شروط صحّة الشرط \ 1 ـ أن يكون الشرط ممّا يقدر عليه المكلّف 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6069


القول في شروط صحّة الشرط

الجهة الثانية : في شروط صحة الشرط التي منها كونه واقعاً في ضمن عقد وأنّ الشروط الابتدائية ممّا لا يجب الوفاء به على ما سيأتي في كلام الشيخ (قدّس سرّه) إن شاء الله تعالى ، ومنها غير ذلك على ما سيظهر .

الشرط الأوّل

أنّهم ذهبوا إلى اشتراط كون الشرط ممّا يقدر عليه المكلّف ، وأنّ الشرط الخارج عن قدرة المشروط عليه فاسد ، وعليه فيدخل في كبرى مسألة أنّ الشرط

ــ[12]ــ

الفاسد مفسد أو لا كما سيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى ، وقد مثّلوا لذلك بالمثال المعروف أعني اشتراط جعل الزرع سنبلا أو البُسر رطباً أو تمراً لأنّهما أمران خارجان عن قدرة المشروط عليه وهما من أفعال الله تعالى . ومثّلوا أيضاً باشتراط بيع شيء من ثالث لأنّ بيعه منه يحتاج إلى إيجاب وقبول وهو من أفعال ذلك الثالث وليس داخلا تحت قدرة المشروط عليه . ومثّلوا ثالثاً باشتراط كون امرأة زوجة لأحدهما أو كون الزوجة مطلّقة أو غيرهما من الاُمور التي لها أسباب خاصة ولا تتحقّق بمجرد الاشتراط لأنها كذلك خارجة عن تحت قدرة المشروط عليه .

ثم إنّهم استدلّوا على اشتراط القدرة في الشروط بوجوه :

فأوّلا : استدلّوا بأنّ اشتراط أمر غير مقدور أمر غرري ، لأنه أمر قد يكون وقد لا يكون والمعاملة المشتملة على الغرر باطلة .

وثانياً : بأنّ الأمر الخارج عن الاختيار ممّا لا يقدر على تسليمه إلى المشروط له والقدرة على تسليم الشرط شرط في صحة العقد .

وثالثاً : بالاجماع وأنّهم اتّفقوا على لزوم كون الشرط أمراً مقدوراً للمشروط عليه وأنّ اشتراط شيء خارج عن قدرته فاسد .

ورابعاً : بأنّ الشرط لابدّ من أن يكون مملوكاً للمشروط عليه كملكه للعوض أو المعوّض ، لأنّ البيع مع الشرط تسليط للطرف على العوض والشرط وتمليك له فكما لا يعقل تمليك أحد العوضين إلاّ فيما إذا كان مملوكاً له وتحت سلطانه فكذلك الحال في الشرط ، فما دام لم يكن داخلا تحت سلطنته وملكه لا يعقل أن يملّكه للغير ويسلّط الغير عليه ، ومن البديهي أنّ الأمر الخارج عن قدرة المشروط عليه ممّا لا يدخل تحت سلطنته وملكه ومعه كيف يمكنه تسليط الغير عليه ، بل هذا ربما ينافي الفلسفة أيضاً لأنّ فاقد الشيء لا يعقل أن يكون معطياً له ، فمع عدم سلطنة المشروط عليه على الشرط كيف يسلّط الغير عليه وهل هذا إلاّ من قبيل وهب الأمير ما لا

ــ[13]ــ

يملكه ، وهذا هو الذي اعتمد عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1).

والذي ينبغي أن يقال(2) في المقام : هو أنّ الشرط تارةً يكون من قبيل شرط الأفعال التي هي تحت قدرة المكلّف واختياره ، وقد عرفت أنّ معنى الشرط فيها أمران : أحدهما التزام المشروط عليه بالشرط . وثانيهما خيار المشروط له على تقدير عدم تحقّق الشرط في الخارج ، وهذا ممّا لا إشكال فيه .

