دفع الإشكال الوارد في المقام - معنى أصل السلامة في المبيع 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الرابع : الخيارات-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4634


ــ[124]ــ

الكلام في خيار العيب

لا إشكال عند الأصحاب في صحة البيع مع الجهل بصحة المبيع وعيبه ، وأنه إذا ظهر معيباً يثبت له الخيار بين أي يمضي العقد بلا شيء ، أو يفسخه كذلك ، أو يمضي المعاملة مع أخذ الأرش ومقدار التفاوت بين الصحيح والفاسد .

وربما يستشكل في المقام بأنّ ثبوت الخيار في معاملة فرع صحّتها ، والمعاملة مع الجهل بوصف الصحة والفساد باطلة لأنّها غررية ، إذ الصحة أولى من سائر الأوصاف الموجبة لرغبة الناس وباختلافها تختلف الرغبات ، مع أنّ الجهالة بتلك الأوصاف توجب البطلان والغرر فكيف بالجهل بما هو أولى من الأوصاف المذكورة  ، وعليه فالمعاملة باطلة من أصلها ومعه كيف يثبت الخيار .

وقد تصدّى شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) للجواب عن هذا الإشكال بما حاصله : أنّ وصف الصحة وإن كان ممّا يختلف باختلافه الرغبات والجهالة بمثله توجب الغرر والبطلان ، إلاّ أنّ هذا كلّه إنّما هو فيما لم يكن في البين أمر يحرز به الصحة في المعاملات ، وفي المقام أصالة السلامة عن العيوب أصل يحرز به صحة المبيع ، وبه يرتفع الغرر فيحكم بالصحة ثم يثبت الخيار على تقدير ظهور العيب ، هذا .

ولم يعلم أنّ هذه الأصالة أيّ أصل في المقام ، فإن أراد (قدّس سرّه) منها كون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 271 .

ــ[125]ــ

الشيء في طبعه صحيحاً بمعنى أنّ مقتضى الطبيعة هو الصحة في جميع الأشياء وعروض الفساد إنّما هو لأجل قاسر خارجي ، ولا ينافي ذلك كثرة الفاسد والمعيب في الخارج فإنه لأجل عارض خارجي مع كون طبع الشيء مقتضياً للصحة كما يقال الأصل في الأجسام أن تكون كروية لتساوي نسبة الجسم إلى الفضاء من جميع الجهات ، أي من اليمين والشمال واليسار والجنوب والفوق والتحت ، وهذا لا ينافي كون أكثر الأجسام غير كروية في الخارج لأنّه لأجل قاسر خارجي .

فيندفع بأنّ كون الشيء مقتضياً للصحة في طبعه مع عروض الفساد عليه في الخارج بكثير لا يرفع الغرر ، لأنّ البائع بعدُ جاهل بصحة الثمن وعيبه ، والمشتري جاهل بصحة المبيع وفساده ولو لأجل قاسر خارجي .

وإن أراد (قدّس سرّه) منها غلبة أفراد الصحيح في الخارج وقلّة المعيب وأنّ الظنّ يلحق الشيء بالأعم الأغلب .

ففيه أوّلا : منع الغلبة ، لأنّ أكثر الأشياء في الخارج معيب ، أو أنّ الصحيح ليس بأكثر من المعيب .

وثانياً : افرض أنّ الصحيح أكثر وأنّ الغلبة توجب الظنّ بأنّ المبيع من الغالب  ، إلاّ أنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً وهو لا يوجب رفع الغرر ما دام لم يطمئن بالصحة .

والظاهر أنّ هذا الإشكال لا مدفع له على مسلك شيخنا الأنصاري ومن تبعه من عدم ارتفاع الغرر بالخيار المجعول للمتبايعين ، وعليه فالأمر يدور بين أن يقال بقيام الاجماع التعبّدي على صحة المعاملة ولو مع الجهل بوصف الصحّة ، وأنه مخصّص لدليل الغرر في خصوص وصف الصحة ، فالمعاملة مع كونها غررية صحيحة للاجماع وهو بعيد ، وبين أن يقال بفساد أكثر المعاملات وأغلبها لأجل جهل البائع بصحة الثمن وجهل المشتري بصحة المثمن إلاّ في فروض نادرة كما إذا

ــ[126]ــ

كان البائع والمشتري من أهل الخبرة والإطّلاع وعالمين بصحة المبيع والثمن والالتزام بذلك أبعد .

