الايرواني) 3 : 188 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net