واُخرى يكون الشرط من قبيل شرط الأفعال الخارجة عن تحت قدرة المشروط عليه أعني ما يكون فعل الغير وهذا كاشتراط بيع الثالث مثلا كما إذا اشترى داراً واشترط في ضمنه بيع الجار داره منه ، أو اشترى حصة أحد الشريكين في مال واشترط عليه البائع بيع شريكه حصّته أيضاً بأن باعه حصّته على تقدير أن يبيع شريكه أيضاً حصته ، أو اشترى زرعاً واشترط عليه أن يجعل الله زرعه سنبلا وهكذا ، فإنّ تلك الشروط كلّها من أفعال الغير وهي خارجة عن تحت اختيار المشروط عليه .

وفي هذه الصورة لا معنى للشرط بالمعنى الأول أعني تعليق أصل المعاملة على التزام المشتري مثلا بالشروط ، وذلك لأنّ العاقل الملتفت الشاعر لا يلتزم بأمر غير مقدور ، كما لا يعقل التزامه أيضاً فإنّ الالتزام بنفسه يقتضي أن يكون متعلّقه أمراً مقدوراً وفي غير المقدور لا يتحقّق حقيقة الالتزام ، إذ أيّ معنى للالتزام بما لا يدخل تحت قدرته .

نعم يمكن أن يشترط شيئاً بمعنى أن يلتزم به بحسبان أنه مقدور ولكنّه بحسب الواقع لا يكون مقدوراً له كما إذا التزم بزيارة الحسين (عليه السلام) ماشياً أو حافياً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 192 .

(2) ستأتي إعادة هذا المطلب بتغيير يسير في الصفحة 16 .

ــ[14]ــ

وقد مرض في الطريق أو مات أو نحوهما ، وهذا داخل في مسألة تعذّر الشرط وسيأتي فيه الكلام إن شاء الله تعالى ، ولا أظن أن يلتزم أحد فيه بالبطلان بدعوى أنّ عجزه عنه يكشف عن بطلانه ، لأنه يكشف عن عدم قدرته عليه من الابتداء . فالشرط بالمعنى الأول أعني الالتزام غير معقول في الاُمور الخارجة عن الاختيار .

وأمّا الشرط بالمعنى الثاني أعني جعل الخيار على تقدير عدم تحقّق الأمر غير الاختياري في الخارج أي تعليق الالتزام بالمعاملة على تحقّق الشرط في الخارج فالظاهر أنه أمر سائغ صحيح ولا أرى مانعاً منه بوجه .

وأمّا الوجوه الأربعة التي استدلّوا بها على بطلان الشرط فيما إذا كان خارجاً عن الاختيار فشيء منها لا يأتي في المقام ، أعني الشرط بمعنى الخيار دون التزام المشروط عليه .

أمّا الاجماع ، فلأنّا لا نظن بتحقّقه فضلا عن القطع به سيّما مع استدلالهم عليه بتلك الوجوه الثلاثة ومعه لا يبقى اطمئنان بكون الاجماع تعبّدياً . مضافاً إلى أنّ المسألة خلافية وكفى في ذلك ما ذكره الشيخ(1) والقاضي(2) (قدّس سرهما) من الحكم بلزوم العقد مع تحقّق الشرط وثبوت الخيار للمشروط له إذا لم يتحقّق في أمثال المقام كما إذا باع أمة أو حيواناً واشترط عليه أن تحمل في المستقبل فإنّهما ذهبا في مثله إلى لزوم المعاملة مع تحقّق الحمل، وثبوت الخيار للمشروط له فيما إذا لم تحمل الأمة أو الحيوان في المستقبل على ما نسبه إليهما شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) وهذا عين ما ندّعيه في المقام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 2 : 156 .

(2) جواهر الفقه : 60 المسألة 220 .

(3) المكاسب 6 : 18 .