وأمّا على ما سلكناه من أنّ الغرر يرتفع بجعل المتبايعين الخيار في المعاملة فصحة المعاملات أظهر وثبوت الخيار عند ظهور العيب أوضح بلا حاجة إلى رواية  ، والوجه في ذلك أنّ المتعاملين عند تبديل مالهما يشترطان الصحة اشتراطاً ارتكازياً عند العقلاء بلا اختصاص بأهل الأديان بل الطبيعيون أيضاً كذلك ، ومع ارتكاز هذا الاشتراط لا يحتاج إلى التصريح به في ضمن العقد ، بل إذا ظهر المبيع أو الثمن معيباً يثبت له الخيار كما ذكرناه في خيار الغبن وأنّ العقلاء يشترطون التساوي بحسب القيمة بين العوضين اشتراطاً ارتكازياً ، وعند ظهور الغبن أو العيب يثبت خيار تخلّف الشرط ، فما دام لم يتبرّأ البائع أو المشتري عن العيوب فالمعاملة مشروطة بالصحة اشتراطاً ضمنياً ، نعم إذا صرّح بالتبرّي عن العيوب فمعناه إسقاط هذا الشرط والخيار ، وعليه فنلتزم بالخيار ولو مع قطع النظر عن الأخبار .

نعم ، الروايات إنّما زادت الأرش فإنه على خلاف القاعدة ، ولذا منعنا عن ثبوته في سائر موارد خيار تخلّف الشرط ، وتلك الأخبار الدالّة على ثبوت الأرش والخيار مطلقه تشمل ما إذا اشترط الصحة بالصراحة وما إذا اشترطت بالارتكاز والضمن ، وعليه فيرتفع الإشكال في صحة المعاملات لأن جعل الخيار يدفع الغرر فإنه بعد ثبوت الخيار إذا رأى أنّ الوصف موجود ولا ضرر عليه فيمضي ، وإذا رأى أنّ الوصف مفقود والمعاملة ضررية فيفسخ .

نعم ، الخيارات المجعولة الشرعية كخياري المجلس والحيوان لا يدفع الغرر لأنّها إنّما ثبت في معاملة محكومة بالصحة في حدّ نفسها ، بخلاف الخيار المجعول للمتبايعين ، وقد تقدّم أنّ التوصيف يرجع إلى الاشتراط بمعنى جعل الخيار عند عدمه ولا يرجع إلى تقييد المبيع لأنّه غير معقول ، ولا إلى تقييد البيع لأنّ التعليق

ــ[127]ــ

مبطل ، بل لابدّ من إرجاع القيود أعمّ من الوصف والشرط إلى الالتزام بالمعاملة لا إلى نفس البيع ولا إلى المبيع ، وعليه فاشتراط وصف الصحة يوجب رفع الغرر وثبوت الخيار عند تخلّف الشرط ويثبت بالأخبار الأرش أيضاً فيندفع الإشكال حينئذ .

إلاّ أنه على ما ذكرناه من ثبوت خيار تخلّف الشرط لا يبقى للبحث الآتي مجال ، وهو أنه إذا اشترط الصحة في المعاملة يثبت له خيار آخر أو لا ، فإنّك عرفت أنّ خيار العيب من أحد أفراد خيار تخلّف الشرط وليس خياراً آخر ، صرّح به في متن العقد أم لم يصرّح به ، لإطلاق الروايات في ثبوت الأرش والخيار عند التصريح بالاشتراط وعدمه . وما رتّبوه على ذلك من أنّ الخيار لو كان من خيار تخلّف الشرط فلا يسقط بالتصرف بخلاف ما إذا كان خياراً آخر ، مندفع بأنّ التصرّف يوجب السقوط حتى فيما إذا كان الخيار من باب تخلّف الشرط ، وذلك لأنّ الإمام (عليه السلام) صرّح بسقوط الخيار بالتصرف في مورد خيار الشرط ، بمعنى أنّ الحكم بسقوطه بالتصرف إنما ثبت في مورد اشتراط وصف الصحة وتخلّفه كما يأتي في رواية يونس(1) فكيف يقال بعدم سقوطه إذا كان بالاشتراط كما يظهر ذلك بالمراجعة إلى الروايات .

ثمّ إنّ دعوى الانصراف إلى الصحة كما ادّعيناها وقلنا بثبوت الارتكاز في اشتراط وصف الصحة إنّما هي في المعاملة المشتملة على المبادلة بين المالين لا في انصراف لفظ المبيع إلى الصحة حتى يورد علينا بأنّ لفظ الحنطة مثلا لو كان منصرفاً إلى الصحيح فلماذا لا تنصرف إليه في سائر الموارد .

أو يورد بما أورده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ لازم ذلك ـ أي لازم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 108 / أبواب أحكام العيوب ب6 ح1 .

ــ[128]ــ

انصراف المبيع إلى الصحيح ـ بطلان المعاملة عند ظهوره معيباً ، لأنّ ما وقع عليه العقد وهو الصحيح غير موجود والموجود لم يقع عليه العقد ، بل المدّعى انصراف المعاملة الواقعة بين المالين عند المبادلة إلى خصوص المالين الصحيحين حتّى لا نلتزم بالانصراف في المعاملات غير المشتملة على المبادلة كما في الهبة ، بل تختص دعوى الانصراف بخصوص المعاملة الواقعة بين المالين بالمبادلة ، فلا وجه للإيراد الأول .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net