ــ[15]ــ

وأمّا مسألة الغرر فتندفع أوّلا : بأنّا نفرض الكلام فيما إذا اطمأنّ المتبايعان على حصول الشرط أعني فعل الغير أو عدمه بحيث لم يبق لهما تردّد في ذلك ، إذ مع الاطمئنان لا معنى للغرر .

وثانياً : لا معنى للغرر في أمثال المقام ، لأنّا كما فسّرناه في محلّه بمعنى احتمال الخطر وذهاب ماله بلا عوض ، ومع جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحقّق الشرط لا يحتمل خطراً ولا يحتمل أن يذهب ماله هدراً ، لأنه إن كان واجداً لما اشترطه أخذه ، وإن كان فاقداً له فله أن يفسخ المعاملة فأين هناك احتمال الخطر .

وثالثاً : أنّ اشتراط فعل غير مقدور في المعاملة كما في المقام إذا كان غررياً موجباً للبطلان فما الفارق حينئذ بين اشتراط فعل غير مقدور واشتراط صفة خارجة عن الاختيار ككون العبد كاتباً ونحوه ، فإنّ احتمال التخلّف موجود في كليهما ولماذا التزموا بالصحة في اشتراط الوصف غير الاختياري دون المقام الذي هو من اشتراط الفعل الخارج عن الاختيار ، وقد فرّق شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بينهما تارةً بالاجماع وأنه انعقد على صحة المعاملة الغررية فيما إذا نشأت من اشتراط صفة غير اختيارية . وهذا هو الذي ذكرنا أنّا لا نظنّ بتحقّقه فضلا عن القطع به وما معنى الاجماع على صحة المعاملة الغررية في مورد .

واُخرى فرّق بينهما بالبناء وأنّ المتعاملين عند اشتراط الوصف الخارج عن الاختيار قد بنيا على وجود الوصف في المبيع دون المقام ، ولعمري هذا من أعجب الكلام ، فإنّ الغرر بمعنى الخطر الخارجي وليس هو من الأفعال القلبية حتّى يرتفع بالبناء القلبي على وجود الوصف فإنّ البناء لا يمنع عن الخطر الخارجي ، وليت شعري أنّ البناء القلبي لو كان دافعاً للغرر ومصحّحاً للمعاملة فلماذا لا يلتزم به في اشتراط الفعل الخارج عن الاختيار أيضاً فيبني المتعاملان على تحقّق الفعل من الغير  ، بل لو تم هذا لما يبقى في البين معاملة غررية بل ندفع الغرر فيها بالبناء .

ــ[16]ــ

وبالجملة ذكروا في المقام وجوهاً غير الوجهين المذكورين لا استحسن التعرّض لها .

وأمّا مسألة القدرة على تسليم الشرط ، ففيه : أنّ القدرة على التسليم في الشرط إنما يعتبر فيما إذا كان الشرط ممّا لابدّ من تسليمه إلى المشروط له ، وهذا إنما يتحقّق في الشرط بمعنى الالتزام بشيء ، وقد عرفت أنّ نفس الالتزام يقتضي القدرة على متعلّقه ، وأمّا الشرط بمعنى جعل الخيار على تقدير عدم تحقّق الشرط في الخارج فلا دليل على اعتبار القدرة على الشرط حينئذ ، فهب أنّ الشرط غير مقدور ولا يتمكّن المشتري من تسليمه فإنّ غاية ذلك أن يثبت الخيار للمشروط له ولا وجه لبطلانه ولا دليل عليه .

ومن ذلك يظهر الإشكال في الوجه الذي ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1)من أنّ الشرط لابدّ من أن يكون مملوكاً للمشروط عليه حتى يملكه الغير ويسلّط الغير عليه ، والوجه في الظهور أنّ ما أفاده إنما يتم في الشرط بمعنى الالتزام ، لأنه الذي يستلزم القدرة على متعلّقه ، وأمّا الشرط بمعنى جعل الخيار على تقدير عدم تحقّق الشرط في الخارج فلا وجه لاعتبار كونه تحت اختيار المشتري ، إذ غاية ما يترتّب على عدم تحقّق الشرط في الخارج هو ثبوت الخيار للمشروط له ولا دليل على اعتبار القدرة على الشرط حينئذ ، فلا نرى مانعاً من صحة الاشتراط بمعنى جعل الخيار فيما إذا كان الشرط من قبيل شرط الأفعال الخارجة عن اختيار المكلّف  .

إعادة اجمالية بتغيير يسير

إلى هنا قرّرنا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) أوّلا ثم إنه كرّره بتغيير يسير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 192 .

ــ[17]ــ

وملخّص ما أفاده في المرّة الثانية : هو أنّ الشرط تارةً يكون فعل نفس المشروط عليه واُخرى يكون الشرط فعل الغير وثالثة يكون صفة .

أمّا إذا كان الشرط فعل نفسه فقد عرفت أنّ العاقل لا يلتزم بفعل غير مقدور له ، ولا معنى لالتزامه بطيران الهواء أو الجمع بين النقيضين ونحوهما من المحالات فإنّ الالتزام يقتضي القدرة على متعلّقه ، فالشرط إذا كان فعل نفسه ولم يكن مقدوراً له فهو باطل ولو كان عدم المقدورية قياسية أي بالاضافة إلى شخص المشروط عليه .

نعم قد يتّفق أنّ العاقل يشترط فعل نفسه أي يلتزم به بتخيّل أنه مقدور له ثم يظهر عدم قدرته له كما إذا التزمت المرأة بالصلاة في يوم كذا فحاضت أو التزم بفعل مقدور له ولأجل سعة الوقت أخّره إلى زمان ثم طرأ عليه مانع منعه عن الفعل وهذه الصورة داخلة في مسألة تعذّر الشرط وسيأتي في آخر بحث الشروط إن شاء الله تعالى ، ولا أظن أحداً يفتي ببطلان الاشتراط حينئذ ، لأنّ المفروض أنه كان متمكّناً منه وقد التزم به فالشرط تامّ ولكنّه لمّا لم يتمكّن من إيجاده في الخارج فلا محالة يثبت للمشروط له الخيار .

وأمّا إذا كشف عدم قدرته عليه بعد الالتزام عن عدم قدرته له من الابتداء وأنه قد التزم بأمر غير مقدور له ، فإن كان مدرك اعتبار القدرة في الشروط هو لزوم الغرر عند عدم كونها اختيارية فالشرط المذكور صحيح لعدم تأتّي الغرر في المقام ، إذ المفروض أنّهما كانا واثقين بتحقّق العمل من المشروط عليه فلا غرر في البين .

وأمّا إذا كان مدركه اعتبار القدرة على التسليم أو ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) من اعتبار كون الشرط مملوكاً للمشروط عليه ، لأنّ قبوله تسليط للمشروط له على الشرط والتسليط فرع التسلّط ، فالشرط المذكور باطل ، لأنّ

ــ[18]ــ

المفروض أنّ المشروط عليه لم يكن قادراً على الشرط ولم يكن مسلّطاً عليه فيبطل هذا كلّه إذا كان الشرط فعل نفس المشروط عليه .

وأمّا إذا كان الشرط فعل شخص آخر ولو كان هو الله سبحانه كاشتراط جعل الزرع سنبلا أو البسر رطباً أو نزول المطر في اسبوع معيّن فإنها كلّها من أفعال الله تعالى وربما يتّفق ذلك فترى أنه يبيع الحنطة بقيمة رخيصة بشرط نزول المطر في أيام معيّنة ، فقد عرفت أنه لا دليل على بطلان هذا الاشتراط ولا وجه لاعتبار القدرة عليه حينئذ بل يثبت له الخيار على تقدير عدم تحقّقه .

أمّا الاجماع فلعدم كشفه عن رأي الإمام (عليه السلام) لاحتمال استنادهم إلى الوجوه المتقدّمة ، ولعدم تحقّقه في نفسه لمخالفة مثل الشيخ والقاضي والعلاّمة في الفرع الآتي .

وأمّا الغرر فقد عرفت منعه وأنه على تقدير تحقّقه لا يفرق بين المقام وبين اشتراط وصف غير اختياري في المبيع مع أنهم يلتزمون بصحة الشرط في الثاني . ودعوى أنه من جهة البناء على تحقّق الوصف قد عرفت اندفاعها وأنه لا معنى للبناء على أمر غير واقع وأيّ أثر لهذا البناء القلبي بل هو تشريع في الموضوعات الخارجية لأنه عبارة عن الالتزام على خلاف الواقع ، وقد حكى الاُستاذ (دام ظلّه) أنه رأى في كتاب أنّ من التشريع الالتزام بأنّ النواة نبات .

وأمّا دعوى اعتبار القدرة أو الملكية في الشرط فهي ممّا لا دليل عليه ، وعليه فاشتراط فعل الغير في المستقبل سائغ ونافذ ومرتّب على عدمه الخيار ، فلا مانع من اشتراط كون الدابة أو الأمة تحمل في المستقبل أو تلد ذكراً ، بل الظاهر أنّ اشتراط فعل الغير وجعل الخيار على أمر غير اختياري من الواضحات ، وقد تكرّر منهم في تضاعيف الكتاب أنه إذا باع واشترط الخيار على تقدير غير اختياري كطلوع الشمس وقدوم الحاج ونزول المطر يقع صحيحاً وإنما وقع مورداً للإشكال في المقام .

ــ[19]ــ

ومن مصاديق هذه الكبرى ما إذا باع واشترط عليه البيع من ثالث ، لأنّ البيع المركّب من إيجاب وقبول وإن كان أمراً غير اختياري للمشروط عليه ، لأنّ القبول فعل الغير إلاّ أنه لا مانع من اشتراطه وجعل الخيار على تقدير عدم تحقّقه ، ومن هنا أفتى العلاّمة (قدّس سرّه)(1) بصحة المعاملة حينئذ وثبوت الخيار للمشروط له على تقدير عدم قبول الثالث ، ومع ذهاب مثل العلاّمة (قدّس سرّه) إلى الصحة والخيار لم يبق لدعوى الاجماع على اشتراط القدرة في صحة الشروط وقع ، وقد عرفت مخالفة الشيخ والقاضي أيضاً في مسألة اشتراط الحمل في الأمة أو الحيوان وهو أيضاً من موهنات دعوى الاجماع .

ثم إنّ العلاّمة (قدّس سرّه) احتمل عدم ثبوت الخيار للمشروط له على تقدير عدم قبول الثالث أيضاً من جهة أنّ معنى اشتراط البيع من ثالث هو بيعه منه على تقدير قبوله لا مطلقاً .

وما أفاده وإن كان متيناً في نفسه إلاّ أنّ المفروض في المقام كون الشرط أمراً خارجاً عن قدرة المشروط عليه ، فلو كان الشرط هو مجرد الايجاب وهو مقدور له فيخرج عن محل الكلام وهو خلف ، هذا كلّه في اشتراط الفعل .

وأمّا إذا كان الشرط وجود وصف في المبيع ويعبّر عنه شرط الصفة فقد اتّضح من تضاعيف الكلام في شرط الأفعال أنه لا مانع من جعل الخيار معلّقاً على شيء وإن كان خارجاً عن الاختيار ، لأنّ معنى الشرط هو ربط شيء بشيء على اختلاف بحسب المرتبطات ، فتارةً يوجب تعليق أصل البيع على التزام المشروط عليه ، وهذا إنما يمكن في موارد صحة الالتزام أعني موارد القدرة على الشرط ، واُخرى يوجب تعليق الالتزام بالمعاملة على تحقّق شيء في الخارج باختيار المشروط عليه أو بغير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 253 .

ــ[20]ــ

اختياره ، وهذا لا يختص بموارد القدرة على الشرط ، وعليه فلا مانع من الالتزام بصحة الشرط في الصفة وأنه يترتّب على عدمها الخيار ، وهذا ظاهر .

وأمّا اشتراط النتيجة أعني الحكم الشرعي كالزوجية أو الطلاق والعتق والملكية بأن اشترط كون امرأة زوجة له أو مطلّقة وهكذا فالظاهر أنه خارج عن محل الكلام ، لأنّ تلك النتيجة إن لم تتوقّف على سبب خاص بل احتاجت إلى مبرز ما كما في الوكالة والتمليك فإنّ الوكالة ليست إلاّ تفويض الأمر إلى الغير مع إبرازه بشيء ، والملكية عبارة عن اعتبار شيء ملكاً لشخص مع إبرازها بمبرز ، فلا ينبغي الإشكال في صحة اشتراطها وثبوتها بنفس هذا الاشتراط والقبول لأنه كاف في مقام الابراز وهو أي الاشتراط مبرز ، فإذا باع شيئاً واشترط كونه وكيلا من قبل المشروط عليه في أمر كذا فقبله فلا محالة يقع الشرط صحيحاً وبه تثبت وكالته .

وأمّا إذا كانت النتيجة متوقّفة على أسباب خاصّة كالزواج والظهار والطلاق لقوله (عليه السلام) « لا يكون الطلاق إلاّ بأن تقول أنتِ طالق على شهود في طهر لم تواقعها فيه » فيبطل اشتراطها ، لأنّ المفروض أنه شرط ثبوتها بلا سبب ، والوجه في بطلانه حينئذ أنه من الشرط المخالف للكتاب والسنّة لتوقّفها على الأسباب شرعاً وهو باطل كما سيأتي، ولذا قلنا إنه خارج عن محل الكلام ، إذ البحث في المقام في اشتراط القدرة على الشرط وبطلان غير المقدور دون الشرط المخالف للكتاب أو السنّة وهذا ظاهر .

بقي الكلام في شيء : وهو أنّ ما ذكرناه من أوّل الكلام إلى هنا إنما كان راجعاً إلى ما إذا اشترط شيئاً على المشروط عليه من فعل نفسه أو فعل غيره بأن كانت المعاملة أو الالتزام بها معلّقاً على فعل المشروط عليه أو فعل غيره بحيث كان طرف الاشتراط هو المشروط عليه أعني أحد المتبايعين ، وأمّا إذا كانت المعاملة أو الالتزام بها مطلقاً ولم يكن المشروط عليه أعني أحد المتبايعين طرفاً للاشتراط

  
 

ــ[21]ــ

بوجه بل هو على حرّيته وإطلاقه وإنما اشترط في ضمن المعاملة أمراً على شخص ثالث كما إذا باع شيئاً من مشتر واشترط في ضمنه على شخص ثالث أن يفعل كذا كما ربما يتّفق ذلك كما سنمثّل إن شاء الله تعالى ، فهذا له صورتان :

فإحداهما : ما إذا لم يكن الثالث المشروط عليه حاضراً في مجلس المعاملة ولم يكن ملتزماً به كما لم يلتزم به ولم يقبله بعد ما سمعه ، ففي هذه الصورة لا يبقى هناك اشتراط أصلا ويبطل لا محالة ، لأنّ معنى الشرط كما مرّ هو ربط شيء بشيء والمفروض أنّ المعاملة لم تكن مربوطة بذلك الشرط بل كانت مطلقة ، والثالث أيضاً لم يربطه على نفسه ولم يلتزم به فأين هناك شرط ، وهذا ظاهر .

والصورة الثانية : ما إذا كان الثالث حاضراً في المجلس وقد التزم بالشرط أيضاً كما إذا اشترى زيد داراً من أحد في قرب دار عمرو واشترط عليه البائع زيارة الأمير مدّة كذا في ضمن المعاملة ولم يقبله زيد وقد قبله عمرو لرغبته في كون زيد جاراً له ، ففي هذه الصورة لا إشكال في تمامية البيع لأنه علّق على التزام الثالث والمفروض أنه حاصل بالفعل ، وإنما الكلام في أنّ الثالث هل يجب عليه العمل بما التزم به بعد ذلك أو لا يجب .

وبعبارة اُخرى : الكلام في المقام من جهتين : إحداهما في ثبوت الخيار للمشروط له البائع على تقدير عدم عمل الثالث بما التزمه على نفسه ، وهذا ممّا لا إشكال في ثبوته كما قدّمناه وهو في الحقيقة خارج عن محل الكلام . وثانيتهما : في أنّ الثالث هل يجب عليه الوفاء بما التزم به لأنّ الشرط في ضمن العقد وهو واجب العمل ، أو أنه لا يكلّف بالوفاء به لأنه من الشرط الابتدائي فإنه غير مربوط بالمعاملة فلا يجب عليه الوفاء به ، وسيأتي تحقيق هذا الكلام في الشرط الثامن عند تعرّض الماتن له إن شاء الله تعالى .

ــ[22]ــ

تتمّة

قد ذكرنا أنّ الشرط إذا كان فعل نفس المشروط عليه فلا يعقل التزامه به فيما إذا التفت إلى عدم تمكّنه منه ، ولكنه يمكن ذلك فيما إذا كان الشارط جاهلا بعدم قدرة المشروط عليه وعدم تمكّنه فباعه شيئاً واشترط عليه الكتابة مثلا ، والمشروط عليه مع علمه بعدم تمكّنه من الكتابة قد التزم بالشرط التزاماً صورياً ، لما عرفت من عدم معقولية الالتزام الحقيقي مع العلم بعدم القدرة على متعلّقه .

ويقع الكلام حينئذ في أنّ المعاملة صحيحة حينئذ أو باطلة وعلى تقدير صحتها يثبت للبائع الخيار أو لا ؟

فنقول : إن كان الشارط قد علّق إقدامه بالبيع على التزام المشروط عليه بالشرط التزاماً حقيقياً واقعياً أي قلبياً فلا ينبغي الإشكال في بطلان المعاملة حينئذ  ، لأنّ المفروض عدم حصول المعلّق عليه ، لعدم معقولية الالتزام الحقيقي من المشروط عليه مع علمه بعدم قدرته ، والمفروض أنّ الشارط إنما اعتبر ملكية خاصة وهي الملكية على تقدير الالتزام الحقيقي من المشروط عليه وهي غير حاصلة لعدم حصول شرطها ، والملكية المطلقة لم يعتبرها على الفرض فالمعاملة باطلة .

وأمّا إذا كان المعلّق عليه في المعاملة هو الالتزام في مقام المعاقدة أعني إبراز الالتزام كما لعلّه الظاهر من الالتزامات المعاملية إذ لا يراد منها الالتزام القلبي فالمعاملة صحيحة ، لأنّ المعلّق عليه حاصل ، إذ المفروض أنّ المشروط عليه قد أبرز التزامه ، نعم لابدّ في ذلك من فرض عدم علم المتبايعين بعدم قدرة المشروط عليه إذ مع علم كليهما بالحال يقع إبراز الالتزام لغواً ، إذ لا أثر لمجرد اللفظ ، ويعتبر في المبرز أن يكون كاشفاً نوعياً عمّا يبرز به وهو إنما يتحقّق في صورة عدم علم البائع بعجز المشروط عليه ، وحينئذ إذا أبرز التزامه بالشرط فلا محالة يكون كاشفاً عن

ــ[23]ــ

واقع الالتزام ، وغاية الأمر أنه لا منكشف لهذا الكاشف وفرضنا أنه المعلّق عليه في المعاملة فيصح البيع ويثبت للبائع الخيار لعدم تحقّق الشرط في الخارج ، هذا ما يرجع إلى تتمّة البحث المتقدّم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net